موقع 24:
2025-04-29@21:47:11 GMT

هزيمة فرنسا في أفريقيا.. جرس إنذار لأمريكا

تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT

هزيمة فرنسا في أفريقيا.. جرس إنذار لأمريكا

قد يكون قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، سحب سفير بلاده وقواته من النيجر تماشياً مع مطالب القيادة العسكرية الحالية للبلاد، بمثابة تحذير للولايات المتحدة من موقفها في منطقة مضطربة، حيث تتطلع واشنطن إلى تعزيز نفوذها.

الأفارقة يقولون ببساطة: عاملونا باحترام، مثلما تفعلون مع الدول الأخرى.

وذكرت مجلة "نيوزويك" الأمريكية، أن الرئيس الفرنسي، اتخذ في البداية موقفاً متحدياً عندما أطاح المجلس الوطني لحماية الوطن، لأول مرة برئيس النيجر محمد بازوم، في يوليو (تموز) الماضي، وطالب بسحب السفير الفرنسي سيلفان إيتي، الذي اتهمه بتهديد النظام العام في البلاد.

 

ولكن بعد أسابيع من سحب الإدارة العسكرية الحصانة الدبلوماسية لإيتي، أعلن ماكرون أول أمس الأحد، مغادرة السفير  وسيتبعه حوالي 1500 جندي فرنسي، بحلول العام المقبل.

"Making the success of your security policy dependent on venal, corrupt, and illegitimate regimes carries huge risks," analyst Nathaniel Powell told Newsweek. https://t.co/KiAT446QKL

— Newsweek (@Newsweek) September 25, 2023 سلسلة انسحابات

وحسب المجلة، سيكون الخروج هو الأحدث في سلسلة انسحابات فرنسية من الدول الإفريقية في السنوات الماضية، بعد  بوركينا فاسو، وإفريقيا الوسطى، ومالي، وسط موجة من المشاعر المناهضة لفرنسا في أجزاء من القارة.

ولكن في الوقت الذي قرر فيه البنتاغون الإبقاء على ما يقرب من 1100 جندي في النيجر، وتعزيز الوجود العسكري الأمريكي في إفريقيا، قال المحلل في شركة أكسفورد أناليتيكا، ناثانيال بأول: "على واشنطن الانتباه للنكسة الفرنسية".

وأضاف "الرسالة التي يرسلها فشل فرنسا في منطقة الساحل، خاصة إلى الولايات المتحدة، أعتقد أن إنجاح سياستك الأمنية يعتمد على أنظمة مرتشية وفاسدة وغير شرعية ينطوي على مخاطر كبيرة"، وتابع "عندما يُطاح بهذه الأنظمة، غالباً ما يُنظر إلى داعميها الأجانب على أنهم متواطئون ويمكن أن يفقدوا نفوذهم".

قبضة خاسرة

وجاء رحيل الفرنسيين من بوركينا فاسو، ومالي أيضاً، في أعقاب الاضطرابات السياسية التي قادتها شخصيات عسكرية في  الدولتين، اللتان تعدان ا من أكثر المؤيدين المتحمسين لقادة الانقلاب في النيجر.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، هز تغيير مفاجئ آخر الغابون، حيث لا يزال وجود القوات الفرنسية موضع شك الآن. ومن المحتمل أن تكون للأحداث في النيجر أهمية خاصة، فقبل الإطاحة ببازوم، كان النيجر بمثابة مركز لعمليات مكافحة الإرهاب لكل من فرنسا، والولايات المتحدة في منطقة الساحل، حيث توجد وتنشط الجماعات المسلحة، بما فيها القاعدة، وداعش.

وأشار المحلل باول إلى أنه "على عكس المشاكل الأمنية المتصاعدة التي تواجهها دول الساحل، فإن النهج الذي اتبعه بازوم كان ناجحاً بالفعل، على الأقل إلى حد ما".

وأضاف "أعتقد أن هذا هو سبب وضع صناع السياسة الأمريكيين والفرنسيين ثقة كبيرة فيه، لكنهم تجاهلوا تاريخ البلاد الطويل من العلاقات المدنية العسكرية المشحونة، والقمع من بازوم للمعارضة، والطبيعة المثيرة للجدل لانتخابه"، موضحاً أن هذه أسس هشة لبناء شراكة متينة.

الحلفاء على خلاف

وتعليقاً على الوضع الحالي للقوات الأمريكية في النيجر، قال متحدث باسم القيادة الأمريكية الإفريقية أفريكوم لنيوزويك:  "لم تكن هناك قرارات سياسية أمريكية حتى الآن عن الوجود العسكري الأمريكي طويل الأمد في النيجر، بينما ننتظر نجاح العملية الدبلوماسية".

