زيارة الأسد إلى الصين.. الشراكة الاستراتيجية حبر على ورق
تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT
سلطت الباحثة بجامعة سانت أندروز، كاسيا هوتون، الضوء على زيارة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، إلى الصين، وما صاحبها من ضجة سياسية، مشيرة إلى أن تلك الضجة لم تسفر عن التزامات تمويلية من جانب بكين.
وذكرت كاسيا، في تحليل نشرته بموقع "المونيتور" وترجمه "الخليج الجديد"، أن الإعلان عن الشراكة الاستراتيجية الصينية السورية، الأسبوع الماضي، جاءت بمثابة رسالة سياسية إلى الغرب، خاصة أنها ثاني أكثر الشراكات الدبلوماسية شمولاً في نظام السياسة الخارجية الصينية.
وأضافت أن الشراكة كانت بمثابة دفعة للرئيس السوري، بشار الأسد، مع خروج حكومته من العزلة الدولية، لكنها "لا تساوي أكثر من الورق الذي كتبت عليه" في الوقت نفسه، لأنه لم يتم الإعلان عن أي مشروعات بتمويل صيني منذ انضمام سوريا إلى مبادرة الحزام والطريق في يناير/كانون الثاني 2022، ما يشير إلى أن بكين لا ترى في سوريا مكانًا آمنًا للاستثمار فيه بعد.
وبحسب كاسيا فإن سوريا بعيدة كل البعد عن أن تكون شريكاً دبلوماسياً أو اقتصادياً مثالياً، ومع ذلك، فإن ما تفتقر إليه من الاستقرار وعوائد الاستثمار، تعوضه بحماسها لتوثيق العلاقات مع الصين، ومع ذلك، فمن دون الاستقرار السياسي، يصبح التعافي الاقتصادي المستدام في سوريا غير مرجح.
ومع 12 عاماً من الصراع الكارثي، الذي أدى إلى مقتل حوالي 250 ألف مدني، وإخفاء أكثر من 150 ألف آخرين، وتشريد 14 مليون شخص، وتسبب في دمار بقيمة 400 مليار دولار وعزل سوريا عن الجهات الاقتصادية الغربية الفاعلة، فإن الأسد حريص على العثور على مانحين ومستثمرين لبرنامج إعادة الإعمار، وخاصة التي لا تفرض شروطا سياسية.
وكانت الأموال التي يقدمها الغرب لإعادة الإعمار محدودة، وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على أولئك الذين يتعاملون مع الأسد.
اقرأ أيضاً
لماذا استقبلت الصين الأسد؟ وكيف يستفيد النظام السوري من الزيارة؟
وإضافة لذلك، فإن الشرط المسبق المعلن لمثل هذه الأموال هو تشكيل حكومة انتقالية يتنحى فيها الأسد، وقد بذلت الحكومة السورية، ولا تزال، كل ما في وسعها من أجل البقاء، وساعدها التدخل العسكري الروسي، الذي بدأ في سبتمبر/أيلول 2015، في ذلك.
وفي المقابل، حصلت روسيا على عقود إعادة الإعمار المسبقة وحقوق التنقيب عن الطاقة واستخراجها وإنتاجها، بما يعادل هيمنة كاملة على صناعة الهيدروكربونات السورية. كما منح النظام السوري إيران سيطرة كبيرة على الصناعات السورية الرئيسية مثل الاتصالات.
وكانت العقوبات الغربية غير فعالة إلى حد كبير في ردع أو منع الكيانات الخاضعة للعقوبات بالفعل، مثل "نفتيجاز" و"إيفرو بوليس"، وهي شركة طاقة مملوكة لرئيس فاجنر الراحل، يفجيني بريجوزين، من الاستفادة من الساحة الاقتصادية المهجورة في سوريا.
ومع ذلك، لا تمتلك روسيا ولا إيران الموارد الاقتصادية اللازمة لدفع فاتورة إعادة إعمار سوريا، والتي بدونها لا يمكن لموسكو وطهران أن تتوقعا أي عوائد على استثماراتهما.
جزرة الاستثمار
وإزاء ذلك، تعرض الصين، منذ عام 2017، "جزرة الاستثمار" على سوريا، بحسب كاسيا هوتون، مشيرة إلى دعوة دمشق إلى الانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق.
ومنذ ذلك الحين، أكدت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) باستمرار دعم حكومة الأسد لبكين وأشادت بوعدها بالتعاون الوثيق والمشاركة الاقتصادية، زاعمة أن التعاون الأكبر مع مجموعة بريكس، التي تضم الاقتصادات الناشئة الكبرى، يقاوم الإمبريالية الغربية واستغلال حقوق الإنسان كسلاح.
وفي حين انضمت سوريا إلى مبادرة الحزام والطريق في يناير/كانون الثاني 2022، لم تكن هناك مشاريع واضحة للبنية التحتية هناك حتى الآن.
