إمبراطورية بريطانية جديدة أم تدمير أوروبا؟
تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT
لا شك أنه عند تقييم العمليات السياسية لا يمكن تجاهل العامل الديموغرافي.
في الوقت نفسه، فإن عمليات التكوين العرقي، أي عملية مراحل تطور واندثار المجتمع العرقي عادة ما تستمر لعدة قرون، وغالبا ما يتم تجاهلها في التوقعات السياسية. لكن عصرنا فريد من نوعه من حيث أن عددا من هذه العمليات تقترب الآن من نهاياتها، بينما نشهد بعض النتائج، وبالإمكان أخذها في الاعتبار، حتى على المدى القصير، ناهيك عن التوقعات على المدى المتوسط.
يتم تدريس التاريخ في المدارس كمجموعة من تصرفات وفترات حكم الشخصيات التاريخية المختلفة، وفي أحسن الأحوال، كمجموعة من الأحداث في حياة الدول. وعادة ما يتم النظر إلى مصير الدولة بشكل منفصل عن مصير المجموعة العرقية التي أنشأتها.
لكن الأساس والقوة الدافعة للتاريخ في واقع الأمر هي حياة المجموعات العرقية وتفاعلها، بينما يبدو تاريخ الدول كجزء صغير من تاريخ المجموعات العرقية. والدولة ثانوية، ومجرد شكل من أشكال الوجود ومرحلة في حياة أنجح المجموعات العرقية. يمكن للمجموعات العرقية أن توجد، حتى بعد وفاة الدول التي أنشأتها أو تكون غير قادرة في البداية على إنشاء دولتها الخاصة. لكن الدولة الناشئة بشكل مستقل هي دائما نتاج مجموعة عرقية محددة. وعندما تنهار مجموعة عرقية، فإن الدولة التي أنشأتها تهلك هي الأخرى.
هناك بالطبع دول تم إنشاؤها بشكل مصطنع، على سبيل المثال المستعمرات السابقة، إلا أنها، وكقاعدة عامة، لا توجد وفقا للمعايير التاريخية لفترة طويلة، وتتفكك أو تختفي تماما عند أول أزمة كبرى. ولا يوجد سوى عشرين أو ثلاثين دولة حقيقية ومستقرة في العالم.
وتحدد الديموغرافيا، إلى جانب مراحل التكوين العرقي (وفقا لوصف العالم الروسي ليف غوميليوف)، موجات توسع وانكماش الحضارات والمجموعات العرقية والدول.
ومنذ ألفين أو ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد (في الوقت الذي حفر فيه الأوكرانيون البحر الأسود، وفقا لكتب التاريخ المدرسية الأوكرانية)، قامت القبائل الهندية الآرية في السهوب الواقعة شمال بحر قزوين والبحر الأسود بترويض الحصان وأتقنت صهر الحديد. أدت تلك الإنجازات إلى انفجار سكاني، وبدأت التوسع في أوروبا والهند، وسكن الهنود الآريون المنطقة الممتدة من المحيط الأطلسي إلى الصين. بعد ألفي عام، وصلت التقنيات الجديدة إلى القبائل التوركية Turkic والمنغولية، وشهدت انفجارا ديموغرافيا وانتقلت جحافل الهون والمغول ثم الأتراك غربا إلى أوروبا، ما أدى إلى تغيير المشهد العرقي واللغوي واكتساح دول المجموعات العرقية الأخرى (على سبيل المثال، الإمبراطورية البيزنطية اليونانية).
إن عمليات مماثلة في التاريخ تحدث دون توقف، بما في ذلك الآن، حيث استوطن الأوروبيون، خلال انفجارهم الديموغرافي وتوسعهم، القارة الأمريكية وأستراليا وأنشأوا مستوطنات في إفريقيا. إلا أن مساحة البيض الآن تتقلص، وبقايا المستعمرين البيض يغادرون إفريقيا، والعكس صحيح، بينما ينتقل الأفارقة والعرب، الذين يشهدون انفجارا ديموغرافيا، وتزيد مساحتهم إلى أوروبا. نفس العملية تحدث، بمشاركة شعوب أمريكا اللاتينية، في الولايات المتحدة الأمريكية.
فماذا الذي سينجم عن ذلك في السياسة المعاصرة؟
تعد الولايات المتحدة الأمريكية، على الرغم من تعدد أعراقها، هي بالتأكيد نتاج المجموعة العرقية الإنجليزية.