وأضاف المتحدث أن "أفريكوم لا يمكنها كشف تفاصيل عن طبيعة المهام المستأنفة في النيجر"، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة لا تنفذ عمليات لمكافحة الإرهاب مع القوات العسكرية النيجرية.

أما بالنسبة لفرنسا، فقال متحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية في بيان على الإنترنت: "الأمة ستواصل مساعدة إفريقيا في مكافحة الإرهاب، لكننا لن نفعل ذلك إلا إذا كان بناءً على طلب السلطات المنتخبة ديمقراطياً والسلطات الإقليمية"، وأضاف "كان عدد الوفيات بسبب الإرهاب الإسلامي في النيجر، منذ بداية الانقلاب أكبر مما كان عليه في الأشهر الـ 18 السابقة".

خطوة نحو "السيادة".. #النيجر ترحب بقرار # ماكرون سحب قواته https://t.co/DIoonmT2xR

— 24.ae (@20fourMedia) September 25, 2023 ردة فعل عنيفة

ومن جهتها، اعتبرت راما ياد، التي سفيرة فرنسا سابقاً لدى اليونسكو، ووزيرة للخارجية، أن الافتقار إلى نتائج غير واضحة في التدخل العسكري الفرنسي، من العوامل التي تغذي ردة الفعل العنيفة الحالية.

وتحدثت أيضاً عن "الافتقار إلى الاتساق" في مواقف باريس عندما يتعلق الأمر بالديمقراطيات في القارة، وأشارت إلى أن المسؤولين الفرنسيين سارعوا إلى إدانة الانقلاب العسكري في النيجر، لكنهم كانوا أقل انتقاداً للوضع في تشاد، حيث تولى الرئيس محمد ديبي السلطة دون انتخابات بعد وفاة والده، الذي قُتل أثناء قيادته هجوماً ضد المتمردين في أبريل(نيسان) 2021.

وقالت ياد، التي تشغل حالياً منصباً كبيراً في مركز إفريقيا بالمجلس الأطلسي، لنيوزويك: "الناس يدركون ما يحدث، إنهم يرون المعايير المزدوجة التي لها آثار كارثية".

ومع مواجهة فرنسا الآن "نهاية حقبة" في أفريقيا، أضافت أن "الولايات المتحدة تحاول ملء الفراغ هنا، بتمييز استراتيجيتها عن فرنسا، حتى مع بقاء البلدين حليفين في المعركة الأوسع ضد الإرهاب".

إرث مكلف

وإضافة إلى المشاكل السياسية والأمنية التي عجلت بتراجع فرنسا في إفريقيا، لعبت الاتجاهات الاقتصادية أيضاً دوراً مؤثراً في خلق تصور، ما أسمته راما ياد "الوجود الطويل جداً للقوة الاستعمارية السابقة في منطقة الساحل".

كما تحدث مباي بشير لو، الأستاذ المشارك في ممارسة الدراسات الآسيوية والشرق أوسطية والدراسات المقارنة الدولية في جامعة ديوك، عن العوامل الاقتصادية التي ساعدت في تعزيز هذه السلبية تجاه فرنسا في إفريقيا، قائلاً: "تداعيات النشاط الاقتصادي التاريخي لفرنسا، واستمرارها في استغلال المنطقة، يؤثر على حياة الناس اليومية".

ورغم أن عصر الحكم الفرنسي المباشر في أفريقيا، انتهى رسمياً باستقلال الجزائر في 1962، إلا أن باريس لا تزال تمارس سيطرة مؤثرة على اقتصاد المنطقة،  بالاستخدام المستمر للثروات، وعملة الفرنك الإفريقي المربوطة باليورو، والوجود الكبير للقطاع الخاص.

وقال لو لمجلة نيوزويك: "الثقل الدائم للاستغلال الفرنسي لهذه البلدان لم يعد مستداماً، وأصبح قوة دافعة وراء الأزمات السياسية التي شهدها هذا الجزء من إفريقيا"، وأضاف "ومع ذلك، فإن أي مجلس عسكري، بغض النظر عن نواياه الأولية، يمكنه بسهولة حشد الدعم الشعبي بمجرد الإشارة إلى هذه القضايا الواضحة".

وفي هذا الصدد، أشار لو، إلى أن الولايات المتحدة لا تحمل نفس العبء التاريخي أو الحديث، لأنها لم تنخرط قط في المعنى التقليدي للاستعمار والاستغلال في القارة الإفريقية، مع ترتيبات مختلفة في ليبيريا وسيراليون.