وعلى نحو مماثل، من المرجح أن يعكس الإعلان عن الشراكة الاستراتيجية انفتاح الصين على مساعدة سوريا في إعادة إعمارها، ولكن فقط إذا رأت أن استثماراتها آمنة وجديرة بالاهتمام.
وهنا تشير كاسيا إلى أن هذا الشرط يمكن أن يحبط مغازلة سوريا وروسيا وإيران للمشاركة الصينية في إعادة الإعمار؛ إذ تريد الصين دعم الأسد، لكن سلطته المرهونة للجهات الفاعلة الفرعية والخارجية، والحكم القمعي، والإجرام وسوء الإدارة الاقتصادية، تجعل سوريا واقتصادها متقلبين.
شراكة بلا التزام؟
وفي السياق، ارتقت الصين وسوريا بعلاقتهما إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، وذلك خلال اجتماع عقد في 22 أيلول/سبتمبر بين الأسد وزوجته أسماء ووفد صيني رفيع المستوى في مدينة هانغتشو قبيل دورة الألعاب الآسيوية الـ 19.
وسوريا هي الدولة الأحدث التي تنضم إلى أكثر من 10 دول إقليمية أخرى تقيم شراكات استراتيجية أو شراكات استراتيجية شاملة مع الصين.
وكانت هذه أول رحلة للأسد خارج الشرق الأوسط، بخلاف روسيا، منذ بدء الصراع في سوريا في عام 2011، وأول زيارة له إلى الصين منذ عام 2004.
وفي مؤتمر صحفي صرح الرئيس الصيني، شي جين بينغ، بأن "الصين مستعدة لمواصلة العمل جنبا إلى جنب مع سوريا، والدفاع بشكل مشترك عن الإنصاف والعدالة الدولية، ومقاومة التدخل الأجنبي والحفاظ على الاستقلال الوطني والسيادة".
وبينما منحت بكين الأسد الدعم الدبلوماسي منذ بدء الصراع السوري، فإن زيارة الأسد الأخيرة إلى بكين تدل على إعادة تأهيل دمشق بما يتجاوز شركائها التقليديين ومنطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا، وهو ما يرمز إليه بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.
ويوم السبت، جلس الأسد مع رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، توماس باخ، في إشارة إلى أنه على الرغم من الجرائم الشنيعة التي ارتكبت تحت إشرافه والمعارضة داخل وخارج سوريا، إلا أن الأسد يتم الترحيب به ويخرج من عزلته الدولية.
ومع ذلك، فعلى الرغم من التقدم الذي أحرزته دمشق في شق طريقها للعودة إلى المسرح العالمي، لم يكن هناك أي ذكر لصفقات أو مشروعات ملموسة تمولها الصين في سوريا.
ولذا ترى كاسيا أن الشراكة الاستراتيجية بين دمشق وبكين بعيدة كل البعد عن كونها شراكة مبنية على الالتزام، بل هي "مجرد وعد محتمل بالتعاون المستقبلي بشروط الصين"، مشيرة إلى أن هذه الصيغة "معتادة بالنسبة لعلاقات الصين مع دول المنطقة".
فالصين لم تستثمر سوى القليل جدًا من مبلغ 400 مليار دولار في إيران، وهو المبلغ الذي وعدت به في اتفاقها لعام 2021 لمدة 25 عامًا، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى التقلبات الاقتصادية في إيران.
ومع تجدد الاحتجاجات في منطقة السويداء الدرزية المستمرة منذ أكثر من شهر وانتشارها لفترة وجيزة إلى أجزاء أخرى من سوريا، فمن الواضح أن الشرعية غير المستقرة لحكومة الأسد تتعرض للاهتزاز مرة أخرى.
وتخلص كاسيا إلى أن الشراكة الاستراتيجية الصينية السورية تستحق أكثر من الورق الذي كتبت عليه، وأن بكين تحتاج إلى الاستثمار في سوريا أكثر من مجرد الكلمات.
اقرأ أيضاً
أسماء الأسد تقود سوريا بمبادرة "الحزام والطريق".. وشركات الصين تترقب صفقات الإعمار
المصدر | كاسيا هوتون/المونيتور - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: سوريا بشار الأسد الصين السويداء الكبتاجون فاجنر أسماء الأسد الشراکة الاستراتیجیة الحزام والطریق إعادة الإعمار فی سوریا ومع ذلک أکثر من إلى أن
إقرأ أيضاً:
شراء اسد ديمقراطي .. شذرات حيونسانية ..
بقلم : حسين الذكر ..
في ضائقة ، وأزمة حضارية لم يحصل مثلها من قبل ، ضج أهل المدينة المغلوب على أمرها ، فقالوا : نحتاج إلى قيادة حكيمة تشتمل على مثالية الحكم وأنموذجيته التي سمعنا بها ، وقرأنا عنها من قبل .
