هزيمة فرنسا في أفريقيا.. جرس إنذار لأمريكا
تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT
قد يكون قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، سحب سفير بلاده وقواته من النيجر تماشياً مع مطالب القيادة العسكرية الحالية للبلاد، بمثابة تحذير للولايات المتحدة من موقفها في منطقة مضطربة، حيث تتطلع واشنطن إلى تعزيز نفوذها.
الأفارقة يقولون ببساطة: عاملونا باحترام، مثلما تفعلون مع الدول الأخرى.
وذكرت مجلة "نيوزويك" الأمريكية، أن الرئيس الفرنسي، اتخذ في البداية موقفاً متحدياً عندما أطاح المجلس الوطني لحماية الوطن، لأول مرة برئيس النيجر محمد بازوم، في يوليو (تموز) الماضي، وطالب بسحب السفير الفرنسي سيلفان إيتي، الذي اتهمه بتهديد النظام العام في البلاد.ولكن بعد أسابيع من سحب الإدارة العسكرية الحصانة الدبلوماسية لإيتي، أعلن ماكرون أول أمس الأحد، مغادرة السفير وسيتبعه حوالي 1500 جندي فرنسي، بحلول العام المقبل.
"Making the success of your security policy dependent on venal, corrupt, and illegitimate regimes carries huge risks," analyst Nathaniel Powell told Newsweek. https://t.co/KiAT446QKL
— Newsweek (@Newsweek) September 25, 2023 سلسلة انسحاباتوحسب المجلة، سيكون الخروج هو الأحدث في سلسلة انسحابات فرنسية من الدول الإفريقية في السنوات الماضية، بعد بوركينا فاسو، وإفريقيا الوسطى، ومالي، وسط موجة من المشاعر المناهضة لفرنسا في أجزاء من القارة.
ولكن في الوقت الذي قرر فيه البنتاغون الإبقاء على ما يقرب من 1100 جندي في النيجر، وتعزيز الوجود العسكري الأمريكي في إفريقيا، قال المحلل في شركة أكسفورد أناليتيكا، ناثانيال بأول: "على واشنطن الانتباه للنكسة الفرنسية".
وأضاف "الرسالة التي يرسلها فشل فرنسا في منطقة الساحل، خاصة إلى الولايات المتحدة، أعتقد أن إنجاح سياستك الأمنية يعتمد على أنظمة مرتشية وفاسدة وغير شرعية ينطوي على مخاطر كبيرة"، وتابع "عندما يُطاح بهذه الأنظمة، غالباً ما يُنظر إلى داعميها الأجانب على أنهم متواطئون ويمكن أن يفقدوا نفوذهم".
قبضة خاسرةوجاء رحيل الفرنسيين من بوركينا فاسو، ومالي أيضاً، في أعقاب الاضطرابات السياسية التي قادتها شخصيات عسكرية في الدولتين، اللتان تعدان ا من أكثر المؤيدين المتحمسين لقادة الانقلاب في النيجر.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، هز تغيير مفاجئ آخر الغابون، حيث لا يزال وجود القوات الفرنسية موضع شك الآن. ومن المحتمل أن تكون للأحداث في النيجر أهمية خاصة، فقبل الإطاحة ببازوم، كان النيجر بمثابة مركز لعمليات مكافحة الإرهاب لكل من فرنسا، والولايات المتحدة في منطقة الساحل، حيث توجد وتنشط الجماعات المسلحة، بما فيها القاعدة، وداعش.
وأشار المحلل باول إلى أنه "على عكس المشاكل الأمنية المتصاعدة التي تواجهها دول الساحل، فإن النهج الذي اتبعه بازوم كان ناجحاً بالفعل، على الأقل إلى حد ما".
وأضاف "أعتقد أن هذا هو سبب وضع صناع السياسة الأمريكيين والفرنسيين ثقة كبيرة فيه، لكنهم تجاهلوا تاريخ البلاد الطويل من العلاقات المدنية العسكرية المشحونة، والقمع من بازوم للمعارضة، والطبيعة المثيرة للجدل لانتخابه"، موضحاً أن هذه أسس هشة لبناء شراكة متينة.
