على عكس "خصمها"، رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، الذي انتقل من ضفّة "التأييد المطلق" لمبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري الحوارية، إلى ضفّة "الرفض المبطن" لها، من خلال "الشروط" التي يطلبها، لا تزال "القوات اللبنانية" ثابتة على موقفها الرافض للحوار بالمُطلَق، استنادًا إلى رؤيتها بأنّه يكرّس "عرفًا مخالفًا للدستور"، فضلاً عن كونه "تضييعًا للوقت"، يريد من خلاله "حزب الله" تحقيق أهدافه.


 
وعلى الرغم من الجدل الذي يثيره موقف "القوات" الرافض للحوار، معطوفًا على مقولة "تفضيل" استمرار الفراغ لأشهر وسنوات على الجلوس مع "حزب الله" على الطاولة، في حين أنّ الحوار والتفاهم قد يكون المَخرَج الوحيد للأزمة، يسجّل البعض لـ"القوات" انسجامها مع الذات، علمًا أنّ هناك من يعزو التغيّر المقابل في موقف باسيل، إلى "شعبوية" أثارتها الخشية من "مكاسب" قد تحقّقها "القوات" على حسابه في الشارع المسيحي.
 
لكن، إذا كان باسيل يحذّر من منطق "الحوار بمن حضر"، ويصرّ على "حجز" موقعه في أيّ تسوية يمكن أن تُبرَم، أو أيّ تشاور يمكن أن يحصل، مهما كان شكله، رُصِد بعض القياديين في "القوات" يدعون رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى إنجاز الحوار، ولو قاطعوه، والانتقال إلى الشقّ الثاني من المبادرة، أي الجلسات المتتالية، فهل تؤيد "القوات" فعلاً فكرة "الحوار بمن حضر"، وحتى لو قاطعه المسيحيّون بالمُطلَق، ما يُفقِده "الميثاقية"؟!
 
"حوار بمن حضر"؟
 
يقول العارفون إنّ "القوات" ليست مع "حوار بمن حضر" في المبدأ، لأنها ترفض "الحوار" في الأصل، بمعزَلٍ عمّن يرغب بالمشاركة فيه، ومن يحضره، وبغضّ النظر عن مدى "ميثاقيته"، مؤكدين أنّ هذا الموقف "المبدئي" لا يتغيّر إذا ما تأمّنت "الحيثية المسيحية" للحوار، سواء إذا حضره "التيار الوطني الحر" مثلاً، أو شاركت فيه قوى مسيحية وازنة بالحدّ الأدنى، لأنّ كلّ ذلك ليس سوى "تفصيل" في المشهد العام، على تعقيداته وحساسيّاته.
 
بالنسبة إلى "القوات"، فإنّ نقاش "الميثاقية" لا ينبغي أن يكون مطروحًا من الأصل، لأنّ الميثاقية تؤثّر في الاستحقاقات الدستورية المهمّة، فلا بدّ من تأمينها مثلاً في جلسات مجلس النواب، وجلسات الحكومة، وغيرها، التزامًا بمقتضيات الدستور، إلا أنّ النقطة الجوهرية هنا أنّ الحوار ليس استحقاقًا دستوريًا، بل إن الدستور لا ينصّ عليه أبدًا، ما يجعل انعقاده غير مؤثّر من الناحية الدستورية، تمامًا كما أن أيّ نتائج يمكن أن يفرزها تبقى غير ملزمة لأحد.
 
لكلّ ما سبق، يقول "القواتيون" إنّ الموقف واضح لا يحتمل اللبس، فـ"القوات" ليست مع الحوار "بمن حضر"، لكنّها ليست أيضًا مع "الحوار" بكلّ أشكاله، ولو حضره جميع الأفرقاء باستثنائها، لأنّها تعتبر أنّه يكرّس عرفًا يخالف الدستور، ويترك انطباعًا بأنه "ممرّ إلزامي" لانتخاب الرئيس، خصوصًا أنّ مبادرة الرئيس نبيه بري تربط بينه وبين الجلسات المتتالية، في حين أنّ هذه الجلسات يفترض أن تكون أمرًا بديهيًا وتحصيلاً حاصلاً، بموجب الدستور.
 
