سواليف:
2024-12-27@21:47:49 GMT

إضاءة على كتاب: سيرة ومسيرة حكاية انتفاضة

تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT

إضاءة على كتاب: سيرة ومسيرة حكاية انتفاضة

بقلم: زياد جيوسي

   ومن عنوان الكتاب نعرف موضوعه والذي هو بقلم الكاتب ماهر طميزة ويوثق فيه تجربته ومسيرته من بداية الانتفاضة حتى عام 2015 في 260 صفحة من القطع المتوسط، وهذا يجعل الكتاب عبارة عن سيرة ذاتية من جزئين بالكتاب: الأول توثيق أحداث الانتفاضة ببلدته إذنا من محافظة الخليل ودوره فيها، وهذا نجده من البداية حتى ص 143 وبعد ذلك تصبح سيرة ذاتية عما جرى له من لحظة مغادرته فلسطين بالتسلل الى سيناء، ، وقد تم نشره من خلال دار يافا العلمية/ عمَّان في العام 2020م وتشرفت بأن أهداني اياه المؤلف قبل عدة شهور حين تعرفت عليه في عمان أثناء ادارتي جلسة حوار مع الفنانة الكبيرة جولييت عواد، وغلاف الكتاب لوحة معبرة عن محتوى الكتاب للفنان إسماعيل شموط في وسط غلاف أبيض، بينما الغلاف الأخير صورة للمؤلف في أعلى الصفحة يليه فقرة من الكتاب وفي الأسفل ثلاثة صور تراثية من بلدته إذنا/ الخليل، واهداء مفصل للأسرة جميعا انهاه بإهداء لشهيدين رافقاه المسيرة، تلاه كلمة شكر لبلدية اذنا على مساهمته بتغطية جزء من تكاليف طباعة الكتاب.

   يبدأ الكاتب بالسرد للجزء الأول من الكتاب موثقا الانتفاضة ببلدته من البدايات حين اغلقت الكليات والجامعات والمدارس بقرار الحاكم العسكري وعاد الى بلدته اذنا تاركا رام الله التي يدرس بها، ليساهم مع الشباب بقيادة الانتفاضة ضد الاحتلال، ساردا أهم الأحداث مع التأكيد على دور الأشبال الصغار في الإنتفاضة فهم كما يراهم الكاتب: “ورود الانتفاضة وأحلام الثورة ومستقبلها رغم صغر سنهم”، ومواجهة جيش الاحتلال ومستوطنيه بالحجارة مقابل الرصاص.

مقالات ذات صلة افتتاح مكتبة خطوط في العاصمة عمان 2023/09/24

   يلاحظ أن الكاتب وحسب ما اشار أنه كان الناطق الإعلامي للانتفاضة في القرية، وهو كان يمثل تنظيمه الذي ينتسب اليه، والذي كان له دور كبير في القيادة الموحدة للانتفاضة يشير لأدوار أخرى لقوى أخرى ومنها المشاركة الخجولة لشباب من حزب التحرير سرا والذين انسحبوا بعد اعلان الحزب موقفه برفض المشاركة بفعاليات الإنتفاضة، ، حتى تم ايقاعه بكمين من خلال العملاء والقبض عليه بعد أن لم يستجب لنصيحة أحد أعضاء الحزب الشيوعي من أصدقائه.

   من الانتفاضة الى أقبية التحقيق والتعذيب حتى الوصول للسجن وغرفة العصافير من عملاء الاحتلال لانتزاع اعترافات لم يتمكن منها المحقق، وللمرة الثانية يقع في الكمين والفخ مع هؤلاء العملاء، وبعدها يستعرض لنا الكاتب تجربته بالمعتقلات من سجن الخليل الى الظاهرية ومجدو وعتليت والنقب وكيفية التعامل مع الأسرى في كل معتقل منها، حيث قضى عاما قبل أن ينال حريته ويعود لبلدته، وتحت ضغوط الأهل ورغم الظروف المادية السيئة يتزوج من سامية الشابة الواعية والتي سيكون لها دورها بجواره.