فإذا تم استبدال أو تهميش العنصر الأنغلوساكسوني في الولايات المتحدة (الأوروبيين البيض الذين استوعبهم الأنغلوساكسونيون، على نطاق واسع) فسوف تنهار دولة الولايات المتحدة الأمريكية. في الغرب، من المحرمات طرح القضايا العرقية للنقاش، ولا أحد يعترف بحقيقة جلية الوضوح، وهي أن يكتسب الحزبان الرئيسيان في الولايات المتحدة طبيعة عرقية، وأن يزداد الصراع بينهما مع الوقت تحولا نحو الطابع العرقي.
إقرأ المزيدفي عام 1980، كان البيض يشكلون 80% من سكان الولايات المتحدة. وفي عام 2022، بلغت نسبة البيض (باستثناء البيض من أمريكا اللاتينية) في الولايات المتحدة 59.3%. وفي عام 2023 بلغت 58.9%، فيما تشير التقديرات إلى أن حصة البيض ستنخفض إلى أقل من 50% في النصف الأول من أربعينيات القرن الحالي. لكن في نصف الولايات الأمريكية، خاصة تلك الواقعة بالقرب من الحدود المكسيكية، يشكل البيض بالفعل أقلية، أو سيظلون كذلك في السنوات المقبلة. وفي يونيو 2023، انضمت تكساس إلى قائمة الولايات التي يفوق فيها عدد ذوي الأصول اللاتينية (40.2%) عدد البيض (39.8%). وسوف تنقسم الولايات المتحدة على هذه الخطوط العرقية، وإنكار مثل هذا الاحتمال أمر لا طائل منه، وسوف يصبح واضحا للجميع قريبا.
ونتيجة لانهيار الأغلبية البيضاء، فإما أن تحل محل الدولة القديمة دولة جديدة ليست خليفة للدولة السابقة (انظر كيف تهدم تماثيل أبطال أمريكا السابقين)، أو أن البلاد ستنهار إلى أجزاء، وهو الأكثر احتمالا بكثير. في كل الأحوال، في رأيي، لن تكون أي العمليتين سلميتين.
ويتم استيعاب جزء من السكان السابقين، عندما تتقلص منطقتهم العرقية، من قبل المجموعة العرقية الوافدة الجديدة، بينما يتدفق آخرون إلى "قارة عرقية" معينة، بحيث يشعر ممثلو المجموعة العرقية المتقلصة بالأمان. داخل الولايات المتحدة ينتقل البيض بالفعل من نيويورك وكاليفورنيا إلى ولايات "بيضاء" أخرى. وبالنظر إلى معدل الانخفاض في حصة السكان البيض، فإن وتيرة ترسيم الحدود سوف تتسارع بشكل كبير، وستبدأ مرحلة انهيار الدولة قبل عام 2040، بل على الأرجح قبل عام 2030.
ومع ذلك، فمن الخطأ اعتبار الولايات المتحدة الأمريكية منفصلة عن بقية الدول الأنغلوساكسونية، فهي لا تزال تجسد مشروعا واحدا، وفي السياسة الدولية، تظل كيانا واحدا بشكل أو بآخر.
فأين توجد "القارة العرقية" للأنغلوساكسونيين ككل؟
من وجهة النظر المستقبلية، فلا يمكن لأي جزء من المشروع الأنغلوساكسوني، بما في ذلك بريطانيا العظمى، أن يتنافس حتى مع الولايات المتحدة "المصغرة". وحتى لو نظرنا إلى الأمر على نطاق أوسع، في إطار "أوروبا البيضاء"، المقسمة إلى عشرات الدول، والمفتقرة إلى الإرادة والموارد، فإن أوروبا المحتضرة، ومع تزايد عدد السكان الأفارقة وغيرهم من السكان غير الأوروبيين، لا يمكن اعتبارها مكانا واعدا "قارة عرقية" للبيض في الولايات المتحدة، على الرغم من أن نسبة السكان البيض في أوروبا لا تزال أكبر منها في الولايات المتحدة.
إقرأ المزيدالولايات المتحدة واعدة أكثر بكثير، إلا أن الحرب الأهلية تختمر فيها بسبب فقدان الأغلبية البيضاء.
وأعتقد أن "الدولة العميقة" و"أسياد المال" يدركون أيضا كل هذه المسارات، ويفهمون إلى أين يتجه كل شيء.
والآن إلى السؤال الرئيسي: هل ستتطور عملية وفاة الدولة الأنغلوساكسونية الرئيسية بشكل عفوي وطبيعي، أم أن النخبة الأنغلوساكسونية (بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى) ستحاول التأثير عليها؟
في الحالة الأولى، ونتيجة لانهيار الولايات المتحدة والحرب الأهلية، فإن النصف الشمالي الأبيض من الولايات المتحدة الجديدة لن يفقد الهيمنة العالمية فحسب، وإنما سيفقد معها أيضا حجم السوق اللازم لممارسة السيادة التكنولوجية. سوف تدمر البلاد، ولست متأكدا من أنها ستكون حتى قادرة على المطالبة بمكانة زعيم إقليمي.
