أكاديمي مغربي بملتقي التصوف العالمي: القيم الدينية الإسلامية قيم إنسانية أخلاقية وطنية شاملة
تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT
قال الدكتور عبدالوهاب الفيلالي الاستاذ بجامعة سيدي محمد بن عبدالله بفاس خلال مشاركته في فعاليات الملتقي العالمي للتصوف الذي ينظم في الفترة من ٢٣إلي ٢٩سبتمبر، إن السعي إلى القيم فطرة في الإنسان، والحاجة إليها أبدية عنده عبر التاريخ، وهي من ثمة أصول وكليات مشتركة بين الناس تتخذ خصوصياتها حسب خصوصيات الإنسان التاريخية والدينية والثقافية، والاحتكام إليها تخطيطا وإنجازا وتنظيرا وممارسة من أسرار نهوض الأمم وبنائها الحضاري السامي، ومواكبة مسارها الناجح والناجع في مختلف مجالات الحياة.
والمؤكد عندنا أن الاحتكام إلى الدين والوطن في بناء منظومة القيم هو أنجع السبل لتحقيق ذلك البناء السامي، وأوضح المسالك إلى المجتمع الإنساني القوي والقويم والموحد في ظل مواطنة شاملة إنسانية كونية مشتركة، ومنسجمة ومتعايشة مع فطرتها؛ فطرة النقاء والصفاء والطهر والسمو، أساسها الارتباط الروحي بالأمة الإنسانية ارتباط محبة والتزام، وانخراط في خدمتها بصدق وإخلاص وإيثار، تمكينا لفضائل الألفة والتواصل المجدي والبناء ولروح الإنسانية السمحاء، استنادا إلى منظومة القيم الدينية وما يحكمها من مبادئ ويتربى عنها من أخلاق وسلوكيات.
وتابع: ولن يوارب المطلع المتمكن، إذن، في أن القيم الدينية الإسلامية قيم إنسانية أخلاقية وطنية شاملة، وأن حياة التصوف نموذج سام لها ولفاعليتها في بناء إنسان المواطنة الشاملة الناجمة عن اشتغال منظومة القيم ومركزيتها في تحديد هوية الإنسان فردا وجماعة، مبادئ وأخلاقا، معرفة وسلوكا والمناسبة شرط اليوم، إذ السياق العالمي المعاصر مرتع خصب للفقر القيمي ولمثبطات الوطنية الشاملة، ومرعى منبت للشقاء والصراع والخلاف والتشتت... واقعا قائما، فماذا عن الواقع الممكن المخالف لهذا الواقع القائم؟.
واضاف "الفيلالي" هذا فعلا ما يسعى هذا الملتقى لبيانه وتبيانه بقناعة إيمانية خلقية مفادها كفاءة التصوف في التمكين للوطنية الشاملة من خلال منظومته القيمية الدينية الإنسانية الأخلاقية الثرية الناسجة للألفة بين العام والخاص والذاتي والجماعي، وليكن إسهامي في هذا المضمار كشف مجموعة من القيم الإنسانية الأصول الكامنة في الأدب الصوفي، وهي بعض من الكل ترتبط في عمومها وفي تفاصيلها بالمشترك الإنساني فطرة وامتدادا في السلوك والوجود، مما يؤهلها لتكون فعلا من أصول وثوابت بناء المواطنة الشاملة، والضامنُ لنجاعتها هويتها الأخلاقية الإسلامية النابعة من هوية التصوف الأخلاقية التزكوية المتنامية.
وأشار: ولما كان المبدع لا يبدع إلا بإيعاز مما يسكن وجدانا ويشغله وجودا، وكان الإبداع الأدبي الصوفي نموذجا متفردا لعلاقة الفناء والتماهي بين الكتابة والسلوك، حيث تتجاوز الكتابة الدلالة على الذات إلى الدلالة على المعنى القائم في الذات، وتنتقل اللغة فيها من لغة الوجدان إلى لغة الوجود، ومن الوسيلة والآلة إلى كينونة التجربة، فتكون الكتابة هي التجربة عينها ؛ لما كان كل هذا غدا يقينا أن ما يؤثث فضاء الإبداع الصوفي من قيم هو نفسه قيم الممارسة الصوفية، تأصلت في السلوك والكتابة، وطبعت شخصية الإنسان الصوفي فجعلته بفعل نفعيتها الأخلاقية وكفاياتها البنائية إنسان القيم النموذج وطنيا وكونيا، وبات خطابه خطابا سلوكيا قيميا متميزا لا تقتصر قيمته النفعية على الوسط الصوفي وحده بقدر ما ثبتت هذه القيمة وتثبت عند كل من يتواصل معه تواصل تفاعل، ويتقاطع معه تقاطع جلب للمصلحة أو درء للمفسدة أو تحسين وتجميل، والكل يتحقق بفضل المنظومة القيمية الصوفية بأبعادها الدينية والوطنية القمينة بتجاوز كل الحدود الضيقة في المكان والزمان، إلى الشمول الإنساني أمس واليوم وغدا، والسر في ذلك دائما هو هذه العلاقة المتماهية بين السلوك والكتابة، التي تفيد أن الهوية القيمية في الكتابة من صلب الهوية القيمية في التجربة، أو أنها هي ذاتها وزيادة، كما أن الإبداع في الكتابة الصوفية يستقي خصوصياته من مقومات الإبداع الكامنة في ماهية التصوف وجوهره السلوكي. وهذا بطبعه يكنز القصدية القيمية الصوفية ويكشف طاقتها الفعلية في التمكين للوطنية الشاملة، علما أن التصوف ذو طبيعة شمولية في ذاته؛ إذ هو نزعة إنسانية ذاتية واجتماعية وكونية، في علاقة الصوفي بذاته وبخالقه، وبمجتمعه، وبكل البعد الإنساني والوجودي، وذلك استنادا إلى مقوماته الراسخة فيه والمولدة لقيمه، من قبيل مقومات الوجدان والإلهام والخيال وغيرها في تفاعل مع الأصل الديني الشرعي، مما يجعل التصوف فعلا مجال إبداع لفن الحياة () في توافق مع طبيعة الإنسان وفطرته وطموحه إلى التكمل.
