الجزيرة:
2024-12-18@11:54:15 GMT

تحولات قره باغ تجعل السلام في جنوب القوقاز ممكنا

تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT

تحولات قره باغ تجعل السلام في جنوب القوقاز ممكنا

خلق النصر العسكري الذي حققته أذربيجان في هجومها الأخير الخاطف على الانفصاليين الأرمن في إقليم قره باغ هذا الشهر آفاقا كبيرة لإنهاء الصراع التاريخي على الإقليم وإحلال السلام في المنطقة. مع أن هذا النصر، الذي أجبر الانفصاليين على الدخول في مفاوضات مع باكو لتسليم أسلحتهم وإعادة دمج الإقليم كجزء من أذربيجان، يقضي فعليا على حلم الانفصاليين وداعمتهم أرمينيا بالحفاظ على الأمر الواقع الذي فرضوه بالقوة في قره باغ قبل 3 عقود، إلا أنه يمكن أن يتحول إلى فرصة لإنهاء المعاناة الإنسانية الكبيرة التي خلفها الصراع العرقي.

يمكن تحويل جنوب القوقاز إلى منطقة سلام إذا ما أحسنت باكو التصرف بطريقة تطمئن السكان الأرمن بأنهم لن يتعرضوا للاضطهاد وسيعاملون كمواطنين أذربيجانيين، وإذا ما تعامل الانفصاليون ويريفان بواقعية وتحرروا من قيود الماضي ومنحوا أولوية لمزايا الانخراط في سلام شامل وإخراج أرمن قره باغ من الحلقة المفرغة التي دخلوها بسبب النزعة الانفصالية.

لن تستطيع بعض السرديات على غرار المخاوف من تعرض أرمن قره باغ للتطهير العرقي بعد انهيار المشروع الانفصالي بأي حال عكس التحولات الجيوسياسية التي طرأت على قضية الإقليم

من الصعب على الأذربيجانيين والأرمن تجاوز الأحقاد التاريخية ببساطة والتعايش مجددا وكأن شيئا لم يحدث. كما أن التاريخ مليء بالمآسي الإنسانية المروعة التي لن تمحى من الذاكرة بسهولة. لكن تجاوز الماضي والتطلع إلى المستقبل هو السبيل الوحيد لعكس مسار التاريخ. لقد فشلت السرديات الأرمينية في نهاية المطاف في الصمود أمام حقيقة أن قره باغ جزء من أذربيجان. كما أن تاريخ الصراع على قره باغ أثبت أن القوة التي حرفت التاريخ وشوهت الجغرافيا تنهار عندما تضعف أمام القوة الأخرى التي تتحرك وفق منطق التاريخ والجغرافيا.

تبخر حلم الانفصال

ومع أن بعض السرديات على غرار المخاوف من تعرض أرمن قره باغ للتطهير العرقي بعد انهيار المشروع الانفصالي، لا تزال تعمل لنزع الشرعية عن المكاسب الكبيرة التي حققتها أذربيجان في الإقليم في حرب 2020 وهجوم سبتمبر/ أيلول الخاطف، إلا أنها لن تستطيع بأي حال عكس التحولات الجيوسياسية التي طرأت على قضية قره باغ. سيؤدي استمرار هذه السرديات فقط إلى إفساد فرص السلام الذي يربح منه الجميع دون استثناء.

بمقدور الرافضين للعيش تحت حكم أذربيجان من الأرمن والممتعضين في يريفان من انهيار الحلم الانفصالي أن يلوموا حكومة نيكول باشينيان وروسيا واتهامهما بالتخلي عن أرمن قره باغ، لكنه سيتعين عليهم قبل أي شيء التعامل مع الواقع الجديد. قد يعزو الواقعيون سبب الانتكاسة الانفصالية إلى التفوق العسكري الكاسح الذي مكن أذربيجان من تغيير مسار الصراع على الإقليم لصالحها، وإلى ترك روسيا حليفتها أرمينيا وحيدة في حرب قره باغ الثانية، وهي حقيقة لا يمكن تجاهلها، لكن حقيقة التاريخ والجغرافيا لم تكن يوما تخدم الحلم الانفصالي.

في الواقع، كان التفوق العسكري الأرميني على أذربيجان منذ حرب الإقليم الأولى وإستراتيجية تجميد الصراع التي انتهجتها روسيا وبعض القوى الغربية وحدهما من ساعد المشروع الانفصالي في الصمود حتى عام 2020. لذلك، لا يبدو مفاجئا أن يبدأ الحلم بالانهيار عندما عكست أذربيجان موازين القوى العسكرية لصالحها وعندما أجبرت حرب قره باغ الثانية روسيا على تبني مقاربة مختلفة للصراع.