تكثيف المنافسة

ومع دخول الصين وروسيا إلى المنطقة، أضاف لو "في حين أن دور فرنسا في إفريقيا يثير الاحتجاجات والتدقيق، علينا أن ندرك أن كل قوة كبرى لها تفاعلاتها التاريخية والمعاصرة الفريدة مع القارة، وأن الأفارقة ينظرون إليها بشكل مختلف".

ووفقاً لفولاشادي سوليه، وهو باحث مشارك كبير في برنامج الحوكمة الاقتصادية العالمية بكلية بلافاتنيك للإدارة الحكومية بجامعة أكسفورد، فإن "حركات المد والجزر الجيوسياسية المتغيرة، كانت بمثابة نقطة انعطاف لنفوذ فرنسا في إفريقيا، وخاصة في إفريقيا الناطقة بالفرنسية".

وأضاف أن "الشركاء الاستراتيجيين الناشئين مثل تركيا، والصين، وإيران، يعملون على زيادة وجودهم العسكري في المنطقة". وأوضح أن "الدروس التي يمكن تعلمها، هي أنه لا يجب أن يكون هناك اختلال واضح في المصالح الأمنية بين الدول الإفريقية الشريكة، والشركاء الأمنيين، لأنه في هذه الحالة ستخدم المصالح الفرنسية أكثر من الدول المضيفة".

#واشنطن تعلق على قرار #باريس سحب قواتها من #نيامي https://t.co/fIRUAOQONh

— 24.ae (@20fourMedia) September 25, 2023 ثورة أفريقية

وباعتبارها الممثلة الدائمة السابقة للاتحاد الإفريقي لدى الولايات المتحدة، شهدت أريكانا تشيهومبوري كواو، هذا التحدي المتزايد بشكل مباشر، وخصصت جهوداً مكثفة لرفع مستوى الوعي به في الخارج، خاصة بين الشتات الإفريقي.

وقالت لنيوزويك: "ما أراه الآن هو أن لدينا كتلة حرجة من الناس الذين يفهمون الآن ما تفعله فرنسا حقاً، من حيث حجم الاستغلال".

ووصفت الانتفاضة في النيجر بأحدث مظهر من مظاهر "الثورة الإفريقية" التي تحدث في بلدان متعددة. كما حثت الولايات المتحدة على "تجنب تكرار الأخطاء التي ارتكبتها فرنسا" في سياق تفاعلاتها في القارة.

وأضافت تشيهومبوري-كواو "الأفارقة يقولون ببساطة: عاملونا باحترام، مثلما تفعلون مع الدول الأخرى. تعالوا إلى إفريقيا شريكاً على قدم المساواة، وسنرحب بكم، ولكن إذا أتيتم لمواصلة الاستغلال، فلن ينجح هذا في إفريقيا.. وإذا كنت بالفعل في إفريقيا، فمن الأفضل أن تتكيف، لأن أيامك أصبحت معدودة، ما لم تغير استراتيجيتك".

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: زلزال المغرب التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني فرنسا دول غرب أفريقيا النيجر الغابون أمريكا الولایات المتحدة فرنسا فی إفریقیا فی النیجر فی منطقة إلى أن

إقرأ أيضاً:

ماذا ستفعل الولايات المتحدة إذا اندلعت حرب بين الهند وباكستان؟

منذ نهاية الحكم البريطاني في شبه القارة الهندية؛ تتقلب تحالفات الولايات المتحدة مع دول المنطقة، وخاصة باكستان والهند، مع الحفاظ على قدر من التوازن في العلاقات بين البلدين، لكن يبدو أن هذه الإستراتيجية قد تتعرض لتحدّ ضخم إذا نشبت الحرب مجددا بين القوتين الرئيسيتين في جنوب آسيا، في وقت كان يأمل فيه ترامب أن يتفرع لمعركته الإستراتيجية مع الصين، لكن أزمات العالم المضطرب تلاحقه من منطقة إلى أخرى.

منذ إعلان استقلالهما في يومين متتالين من شهر أغسطس/آب عام 1947، خاضت الهند وباكستان أربع حروب دامية، اندلعت ثلاث منها بسبب النزاع المستمر على منطقة كشمير الواقعة على حدود البلدين. وفضلا عن ذلك؛ لم تزل المناوشات الحدودية تتكرر بينهما بسبب الأوضاع الملتبسة في المنطقة على مدار ثمانية عقود.