المصدر: بوابة الفجر
إقرأ أيضاً:
كيف تتحضر إسرائيل للحرب الشاملة ومهاجمة إيران؟
القدس المحتلة- تسعى الحكومة الإسرائيلية اليمينية إلى توسيع دائرة الحرب التي وصفتها بأنها "متعددة الجبهات" بما يتوافق وطرح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي تحدث مرارا عن تغيير وجه الشرق الأوسط، وتصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن فتح "أبواب الجحيم" بالمنطقة.
وأجمعت قراءات وسائل الإعلام والمحللين بإسرائيل على أن الأخيرة تحضّر لاستهداف إيران، ضمن ما يعرف بسيناريو "الحرب الشاملة" بدعم من الولايات المتحدة التي سلّمت إسرائيل مزيدا من السلاح ومنظومات الدفاع الجوي مؤخرا.
وتذكّر النقاشات بإسرائيل بتحضيرات بدأت قبل 14 عاما لضرب إيران، في حين تستمر بمهاجمة أهداف بسوريا والسيطرة على مزيد من الأرض بالتزامن مع حرب غزة والتصعيد بالضفة الغربية ولبنان، مما يدفع كثيرين للشك بأن نتنياهو يخطط لحرب شاملة لا تهدأ خلال وقت قصير.
تحت عنوان "بين سوريا وإيران وغزة"، كتب المحلل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشع، مقالا، استعرض خلاله مناقشات الأجهزة الأمنية والمستوى السياسي بتل أبيب وتحضيرات الجيش الإسرائيلي لحرب شاملة بالتنسيق مع ترامب الذي لطالما لوَّح بفتح "أبواب الجحيم" على الشرق الأوسط.
وفي مؤشر يعكس تحضُّر إسرائيل لتلك الحرب، قال يهوشع إن "المناقشات التي تجري بتل أبيب تذكرنا بالتحضيرات للهجوم على إيران التي خُطط لها قبل حوالي 14 عاما، بينما في سوريا، يحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الحصول على سيطرة عسكرية قد تهدد إسرائيل الساعية لمنع أنقرة من التموضع العسكري ودعم الرئيس السوري أحمد الشرع".
وفي غزة، يضيف يهوشع أن الجيش الإسرائيلي وسَّع نطاق عمليته البرية واحتل المزيد من المناطق في القطاع، وقطع أوصاله، ويستعد لتحقيق رؤية رئيس الأركان إيال زمير، بشأن "غزو متعدد الفرق"، وسط استمرار العلمية العسكرية بالضفة، و"بهذه المرحلة تحديدا، أصبح كل قرار مسألة حياة أو موت لإسرائيل".
إعلانوأوضح المحلل العسكري أن الجيش الإسرائيلي وسَّع دائرة الحرب على 3 جبهات رئيسية، هي غزة وسوريا ولبنان، وقال "هناك جبهات أخرى، والإيرانية هي الأكثر إلحاحا"، كاشفا عن تقارير عدة بشأن "إمكانية شن هجوم إسرائيلي أو أميركي أو مشترك".
ومثل هذه الأيام "الدرامية"، ومع وقوف الأمن القومي الإسرائيلي على المحك، يتعين على نتنياهو -حسب يهوشع- أن يكون منتبها، حيث تشكل خبرته وثقله في أميركا عنصرا أساسيا لضمان أمن إسرائيل، وأنه "بساحة مشتعلة مثل الشرق الأوسط، لا يمكن لتل أبيب أن تقف مكتوفة الأيدي".