الحلفاء على خلافوتعليقاً على الوضع الحالي للقوات الأمريكية في النيجر، قال متحدث باسم القيادة الأمريكية الإفريقية أفريكوم لنيوزويك: "لم تكن هناك قرارات سياسية أمريكية حتى الآن عن الوجود العسكري الأمريكي طويل الأمد في النيجر، بينما ننتظر نجاح العملية الدبلوماسية".
وأضاف المتحدث أن "أفريكوم لا يمكنها كشف تفاصيل عن طبيعة المهام المستأنفة في النيجر"، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة لا تنفذ عمليات لمكافحة الإرهاب مع القوات العسكرية النيجرية.
أما بالنسبة لفرنسا، فقال متحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية في بيان على الإنترنت: "الأمة ستواصل مساعدة إفريقيا في مكافحة الإرهاب، لكننا لن نفعل ذلك إلا إذا كان بناءً على طلب السلطات المنتخبة ديمقراطياً والسلطات الإقليمية"، وأضاف "كان عدد الوفيات بسبب الإرهاب الإسلامي في النيجر، منذ بداية الانقلاب أكبر مما كان عليه في الأشهر الـ 18 السابقة".
خطوة نحو "السيادة".. #النيجر ترحب بقرار # ماكرون سحب قواته https://t.co/DIoonmT2xR
— 24.ae (@20fourMedia) September 25, 2023 ردة فعل عنيفةومن جهتها، اعتبرت راما ياد، التي سفيرة فرنسا سابقاً لدى اليونسكو، ووزيرة للخارجية، أن الافتقار إلى نتائج غير واضحة في التدخل العسكري الفرنسي، من العوامل التي تغذي ردة الفعل العنيفة الحالية.
وتحدثت أيضاً عن "الافتقار إلى الاتساق" في مواقف باريس عندما يتعلق الأمر بالديمقراطيات في القارة، وأشارت إلى أن المسؤولين الفرنسيين سارعوا إلى إدانة الانقلاب العسكري في النيجر، لكنهم كانوا أقل انتقاداً للوضع في تشاد، حيث تولى الرئيس محمد ديبي السلطة دون انتخابات بعد وفاة والده، الذي قُتل أثناء قيادته هجوماً ضد المتمردين في أبريل(نيسان) 2021.
وقالت ياد، التي تشغل حالياً منصباً كبيراً في مركز إفريقيا بالمجلس الأطلسي، لنيوزويك: "الناس يدركون ما يحدث، إنهم يرون المعايير المزدوجة التي لها آثار كارثية".
ومع مواجهة فرنسا الآن "نهاية حقبة" في أفريقيا، أضافت أن "الولايات المتحدة تحاول ملء الفراغ هنا، بتمييز استراتيجيتها عن فرنسا، حتى مع بقاء البلدين حليفين في المعركة الأوسع ضد الإرهاب".
إرث مكلفوإضافة إلى المشاكل السياسية والأمنية التي عجلت بتراجع فرنسا في إفريقيا، لعبت الاتجاهات الاقتصادية أيضاً دوراً مؤثراً في خلق تصور، ما أسمته راما ياد "الوجود الطويل جداً للقوة الاستعمارية السابقة في منطقة الساحل".
كما تحدث مباي بشير لو، الأستاذ المشارك في ممارسة الدراسات الآسيوية والشرق أوسطية والدراسات المقارنة الدولية في جامعة ديوك، عن العوامل الاقتصادية التي ساعدت في تعزيز هذه السلبية تجاه فرنسا في إفريقيا، قائلاً: "تداعيات النشاط الاقتصادي التاريخي لفرنسا، واستمرارها في استغلال المنطقة، يؤثر على حياة الناس اليومية".
ورغم أن عصر الحكم الفرنسي المباشر في أفريقيا، انتهى رسمياً باستقلال الجزائر في 1962، إلا أن باريس لا تزال تمارس سيطرة مؤثرة على اقتصاد المنطقة، بالاستخدام المستمر للثروات، وعملة الفرنك الإفريقي المربوطة باليورو، والوجود الكبير للقطاع الخاص.
