"الحريات في انحدار".. الأورومتوسطي: حملة استهداف أمني بالضفة تطال صحافيًا جديدًا
تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT
جنيف - صفا
دعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان السلطة الفلسطينية إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن الصحافي "طارق السركجي"، والتوقف عن ملاحقة الأفراد على نحو تعسفي.
وقال المرصد الأورومتوسطي في بيان صحافي اليوم إنّ قوة من جهاز الأمن الوقائي اعتقلت الصحافي "طارق السركجي" من منزله غربي محافظة نابلس شمالي الضفة الغربية، دون إبراز أي مذكرة قانونية، أو وجود استدعاء مسبق.
ولفت إلى أنّه في حوالي الساعة 10:45 مساء يوم الأحد 24 سبتمبر/ أيلول الجاري، وصلت قوة من جهاز الأمن الوقائي بلباس مدني إلى منزل "السركجي"، وصادرت هاتفه المحمول واقتادته إلى مركز أمني، دون إبلاغه بسبب التوقيف أو مراعاة حالته الصحية السيئة، حيث يعاني من أمراض عدة، إلى جانب آلام شديدة في الظهر بسبب إصابة عرضية تعرّض لها قبل ساعات من توقيفه.
ويعمل الصحافي "السركجي" بشكل حر مع مؤسسات صحافية محلية في مجال التصوير والمونتاج.
وأفادت "سمية جوابرة"، زوجة الصحافي المحتجز، لفريق المرصد الأورومتوسطي: بأن "أول ما سأل عنه عناصر الأمن هو هاتف زوجي طارق. وقبل أن يسلمهم إياه، قال لهم إنه يحتوي على مواد خاصة، لكنّهم انتزعوه من يده قبل أن يكمل الجملة، ولم يراعوا خصوصية محتوى الهاتف.
وقالت: "كان عناصر الأمن يريدون إنهاء الأمر بسرعة، فبالكاد استطعت تسليمه بعض أدويته قبل اقتياده إلى المركز الأمني، فهو يعاني من عدة أمراض مزمنة كارتفاع ضغط الدم، والسكر، إلى جانب النقرس".
وأضافت "في اليوم التالي، عُرض على النيابة التي قررت تمديد توقيفه 48 ساعة. استطعت مقابلته لوقت قصير جدًا لتسليمه باقي الأدوية الخاصة به ولتزويده بالماء، حيث أبلغني أنّه لم يحصل على طعام أو حتى ماء منذ لحظة توقيفه وحتى عرضه على النيابة (نحو 14 ساعة)".
وتابعت "أبلغنا المحامي أنّ النيابة مدّدت توقيفه بدعوى حيازة سلاح من دون ترخيص، وسُيعرض على المحكمة يوم الأربعاء (27 سبتمبر/ أيلول) للنظر في قضيته. نأمل أن تقرر المحكمة الإفراج عنه فهو في وضع صحي غير جيد، ونخشى أن يصيبه أي مكروه".
وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية صعّدت حملة الاعتقال التعسفي ضد الصحافيين والمعارضين وأصحاب الرأي، إذ سُجّلت منذ بداية العام الجاري أكثر من 730 حالة اعتقال شملت ناشطين سياسيين ومعارضين وطلبة جامعيين، على خلفيات سياسية أو ذات علاقة بحرية الرأي والتعبير، بحسب تجمع "محامون من أجل العدالة".
ونبّه إلى أنّه في معظم الحالات، يتم توقيف الأشخاص بناء على ادعاءات فضفاضة وجائرة، أبرزها "إثارة النعرات الطائفية" و"الذم الواقع على السلطة" و"جمع وتلقي أموال من جهات غير مشروعة" و"حيازة سلاح دون ترخيص"، وفي بعض الحالات، ترفض أو تأخّر الأجهزة الأمنية تنفيذ قرارات قضائية بالإفراج عن الموقوفين لديها دون وجود دواع أو مبررات قانونية.
وأكّد المرصد الأورومتوسطي أنّ سلوك الأجهزة الأمنية الفلسطينية يتعارض مع الالتزامات المحلية والدولية ذات العلاقة للسلطة الفلسطينية، إذ يكفل العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية حرية الرأي والتعبير ويحظر تقييد حرية الأشخاص، كما تنصّ المادة (11) من القانون الأساسي الفلسطيني على أنّ "الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مكفولة لا تمس، ولا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر قضائي وفقاً لأحكام القانون".
وبيّن أنّ احتجاز الأفراد تعسفيًا وتعريضهم إلى المعاملة السيئة لا يتسّق مع التحركات المُعلنة للسلطة الفلسطينية في اتجاه تعزيز العدالة وسيادة القانون، إذ في الوقت الذي أقرّت فيه السلطة الفلسطينية تعديلات إيجابية على بنود قانونية متعلقة بتجريم التعذيب في إطار الالتزام بتعهداتها بموجب تصديقها على اتفاقية مناهضة التعذيب عام 2014 والبروتوكول الاختياري عام 2017، استمرت الأجهزة الأمنية بتنفيذ ممارسات محظورة بموجب المعاهدة الدولية.