وفي 22 من أبريل/نيسان الجاري حدث هجوم مسلح في الجزء الخاضع للإدارة الهندية من كشمير، أسفر عن مقتل 26 مدنيًّا وإصابة 17 آخرين. ويُعد الهجوم، الذي وقع في وادي بايساران بالقرب من مدينة باهالغام السياحية الشهيرة، أحد أعنف الهجمات على المدنيين في الهند منذ هجمات مومباي عام 2008. وأعلنت جماعة تُعرف باسم "جبهة المقاومة" مسؤوليتها عن الهجوم، ويُعتقد أن هذه الجبهة مرتبطة بجماعة "عسكر طيبة – لشكر طيبة"، التي تقول الهند إن أجهزة الاستخبارات الباكستانية تدعمها.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2صور أطفال فيتنام غيّرت العالم فلماذا لا يهتز لصور أطفال غزة؟list 2 of 2هل يهدم ترامب النظام العالمي؟end of list إعلان

على إثر الحادث؛ انطلقت موجة من الإجراءات التصعيدية المتبادلة بين البلدين في 23 و24 أبريل/نيسان. كان أخطرها إعلان وزير الخارجية الهندي فيكرام ميسري التعليق الفوري لمعاهدة مياه نهر السند الخاضع للسيادة الباكستانية وفقا لمعاهدة تقاسم أنهار حوض السند في عام 1960. وردًّا على ذلك؛ حذرت الحكومة الباكستانية في 24 أبريل/نيسان من أن أي انقطاع في إمدادات المياه سيُعامل بوصفه "عملا حربيا"، متعهدةً بالرد عليه "بكل قوة".

ومن جانبها؛ أغلقت باكستان في 24 أبريل/نيسان مجالها الجوي أمام شركات الطيران الهندية، وأوقفت جميع أشكال التجارة مع الهند، بما في ذلك البضائع التي تمر عبر دول أخرى، وفي وقت لاحق تبادلت القوات الهندية والباكستانية إطلاق النار ثلاثة أيام متوالية، عبر خط السيطرة الذي يقسم منطقة كشمير المتنازع عليها.

ورغم أن البلدين قد أظهرا خلال العقود الماضية من النزاع ميلهما إلى ضبط حدود التصعيد المتبادل في كشمير بما لا يجرهما إلى حرب كبرى؛ فإن تسارع التصعيد على هذا النحو يعزز من أخطار انفلات الأوضاع إلى مواجهة عسكرية، وهو ما قد يؤثر في موازين القوى في منطقة جنوب آسيا التي تحظى باهتمام بالغ من قبل الولايات المتحدة لارتباطها المباشر بالصراع مع الصين.

تسارع التصعيد بين الهند وباكستان يعزز من أخطار انفلات الأوضاع إلى مواجهة عسكرية (الجزيرة) كيف تشكلت علاقة الولايات المتحدة بكل من الهند وباكستان؟

يمكن قراءة المشهد المتقلب لتحالفات الولايات المتحدة في جنوب آسيا من خلال لحظتين مهمتين في القرن الماضي شكلتا معا مجمل التفاعلات الجوهرية في الإقليم، الأولى: هي اندلاع الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، والثانية: هي أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأميركية.

خلال سنوات الحرب الباردة؛ ادّعت الهند الحياد وتزعمت عالميا حركة عدم الانحياز، لكنها لعوامل كثيرة كانت أقرب إستراتيجيًّا إلى الاتحاد السوفياتي، حيث كان حزب المؤتمر الوطني الحاكم في الهند، في تلك الأثناء، لا يزال ينظر بكثير من الريبة إلى الولايات المتحدة والقوى الغربية بشكل عام بعد تجربة طويلة ومريرة من الصراع مع الاحتلال البريطاني.

إعلان

وكما أن التقارب الهندي السوفياتي أثار قلق الولايات المتحدة، فقد كان أكثر إزعاجا لباكستان، التي رأت أنها لا تستطيع مواجهة الهند إذا كانت مدعومة من الاتحاد السوفياتي. لذا، وبحسب جورج فريدمان مؤسس معهد ستراتفور، فقد كان التحالف مع الولايات المتحدة أمرًا لا مفر منه لباكستان.

لكن هياكل التحالف الإقليمية في جنوب آسيا سرعان ما أصبحت أكثر تعقيدًا. كانت الصين، وهي لاعب رئيسي آخر في المنطقة، متحالفة في البداية مع السوفيات بعد الحرب العالمية الثانية، لكنها، بعد عقدين من الزمن، أدارت انعطافة إستراتيجية نحو تحسين العلاقات مع واشنطن مدعومة بتصاعد الخلافات الأيديولوجية بين التفسير الماوي والاستاليني للمقولات الماركسية.

ومن ثم؛ اعتبرت الصين كلًّا من الاتحاد السوفياتي والهند تهديدين محتملين، مما جعل إسلام آباد حليفا ضروريا لبكين.

