شفق نيوز:
2024-12-22@05:16:46 GMT

مهمة فضائية تستهدف كويكباً يحمل اسم إله الفوضى

تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT

مهمة فضائية تستهدف كويكباً يحمل اسم إله الفوضى

شفق نيوز/ تنطلق مركبة الفضاء "أوزيريس ريكس" (OSIRIS-REx)، التي أُعيد تسميتها لتصبح "أوزيريس أبيكس" (OSIRIS-APEX)، في رحلة جديدة لدراسة كويكب سيقترب بشدة من الأرض في غضون سنوات قليلة؛ وذلك بعد نجاحها في توصيل أول عينة جمعتها الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء الأميركية (ناسا) من كويكب في الفضاء، بحسب شبكة "CNN".

 

وقالت الشبكة الأميركية إنه في غضون نحو 5 سنوات ونصف ستصل صخرة فضائية تحمل اسم "أبوفيس" (Apophis)، يبلغ عرضها نحو 1200 قدم (366 متراً)، إلى مسافة 20 ألف ميل (32,187 كيلومتراً) من الأرض، لتكون أقرب من الأقمار الاصطناعية التي تدور حول كوكبنا، وأقرب 10 مرات من القمر.

وسمي الكويكب على اسم إله الفوضى والظلام عند المصريين القدماء "أبوفيس"، ويُعتقد أنه (الكويكب) على شكل حبة فول سوداني.

وبعد ساعة واحدة من اقتراب "أبوفيس" من الأرض، في 13 أبريل 2029، ستستخدم "أوزيريس أبيكس"، وهي اختصار الأحرف الأولى لكلماتOrigins, Spectral Interpretation, Resource Identification and Security-APophis Explorer وتعني (أصول التفسير الطيفي تحديد الموارد، ومستكشف أبوفيس الأمني)، جاذبية الأرض لدخول مدار حول الكويكب ودراسته عن كثب لمدة 18 شهراً.

ووصفت "CNN" هذه الخطوة بأنها "فصل جديد شامل" لمركبة فضاء كانت في رحلة بالفعل، إذ أمضت مركبة الفضاء "أوزيريس ريكس" 7 سنوات في رحلة ذهاباً وإياباً إلى كويكب "بينو" (Bennu) القريب من الأرض، بما في ذلك الوقت الذي أمضته في المعاينة والهبوط وجمع عينة من الصخرة الفضائية.

والآن تقبع العينة في موطنها الجديد في "مركز جونسون للفضاء"، التابع لوكالة ناسا في هيوستن، حيث يمكن أن يكشف تحليل الصخور والتربة التي جمعت من كويكب بينو القريب من الأرض عن معلومات بشأن أصل نظامنا الشمسي وتكوين الكويكبات التي يمكن أن تصطدم بالأرض في المستقبل".

وأشارت "CNN" إلى أن مركبة الفضاء "أوزيريس أبيكس" لن تتمكن من جمع عينة من "أبوفيس"، لأن رأس جمع العينات كانت متضمَنة في الكبسولة مع عينة بينو التي نُقلت إلى الأرض.

ولكن "أوزيريس أبيكس" ستستخدم مضخات الغاز الخاصة بها في محاولة لدفع الغبار والصخور الصغيرة المتناثرة فوق وأسفل سطح "أبوفيس" لدراستهما بعد نحو 15 شهراً من الدوران حول الكويكب.

ما الذي يمكن أن يكشفه "أبوفيس"؟

يحظى "أبوفيس" باهتمام بالغ لأنه كويكب صخري "S-type" بخلاف "بينو"، الذي يُعد كويكباً كربونياً "C-type".

وتتكون الكويكبات الكربونية من الطين وصخور السيليكات، فيما تتكون نظيراتها الصخرية من مواد السيليكات والنيكل والحديد.

والسيليكات مركبات كيميائية تدخل في تركيبها أيونات عنصري الأوكسجين والسيليكون، وهي أكبر أصناف المعادن وأكثرها تعقيداً وغنى في قشرة الأرض على الإطلاق، وتشمل على سبيل المثال الكوارتز والتوباز والعقيق الأحمر.