وطالب المرصد الأورومتوسطي المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحرية الرأي والتعبير "إيرين خان" بزيارة الأراضي الفلسطينية، وإعداد تقرير حول الممارسات غير القانونية للأجهزة الأمنية، وتقديمه إلى مجلس حقوق الإنسان في إطار الضغط على السلطات المحلية من أجل وقف انتهاكاتها لحقوق الإنسان.
وحثّ المرصد الأورومتوسطي السلطة الفلسطينية على وقف جميع أشكال الملاحقة والاستهداف بحق الصحافيين والمعارضين وأصحاب الرأي، وتفعيل آليات الرقابة على أماكن التوقيف والاحتجاز، وضمان التزام جهات إنفاذ القانون بالتوجيهات والضوابط القانونية، واحترام قرارات السلطات القضائية، بما في ذلك تنفيذ أوامر الإفراج عن المحتجزين على نحو فوري ودون تأخير.
المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية
كلمات دلالية: الحريات الأجهزة الأمنية السلطة الفلسطينية الأمن الوقائي المرصد الأورومتوسطی الأجهزة الأمنیة
إقرأ أيضاً:
هل من شرعية وطنية متبقية للتشكيلات الأمنية للسلطة الفلسطينية؟
ما يجري منذ 5-12-2024 في #مخيم_جنين وجواره من عملية عسكرية ضد كتيبة جنين كتشكيل مقاوم وضد مخيم جنين ومدينة جنين وقراها كحاضنة، بما يشمل الحصار الشامل ومنع الحركة والاقتحامات واستخدام القذائف وحرق البيوت وملاحقة طواقم الإسعاف وقنص الصحفيين واعتقال الجرحى؛ هو انتقال تاريخي في دور التشكيلات الأمنية للسلطة الفلسطينية تعبر فيها الخط ما بين أجهزة وظيفية تقدم خدمات معلومات ومطاردة وتسليم المقاومين للمحتل إلى المشاركة العملياتية في حرب شاملة تتقمص رؤية المحتل للمقاوم وحاضنته، لا تكتفي بملاحقة عناصر المـ.ـقـ.ـاومة بل تشن عدواناً يتقمص عقلية الإبادة الصهيونية ضد الحاضنة الشعبية الفلسطينية ويوظف بعض أدواتها.
يطرح هذا السلوك اليوم تحدياً جدياً حول مدى تمتع مثل هذه التشكيلات الأمنية بأي شرعية وطنية، وتحدي الشرعية.. هذا يتجلى في التالي:
أولاً ـ كانت هذه الأجهزة الأمنية ومنذ بدايتها ترى باعتبارها امتداداً لكيان سياسي معنوي هو قيادة السلطة ومنظمة التحرير والتي تسعى إلى تحقيق دولة فلسطينية بالتفاوض، اليوم وأمام انسداد أفق التسوية وانعدام التفاوض وتكريس حقائق على الأرض في الضفة الغربية تنهي أي أفق للدولة وتغول الاستيطان وقرب إعلان ضم المناطق (ج) التي تقارب عملياً نحو 62% من الضفة الغربية؛ فإن هذه الصلة غير المباشرة ما بين الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية وتحقيق حلم الدولة بات منتفياً تماماً، فأي تعاون تقدمه مع المحتل أو الولايات المتحدة بات مقطوعاً بأنه لن يترجم إلى تقدم على طريق الدولة أو حتى على طريق توسيع الرقعة الجغرافية للحكم الذاتي.
بالنسبة لشعب واقع تحت الاحتلال فإن المقاومة بكل أدواتها ومحاولة التحرر هي القيمة السياسية والعسكرية العليا التي يستمد منها أي تشكيل مشروعيته، وهذه التشكيلات الأمنية منذ نشأتها كانت معادية في عقيدتها وخطابها وأدائها للمقاومةثانياً ـ بالنسبة لشعب واقع تحت الاحتلال فإن المقاومة بكل أدواتها ومحاولة التحرر هي القيمة السياسية والعسكرية العليا التي يستمد منها أي تشكيل مشروعيته، وهذه التشكيلات الأمنية منذ نشأتها كانت معادية في عقيدتها وخطابها وأدائها للمقاومة وجاء ذلك ضمن مرحلتين: الأولى هي العداء لأي مقاومة خارج قرار القيادة في مرحلة قيادة أبو عمار؛ ثم انتقلت اليوم للعداء للمقاومة كمبدأ وعلى عقيدة أمنية أشرفت الولايات المتحدة مباشرة على صياغتها وعلى إعادة تأسيس هذه التشكيلات انطلاقاً منها، وما تزال تضع لها الخطط وتشرف على تنفيذها، وبالتالي فإن العلاقة المباشرة ما بين هذه الأجهزة وما بين المقاومة كمصدر مباشر للشرعية منتفية منذ تأسيسها وما تزال في ابتعاد مستمر عنها.