ما تريده "القوات"
 
انطلاقًا ممّا تقدّم، فإنّ ما تريده "القوات" هو الانتهاء من النقاش "البيزنطي" حول الحوار، الذي لا يغيّر في "عدم دستوريته"، من وجهة نظره، إن كان "تقليديًا" كما يريده الرئيس نبيه بري، أو "غير تقليدي" كما يريده الوزير السابق جبران باسيل، ولا يؤثر على ذلك أيضًا إن عقد "برئيس ومرؤوس"، أو من دونهما سويًا، فالمطلوب برأيها الذهاب فورًا إلى تطبيق الدستور، عبر جلسات برلمانية متتالية لا تنتهي إلا بانتخاب رئيس للجمهورية كما ينصّ الدستور.
 
بهذا المعنى، فإنّ ما تدعو إليه "القوات" عمليًا هو الفصل "غير المنطقي" برأيها، بين إنجاز الحوار، والجلسات الانتخابية المتتالية، لأنّ الحوار في أحسن الأحوال هو "ترف"، فيما الإصرار عليه "بدعة"، فكيف بالحريّ إذا ما تحوّل إلى "شرط" لتطبيق الدستور، في حين أنّ ما يجدر العمل عليه، برأي أوساط "القوات" والدائرين في فلكها،هو الاحتكام إلى صندوق الاقتراع، وانتخاب رئيس وفق ما ينصّ عليه الدستور بكلّ شفافية.
 
وبهذا المعنى أيضًا، يفسّر "القواتيون" دعوة البعض منهم الرئيس بري إلى إنجاز "الحوار بمن حضر"، على أنّه دعوة للأخير للمضيّ بمبادرته وعدم تضييع المزيد من الوقت، من أجل الانتقال إلى الشقّ الثاني منها، فـ"القوات" وإن قاطعت الحوار، لن تتأخّر في القيام بواجبها الدستوري والمشاركة في جلسات الانتخاب، بمعزل عن نتائج الحوار، وما يمكن أن يترتّب عليه، لأنّ أيّ اتفاق، إن حصل، وهو غير مرجَّح، لا يمكن أن يكون ملزمًا لها.
 
يقوم منطق "القوات" باختصار، على أنّ الجلسات الانتخابية المتتالية هي الأساس، لا الحوار، وبالتالي فإنّها تريد من رئيس مجلس النواب تنفيذ "وعده" بالذهاب إلى هذه الجلسات، مع أو من دون الحوار. لكن، مرّة أخرى، يصطدم هذا المنطق بواقع قد يكون من الصعب "التطبيع" معه، واقع يقضي بأنّ الجلسات المتتالية ليست حلاً، من دون تفاهم، من شأنه تأمين "نصاب الجلسات" بالحدّ الأدنى، وهنا بيت القصيد! المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: مجلس النواب نبیه بری یمکن أن بمن حضر

إقرأ أيضاً:

رئيس جامعة الأزهر يؤكد أهمية جهود الإمام الأكبر في مسار الحوار الإسلامي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أكد الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، أن المؤتمر الذي تعقده كلية الدعوة الإسلامية بابجماعة تحت عنوان: " الدعوة الإسلامية والحوار الحضاري رؤية واقعية استشرافية "، مؤتمر مهم أحسنت الكلية في اختيار موضوعه، لافتًا إلى أن عنوان المؤتمر السابق لكلية كان: " نحو شراكة أزهرية في صناعة وعي فكري آمن رؤية واقعية استشرافية "؛ والقاسم المشترك بين المؤتمرين هو الحرصُ على تحديد آفاق الرؤية التي تضع عينا بصيرة على الواقع بهمومه وقضاياه وتضع العين الثانية على استشراف المستقبل لترمق ملامحه من بعيد، والنفوس شغوفة بما يكون في المستقبل تسترق السمع، تتحسس صورته التي ربما لا يمهلها الأجل لتراها رأي عين.