ويمكن أن تكشف قدرة المركبة الفضائية على الدوران عن كثب حول الكويكب عن قوة سطح الكويكبات الصخرية، وقدرة الكويكب على تحمل العوامل الجوية في البيئة الفضائية.

مع ذلك، قالت "CNN" إن التخطيط للدفاع عن الأرض سيمثل دافعاً رئيسياً آخر للمهمة الممتدة، لافتة إلى أن الكويكبات الصخرية "جزء من الفئة الأكثر شيوعاً من الكويكبات محتملة الخطورة التي تشكل تهديدا لكوكبنا"، ومن ثم فإن فهم تكوينها والتفاصيل الأخرى التي لا يمكن الحصول عليها إلا من مدار قريب، سيمكن وكالات من قبيل "ناسا"، وشركائها على تحديد أفضل طريقة لتفادي هذه الكويكبات حال توقع وجودها في مسار تصادمي مع الأرض.

ونقلت الشبكة الإخبارية عن داني ديلاجوستينا، كبيرة الباحثين في مهمة "أوزيريس أبيكس"، قولها إن "أبوفيس" يُعد "أحد الكويكبات الأكثر شهرة، وعندما اكتشف لأول مرة في عام 2004، كانت هناك مخاوف من أنه سيصطدم بالأرض في عام 2029 أثناء اقترابه الشديد".

وأضافت ديلاجوستينا أنه "رغم استبعاد هذا الخطر بعد عمليات رصد لاحقة، سيظل "أبوفيس" أقرب كويكب بهذا الحجم خلال الخمسين عاماً أو نحوها التي رصدت خلالها الكويكبات عن كثب، أو على مدى المائة عام المقبلة في الكويكبات التي اكتشفناها حتى الآن".

وأضافت الأستاذة المساعدة في علوم الكواكب في جامعة أريزونا أن "أبوفيس سيصل إلى عُشر المسافة بين الأرض والقمر خلال صدام عام 2029".

وأشارت نائبة كبير الباحثين لتحليل عينة "بينو" إلى أن "الناس في أوروبا وإفريقيا سيتمكنون من رؤيته بالعين المجردة لقربه"، مضيفة: "لقد شعرنا بحماسة غامرة عندما اكتشفنا تمديد المهمة".

كما استبعدت عمليات رصد مدار "أبوفيس" حول الشمس في عام 2021 خطر اصطدام الصخرة الفضائية بالأرض في عام 2068، وفقاً لمركز دراسات الأجسام القريبة من الأرض لتابع لوكالة "ناسا".

ويحتفظ المركز بقائمة المخاطر، إذ يرصد الكويكبات ذات المدارات التي تجعلها قريبة من الأرض بما يكفي لإثارة القلق من اصطدام محتمل. ويستخدم علماء المركز أجهزة الردار والتلسكوب لدراسة الأجسام القريبة من الأرض، وفهم المخاطر التي قد تفرضها على الكوكب.

وستمكن مراقبة "أبوفيس" أثناء وبعد اقترابه الوثيق من الأرض العلماء من معرفة ما إذا كان من الممكن أن تطرأ أي تحوّلات في مداره، ومدى تأثير ذلك على احتمالية اصطدامه بالأرض في المستقبل، وكذلك أي تغييرات في سطح أو معدل دوران الكويكب.

المصدر: شفق نيوز

كلمات دلالية: العراق هاكان فيدان تركيا محمد شياع السوداني انتخابات مجالس المحافظات بغداد ديالى نينوى ذي قار ميسان اقليم كوردستان السليمانية اربيل نيجيرفان بارزاني إقليم كوردستان العراق بغداد اربيل تركيا اسعار الدولار روسيا ايران يفغيني بريغوجين اوكرانيا امريكا كرة اليد كرة القدم المنتخب الاولمبي العراقي المنتخب العراقي بطولة الجمهورية خانقين البطاقة الوطنية مطالبات العراق بغداد ذي قار ديالى حادث سير عاشوراء شهر تموز مندلي أخبار الفضاء بالأرض فی من الأرض الأرض فی یمکن أن فی عام

إقرأ أيضاً:

(تقدّم) والخلاف في منازعة شرعية الحكم في السودان

عبد الجبار محمود دوسة

معالجة أزمة شرعية السلطة والحكم في السودان، لا بد أن تُعيدنا إلى التذكير بأن أي شرعية لحكومة في أي دولة، مرجعها الشعب الذي هو في الأصل مالك السلطة ويجسّدها في الدستور وفقاً لمراحل معلومة، لكنه بعد تفويض البعض منه لممارستها نيابة عنه، يعود ويبقى في موقع المحكوم، ليتيح للدستور الذي أجازه أن يؤطّر وينظّم ويوجّه ويضبط ممارسة الحوكمة عليه. إذا أسقطنا هذه المظلّة على المشهد السوداني في الإطار الزمني الذي سأشير إليه لاحقاً، نجد أن المُسْقَط عليه أدنى حجماً بكثير من أن يستوعب المظلّة، ومن ثم ليس مسوغاَ ولا صياغاً ولا سياقاً يمكن أن يعكس المضمون أو الشكل، ولكن هناك واقع تم التعامل معه وفقاً للمعطيات التي أتاحت بعض أسهم مؤشّرات النجاح وإن كانت مِعوجّة، أن تقود إلى مرحلة يُمكن أن يتم فيها الوصول إلى مرحلة الشرعية التي تسندها تلك الخطوات المعروفة عن سلطة الشعب وتفويضه والدستور الذي يحكم الممارسة، وأعني هنا التوافق الذي أنتج الوثيقة الدستورية برغم ما تضمّنتها من عيوب، والحكومة الانتقالية التي نتجت عنها، أملاً في أن تسد الممارسة ثقوبها خلال كامل الفترة الانتقالية.

أذن، نحن أمام عنوان عريض لمعضلة ظلّت بارزة في المشهد السوداني منذ نشأة الدولة السودانية بخارطتها واسمها قبل أكثر من قرن، ولأنه ليس من الممكن في مقال واحد، أن أتطرّق فيه إلى كل تفاصيل المضمون، ومن ثم فإن ما سيقرأه القراء هنا، هو عبارة عن عنوان لشبه مبادرة لامتصاص التباين الذي حدث، وقد يشكّل مدخلاً مقتضباً لتطوير مبادرة أكثر شمولاً لتقريب وجهات النظر المتباينة بين الطرفين في مفهومين متباعدين إن لم نقل متوازيين، نتجا عن محور مداولات اجتماعات الهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديموقراطية المدنية (تقدم) في موضوع شرعية الحكم ضمن رؤيتها السياسية، والتي أنهت أعمالها قبل أيام في عنتيبي، في يوغندا.

نتائج الخلاف التي برزت في هذا الصدد، تشير إلى رؤيتين إحداهما تنادي بتشكيل حكومة موازية لنزع شرعية الحكم من سلطة الأمر الواقع التي تدير باسم الدولة في بورتسودان، السلطة التي أشارت هي عن نفسها بأنها تسيطر ميدانياً على ست ولايات، ولكنها ظلّت تتخذ من التدابير السلطوية ما سعت وما زالت تسعى بموجبها لترسيخ تعميم حصرية السلطة لها على مستوى السودان دون أن تترجم الجزئية الأخيرة على الأرض. بينما رؤية أخرى ترى عدم تشكيل الحكومة، ولكل رؤية أسبابها الداعمة، ولعل القراء قد اطّلعوا على مبررات كل طرف في البيانات والأحاديث التي انتشرت عن الرؤيتين، حيث لا حاجة إلى التفصيل فيها.

إذن، محور التناول هنا كما قلت، سينحصر في نزاع الشرعية عطفاً على الإطار الزمني الذي أحدده بالفترة من التوقيع على الوثيقة الدستورية في 2019م، مروراً بانقلاب 25 أكتوبر 2021م، وما بعده إلى اليوم. من خلال ما رشح من الاجتماع، فالهيئة القيادية بكاملها متّفقة على أن السلطة القائمة في بورتسودان لا تملك شرعية الحكم بالمفهوم الذي أشرنا إليه، لكنها تمارس السلطة بحكم الأمر الواقع، وهي السلطة التي جاءت نتاجاً لمصادرة ملكية الوثيقة الدستورية للعام 2019م، والتي كانت بين أطراف، فجاء انقلاب 25 أكتوبر 2021م، ليبعد بعض الأطراف ويحصر ملكية السلطة في المؤسسة العسكرية والمتحالفين معها. إذن، السلطة الحالية هي سلطة أمر واقع فُرِضَت بالقوة، وهي بذلك تحمل جينات شرعية البندقية، وهذا ما ينطبق عليها منطقاً ومبدأً، مُعبّراً عنه بعبارة عدم الشرعية، حيث أسقطت حقيقة أن الشعب هو مرجعية السلطة، ولا يمكن بأي حال مصادرة حقّه في ملكيتها وفي حق تفويضها. ومعلوم أن سلطة الأمر الواقع في أي دولة، ستجد بعضاً من الشعب ممن يؤيدها ويسندها، لكن ليس من مبدأ السلطة والحاكمية للشعب ولكن من منظور أنه في أي شعب توجد قطاعات مفتونٌ هواها مع السلطة التي تقهرها.