مزايا السلام الشامل

لم تعمل العقود الثلاثة الماضية من الصراع على تعميق التشوهات الجغرافية في جنوب القوقاز فحسب، بل حرمت أذربيجان وأرمينيا والقوى الفاعلة في المنطقة من الاستفادة من مزايا السلام الذي أصبح اليوم ممكنا. في الواقع، أضحت مزايا السلام أكثر وضوحا مع الآفاق الجديدة التي خلقها انتصار أذربيجان أمام تركيا وأرمينيا لإعادة تطبيع علاقاتهما، علاوة على مشاريع النقل والمواصلات التي ستعمل على تعزيز التنمية في دول جنوب القوقاز وتعظيم أهمية المنطقة في المنافسة الجيوسياسية العالمية الجديدة.

الهامش الكبير الذي تجده اللوبيات الأرمنية في العواصم الغربية يجعل الغرب عاجزا عن التكيف مع تحولات الجغرافيا السياسية في جنوب القوقاز وتبني مقاربة واقعية تساعد في تعظيم فرص السلام

لم يعد بمقدور يريفان مقاومة تلك التحولات، كما أن بعض الأطراف الأخرى المتوجسة من هذه التحولات مثل إيران تخاطر بتهميش نفسها في الجغرافيا السياسية الجديدة التي تنشأ في جنوب القوقاز. مع أن بعض السرديات المتعلقة بمخاوف التطهير العرقي لا تزال تجد صدى لها في الأوساط الأرمينية عموما وبعض الأوساط الغربية التي تعتقد أن مصلحتها تكمن في إبقاء صراع قره باغ مجمدا لفترة أطول، إلا أن أذربيجان تقدم اليوم طرحا بمساواة أرمن الإقليم بالمواطنين الأذربيجانيين الآخرين من حيث الحقوق والواجبات. لا توجد آلية مستدامة تضمن حقوق الأرمن في قره باغ أكثر من هذه المساواة.

فرص ومخاطر

مع مضي المفاوضات بين باكو والانفصاليين بشكل جيد، فإن فرص تحقيق سلام شامل في جنوب القوقاز تتطلب قبل كل شيء التوصل إلى سلام بين أذربيجان وأرمينيا يقوم على الاعتراف المتبادل بالسلامة الإقليمية والحدود وفق القانون الدولي.

يبدي رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان شجاعة في مواصلة هذا المسار رغم الضغوط الداخلية الراديكالية التي يتعرض لها، لكن التراجع عن هذا المسار ينطوي على مخاطر أكبر على أرمينيا ويحرمها من الاستفادة القريبة من مزايا السلام الشامل. للوصول إلى هذه النتيجة المربحة للجميع، سيتعين على إيران والدول الغربية لعب دور إيجابي وبناء في دفع مساعي السلام. سيكون إشراك طهران على وجه الخصوص في الوضع الجيوسياسي الجديد مهما لإزالة هواجسها من هذه التحولات، وقد سبق أن عرضت تركيا تعاونا إقليميا واسعا لنقل جنوب القوقاز إلى مرحلة السلام والاستقرار.

من الواضح أن الهامش الكبير الذي تجده اللوبيات الأرمنية في العواصم الغربية يجعل الغرب عاجزا عن التكيف مع تحولات الجغرافيا السياسية في جنوب القوقاز وتبني مقاربة واقعية تساعد في تعظيم فرص السلام في المنطقة. لكن مواصلة العزف على وتر النزاع العرقي لن يؤدي سوى إلى تعميق مأزق يريفان والانفصاليين الأرمن في الوضع الجيوسياسي الجديد.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی جنوب القوقاز أرمن قره باغ

إقرأ أيضاً:

في عهد ترامب: تحولات محتملة في العلاقة بين واشنطن وبروكسل بشأن ملف التكنولوجيا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تعاونت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في قضايا التكنولوجيا خلال السنوات الأربع الماضية تحت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، ولكن مع اقتراب تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترامب في يناير 2025، تبرز تساؤلات حول كيفية تغيير هذه العلاقة تحت قيادته.

فوفقًا للخبراء، من المتوقع أن يشهد التعاون بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في مجال التكنولوجيا تحولًا تدريجيًا وليس انقلابًا جذريًا.

وقال يوفان كيرباليجا، المدير التنفيذي لمؤسسة ديبلو، في تصريحات لشبكة يورونيوز نيكست: "التغيير سيكون أكثر تطورًا من ثورة، ما يعني أن هناك استمرارية أكبر مقارنةً بالسياسات التي شهدتها إدارة بايدن".

