على أعتاب نظام دولي جديد
تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT
على أعتاب نظام دولي جديد
شهدت بداية الخمسينات، أثناء عهد الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور استراتيجية إزاحة الاستعمار التقليدي والحلول محله.
تفرد أمريكا بالهيمنة، كان حدثاً استثنائياً، وليس له سابقة في التاريخ. فمثل هذا التربع يلغي مبدأ صراع الإرادات، الذي هو قانون إنساني.
كان العصر الذهبي للحياد الإيجابي، قد أخذ مكانه في الفترة التي ترصنت فيها العلاقات الدولية، وقبل تضعضع قوة الاتحاد السوفييتي، وتغول الأحادية القطبية.
كيف سيكون مشهد الخريطة السياسية العربية القادمة؟ هل نتمكن من عبور نفق الأزمة؟ أسئلة صعبة ومحكومة عربياً بصراع الإرادات والوعي والقدرة على الفعل.
الوجود لا يقبل الفراغ. ففي ظل غياب ترصين العلاقات الدولية، وعدم اتفاق الكبار على القسمة، تنتشر الفوضى، وتستباح الأعراض، ويستهان بالكرامة الإنسانية.
بؤس مرحلة الفوضى الانتقالية، لا يدفع إلى التشاؤم، فهي حقبة قصيرة، والعالم بأسره ومن ضمنه العرب، يستعد لمرحلة قادمة، ستشهد ترصيناً ووضوحاً بالعلاقات الدولية.
يفترض أن تجد الأمة فرصتها في التحرر أثناء ضعف الامبراطوريات الكبرى لكن بسبب ضعف مقاومتها وهشاشة هياكلها الاجتماعية تعجز عن الاستفادة من صراعات الكبار فتقع ضحية القسمة بينهم.
* * *
ما كان لليقظة العربية، التي بدأت طلائعها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ضد المركزية العثمانية أن تأخذ مكانها، وتشغل حيزاً عميقاً بالتاريخ، لولا تراجع سطوة الأستانة وفقدانها لممتلكاتها في البلقان، وخروج أجزاء كبيرة من أوروبا الشرقية، من هيمنتها، وتكالب الدول الاستعمارية الفتية على ممتلكاتها.
رغبة الغرب في القضاء على الدولة العثمانية واقتسام ممتلكاتها، مكنت زعماء الحركة العربية، من التحالف مع البريطانيين والفرنسيين، والالتحاق بجيوشهما في الحرب العالمية الأولى، أملاً في تحقيق الاستقلال.
وقد وضعت هذه البداية حجر الأساس، في التطورات اللاحقة، وصولاً إلى انبثاق حركات التحرر الوطني ضد الاستعمار، وبشكل خاص في المرحلة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية.
الأمة العربية، كانت دائماً تجد فرصتها في الانعتاق، أثناء ضعف الامبراطوريات الكبرى. لكنها بسبب ضعف مقاومتها وهشاشة هياكلها الاجتماعية، تعجز عن الاستفادة من حسم الصراع، فتقع ضحية القسمة بين الكبار.
فعندما سقطت فرنسا بيد النازية، في نهاية الحرب العالمية الثانية، وتضعضعت قوة بريطانيا العظمى الاقتصادية، بفعل كُلَف حربين كونيتين، اندلعت حركات التحرر الوطني ضد الاستعمار، ليس في الوطن العربي وحده، بل وفي معظم بلدان العالم الثالث.
وكانت تلك الحركات من أهم معالم النصف الأول من القرن العشرين. ومن حسن طالع هذه الحركات، أن القطبين الجديدين الطالعين آنذاك: الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، لم يكونا في وارد تقديم الدعم لحلفائهم بالحرب. فقد كانا يطمحان لوراثتهما.
الولايات المتحدة، طرحت بعد الحرب مباشرة سياسة الباب المفتوح، الذي يتلخص في حق مستعمرات بريطانيا وفرنسا بتقرير المصير. وشهدت بداية الخمسينات، أثناء عهد الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور استراتيجية إزاحة الاستعمار التقليدي والحلول محله.
وجاء ذلك صريحاً، حين تحدث الرئيس الأمريكي، عما أسماه بملء الفراغ، في مطالع الخمسينات من القرن المنصرم، وعمل على إنشاء تكتلات سياسية لتحقيق ذلك.
وكانت تلك مقدمة لنشوء أحلاف وتكتلات عسكرية، على مستوى العالم، بمسميات مختلفة كحلف الناتو وحلف بغداد وحلف المعاهدة المركزية «السنتو» والحلف الإسلامي.
أما الاتحاد السوفييتي، فخاض كفاحاً أيديولوجياً، من أجل نشر عقيدته السياسية، واعتبر ذلك سبيلاً لتعزيز حضوره على الساحة الدولية. ومن هذا المنطلق، اتخذ موقفاً مسانداً لحركات التحرر الوطني بالعالم الثالث.
وأمام هذا الانقسام الحاد بين المعسكرين الشرقي والغربي، أتيح للعرب إنجاز استقلالهم السياسي، وكان لهم بعض الخيارات، في أن يكونوا مع هذا الفريق أو ذاك، وقد تعددت خياراتهم بشكل أو بآخر، تجاه المعسكرين.