ودعا رئيس جامعة الأزهر خلال كلمته بالمؤتمر اليوم الأحد إلى ضرورة أن يَعْمَلَ الإنسانُ في يومِه لما يُسْعِدُهُ في غده، مستشهدًا بمقولة سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا"، وأن التخطيط للمستقبل والسعي لما يحقق تقدم العباد والبلاد لتُتِمَّ الأجيالُ القادمةُ ما بدأته وتعبت فيه الأجيالُ المعاصرة لهو من أهم وسائل القوة والنجاح والتقدم والازدهار، وقد سبقتنا الأمم بإتقانها هذا التخطيطَ وإحسانِها رؤيةَ آفاق المستقبل التي تقوم على أسس قوية وأعمدة راسخة تؤسس للبناء عليها في المستقبل .

وفي حديثه عن الحور الحضاري، بيَّن رئيس جامعة الأزهر أن موقع الحوار من الدعوة الإسلامية كموقع الرأس من الجسد، ولا يصلح الجسد إلا بالرأس، وتاريخ الحوار موغلٌ في القدم، يعود إلى بَدْءِ خلق الإنسان، حين خلق الله تعالى سيدنا آدم عليه السلام وأمر الملائكة بالسجود له وأمر إبليس بالسجود له، فدار حوار بين الله جل جلاله وبين الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، كما جرى الحوار بينه سبحانه وبين إبليسَ أشقى خلقه، وبينه سبحانه وبين سيدِنا آدمَ وذريتِه الذين كرَّمَهُم الله جل وعلا وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلا، وقص الذكر الحكيم هذه الحواراتِ في كثير من سور الكتاب العزيز، ولو شاء سبحانه لأمرهم جميعا فأتمروا، ونهاهم جميعا فانتهُوا، ولكنه جل وعلا يعلمنا أن نلزم الحوار سبيلا مع الأخيار والأشرار، لتتضح الحجة، ويَمِيزَ الحقُّ والباطل، ليحيا من حَيَّ عن بينة ويَهْلِكَ من هلك عن بينة . وهكذا يعلمنا الذكر الحكيم حتى لا نَغْفُلَ عن هذه الوسيلة الإقناعية.

وأوضح، أنه بالحوار قامت السماوات والأرض فلم يقهرهما خالق القوى والقدر على طاعة أمره حين خلقهما، ولو قهرهما لخضعتا وذلتا، بل خيرهما وحاورهما وسجل ذلك في محكم التنزيل العزيز فقال سبحانه : " ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ( فصلت 11) . مضيفًا أن الحوار هو منطق العقول الراشدة التي تسعى إلى الوصول إلى الصواب والسداد، في أناة وحيدة وإنصاف، بعيدا عن التشويش والضجيج الذي يملأ الأفق ويسد المسامع ويعصف بالحق.

وأكد أن الحوار الحضاري هو الحوار الصادق الذي يتغيا الحق والعدل والإنصاف، وليس فيه " حق الفيتو " الذي يغلب فيه صوت الفرد أصوات الجماعة، وكما قالوا "رأي الجماعة لا تشقى البلاد به رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها"، حق الفيتو الذي تستحل به الدولة العظمى القوية دماء الدول المستضعفة وتستبيح قتل رجالها ونسائها وأطفالها كما يحدث اليوم في غزة في حرب ضروس استشهد فيها أكثرُ من أربعين ألفِ شهيد، منهم أكثرُ من عشرة آلاف طفل لا تتجازو أعمارهم سن العاشرة، فضلا عن النساء والعجائز.