وقال لو لمجلة نيوزويك: "الثقل الدائم للاستغلال الفرنسي لهذه البلدان لم يعد مستداماً، وأصبح قوة دافعة وراء الأزمات السياسية التي شهدها هذا الجزء من إفريقيا"، وأضاف "ومع ذلك، فإن أي مجلس عسكري، بغض النظر عن نواياه الأولية، يمكنه بسهولة حشد الدعم الشعبي بمجرد الإشارة إلى هذه القضايا الواضحة".
وفي هذا الصدد، أشار لو، إلى أن الولايات المتحدة لا تحمل نفس العبء التاريخي أو الحديث، لأنها لم تنخرط قط في المعنى التقليدي للاستعمار والاستغلال في القارة الإفريقية، مع ترتيبات مختلفة في ليبيريا وسيراليون.
تكثيف المنافسةومع دخول الصين وروسيا إلى المنطقة، أضاف لو "في حين أن دور فرنسا في إفريقيا يثير الاحتجاجات والتدقيق، علينا أن ندرك أن كل قوة كبرى لها تفاعلاتها التاريخية والمعاصرة الفريدة مع القارة، وأن الأفارقة ينظرون إليها بشكل مختلف".
ووفقاً لفولاشادي سوليه، وهو باحث مشارك كبير في برنامج الحوكمة الاقتصادية العالمية بكلية بلافاتنيك للإدارة الحكومية بجامعة أكسفورد، فإن "حركات المد والجزر الجيوسياسية المتغيرة، كانت بمثابة نقطة انعطاف لنفوذ فرنسا في إفريقيا، وخاصة في إفريقيا الناطقة بالفرنسية".
وأضاف أن "الشركاء الاستراتيجيين الناشئين مثل تركيا، والصين، وإيران، يعملون على زيادة وجودهم العسكري في المنطقة". وأوضح أن "الدروس التي يمكن تعلمها، هي أنه لا يجب أن يكون هناك اختلال واضح في المصالح الأمنية بين الدول الإفريقية الشريكة، والشركاء الأمنيين، لأنه في هذه الحالة ستخدم المصالح الفرنسية أكثر من الدول المضيفة".
#واشنطن تعلق على قرار #باريس سحب قواتها من #نيامي https://t.co/fIRUAOQONh
— 24.ae (@20fourMedia) September 25, 2023 ثورة أفريقيةوباعتبارها الممثلة الدائمة السابقة للاتحاد الإفريقي لدى الولايات المتحدة، شهدت أريكانا تشيهومبوري كواو، هذا التحدي المتزايد بشكل مباشر، وخصصت جهوداً مكثفة لرفع مستوى الوعي به في الخارج، خاصة بين الشتات الإفريقي.
وقالت لنيوزويك: "ما أراه الآن هو أن لدينا كتلة حرجة من الناس الذين يفهمون الآن ما تفعله فرنسا حقاً، من حيث حجم الاستغلال".
ووصفت الانتفاضة في النيجر بأحدث مظهر من مظاهر "الثورة الإفريقية" التي تحدث في بلدان متعددة. كما حثت الولايات المتحدة على "تجنب تكرار الأخطاء التي ارتكبتها فرنسا" في سياق تفاعلاتها في القارة.
وأضافت تشيهومبوري-كواو "الأفارقة يقولون ببساطة: عاملونا باحترام، مثلما تفعلون مع الدول الأخرى. تعالوا إلى إفريقيا شريكاً على قدم المساواة، وسنرحب بكم، ولكن إذا أتيتم لمواصلة الاستغلال، فلن ينجح هذا في إفريقيا.. وإذا كنت بالفعل في إفريقيا، فمن الأفضل أن تتكيف، لأن أيامك أصبحت معدودة، ما لم تغير استراتيجيتك".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: زلزال المغرب التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني فرنسا دول غرب أفريقيا النيجر الغابون أمريكا الولایات المتحدة فرنسا فی إفریقیا فی النیجر فی منطقة إلى أن
إقرأ أيضاً:
توم بيرييلو: تأهل المنتخب السوداني لأمم إفريقيا مثال آخر على الروح السودانية التي لا تقهر في مواجهة الشدائد
قال المبعوث الأمريكي للسودان توم بيرييلو بإن تأهل المنتخب السوداني لأمم إفريقيا مثال آخر على الروح السودانية التي لا تقهر في مواجهة الشدائد. الجزيرة – السودان إنضم لقناة النيلين على واتساب