ثالثاً ـ كان جزء مركزي من الشرعية الوطنية للأجهزة الأمنية ينشأ من التداخل الذي كان قائماً بينها وبين كتائب شهداء الأقصى، الذراع المسلح المقاوم لحركة فتح، والذي أشرف على تأسيسه وقاد عملياته شخصيات كانت تتخذ من وجودها في الأجهزة الأمنية غطاء لها من أمثال جهاد العمارين في غزة ومروان زلوم وميسرة أبو حمدية ورائد الكرمي وحسين عبيات ويوسف ريحان (أبو جندل) في الضفة الغربية، أو آخرين كانت الأجهزة الأمنية بوابة استيعابهم وحمايتهم من الملاحقة الصهيونية مع نهاية الانتفاضة كما في حالة ابن مخيم جنين وأحد أبطال عملية نفق الحرية الأسير زكريا الزبيدي. وهذا العنصر الثالث كان هو الأكثر جدلاً عند الحديث عن الأجهزة الأمنية وأبنائها، والذين لا شك أن كثيراً منهم قد انتسب لهذه الأجهزة كبوابة للعيش في ظل انسداد سبل الحياة أمامه، وليس بالضرورة للإيمان بعقيدتها وسلوكها.
بعد انتفاضة الأقصى (2000-2005) حرصت الولايات المتحدة أن تشرف بنفسها على إعادة تأسيس التشكيلات الأمنية للسلطة الفلسطينية، فأوكلت المهمة الجنرال الأمريكي كيث دايتون وكان هاجسها الأول فك هذه العلاقة بين أفراد هذه التشكيلات الأمنية وبين المقاومة، وضمان أن أفرادها ينظرون للمقاومة كعدو من حيث المبدأ، وأنها بعقيدتها لن تتسامح مع فكرة وضع سلاحها في مواجهة الصهاينة، ما يحرم الأفراد المنتمين لها الذين يفكرون بالمقاومة من أي حاضنة يمكن أن تحميهم أو تتعاطف معهم، وهو ما بدى واضحاُ في عدة مواقف لعل أبرزها عملية الشهيد مهند العسود المتقاعد من جهاز حرس الرئيس والذي حاول اللجوء إلى مقر السرايا في الخليل فأغلقت الأجهزة الأمنية باب المقر دونه وتركته يخوض اشتباكه مع الجيش الصهيوني في 2-9-2024 حتى استشهد وأفرادها يتفرجون عليه.
لم يمنع إشراف دايتون وخلفه الجنرال مايكل فينزل من أن تمضي قلة من أفراد الأجهزة الأمنية عكس التيار وأن يلتحقوا بالمقاومة رغم وجودهم في الأجهزة الأمنية، كما فعل الشهيدان أحمد علاونة وأحمد عابد بهجوم على حاجز الجلمة في جنين في 2022 وهما من أفراد الاستخبارات العسكرية، وغيرهما من تلك القلة التي بقيت تسبح ضد التيار، لكن هذه التشكيلات الأمنية ما بعد دايتون وفينزل بقيت تحرص على التعامل معهم باعتبارهم "تمرداً" تحاول منعه وإحباطه لو علمت عنه قبل حصوله، وترفع الغطاء عنه ولا تحميه حين يقع، وتتبرأ منه بعد تنفيذه، رغم أن كثيراً من النقاش العام الذي تديره ماكينة إعلام السلطة يتغطى بتضحية هؤلاء الأفرادالمـ.ـقـ.ـاومين لإثبات "وطنية" هذه التشكيلات الأمنية!
في المحصلة، وأمام انتفاء العلاقة المباشرة بين المقاومة كمصدر للشرعية وبين التشكيلات الأمنية للسلطة منذ تأسيسها، وأمام انتفاء أي صلة غير مباشرة بين أفعال هذه التشكيلات الأمنية وبين تحقيق أي تقدم في تطلعات شعبها مع انغلاق التفاوض وانتهاء أفق تشكيل الدولة والقضم المتزايد للضفة الغربية بالاستيطان والضم؛ وأمام تبرؤها حتى من حالة توجه أفرادها للمقاومة ونظرها إليهم باعتبارهم "تمرداً" ونزع أي حماية أو غطاء عنهم، وأمام تطور مشاركتها للاحتلال في عدوانه من التنسيق إلى المشاركة العملياتية وتقمص أدوات الإبادة كما في عملية "حماية وطن" في جنين والمستمرة منذ 48 يوماً؛ فإن هذه التشكيلات الأمنية لم يعد لها ما يمكن أن يربطها بأي غطاء وطني، وباتت تعبر الحد الفاصل بين التنسيق إلى المليشيات المساندة لجيش الاحتلال أسوة بقوات سعد حداد وأنطوان لحد في جنوب لبنان، فهل بدأت مرحلة "مليشيات فينزل"؟