وتابع، أن هذا يحدث منذ سنة كاملة من الإبادة الجماعية التي تقوم بها آلة الدمار الصهيوني على مرأى ومسمع من العالم الذي طالما تغنى بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وأقام البرلمانات الدولية وتفاخر باعتمادها على حرية الرأي والحوار الحضاري واحترام العهود والمواثيق الدولية إلى آخر هذه العبارات الطنانة التي لا وجود لها عند التعامل مع المسلمين.

وأضاف أن لغة الحوار هي لغةُ العقل والمنطق، ولغةَ الحرب هي لغةُ السلاح والدمار، فيا عقلاء العالم : لماذا تركنا لغة السلام إلى لغةِ السلاح، ومنطقِ السلاح، ودمارِالسلاح، وإزهاقِ الأنفس والأرواح ؟ 
فهل يمكن أن نجتمع على كلمة سواء توقف هذا الدمار ؟ هل يمكن أن تصمت أصوات المدافع وتنطق أصوات الحوار الراشد بالدعوة إلى الاحتكام إلى العقل والمنطق والحكمة والسلام ؟.

وقال رئيس جامعة: "إنني على يقين أن أمتنا الإسلامية إذا اتحدت واجتمعت كلمتُها فإن وَحدتها جديرةٌ بأن تُذْهِبَ " حق الفيتو " إلى غير رجعة، وتَرْكُمَه في مزبلة التاريخ ؛ لأنه حقٌّ قام على الظلم والجَور والعدوان، وليس له مثقالُ ذرة من وصف الحق الذي يحمل اسمه، فهو حق أُرِيدَبه باطل، وظلمٌ ينبغي حَذْفُهُ من جميع المواثيق الدولية، بل هو رِجْس ونَجَسٌ لا يغسل أدرانَه ماء البحر !!

وفي ختام كلمته، أعرب عن تقدير جامعة الأزهر لهذه الجهودَ المخلصة التي يقوم بها فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخُ الأزهر الشريفِ في ملف مهم جد، ملفِّ " الحوار الإسلامي الإسلامي " الذي يسعى إلى جمع كلمة الأمة الإسلامية، وَلَمِّشملِها، ووحدةِ صفها ؛ حتى تكونَ لها رايةٌ مرفوعة، وكلمةٌ مسموعة، وتستردَ عافيتها وعزتها وكرامتها وتغسلَ عن وجهها المشرقِ وجسدِها النظيف أدرانَالفُرقة والتشتُّتِ والضَّعْفِ، وتعودَ أمةً واحدة كما أمر الله جل وعلا في قوله : " إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ " ( الأنبياء 92)، نقولُ لأشقائنا في العالم الإسلامي : أطفئوا نار الخلاف والشقاق والنزاع، وتذكروا أننا جميعا أمةٌ واحدة، وأن السهم الذي يصيب به أحدُنا أخاه يرتد في صدره ويصيبُه هو.

مقالات مشابهة

  • رئيس الصين: حريصون على حل الخلافات مع الاتحاد الأوروبى من خلال الحوار
  • عضو مجلس الأمناء: الحوار الوطني منصة تجمع أطياف المجتمع والقوى السياسية
  • دعوة أوروبية لتكثيف المساعدات لغزة وخلافات بشأن قطع الحوار مع إسرائيل
  • رئيس الدولة يتلقى دعوة من أمير الكويت لحضور القمة الخليجية تسلمها عبدالله بن زايد
  • رئيس الدولة يتلقى دعوة من أمير الكويت لحضور القمة الخليجية
  • رئيس جامعة الأزهر: غزة تشهد إبادة جماعية على مرأى ومسمع العالم
  • نائب رئيس جامعة الأزهر: الاختلاف والتباين بين البشر سُنة طبيعية وفطرة محمودة
  • رئيس البرلمان يتلقى دعوة من نظيره الإيراني لزيارة طهران
  • رئيس جامعة الأزهر يؤكد أهمية جهود الإمام الأكبر في مسار الحوار الإسلامي
  • رئيس جامعة الأزهر: غزة تشهد إبادة جماعية على مرأى ومسمع من العالم