ومن أبرز التعديلات المتوقعة هي سياسات ترامب بشأن إشراف المحتوى، والرسوم الجمركية، والضرائب، والأمن السيبراني.. كما يشير كيرباليجا إلى أن التعديلات ستشمل إعادة النظر في كيفية إدارة المحتوى عبر الإنترنت، مما قد يختلف بشكل كبير عن سياسات بايدن، حيث يضغط ترامب على شركات التكنولوجيا لتكون مسؤولة عن المحتوى على منصاتها.

ومن المواضيع البارزة التي ستتأثر بتولي ترامب الرئاسة هي قضايا مساءلة شركات التكنولوجيا الكبرى: فـ"مشروع 2025"، الذي أعدته مجموعة فكر تابعة للحزب الجمهوري، اقترح تعديل القسم 230 من قانون الدبلوماسية الأمريكي ليجرد شركات وسائل التواصل الاجتماعي من الحماية القانونية التي تتمتع بها حاليًا ضد المحتوى الذي يتم نشره على منصاتها.. وهذا التعديل قد يعزز التنسيق بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ولكن قد يسبب توترات في العلاقة بين الجانبين إذا لم يتم تنفيذه بطريقة تتفق مع اللوائح الأوروبية مثل قانون الخدمات الرقمية وقانون الأسواق الرقمية.

وعلى صعيد آخر كانت الرسوم الجمركية جزءًا أساسيًا من سياسة ترامب الخارجية، ومن المحتمل أن تشهد العلاقة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مزيدًا من التوتر في حال قررت واشنطن فرض رسوم جمركية على دول الاتحاد الأوروبي.. وفي هذا السياق، قال كيرباليجا إن الاتحاد الأوروبي قد يلجأ إلى "تحول جذري" من خلال الرد على الرسوم الأمريكية بتقييد خدمات الإنترنت القادمة من الولايات المتحدة.

وقد يتغير أيضًا دور "مجلس التكنولوجيا الأمريكي-الأوروبي"، الذي أنشأه الرئيس بايدن لتعزيز التنسيق بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في مجالات مثل نقل البيانات، وتنسيق العقوبات ضد روسيا، ودعم أوكرانيا في قضايا الأمن السيبراني.. ويعتقد الخبراء أن ترامب قد لا يكون "متحمسًا بشكل خاص" للإبقاء على هذا المجلس، حيث يفضل التفاوض على صفقات فردية مع دول معينة بدلًا من التعامل مع تكتلات كبيرة مثل الاتحاد الأوروبي.

ومن المتوقع أن تواجه أوروبا تحديات كبيرة في التعامل مع ترامب، الذي يميل إلى سياسة "فرق تسد"، حيث يسعى إلى التفاوض مع الدول بشكل منفرد، مما قد يضع الاتحاد الأوروبي في موقف صعب.. وفي هذا السياق، قال بيل إيشكيسون، الزميل الكبير في مركز تحليل السياسات الأوروبية، إن الاتحاد الأوروبي قد يواجه صعوبة في التنسيق بين الدول الأعضاء في الرد على الاتفاقيات التجارية الثنائية التي قد تفرضها الإدارة الجديدة. 

وبينما يتجه العالم نحو فترة جديدة من السياسات الأمريكية مع ترامب، من المحتمل أن تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في مجال التكنولوجيا تغييرات تدريجية قد تؤثر على التعاون بين الجانبين.. وسواء تعلق الأمر بإشراف المحتوى، أو الرسوم الجمركية، أو التنسيق بين الحكومات، فإن التحولات المقبلة قد تفتح المجال لتحديات وفرص جديدة في التعاون التكنولوجي العالمي.

مقالات مشابهة

  • في عهد ترامب: تحولات محتملة في العلاقة بين واشنطن وبروكسل بشأن ملف التكنولوجيا
  • واشنطن: بات ممكنا التوصل لوقف إطلاق النار بغزة
  • بنموسى: إحصاء السكان كشف عن تحولات عميقة في المجتمع المغربي
  • رئيس جامعة بنها ومحافظ القليوبية يستقبلان سفير دولة أذربيجان بالقاهرة
  • لبحث سبل التعاون.. رئيس جامعة بنها ومحافظ القليوبية يستقبلان سفير دولة أذربيجان بالقاهرة
  • رئيس جامعة بنها ومحافظ القليوبية يستقبلان سفير أذربيجان بالقاهرة
  • عالم أزهرى: قراءة القرآن بتدبر وحضور القلب تجعل المسلم في أجواء روحانية خاصة
  • روني كاسريلز.. حان الوقت لتغيير حق الفيتو الذي يحمي إسرائيل
  • حركات أنثوية تجعل زوجك يضعف أمامك
  • مراسلة الجزيرة بموسكو تكشف عن الفندق الذي نزل به الأسد والأموال التي بحوزته