رد أحدهم متسائلاً : ( ومن أين سنحصل على تلك القيادة إذا لم نر ونعِشْ تحت كنف أمثالها ولم نقرأ عنها إلا في الكتب والسير التاريخية المروية عن طريق الحكام ذاتهم ، وهم يتحدثون عن أنفسهم .. بما يضع ألف شك في طريق القناعة .. ) ،ثم سخر بطريقة تهكمية : ( هل سنبحث بالكوكل أم نشتري تذلك الأنموذج من سوق بلي أو بالتطبيقات ؟ ) .
فقال أحد كبار القوم قائلاً : ( فلنقتدي بالأسد .. ذلك الهوصر العتيد ، فهم منذ أقدم قصص التاريخ يتحدثون عنه … حتى عالم العولمة وعصر الافتراض الذي يسود ويؤسس للوهم .. ما زال أسداً يحكم غابته ، ويتحكم ببني جنسه ) .
في اليوم التالي خرجت الجماهير تهتف باسم الأسد ، وأنه الوحيد القادر على إدارة دفة الأمور ، وسير المركبة إلى شواطىء الأمان .. وأخذوا يبحثون عن أسد .. فقال أحدهم : إن الأسد الإفريقي أقوى و أكثر فتكاً .. فيما قال الآخر : إن الأسد الآسيوي سريع ومشهود له بالمعارك ، قال آخر : بل أسد أاطلسي يمتاز بالقدرة على شم الخطر الاستباقي والانقضاض عليه مبكراً .. بينما قال آخر : إن الأسد العربي له تاريخ وثقافة ، ويمكن له أن يجيد فن التحضر والاندماج بالمجتمع بشكل أسرع .
مرت أيام ، والناس تهيم بالشوارع والنخب تتداول أمرها ، فيما كان المرض والأزمة يمخران عباب الجسد الاجتماعي المتهالك للمدينة المنكوبة وأهلها ، حتى قرروا أخيراً أن يستكشفوا الميدان ويعيشوا التجربة الأسدية ؛ كي تأتيَ الخطوات بعيداً عن عقم النتائج .. وقرروا تشكيل لجنة ، فقضوا وقتاً طويلاً بالاختلاف حول انتخاب أسمائها ، ومَن الأجدر والأقدر على تقييم الأسد ، ووضع معايير اختياره ، ويهتدوا أخيراً إلى ضرورة أخذ متخصص بشأن الأسود .. فجلبوا شخصاً أقرب إلى الثعلب منه إلى الإنسان ، ثم اعترض آخر قائلاً: هذا لا يكفي نحتاج شخصاً قادراً على تقييم وضع الغابات والتعامل معها وبيئتها الأقرب إلى بيئتنا ، ثم وقع الاختيار على ثعلب آخر يعرف كل صغائر الغابة وكبائرها ، فاعترض أحدهم قائلاً : ( كيف سنعرف عدالة أسدنا المفترض وحكمته ؟) .. فجاء الرد من خلال حب الجماهير واجتماعها عليه ، فإن الجموع لن تخطىء أبداً .. مع أن التبرير لم يكن مقنعاً للكثير ، إلا أن الأغلبية سحقت رأي الأقلية ، ومرر الرأي الذي حسم النقاش ، وختم به ملف اللجنة .
الأزمة بدأت حينما ظلوا يراقبون ويسألون عن الأسد .. بعضهم قال: هذا مصنوع .. والآخر قال : هذا مهجن .. وغيره قال : إنه مجبول على ما لا يتناسب مع مدينتنا وطموحاتنا .. فيما ذهب آخر يسرد بعض السمعيات والمرئيات والمقروءات عن تاريخ الأسود ؛ إذ قال : ( سمعت أن الأسد وسخ ذو رائحة كريهة ، وهو مناقض لأهم مبادىء نظافتنا التي هي جزء من الإيمان .. كما أني علمت أنه لا يجيد إلا أكل اللحوم والافتراس .. ونحن كمن يأتي بقتّاله في بيته .. فجميع أهل مدينتنا من الصنف اللحمي، وهم بسطاء وضعفاء لا يقوون على منازلته والدفاع عن أنفسهم إذا ما هاج بليلة وقرر أن يعود إلى مسلكه وأصله .
قال آخر : إن الأسود مذ خلقت لم تغير طباعها ، فهي دكتاتورية النزعة، لا تقبل منازعاً لها في سلطانها ، ولا ترضى بأية حلول تفاوضية، ولا تحسم نزاعاتها إلا بالدم والقتل .. وقد مللنا ذلك ، فهل يمكن أن نحصل على أسد خارج هذه المعايير والصفات .. تعقد مشهد الرسل، وضاقت بهم السبل حينما قال حكيم الحيوانات : ( إن ما تداوله الذوات هو الحق يا سادة .. إنكم لن تصلوا إلى مبتغاكم الذي هو أقرب إلى الجنون منه للحق ؛ لذا أنصح بالعودة إلى دياركم، والبحث عن الإنسان الأسد .. لعله أرحم قليلاً مما نمتلك من أسود أقل ما يقال عنها أنها قاهرة وبالفتك ماهرة ..بل بكثير أحيانها عاهرة ) .