"أبواب الجحيم"من جهته، يعتقد محلل الشؤون العسكرية والأمنية للموقع الإلكتروني "واي نت"، رون بن يشاي، أن ضغط إسرائيل العسكري على مختلف جبهات القتال يندرج بسياق "أبواب الجحيم" الذي لوَّح به ترامب.
ويرى بن يشاي أن استئناف القتال والتوغل البري بغزة، والذي يأتي ضمن الهدف المعلن لحكومة نتنياهو بكسر الجمود بالمفاوضات، وتحرير المحتجزين الإسرائيليين، وإسقاط حكومة حماس المدنية، ووقف استعادة كتائب القسام قدراتها العسكرية، يأتي بصورة خفية ضمن حملة واشنطن ضد المحور الإيراني والحوثي بالشرق الأوسط.
وقدَّر أن المحور الأميركي الإسرائيلي يهدف من خلال ما وصفه ترامب بفتح "أبواب الجحيم" على الشرق الأوسط، لإطلاق المحتجزين، وطرد حماس من غزة، وفرض ثمن باهض على الحوثيين، وإلحاق ضرر كبير بقدراتهم العسكرية لتعطيل الملاحة بمضيق باب المندب والبحر الأحمر.
ورجَّح بن يشاي أن البيت الأبيض يطمح عبر الترويج لـ"أبواب الجحيم" لجلب إيران إلى طاولة المفاوضات للتوصل لاتفاق نووي جديد يمكن لترامب وإسرائيل الموافقة عليه، والذي من شأنه إحباط نواياها وقدراتها على الوصول بسرعة للأسلحة النووية.
وفي قراءة لدلالات استئناف الاحتلال القتال في غزة ومواصلة الهجمات على لبنان وسوريا، استعرض الصحفي يسرائيل هرئيل، في مقاله "الجيش الإسرائيلي انتقل من الاحتواء إلى الهجوم- هل استيقظ نتنياهو؟"، بصحيفة "هآرتس"، التحول الإستراتيجي في تعامل الجيش بالقتال مع الجبهات المتعددة، خاصة تلك التي تُطوِّق إسرائيل.
إعلانيقول هرئيل -وهو من مؤسسي مجلس المستوطنات بالضفة الغربية- "هذه الأيام يستعرض الجيش الإسرائيلي عضلاته ويوسع ضغطه العسكري على غزة لإجبار حماس على إطلاق المحتجزين، وكثف غاراته على سوريا لمنعها من تجميع قدراتها العسكرية. وفي لبنان، يمنع سلاح الجو حزب الله من نقل الأسلحة، بل يستعد الجيش لمنع إيران من إنتاج الأسلحة النووية".
ويضيف "انتقل الجيش من سياسة الاحتواء للهجوم، لمنع أي كوارث مستقبلية، كما حصل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023".
ويعتقد هرئيل أنه كان من الممكن تجنب ما وصفه "الشر" الذي حدث بإسرائيل خلال العام والنصف الماضيين، لو أن الجيش منع حزب الله آنذاك، قبل نحو 19 عاما، من القيام بما يمنعه اليوم، وينطبق الأمر على غزة، لو لم تسمح إسرائيل بتدفق الأموال والأسلحة إليها.
وبالرغم من هذا التحول في إستراتيجية الجيش الإسرائيلي، فإن الكاتب تساءل عما إذا كانت الأحداث العسكرية الأخيرة بسوريا ولبنان وغزة تشير إلى أن نتنياهو غيّر رأيه؟ وقال "من المبكر جدا تحديد ذلك، الزمن كفيل بإثباته".
مسألة وقتوفي إشارة للتحول إلى الهجوم في الجيش والمناقشات حول سيناريو حرب شاملة، افترض المحلل العسكري لصحيفة "معاريف"، آفي أشكنازي عبر مقاله "عنق الزجاجة.. يجب على إسرائيل اتخاذ إجراء واحد قبل مهاجمة إيران"، أن تل أبيب لا تستطيع مهاجمة طهران حتى إطلاق سراح جميع المحتجزين، مبينا أن عمليات الاحتلال الحالية بغزة "ليست سوى البداية".
ويقول أشكنازي إن مهاجمة إيران أصبحت "مسألة وقت"، كما أن الوقت المتاح لذلك "محدود"، باعتبارها "القضية الوجودية التي تهدد إسرائيل"، خاصة أنه "لم يتضح بعد ما إذا كان الأميركيون سيقومون بهذه المهمة، وهو ما تدفع إليه إسرائيل".
لكن إذا لم تفعل واشنطن شيئا، وتركت الساحة للجيش الإسرائيلي، يضيف أشكنازي، فإن إسرائيل ستحتاج للدعم الأميركي، ليس فقط بالأسلحة والموارد، بل أيضا بالتوضيح الصريح من البيت الأبيض بأنه يدعمها بحاملات الطائرات وأسراب المقاتلات بالقواعد العسكرية في الشرق الأوسط. "فأي هجوم على إيران قد يشعل حربا تستمر لأسابيع أو أشهر".
إعلان