خلال عام 1980 اتخذ الاتحاد السوفياتي خطوة متقدمة اتجاه الهيمنة على جنوب آسيا من خلال احتلال أفغانستان؛ فأصبحت باكستان مطوقة بخصومها، الهند شرقا والسوفيات شمالا وغربا. لكن ليست باكستان فقط من شعر بالتهديد في تلك اللحظة؛ فالولايات المتحدة أيضا أزعجها التقدم السوفياتي في جنوب آسيا، وكانت للتو قد فقدت تحالفها مع إيران بشكل مهين في أعقاب الثورة الإسلامية، كما اعتقدت واشنطن أن السوفيات سوف يستخدمون أفغانستان قاعدةً للانطلاق نحو الخليج العربي.

شاركت الولايات المتحدة باكستان في دعم الحركات الجهادية التي طردت الاحتلال السوفياتي من أفغانستان. ومع تفكك الاتحاد لاحقا؛ لم تعد الولايات المتحدة مهتمة إستراتيجيا بأفغانستان، لكن باكستان ظلت مرتبطة بعلاقات معقدة ولكنها مفيدة مع النظام الإسلامي الجديد في أفغانستان.

الحدث الثاني الذي أعاد صياغة تحالفات الولايات المتحدة في المنطقة كان أحداث الحادي عشر من سبتمبر؛ إذ إنها بعد تلك الأحداث أرادت الإطاحة بالنظام الأفغاني. ضغطت الولايات المتحدة على باكستان لتشاركها لوجيستيا واستخباريا في الحرب على طالبان، لكن باكستان كانت تقدر أن انخراطها في هذه الحرب قد يكلفها استقرارها الداخلي مع تنامي المشاعر الإسلامية الشعبية المعارضة للحرب.

إعلان

في النهاية؛ قدّر كلٌّ من الطرفين حدود الضرورات والقيود لدى الطرف الآخر، ولم تقدم باكستان دعما قويا لأيّ من طرفي الحرب، لكن ذلك شكل صدعا في العلاقات الأمريكية الباكستانية تطور مع مرور الزمن.

بالتوازي؛ كانت الهند أيضا تتغير، فلم يعد الاتحاد السوفياتي قائما، وأصبحت الصين ليست منافسا للهند فحسب، بل منافسا إستراتيجيا للولايات المتحدة. ومن ثم جمعت المصالح المشتركة واشنطن ونيودلهي بعد عداء طويل، ليؤسسا معا شراكة إستراتيجية لا تزال تتطور إلى الآن، عنوانها الرئيسي محاصرة صعود الصين.

بيد أن الولايات المتحدة لا تريد أيضا أن تصبح الهند قوة عظمى بكل تأكيد، ومن ثم فاستمرار دعمها لباكستان يهيئ من وجهة نظرها نظاما إقليميا ثلاثيا في المنطقة (يضم الصين والهند وباكستان) بما يحدث نوعا داخليا من توازن القوى وفي نفس الوقت يمنع أيًّا من هذه الدول من أن تصبح قوة إقليمية مهيمنة.

شراكة واشنطن ونيودلهي.. تحالف محفوف بالشكوك المتبادلة

خلال العقدين الأخيرين؛ أعادت واشنطن تموضعها في جنوب آسيا لتصبح نيودلهي أحد أهم أدواتها في إستراتيجية احتواء الصعود الصيني في المنطقة. خلال هذه السنوات تعاقب على البيت الأبيض رؤساء مختلفون في الرؤى والتوجهات، لكنهم جميعا اتفقوا على تعميق العلاقات الهندية الأميركية، وتركها كل منهم في وضع أفضل مما كانت عليه في عهد سلفه.

في هذا الإطار؛ ضمت الولايات المتحدة الهند مع أستراليا واليابان لتشكيل ما يعرف بالتحالف الأمني الرباعي (كواد – QUAD) الذي يعد اليوم أهم تحالفاتها الأمنية في منطقة المحيطين الهندي والهادي، وصممته خصيصا لدمج الهند في منظومة الأمن الجماعي لغرب المحيط الهادي.

وقد سعت نيودلهي بشكل خاص إلى علاقات أقوى مع واشنطن بعد الاشتباكات التي جرت بين القوات الصينية والهندية في جزء متنازع عليه من الحدود بينهما خلال عام 2020.

وقد أفرزت المرحلة الناتجة من التعاون الأميركي الهندي في هذه المرحلة برامج جديدة، منها مبادرة التكنولوجيا الحرجة، التي تهدف إلى تسهيل التعاون التكنولوجي الأميركي الهندي، والحوار الثنائي الذي يركز على الأمن الإقليمي في المحيط الهندي، وشراكة "I2U2″، التي تتعاون من خلالها الهند والولايات المتحدة وإسرائيل في مجالات الأمن الغذائي والطاقة والتكنولوجيا.