وكان العصر الذهبي للحياد الإيجابي، قد أخذ مكانه في الفترة التي ترصنت فيها العلاقات الدولية، وقبل تضعضع قوة الاتحاد السوفييتي، وتغول الأحادية القطبية. تلازمت هزيمة يونيو 1967، بتغير في المعادلة الدولية.
وقد بدأ هذا التغيير بما عرف بالتعايش السلمي بين المعسكرين الشرقي والغربي، وتوقيع معاهدات حظر السلاح النووي، بين السوفييت والأمريكيين وصولاً إلى شيخوخة النظام في الاتحاد السوفييتي. وكان تدخله عسكرياً، في أفغانستان، بمثابة المسمار الأخير في نعشه، تمهيداً لسقوطه الدرامي في مطالع التسعينات من القرن المنصرم.
تربع اليانكي الأمريكي على عرش الهيمنة، كان حدثاً استثنائياً، وليس له سابقة في التاريخ. فمثل هذا التربع يلغي مبدأ صراع الإرادات، الذي هو قانون إنساني.
لذلك لم يكن له أن يمتد طويلاً. لم تتجاوز حقبته أكثر من عقد من الزمن، عادت بعدها روسيا مجدداً إلى المسرح الدولي، وأطلت بالعلن برأسها بعد «الربيع العربي»، لتتشكل محاور سياسية وعالمية جديدة في السنوات الأخيرة. لكن نظاماً دولياً جديداً، يستعد للانبثاق لم يتشكل بعد.
هذه القراءة، تعيدنا إلى مقولة إن الوجود لا يقبل الفراغ. ففي ظل غياب ترصين للعلاقات الدولية، وعدم اتفاق الكبار على القسمة، تنتشر الفوضى، وتستباح الأعراض، ويستهان بالكرامة الإنسانية.
لكن بؤس هذه المرحلة، لا يدفع إلى التشاؤم، فهي حقبة قصيرة، لن تطول أبداً، والعالم بأسره ومن ضمنه وطننا العربي، يستعد لمرحلة قادمة، ربما لا تكون بنفس الخرائط والأعراف السابقة، ولكنها ستشهد ترصيناً ووضوحاً بالعلاقات الدولية.
كيف سيكون مشهد الخريطة السياسية العربية القادمة؟ وهل سنتمكن من عبور نفق الأزمة؟ أسئلة من الصعب الإجابة عليها، لأنها محكومة عربياً بصراع الإرادات بالوعي والقدرة على الفعل. وهذا ما ينبغي أن نهيئ مستلزماته منذ الآن.
*د. يوسف مكي كاتب وأكاديمي سعودي
المصدر | الخليجالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: العرب الاستعمار أمريكا الاتحاد السوفييتي نظام دولي جديد ملء الفراغ العالم الثالث من القرن
إقرأ أيضاً:
جارديم على أعتاب العين
يترقب جمهور نادي العين إعلان إدارة "الزعيم" عن هوية المدرب الجديد الذي سيقود الفريق في الفترة المقبلة.
حامل لقب دوري أبطال آسيا أعلن الاستغناء عن خدمات المدرب الأرجنتيني هرنان كريسبو، عقب تراجع نتائج الفريق تحت قيادته في النسخة الحالية.#نادي_العين: الإعلان عن اسم المدرب القادم خلفاً لـ #كريسبو خلال الساعات القادمة #24Sport https://t.co/ZOckqR1K3p pic.twitter.com/YoZvcBJSMa
— 24.ae | رياضة (@20foursport) November 6, 2024وذكر نادي العين أنه سيعلن عن هوية المدرب الجديد خلال الساعات المقبلة، إذ ترددت أنباء حول أن المدرب البرتغالي ليوناردو جارديم أصبح على أعتاب تولي دفة القيادة في العملاق الآسيوي.
ولا يرتبط جارديم بعقد مع أي فريق حالياً، بعدما قرر نادي الريان القطري فسخ عقده في يونيو (حزيران) الماضي، عقب نهاية موسم 2023-2024.
وكان شباب الأهلي دخل في مفاوضات مع مدربه السابق للعودة لتدريب الفريق في الموسم الحالي، ولم يمانع المدرب البرتغالي من فكرة العودة لقيادة "الفرسان"، لكن عدم حسم موقفه مع الريان ورفض النادي دفع الشرط الجزائي أدى إلى توقف المفاوضات، فتعاقد شباب الأهلي مع المدرب البرتغالي باولو سوزا، بينما رحل جارديم عن الريان.
يذكر أن جارديم حقق نجاحاً كبيراً مع "الفرسان"، حيث قاد الفريق إلى تحقيق لقب دوري أدنوك للمحترفين في موسم 2022-2023 وذلك للمرة الأولى بعد غياب سبع سنوات، والثامنة في تاريخه.
ويمتلك جارديم مسيرة رائعة أبرزها مع الهلال السعودي، إذ فاز معه بلقب دوري أبطال آسيا لكرة القدم 2021 للمرة الرابعة في تاريخه، ولقب كأس السوبر السعودي 2022، إلى جانب عدد من الألقاب والبطولات، من بينها لقب الدوري الفرنسي مع فريق موناكو في موسم 2016-2017.