وفي حالة انهيار الولايات المتحدة، ستفقد جميع الدول الأنغلوساكسونية الامتيازات التجارية والصناعية، وستبدأ الأزمات الاقتصادية والديموغرافية والسياسية هناك، وقد ينتهي بشكل عام المشروع الحضاري للأنغلوساسكونيين هناك.
فهل تستطيع النخبة الأنغلوساسكونية أن تفعل أي شيء لتغيير المسار الطبيعي للأحداث؟
هناك خياران متاحان:
ألا تتم محاولة منع انهيار الولايات المتحدة الأمريكية وبعد ذلك إنشاء ما يشبه الإمبراطورية البريطانية الجديدة (من حيث تكوين المشاركين)، وليس بالضرورة أن يكون مركزها في لندن، وربما يقودها ما تبقى من الولايات المتحدة. وسوف تكون الولايات المتحدة حينها قادرة على المطالبة بأحد الأدوار الرائدة في العالم.محاولة تمديد أيام بقاء الولايات المتحدة، وعكس اتجاه فقدان البيض لمواقعهم، ومن أجل الحفاظ المستدام على الأغلبية البيضاء في الولايات المتحدة حتى نهاية القرن الحادي والعشرين على الأقل، فمن الضروري تنظيم تدفق ما يقرب من مئة مليون مهاجر أبيض إلى البلاد، وهو ما سيفوق تدفق المهاجرين من أمريكا اللاتينية.. بالمناسبة، هذا الخيار لا يستبعد أيضا أحد أشكال توحيد الدولة الأنغلوساكسونية، لا سيما في الحرب ضد الصين. وربما يتم توسيع الكتلة العسكرية "أوكوس" على المستوى الإقليمي ومن حيث درجة التكامل.إن إدارة الرئيس بايدن تتحرك بالفعل في هذا الاتجاه، وقد تبنت فعليا خطة لنقل الصناعة إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وكتب كثيرون بالفعل عن تدمير الولايات المتحدة للصناعة الأوروبية من خلال فصلها عن المواد الخام والطاقة الروسية الرخيصة. ومع ذلك، فلإنعاش الصناعة الأمريكية، هناك حاجة إلى قوة عاملة ماهرة، وبدون ملايين العمال الأوروبيين، لن يكون من الممكن زيادة الإنتاج بشكل كبير في الولايات المتحدة.
وهنا نصل إلى ما يمكن أن نطلق عليه، إذا ما شئت، نظرية المؤامرة، لأن إدارة عمليات بهذا الحجم تتجاوز كل ما اعتدنا عليه.
فهل يمكننا القول إن الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى تسعيان لتدمير أوروبا حتى تصبح جهة مانحة للإمبراطورية البريطانية التي سيتم إحياؤها في المستقبل أو على الأقل الولايات المتحدة الأمريكية؟ من هو هدف الحرب التي أثارها الأنغلوساسكونيون في أوكرانيا: روسيا أم أوروبا؟ إلى مدى يخطط الأنغلوساسكونيون للذهاب؟ هل يؤدي التصعيد المستمر للأعمال العدائية مع روسيا إلى إثارة حرب نووية في أوروبا عمدا، وبعد ذلك يتدفق عشرات الملايين من الأوروبيين إلى الولايات المتحدة، حيث سيكونون على استعداد للعمل في مصانع جديدة مقابل أموال أقل من تلك التي يجنيها الصينيون في الصين؟
في "نظرية المؤامرة" هذه، أنطلق من أن النخبة يجب أن تفكر في مستقبل المشروع الذي تترأسه. لو كنت أحكم الولايات المتحدة الأمريكية، لكنت سأتصرف تحديدا في إطار المنطق الموصوف أعلاه.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
رابط قناة "تليغرام" الخاصة بالكاتب
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: كورونا ألكسندر نازاروف ألكسندر نازاروف أمريكا اللاتينية أوكوس إفريقيا الاتحاد الأوروبي حلف الناتو الولایات المتحدة الأمریکیة فی الولایات المتحدة فی عام
إقرأ أيضاً:
ولادة أول طفلة بريطانية من رحم مزروع
في إنجاز مهم يمنح الأمل لآلاف النساء، أنجبت غريس ديفيدسون، وهي اختصاصية تغذية في هيئة الخدمات الصحية الوطنية "إن إتش إس" من شمال لندن، ابنتها آمي إيزابيل بعد عملية زرع رحم.
حصلت السيدة ديفيدسون على رحم من أختها الكبرى، آمي بيردي، البالغة من العمر (42 عاما)، عبر عملية جراحية عام 2023.
