نفط جنوب السودان.. تضارب بشأن صفقة بيع حصص شركة بتروناس الماليزية
تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT
يحظى نفط جنوب السودان باهتمام كبير من جانب الشركات العالمية للاستثمار في القطاع الواعد الذي يشكل المورد الرئيس لخزينة الدولة الجديدة.
وفي هذا الصدد، أعلن جنوب السودان إبرام اتفاق بقيمة 3 مليارات دولار مع شركة أميركية صغيرة لإقامة استثمارات بقطاع النفط وشراء حصص شركة بتروناس (Petronas) الماليزية، وفق ما طلعته منصة الطاقة المتخصصة.
وتمتلك بتروناس المملوكة للدولة في ماليزيا حصة بنسبة 40% في مربع “3/7″، و30% في مربع “1/2/4″، و67.9% في مربع “5 إيه”.
وبعد الإعلان الرسمي، ألغت الرئاسة البيان الخاص بالصفقة، التي كانت ستوجه ضربة قاصمة لشركة سافانا إنرجي (Savannah Energy) البريطانية الساعية لشراء حصص بتروناس، بحسب تقرير نشرته منصة إنرجي فويس (energyvoice).
أعلن رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت الاتفاق مع شركة كالتك إنفستمنت (Caltech Investment) الأميركية، خلال زيارته إلى مدينة نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث التقى بمدير عمليات الشركة محمد مالك يوم أمس الأحد الموافق 22 سبتمبر/أيلول 2023.
وبحسب بيان أصدرته الرئاسة، اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة، فإن قيمة الصفقة تصل إلى نحو 3 مليارات دولار.
وقال رئيس البلاد إن كالتك ستتعاون مع الحكومة لشراء كامل أسهم شركة بتروناس مقابل 1.25 مليار دولار.
وأوضح وزير المالية والتخطيط بارنابا شول باك أن الاتفاق مع كالتك سينمي نفط جنوب السودان، مشيرًا إلى أن الشركة الأميركية -بجانب الاستحواذ على حصص بتروناس- ستضخ استثمارات في “البنية الأساسية الحيوية” في جنوب السودان مثل الطرق.
كما قالت الرئاسة إن شركة كالتك الأميركية ستوفر 800 مليون دولار في غضون شهرين لإتمام الصفقة.
يوضح الرسم البياني التالي -أعدته منصة الطاقة المتخصصة- حجم إنتاج النفط في جنوب السودان:
أثار الإعلان شكوكًا حول مصير شركة سافا إنرجي البريطانية التي تعمل منذ العام الماضي (2022) لإتمام الاستحواذ على حصة بتروناس في قطاع نفط جنوب السودان.
وأعلنت الشركة في 12 ديسمبر/كانون الأول (2022)، إنها تخطط لإنفاق نحو 1.25 مليار دولار للاستحواذ على حصص بتروناس في الدولة الواقعة شمال شرق أفريقيا.
وأنتجت هذه الأصول في عام 2021 ما إجماليه 153 ألف برميل يوميًا، وحققت أرباحًا لبتروناس قدرها 130.6 مليون دولار تقريبًا بعد حسم الضرائب.
وفي بيان، قالت الشركة البريطانية إنها دخلت في اتفاقية شراء أسهم للاستحواذ على كل مشروعات شركة بالكامل في جنوب السودان، من خلال الاستحواذ على شركة بتروناس كاريغالي نايل ليمتد “بي سي إن إل”.
ثم أكدت شركة سافانا إنرجي في نهاية شهر يوليو/تموز المنصرم 2023، استمرار مساعيها لاستكمال صفقة الاستحواذ على أصول بتروناس في قطاع نفط جنوب السودان، بحسب بيان صحفي نُشر عبر موقعها الرسمي.
ووفق تقرير أوفشور إنرجي، فإن شركة كالتك الأميركية التي أعلن الرئيس سيلفا كير الاتفاق معها، لن تكن لتتمكن من توفير 3 مليارات دولار اللازمة لإتمام الصفقة.
بوابة الطاقة
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الاستحواذ على
إقرأ أيضاً:
جنوب السودان على شفا الحرب الأهلية
ينسب للدكتور فرنسيس دينق، المثقف والدبلوماسي السوداني - الجنوب سوداني المعروف، أنه مَن اقترح فكرة «دولة واحدة بنظامين»... حلاً لإنهاء النزاع في السودان قبل انفصال جنوب السودان. ينتمي فرنسيس دينق إلى منطقة آبيي الحدودية المتنازع عليها بين الدولتين؛ ولأن أبناء هذه المنطقة نشأوا في أجواء التداخل بين البلدين، فقد كان حريصاً على بقاء السودان موحداً؛ لهذا طرح صيغة دولة واحدة كونفدرالية تُحكَم بنظامين لكل جزء من البلاد. وعندما انفصل جنوب السودان وصار دولة مستقلة تحمل كل أدواء الدولة السودانية القديمة من فساد ونزاعات وحرب أهلية، صار الشعار الجديد الذي يصف الأوضاع في البلدين... «دولتان بنظام واحد».
