انخفض عدد الصحافيين في أمريكا بنسبة 60 في المائة! كان عددهم في عام 1990 نحو 458 ألفاً، ثم هبط إلى 183 ألفاً بحلول عام 2016، حسب "الغارديان".
المنطق يقول إن القطاعات عادة ما ينمو عدد العاملين فيها، أي لا تتدهور مع الوقت. ما حدث أن المؤسسات الصحافية صارت تبقي على الموهوبين فقط في مجالاتها، وقلصت خدمات لم تعد ذات مردود مادي، بعد تدفق أنهار الإعلانات إلى منصات أخرى.
المفارقة، أن الصحافة الأمريكية والعالمية ما زالت تحتفظ بكُتاب أعمدة لامعين. وهو أمر يتوقع أن يستمر لردح طويل من الزمن؛ لأنهم بمثابة أيقونة المؤسسة، أو ربما "نجوم الشباك" بلغة السينما، إن جاز التعبير. كما أن الإنسان سيبقى متطلعاً لقراءة أو سماع آراء متخصصين ومحترفين في إيصال المعلومة، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ما يمكن أن يحدث أو يتغير قليلاً، هو أن نجد مثلاً زاوية نطلق عليها «الكاتب الذكي»، وهي من وحي خيال الذكاء الاصطناعي، لنقرأ ماذا يقول لنا "ذكاؤه التوليدي" في شتى القضايا.
المؤسسات العريقة بدأت رحلة الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، فـ"بي بي سي" مثلاً لديها "العصارة" Juicer وهو برنامج يفرز المادة الصحافية لأخبارها وغيرها من مواقع إخبارية، ويصنفها، ثم يقدم "عصارتها" حسب 4 فئات: الناس، والأماكن، والمؤسسات، والأشياء. وبدأت تتشكل ملاحم مستقبل وكالات الأنباء وغيرها. من ذلك تجربة رويترز مثلاً التي قدمت Lynx Insight وهو برنامج ذكي يحلل البيانات للصحافيين، ويكتب لهم بعض العبارات، والأهم الذي يشغل بال كل صانع محتوى صحافي أنه "يقترح عليهم أفكاراً صحافية"!
شقيقتها وكالة الأنباء AP الأمريكية، حاولت الاستعانة بالذكاء الاصطناعي، فتمكنت من استخراج تقارير منهجية، فتضاعفت الإنتاجية من 300 مادة إلى 3000 مادة. كما أن ثلث ما تنتجه بلومبر» يمر عبر تقنية الذكاء بشكل أو بآخر.
الصحيفة التي أطاحت بعرش الرئيس الأمريكي نيكسون في فضيحة "ووترغيت" حازت جائزة تقديرية لتغطية انتخابات 2016، بعدما استفادت من برنامج آلي يطلق عليه اختصار Heliograf، فجادت قريحته في العام الأول بنحو 850 قطعة صحافية. وتجربة "واشنطن بوست" تستحق التأمل، وكذلك غريمتها "نيويورك تايمز" التي نجحت في إضفاء لمسة شخصية على موادها المقدمة للقراء عبر الرسائل البريدية، بعد ترميز موادها وصورها، لتقدم مادة مصممة tailored لمزاج القارئ.
ذكرتُ ذلك أمس في منتدى الإعلام العربي في دبي، بوصفي متحدثاً رئيسياً في إحدى جلساته الحاشدة، وتطرقتُ إلى أهمية أن تستفيد المؤسسات الإعلامية من البيانات الضخمة big data في معرفة مزاج القارئ واختياراته. وهو ما نجحت فيه أكبر سلسلة "سوبرماركت" في بريطانيا تسكو، عندما استعانت بعلماء حللوا بياناتها، فاكتشفت أن 41% من مبيعاتها تأتي من4% من عملائها المميزين، وليس المحتملين potential أو من تغدق عليهم الحملات التسويقية خزائنها.
تلك المعلومات الضخمة، مثل ماذا يُطبع، وماذا يُلتقط عبر الهاتف، وماذا يشارك لو استفدنا منها جيداً بالتحليل العميق، سنتوصل بها إلى معلومات مذهلة تنقل مادتنا إلى آفاق جديدة، في انتقاء الأخبار وكُتاب الأعمدة الذين يتفاعل معهم القراء.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: زلزال المغرب التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي بيغير كل حاجة .. مبدعون ومهنيون بيكشفون عن مخاوفهم
في السنوات الأخيرة، تسلل الذكاء الاصطناعي إلى مجالات لم يكن لأحد أن يتخيلها، وبدأت تأثيراته تظهر بقوة في المهن الإبداعية، ما أثار قلق الكثير من العاملين في هذه المجالات.
كان يتصفح أوليفر فيجل، مصور ألماني يبلغ من العمر 47 عامًا، إحدى الصحف الوطنية عندما لفت انتباهه صورة على الصفحة الأولى لصبي يركض خلف كرة قدم، بدا له أن هناك شيئًا خاطئًا في الصورة؛ الزهور البرية كانت تطفو بلا سيقان، وشبكة المرمى كانت غير مكتملة، ويدي الصبي مشوهتين.
الذكاء الاصطناعي مثل تسوناميبالنسبة لفيحل، لم تكن هذه مجرد صورة غريبة، بل رمز لتغير جذري في مهنته، حيث أثر "الذكاء الاصطناعي على الصناعة بشكل مدمر"، حيث قال لفيحل بعد 18 عامًا من العمل في التصوير، اضطر إلى البحث عن مصادر دخل أخرى، ويفكر حاليًا في افتتاح حانة للنبيذ.
فيما وجد كارل كيرنر، مترجم متخصص في النصوص العلمية، نفسه في مواجهة عاصفة من التغييرات بعد أن بدأت الشركات تعتمد على أدوات الترجمة الذكية، حيث قال "أنا الآن عمليًا بلا عمل، لقد جاء الذكاء الاصطناعي مثل تسونامي".
من جهة أخرى، يرى البعض أن الذكاء الاصطناعي ليس عدوًا بل أداة يمكن الاستفادة منها، حيث سيتخدم ألكسندر كالفاي، طبيب بريطاني، الذكاء الاصطناعي في تسجيل الملاحظات الطبية، ما ساعده في توفير الوقت والتركيز أكثر على المرضى.
لكن هذه التطورات أثارت جدلًا كبيرًا حول مصير الوظائف الإبداعية، شعرت جيني تورنر، رسامة من شمال شرق إنجلترا، بإحباط شديد بعد أن بدأت ترى أعمالًا فنية مصنوعة بالذكاء الاصطناعي تُباع بأسعار زهيدة على الإنترنت، بينما كانت تقضي ساعات في رسم لوحاتها يدويًا.
دمج الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعاتتشجع الحكومة البريطانية، مثل العديد من الدول الأخرى، على دمج الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات لتعزيز الإنتاجية، لكن هناك دعوات متزايدة لوضع ضوابط تحمي العاملين في الصناعات الإبداعية من فقدان وظائفهم.
بات الذكاء الاصطناعي واقعًا يفرض نفسه على الجميع، بينما يرى البعض فيه فرصة لتطوير مهاراتهم والتكيف مع العصر الرقمي، يشعر آخرون أنه يهدد وجودهم المهني ويقلل من قيمة الإبداع البشري.