دعونا إذن، نقف على بعض النماذج لشرعيات استمرت بالقوة وليس بإرادة الشعب، حيث لدينا هناك أمثلة كثيرة ولكن نستعرض بعضاً منها. معلوم أنه وعقب ما سُمّي ب"الربيع العربي"، تخلّقت شبه ثورات لشعوب دول عربية عديدة، ظلّت محكومة بدكتاتوريات عسكرية وشمولية لعشرات السنين، ونتج صراع محموم بين راغبي الحرية والعدالة والأنظمة الحاكمة، فانتهت في بعض هذه الدول إلى "فوضى خلّاقة" تخدم إلى حد كبير الفلسفة التي يُقال أن أمريكا أطّرتها ضمن رؤيتها لترسيخ مصالحها ما بعد العقد الثاني من الألفية في مختلف مربعات العالم، وهي فلسفة في مفهومي، لا تُسْتَزرع وتنجح وتأتي أُكُلها إلا في شعوب أوهنتها الدكتاتوريات ومزّقت نسيجها المجتمعي ولم يكن لدى المعارضة فيها مشروعات وطنية مُحْكَمة الصياغة وقادرة في أن تلملم الشعث عندما تندلع الفوضى وتحوّلها إلى عناصر تقوية للوحدة الوطنية، بدلاً من أن تصبح مجهوداتها عناصر تسميد للفوضى الخلّاقة.

في ليبيا مثلاً، وبعد أن انتهى نظام العقيد الراحل معمّر القذافي، انتهى الأمر إلى أن عربدت الفوضى الخلاقة ورقصت على أنغام الذخيرة وما زالت، وكان الناتج أن الشعب الليبي الذي كان يقوم على اعتزازٍ بالنفس والانتماء ويدور في فلك الوطن الواحد، أصبح الآلاف منه لاجئون في أوروبا وغيرها، بينما من بقي في ليبيا، تراه اليوم منقسماً ويدور حول محاور عديدة تحكمها جغرافيا متعددة، تُدار تحت لافتات حكومات متعددة. وكما قلت فإن جينات الفوضى الخلاقة، كان تأثيرها أكبر، لأن المعارضة الليبية حين سقط النظام تحت قهر السلاح، لم يكن لديها مشروع وطني متماسك، فانفرط عقدها لأنها كانت مجتمعة فقط على هدف إسقاط النظام، لكن كلٌ منها كان يتأبط مشروعاً يقوم على هيمنة السلاح، فأُقبر الإصلاح وظل التنازع على الشرعية عنواناً تُعربد تحته الفوضى الخلاقة في براح.

لم يكن الحال في الصومال وتونس واليمن وسوريا مختلفاً، هي أيضاً نماذج تستضمن جينات الفوضى الخلّاقة، بيد أن المعارضة في تونس انحنت لطوفان العِبرة التي وعت درسها من التجارب الأخرى، فلم تحتكم إلى السلاح وحاولت أن تستزرع الديموقراطية والعدالة رغم التعثّر الماثل، فكان ذلك هو الأمر الذي حجّم وألجم هيجان الفوضى الخلاقة التي ظلّت لعقد كامل متوثبة للانقضاض على المشهد السياسي التونسي في أي سانحة، ومعلوم أنها فلسفة تجيد "فرمطة" العقول لتجعلها صفحات ناصعة للكتابة عليها بزخّات الذخيرة. بينما استمر الحال في الصومال واليمن وسوريا بوجود حكومتين، بغض النظر عن صِغر الإطار الجغرافي للحكومة التي تشكّلت في مدينة إدلب السورية برعاية تنظيم "هيئة تحرير الشام" التي تهيمن اليوم على المشهد السوري بأكمله، بعد سقوط نظام الأسد. لكن في كل هذه الحالات وما يشابهها بما في ذلك السودان إذا تشكّلت فيه حكومتان، هناك دائماً دول حاضرة للاعتراف الجهري أو السري والتعامل مع الحكومتين على كل المستويات، وأخطر درجات التعامل هو الإمداد بالسلاح. إذن، فالأمر على المستوى السوداني يحتاج إلى قدرٍ عالٍ من التعامل معه بِحكمة، كونه يُلقي بظلال الانقسامات على مستويات متعددة.