الآن، وبينما تمزّق الحرب الدولة السودانية، فإن دولة جنوب السودان تسير في الطريق نفسها، وتقف على شفا الحرب الأهلية بعد اعتقال الرئيس سلفا كير ميارديت نائبه الدكتور رياك مشار ومعه عدد من قادة حركته، بعد تجدد النزاع المسلح في منطقة الناصر.
الحقيقة أنه ومنذ استقلال دولة جنوب السودان في عام 2011، لم تتوقف النزاعات بين الرجلين، فقد بدأت مبكراً في عام 2013 باتهام الرئيس سلفا كير نائبه مشار بتدبير محاولة انقلاب ضده، وخرج مشار ليكوّن انشقاقاً من التنظيم الذي كان يجمعهما، الحركة الشعبية لتحرير السودان (SPLM)، وكوّن مشار تنظيم الحركة الشعبية في المعارضة (SPLM-IO).
وتكررت النزاعات أكثر من ثلاث مرات خلال الفترة من 2013 وحتى 2025، ودائماً ما تمر بمرحلة خروج رياك مشار أو عزله من جانب الرئيس، ثم تتوسط دول الجوار والمنظمات الإقليمية والدولية ليوقّع الرجلان على اتفاقية سلام، سرعان ما يتم خرقها. تكرر هذا أكثر من مرة، وتم التوقيع على اتفاق سلام في 2018، وتم تفعيله في عام 2020 وتشكيل الحكومة.
ولأن العامل القبلي هو الأكثر تأثيراً؛ فإن سلفا كير يعتمد على تأييد ودعم الدينكا، أكبر المجموعات القبلية في جنوب السودان، بينما ينتمي مشار إلى قبيلة النوير، ثاني أكبر القبائل التي تملك مقاتلين أشداء.
وقد تفجَّرت الأزمة الأخيرة بصدام عسكري في منطقة الناصر بين وحدات من قوة دفاع شعب جنوب السودان، الجيش الرسمي، ومجموعات من الجيش الأبيض، وهي ميليشيا من قبيلة النوير التي ينتمي إليها رياك مشار، وليست جزءاً من جيش مشار، لكنها تقاتل إلى جانبه في كل صدام مع الحكومة. وقد تصاعد القتال لدرجة اغتيال قائد حامية الناصر اللواء ماجور داك بإسقاط طائرة تابعة للأمم المتحدة كانت تحاول نقله خارج المنطقة المحاصرة.
رأى سلفا كير أن نائبه الأول مشار مسؤول عن هذه الحادثة، وأخضعه لاعتقال منزلي بحراسة مشددة، وقرر تقديمه للمحاكمة. وقد تقاطر الوسطاء من «الإيغاد» والاتحاد الأفريقي على العاصمة جوبا للتوسط لحل النزاع، لكن لم يُسمح لهم بمقابلة نائب الرئيس المعتقل مشار.
تزامن ذلك مع تغييرات أجراها الرئيس سلفا كير في طاقم نوابه الخمسة، المعينين طبقاً لاتفاق تقاسم السلطة في عام 2020؛ إذ أقال النائب الممثل لحزبه الحركة الشعبية، جيمس واني أيقا، وعيَّن مكانه الرجل الغامض والقادم بقوة بنيامين بول ميل، كما أقال حسين عبد الباقي، ممثل أحد فصائل المعارضة وعيَّن مكانه جوزفين لاقو.
ومن الواضح أن هناك ارتباطاً كبيراً بين هذه التعيينات والأوضاع السياسية في البلاد. فالسيد بول ميل الذي تقدم ليشغل منصب نائب الرئيس ليس من القيادات التاريخية المعروفة للحركة الشعبية، ومعظم نشاطه لم يكن سياسياً، وإنما في مجال الاقتصاد والاستثمار، وهو من المقربين للرئيس سلفا كير وموضع ثقته. وهناك اعتقاد شائع في جنوب السودان أن سلفا كير يؤهّله ليخلفه في منصب الرئيس؛ ولهذا فإن قرار إقالة ومحاكمة رياك مشار الغرض منه إزاحته من أي سباق محتمل على الرئاسة. ومشار، رغم أنه يقف في المعارضة، ولا ينتمي إلى قبيلة الدينكا التي غالباً سيأتي الرئيس من صفوفها، فإنه في حال ترشحه للرئاسة قد يضعف حظوظ بول ميل بحكم أنه من القيادات التاريخية للحركة الشعبية وله خبرات طويلة في العمل السياسي والتنفيذي.
يقف الجنوب الآن على شفا حرب أهلية، يبدو ظاهرها الصراع السياسي على السلطة، لكن بحكم الجذر القبلي القوي للسياسة في جنوب السودان فستتحول صراعاً إثنياً دموياً يهدّد وحدة جنوب السودان. وهو صراع لن تتحمله بنية الدولة الوليدة المثقلة بالصراعات والفقر والفساد والمهدَّدة بالمجاعات، وستتقاطع مع الحرب الدائرة في السودان، فتشتعل كل المنطقة.
فيصل محمد صالح
نقلا عن القدس العربي