إعلان

على الرغم من ذلك؛ بدا أن ثمة تناقضات في الضرورات الإستراتيجية لكلا البلدين، ظهرت في مواقف مختلفة. على سبيل المثال؛ أدى الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022 إلى بعض التوترات في علاقة نيودلهي بواشنطن، إذ لم تنسجم رؤية الهند مع الرؤية الغربية والأميركية ولم تشارك نيودلهي في العقوبات المفروضة على موسكو. لقد كان الهنود عموما أكثر تعاطفا مع المخاوف الروسية من تمدد الناتو في المجال الحيوي لموسكو وأكثر اقتناعا بمبرراتها للحرب.

وفي المقابل؛ شعرت الهند بالانزعاج إزاء دعم الولايات المتحدة للنظام الجديد في بنغلاديش الذي أطاح بحكومة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة واجد، التي كانت حليفا قويا للهند. وقبل ذلك بسنوات؛ رفضت الهند المشاركة في التحالف الدولي الذي أسسته الولايات المتحدة لغزو أفغانستان، واعتبرت ذلك نوعا من التهديد للنظام الإقليمي في جنوب آسيا.

وفي حين تبدي الهند حماسة شديدة للانخراط في التحالفات الأمنية والعسكرية مع واشنطن وحلفائها؛ تحاول في نفس الوقت الحفاظ على قيادتها لدول الجنوب العالمي، ضمن تحالفات صُمّمت أساسا لتقويض الهيمنة الأميركية الأحادية على العالم، مثل تحالف البريكس، ومنظمة شنغهاي للتعاون الأمني التي تسميها تقارير غربية الناتو الشرقي، بل إنها قادت جهود إقناع دول المجموعة بانضمام إيران إليها في 2023.

وفي تحليل نشرته مجلة فورين أفيرز الأميركية؛ يبدو إجمالا أن ثمة ثلاثة عناصر رئيسية في الإستراتيجية الكبرى للهند هي التي تنتج بشكل متكرر تلك التناقضات مع السياسة الأميركية، أولا خبرة الإرث الاستعماري الغربي الذي عانت منه الهند، وثانيا توقعات الهند من نفسها ورؤيتها لذاتها قوةً كبرى تستحق مكانا أفضل في خريطة العالم، وثالثا مخاوف تتعلق بالحفاظ على تماسكها الذاتي في ظل حالة التنوع الهائلة داخل المجتمع الهندي.

إعلان

ولكن؛ على الرغم من ظهور هذه التناقضات؛ فإن كلا من واشنطن ونيودلهي قد اكتسبا الخبرة في إدارة خلافاتهما والتعامل معها بواقعية دون أن تؤثر بشكل جوهري في تنامي العلاقات السياسية والأمنية بينهما بصورة متسارعة.

أشار وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، إلى احتمال تعاون واشنطن مع إسلام آباد في مجال المعادن الحيوية (رويترز) باكستان: الصديق العدو

لم تتعرض علاقات إسلام آباد بواشنطن لضرر مثلما تعرضت له بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، إذ جلبت الأحداث الولايات المتحدة إلى عتبة باكستان. ولم تقدم باكستان الدعم الكافي للولايات المتحدة في الحرب، ولا في السنوات التي تلت سقوط نظام طالبان ومحاولاته استعادة السيطرة على كابل، فالنظام الأفغاني الذي تشكل بعد الإطاحة بطالبان كان حليفا وثيقا للهند، مما جعل باكستان أمام ضرورات أمنية قيدت إمكانية تعاونها مع واشنطن في ملاحقة طالبان.

وفي السنوات الأخيرة من الاحتلال الأميركي لأفغانستان؛ تصاعد غضب واشنطن من إسلام آباد وأعلنت قطع جميع المساعدات المقدمة لها، بسبب ما أسمته "فشل باكستان في قمع الجهاديين في أفغانستان، ولدورها في مساعدتهم أحيانا"، وهو ما دفع وزير الخارجية الباكستاني خلال مقابلة أجراها مع صحيفة وول ستريت جورنال في يناير/كانون الثاني 2018، إلى القول بأن العلاقات الأمريكية الباكستانية قد انتهت.

لكن تقلبات المنطقة لا تنتهي؛ خرجت الولايات المتحدة من أفغانستان عام 2021، وزال أهم الأسباب التي وترت علاقاتها مع باكستان. وخلال الأيام القليلة التي سبقت هجوم كشمير في الأسبوع الماضي، ترأس إريك ماير، المسؤول الرفيع المستوى في مكتب شؤون جنوب ووسط آسيا بوزارة الخارجية الأميركية، وفدًا إلى إسلام آباد، وخلال اجتماع مع رئيس الوزراء الباكستاني، شهباز شريف، صرّح ماير بأن الشركات الأميركية حريصة على الاستثمار في احتياطيات البلاد المعدنية غير المستغلة.