هناك عنصر تشابه جامع بين شعوب دول الربيع العربي محل النمذجة، يمكن أن يمثّل قاعدة دعم لأي مشروع وطني سابقاً كان أو لاحقا، ألا وهو روح الانتماء بين الشعب لبعضهم البعض، أي أن في وجدانياتهم كما هو الحال في ألسنتهم هوية واحدة. ليس من تونسي إلا وينظر للتونسي الآخر بنفس المنظار في الانتماء إلى الوطن ويبادله نفس الوجدان، والحال كذلك لدى اليمنيين والسوريين، فالخلاف في الرؤى السياسية والأيديولوجية والطائفية لا ينفذ إلى مضغة الهوية، بل يتعارك في الساحة التي حولها، وحال انقشاع غبار العراك، تبقى الهوية واحدة والوطن واحد للجميع، وهي حالة نفتقدها في السودان بالنظر إلى تجاربنا، لا سيما ويغذّي الهوة فيها خطاب تنافر متبادل بين شرائح واسعة من الشعب. لذلك، مشهدنا أكثر قابلية لاستزراع الفوضى الخلّاقة ونجاحها، وهو المؤشّر الذي بنينا عليه رأينا من أول يوم لاندلاع الحرب وبأنها ستطول وستقود السودان إلى تآكل دائم، ما لم يستخدم الجميع العقلانية والحِكمة والواقعية بوقفها وسرعة معالجة تداعياتها ولا سيما إلجام جموح التنافر المجتمعي.

إذن، فالخلاف الذي نشب بين أعضاء الهيئة القيادية ل (تقدّم) والذي أداته الكلمة والحُجَّة والحُجَّة المقابلة، إلى حد كبير وبحكم السياق الذي يتحرك فيه في المشهد المشتعل بين الطرفين المتصارعين على شرعية السلطة والحكم بالاحتكام إلى زخّات الذخيرة، ذلك الخلاف سيتنفّس مرغماً رياحين هذا الصراع العسكري الذي جثم على مضغة الهوية وكتم أنفاسها واتخذ منها مقعداً ومتكأً ونشر بذور الفوضى الخلّاقة التي تغذّي الهويات المتعددة من خلال الرسائل الشتراء المنتشرة في خطابات بعض كبار منسوبي أطراف الحرب، وبشكل مكثّف في وسائط التواصل الاجتماعي. فانعكس على (تقدّم) وشكّل لها الحاجز الأعلى ارتفاعاً في سباقها نحو تجاوز الحواجز الكثيرة التي ما زالت باقية للوصول إلى مرحلة بناء الدولة المدنية.