وكانت أجريت 3 عمليات زراعة أرحام أخرى في المملكة المتحدة باستخدام متبرعات متوفيات. ويؤمل أن تنجب النساء المستقبلات لهذه الأرحام أطفالا.
ويعتقد الخبراء أنه من الممكن إجراء ما بين 20 إلى 30 عملية زرع رحم كحد أقصى سنويا في المملكة المتحدة مستقبلا.
ويمكن أن تساعد عمليات زرع الرحم النساء اللواتي ولدن بدون رحم سليم، واللاتي فقدن أعضاءهن بسبب السرطان أو حالات طبية أخرى.
وتشير التقديرات إلى وجود 15 ألف امرأة في المملكة المتحدة في سن الإنجاب ليس لديهن رحم سليم.
كيف يتم التبرع بالرحم؟تدير منظمة زراعة الأرحام في المملكة المتحدة برنامجين، أحدهما يشمل متبرعات أحياء والآخر بأعضاء من نساء متوفيات، وهذا وفقا لتقرير في الإندبندنت.
وركز برنامج المتبرعات الأحياء في المملكة المتحدة حتى الآن على النساء اللواتي لديهن أقارب على استعداد للتبرع بأرحامهن.
إعلانومع ذلك، يعتقد الفريق أنه في المستقبل سيتوسع برنامج المتبرعات الأحياء ليشمل الأصدقاء أو المتبرعات بدافع الإيثار. هذا أمر شائع إلى حد ما في الولايات المتحدة.
ويلجأ إلى استخدام المتبرعات المتوفيات عندما يسأل عائلات المتوفين تحديدا عما إذا كانوا يرغبون في التبرع بالرحم.
هل أجريت عمليات زرع رحم أخرى حول العالم؟أجريت أكثر من 100 عملية زرع رحم دوليا، معظمها من متبرعة حية.
وأجريت أول عملية زرع رحم ناجحة في السويد عام 2014، حيث ولد الطفل -فنسنت- لامرأة تبلغ من العمر (36 عاما).
ويعتقد أن 50 طفلا على الأقل قد ولدوا في جميع أنحاء العالم بعد عمليات زرع رحم.
ما مدى نجاح العملية؟تظهر البيانات من الولايات المتحدة أن أكثر من نصف النساء اللاتي حصلن على رحم من خلال عملية زرع في الولايات المتحدة حققن حملا ناجحا.
بين عامي 2016 و2021، خضعت 33 امرأة لعمليات زرع رحم في الولايات المتحدة، وبحلول عام 2022، أنجبت 19 منهن (58%) 21 طفلا.
وفي 74% من النساء اللواتي خضعن لعملية زرع رحم، كان الرحم لا يزال يعمل بعد عام من عملية الزرع، وأنجبت 83% منهن أطفالا أحياء.
ما الحكم الشرعي للولادة من رحم مزروع؟وفقا لجواب منشور في موقع إسلام ويب "فقد اختلف أهل العلم المعاصرون في حكم زراعة الرحم، والذي عليه قرار مجمع الفقه الإسلامي، وتوصية الندوة الفقهية الطبية الخامسة، هو الجواز، باعتبار أن الرحم ليس من الغدد التناسلية التي تنقل الصفات الوراثية كالخصية والمبيض".
و"جاء في وثائق الندوة الفقهية الطبية الخامسة في ما يخص زرع الأعضاء التناسلية:
أولا: الغدد التناسلية: انتهت الندوة إلى أن الخصية والمبيض بحكم أنهما يستمران في حمل وإفراز الشفرة الوراثية للمنقول منه حتى بعد زرعها في متلق جديد، فإن زرعهما محرم مطلقا، نظرا لأنه يفضي إلى اختلاط الأنساب، وتكون ثمرة الإنجاب غير متولدة من الزوجين الشرعيين المرتبطين بعقد الزواج.
إعلانثانيا: الأعضاء التناسلية غير الناقلة للصفات الوراثية: رأت الندوة بالأكثرية أن زرع بعض أعضاء الجهاز التناسلي ـما عدا العورات المغلظةـ التي لا تنقل الصفات الوراثية جائز استجابة لضرورة مشروعة ووفق الضوابط والمعايير الشرعية التي جاءت في القرار رقم:1ـ من قرارات الدورة الرابعة لمجمع الفقه الإسلامي".
ووفقا لبحث للدكتور محمد علي البار مستشار الطب الإسلامي بمركز الملك فهد للبحوث الطبية، فقد قال الباحث: لا أظن أن زرع الرحم إذا تم سيكون مشكلة من الناحية الفقهية، لأنه لا يتعلق به نسب الجنين، على عكس موضوع زرع المبيض أو الخصية.