إعلان

جاء هذا النقاش بعد يومين من إشارة وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، إلى احتمال تعاون واشنطن مع إسلام آباد في مجال المعادن الحيوية خلال اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الباكستاني إسحاق دار. وتُقدّر مساحة احتياطيات باكستان المعدنية، التي تشمل رواسب ضخمة من النحاس والذهب، إضافة إلى معادن أساسية مثل الليثيوم، بأكثر من 230 ألف ميل مربع، أي أكثر من ضعف مساحة المملكة المتحدة، مما يثير شهية إدارة ترامب نحوها.

إلى أين سيذهب التصعيد هذه المرة؟

تُعد الحادثة الأخيرة في كشمير هي الخامسة من نوعها التي تهاجم فيها جماعة جهادية باكستانية عسكريين أو مدنيين هنود خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية، بحسب كامران بخاري، المختص في الأمن القومي والسياسة الخارجية في معهد التطوير المهني بجامعة أوتاوا. وتشمل الهجمات السابقة هجوم ديسمبر/كانون الأول 2001 على البرلمان الهندي، وهجمات مومباي في نوفمبر/تشرين الثاني 2008، وهجوم عام 2016 على مقر لواء للجيش الهندي، والتفجير الذي استهدف حافلة لقوات الأمن في بولواما عام 2019.

رغم كل هذه التصعيدات، لم ترد نيودلهي بقوة حتى عام 2016، وقد وصفت الحكومة ردها في ذلك العام بأنه "ضربة دقيقة عبر خط السيطرة"، شاركت فيها وحدة من القوات الخاصة، تسللت عبر الخط ودمرت ما قالت إنه مخبأ للمسلحين على الجانب الباكستاني. ورغم أن باكستان نفت في حينه اختراق حدودها، فإن الحادثة شكلت سابقة جديدة، إذ لم تعد الهند تمتنع عن استهداف منشآت المسلحين داخل باكستان.

بعد ثلاث سنوات، وفي أعقاب هجوم بولواما في 2019، فعلت نيودلهي أكثر من مجرد الهجوم البري عبر خط السيطرة، فأرسلت طائرات حربية لضرب منشأة يُشتبه في أنها تابعة للمسلحين في بلدة بالاكوت بشمال غرب باكستان. ردت باكستان بغارات جوية من جانبها، أصابت أهدافًا على الجانب الهندي من خط السيطرة. وفي خضمّ الاشتباكات، أسقطت القوات الباكستانية طائرة ميغ-21، وأسرت طيارها (الذي أُعيد لاحقا إلى الهند).

إعلان

كانت هذه هي المرة الأولى منذ حرب عام 1971 التي تعبر فيها طائرات حربية من الجانبين خطّ السيطرة. وفي نفس العام؛ ألغت نيودلهي المادة 370 من الدستور الهندي التي كانت تمنح جامو وكشمير الخاضعة للإدارة الهندية وضعًا خاصًّا، مما يسمح لها بدستور خاص وحكم ذاتي، ويعد ذلك موروثا من الشروط التي وضعتها إمارة كشمير للقبول بالانضمام إلى الهند عام 1947.

والآن؛ على الرغم من أن وقف معاهدة مياه نهر السند من غير المرجح أن يعطل إمدادات المياه إلى باكستان على الفور، فإنه على المدى البعيد قد يهدد بشكل خطير موارد المياه الباكستانية واستقرارها الزراعي مما يرفع احتمال تصعيد عسكري واسع.

منذ توقيعها في عام 1960؛ لم يتوقف العمل بالمعاهدة رغم مرور العلاقات بين البلدين بمنعرجات حرجة للغاية وحروب ومناوشات عسكرية. لكن هذا التصعيد الحالي يُعبر عن توجهات الحكومة اليمينية المتشددة التي يقودها حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم وزعيمه رئيس الوزراء الهندي ناريندا مودي، الذي أعرب قبل وصوله إلى السلطة عن رغبته في دمج كشمير بشكل كامل ضمن حدود الهند، ومع أن الضرورات الجيوسياسية للدولة قد تقيد ميوله الشخصية للتصعيد مع باكستان، فإن ذلك لا يمكن إغفاله بشكل دائم.

وفي حين أن كلا الجانبين من المرجح أن يهدف إلى تقييد أي تصعيد عسكري جغرافيًّا داخل كشمير أو حول خط السيطرة، فإن هناك احتمالًا أيضا لتوسع التوترات إلى ردود أخرى مثل الغارات الجوية وعمليات القوات الخاصة على غرار ردود الهند في 2016 (نشر قوات خاصة واختراق خط السيطرة) أو في 2019 (تنفيذ ضربات جوية على أهداف دقيقة داخل باكستان).