من المعلوم، أن كل يوم إضافي لاستمرار الحرب، يُولِّد تداعيات وإفرازات إضافية تعمل على زيادة عُقد الأزمة وهي بدورها تُمهّد التُربة لمحراث الفوضى الخلّاقة أن يحرث دون عوائق، مما يُصعّب ويُبعثر أي جهود تبذلها القوى المدنية الرافضة للحرب، سواء في (تقدّم) أو غيرها لوقف الحرب، والأمر كذلك، حين ننظر إلى خط الرسم البياني للجهود في مقابل المعضلات، سنجد أن مستجدات التداعيات والافرازات باستمرار تجبر هذا الخط في أن يبقى في مسار أفقي أو متعرجاً نحو الانحدار بدلاً من أن يتصاعد. لكن بالعودة والنظر إلى نوّارة مبررات كل رؤية، تتبين حقيقة متعادلة في النتائج من منظور الحسابات الشاملة. إذ ليس من المنطق قبول ما تقوم بها سلطة الأمر الواقع في تصميم وإصدار سياسات وتوجيه الآليات لتطبيقها في الولايات التي تسيطر عليها فقط، في حين أنه بالإمكان وتحت حقوق المواطنة الواحدة، يمكن باتفاق طرفي الحرب ووساطة أطراف محلّية أو إقليمية أو دولية، خلق آلية تتيح استفادة المواطنين الذين هم في الولايات التي يسيطر عليها الدعم السريع بنفس الحقوق. بغير ذلك، فسلطة الأمر الواقع كأنها تكرّس بمثل تلك السياسات المفصّلة، تكرّس على استيلاد مسوغ لمنتوج جديد يستنسخ مثيله الذي سبق أن استولد دولة في جنوب السودان.

من ناحية أخرى، فالذهاب إلى تشكيل حكومة موازية، وهي بالضرورة لن تكون حكومة في المنفى بقدر ما ستتسق مع الواقع في المشهد الميداني الذي يبين سيطرة الدعم السريع على عدد مقدّر من الولايات، مما يعني استنساخ تجارب نماذج الدول التي أشرنا إليها بوجود حكومتين، ولكن يبقى هناك عامل آخر يزيد من خطورة الحالة السودانية في معاناة المواطن الذي سيفرض عليه الواقع، التواجد والتعامل تحت نير حكومتين، ويزداد ذلك ضبابية بشكل أكثر في الولايات التي هي محل تنازع ساخن، أي الولايات التي تدور فيها المعارك وليست بها سيطرة كاملة لأي طرف. كما أن عنصر تعدد الهويات الذي يمور في الوجدانيات وتجترها الألسن والذي أشرت إليه سابقاً، سيجعل من الحالة السودانية ليس فقط في حاجة إلى حلول خارج الصندوق، ولكن في حاجة إلى معجزة. لا أدري ما إذا كانت الهيئة القيادية ل (تقدّم) قد ناقشت أمكانية إحالة أمر الموضوع الخلافي إلى لجنة خبراء يتم اختيارهم بمعايير محددة لإخضاع أمر تشكيل حكومة موازية من عدمه إلى دراسة معمّقة كون الأمر في غاية الأهمية لأنه يقرر في مصير ومستقبل وطن يرزح تحت الحرب، وترفع اللجنة تقرير مفصّلا بذلك بما في ذلك التوصيات، لتهتدي الهيئة القيادية في اجتماعها الدوري أو الاستثنائي بمضمونه في اتخاذ قرار جماعي قائم على مبررات مسنودة بعمق الدراسة المتخصصة، وفي نفس الوقت يحفظ وحدة تنسيقيتها. يبقى السؤال قائماً، هل يمكن للخلاف داخل (تقدّم) في هذا الأمر بالتحديد، أن يجد مظلّة احتواء تُوحّد الرؤيتين وتقلل من تناسل التداعيات والافرازات وتعمل على تقزيم وتحجيم عُقد الأزمة؟ الإجابة نعم.

jabdosa@yahoo.com  

مقالات مشابهة

  • الكرملين: الصواريخ التي تستهدف أراضينا يوجهها متخصصون أمريكيون
  • 2000 إعلامي و7 قنوات فضائية تغطي بطولة كأس الخليج
  • بحجم مبنى من 10 طوابق .. ناسا تحذر من اقتراب كويكب ضخم من الأرض
  • خلال أيام.. ناسا تحذر من كويكب ضخم يمر بالقرب من الأرض
  • يثير القلق| وكالة ناسا تحذر: كويكب ضخم يمر بقرب الأرض في ليلة عيد الميلاد
  • الرئيس التركي يحمل أمريكا مسؤولية غزو إسرائيل لسوريا
  • بكري: سوريا تعاني من الفوضى وانتهاكات بالتنسيق مع إسرائيل
  • كيف غيرت نظرية الفوضى العالم.. علي جمعة يوضح
  • ذعر في استراليا بعد ظهور جسم غريب بالسماء.. سفينة فضائية أم ظاهرة طبيعية؟
  • (تقدّم) والخلاف في منازعة شرعية الحكم في السودان