في غضون ذلك، قد ترد باكستان بضربات انتقامية محدودة، أو تنفذ عمليات تسلل عبر الحدود، أو تُصعّد نشاط المدفعية والقناصة على طول خط السيطرة. وإذا تفاقمت التوترات، فقد تجرب باكستان استخدام صواريخ تكتيكية، يُحتمل أن تكون تقليدية، أو تُطلق مواقف عدوانية تحت ستار التدريبات العسكرية.

إعلان

ولأن الحرب بطبيعتها تستعصي على التنبؤ، فإنها إذا اندلعت فإن كل السيناريوهات حينها سوف تكون محتملة ولو بدرجات متفاوتة، إما بقصد أو بسوء تقدير أو حتى بخطأ ميداني يصعب استدراكه. وما يُكسب صراع الهند وباكستان خطورة خاصة هو أنه منذ الصراع الحدودي الصيني السوفياتي عام 1969 لم تشتبك قوتان نوويتان عسكريا بشكل مباشر سوى الهند وباكستان، مما يضع العالم كله أمام صراع من نوع خاص للغاية.

إلى أين ستنحاز الولايات المتحدة؟

من المرجح أن تكون أخبار التصعيد الهندي الباكستاني سارة لبكين، لكنها بالتأكيد ليست كذلك لواشنطن. ورغم أن بكين قد تتحمل تبعات تحالفها مع إسلام آباد في حال تصاعدت المواجهة، فإن تعويق خطط نيودلهي وواشنطن لتطويقها سيكون أكثر جدوى بالتأكيد، حيث ستنشغل الهند بحدودها الغربية بدلا من التركيز على تطوير قدراتها البحرية في المحيط الهندي وتطوير قاعدتها الصناعية والتجارية.

ولكن من جانب واشنطن؛ فإن مواجهة كبيرة بين الهند وباكستان ستضعها مجددا أمام التناقضات الإستراتيجية في المنطقة التي حاولت طويلا الموازنة بينها. فعلى الرغم من التوتر الذي يشوب علاقتها بباكستان، فإنها ليست بصدد ترك إسلام آباد أمام خيار وحيد هو تعميق التحالف مع بكين، إذ لا يمكن لإسلام آباد مواجهة نيودلهي منفردة دون حليف قوي.

لم تكن منطقة جنوب آسيا ضمن أولويات ترامب حاليا؛ حتى أنه على مدار ثلاثة أشهر من بدء ولايته الجديدة لم يعين سفيرا لواشنطن في الهند. لكن هذه المستجدات ستضعه، إن لم يستطع المساهمة في إيقاف التصعيد، أمام خيارات ليس من بينها أي خيار لا ينطوي على خسائر إستراتيجية مؤكدة للولايات المتحدة.

والخلاصة أن المواجهة الهندية الباكستانية تتعارض مع أهداف ترامب الرئيسية التي تتمثل في تهدئة الصراعات في العالم والتفرغ لمواجهة الصين. وفي حين لا تزال إدارته تواجه حروبا ليست مرشحة للانطفاء بسهولة في أوكرانيا وغزة، وتدير الاستعداد لتصعيد محتمل مع إيران، تضاف الآن إلى هذه القائمة المعقدة حرب جديدة تلوح في الأفق البعيد في جنوب آسيا.

إعلان

مقالات مشابهة

  • الولايات المتحدة تلوح بالانسحاب من الوساطة في الشأن الأوكراني
  • الوزير الشيباني يلتقي بنظيره الفرنسي في مقر الأمم المتحدة بنيويورك
  • ترامب: في ولايتي الثانية أنا أقود الولايات المتحدة والعالم
  • ماذا يعني رفع الولايات المتحدة الحصانة عن الأونروا قانونيا وإجرائيا؟
  • الخارجية الصينية: الولايات المتحدة هي من بدأت حرب التعريفات الجمركية
  • ماذا ستفعل الولايات المتحدة إذا اندلعت حرب بين الهند وباكستان؟
  • الأمم المتحدة: الضربات الأمريكية تشكل خطرا متزايدا على المدنيين في اليمن
  • لماذا لا يستطيع ترمب تصنيع هواتف آيفون في الولايات المتحدة؟
  • الرئيس اللبناني: على الولايات المتحدة و فرنسا تحمل مسؤولياتهما إزاء انتهاكات الاحتلال
  • شاهد | الولايات المتحدة تواجه معضلةً بشأن في اليمن