   وضمن السرد بسيرته الذاتية والتوثيق لأحداث الانتفاضة تحدث عن اختطاف أخيه المسالم وقتله ورميه في بئر ماء، ويعتبر أن الاحتلال وعملاءه هم من وراء هذه الجريمة وهذا هو الأغلب، كما أشار لوفاة والده وما تركه ذلك على نفسيته، وتحدث عن تجربة التنقل من مكان لآخر بين الجبال والكهوف ومن بلدة لأخرى في بيوت يجري تأمينها له، بعد أصبح  مطلوبا من جديد وجرت محاولة لقتله من العملاء، فصار يعيش مختفيا وفي حالات نادرة يتمكن من رؤية زوجته سامية أو أمه لدقائق، حتى تقرر مغادرته فلسطين الى مصر بتهريبه عبر الحدود حفاظا على حياته وعدم وقوعه بالأسر في نهاية شهر أيلول عام 1991.

   وفي الجزء الثاني من الكتاب من ص 144 حتى نهاية الكتاب يصبح السرد سيرة ذاتية لرحلته إلى سيناء وكانت رحلة ليست بالسهلة وخاصة حين دخل صحراء سيناء من فتحة بالأسلاك الشائكة ولم يجد الشخص المفترض أن ينتظره، لكن بدو سيناء اهتموا به حتى وصل القاهرة وهناك حظي على المساعدة بالحصول على هوية مصرية سافر بها الى ليبيا ومن ليبيا الى تونس بجواز سفر يمني وفره له تنظيمه، ومن تونس الى دمشق التي أعتقل بها بعد فترة للاشتباه بسبب خطأ من أحد رفاقه رغم دخوله القانوني وتعرضه لمعاناة شديدة وتقرر تسفيره الى تونس حيث وفر له تنظيمه تذكرة السفر والمال والاستقبال من رفاقه، وليس السفر إلى الأردن كما كان يخطط حتى يلتقي زوجته وطفله منتصر، لكنه قرر بشكل منفرد السفر من تونس للأردن متحملا مسئولية قراره في نيسان 1993 واعتقل بالأردن لمدة شهر للتحقيق وأفرج عنه والتقى أسرته ورزق بعدها بطفلة أيضا أسماها أنصار، وبدأت معاناته في تأمين لقمة العيش له ولأسرته فعمل في مخمر موز وعاملا وبائع دجاج وبائع بسطة موز، فتنظيمه لم يؤمن له مخصص شهري كما غيره ليقيه شر العوز ولم يوقع له كتاب للاعتماد على الإدارة المالية كما غيره، والمعاناة الأخرى عدم وجود جواز سفر ولا أوراق ثبوتية حتى أنه عانى من عملية ادخال ابنه منتصر للمدرسة، ولكنه في 2001 حصل بقرار من الشهيد أبو عمار على تفريغ على الادارة المالية وجواز سفر فلسطيني للاستخدام الخارجي، وتحسنت ظروفه واستعاد الجواز الأردني المؤقت وحصل على اقامة، لكن الموت بدأ يحصد أرواح رفاق دربه وأصدقائه حتى وصل الى زوجته التي صبرت وناضلت معه ففارقته بمرض السرطان.

وبعد هذا الإضاءة على الكتاب أحب أن أشير لبعض التساؤلات والملاحظات على الكتاب:

    نلاحظ أن الكاتب أشار أكثر من مرة للدور البشع الذي يقوم به العملاء والجواسيس فيقول: “غدت العمالة مرضا خبيثا تغلل في الجسد الفلسطيني، وانتشرت مثل مرض السرطان”، وهذا يثير تساؤل: أين التوعية التنظيمية للجانب الأمني من فصائل المعتقلين من قوى اليسار وغير اليسار في كشف العملاء وفي كيفية مواجهة التحقيق وأساليبه المختلفة؟ وقد اشار الكاتب لذلك بقوله: “حزنت كثيرا لقلة الوعي الأمني لدي ولدى الرفاق عامة”، ومسألة أخرى أن هؤلاء العملاء في غرف العار “العصافير” معروفين ومعروفة هويتهم ومعظمهم اقاموا في الداخل الفلسطيني بقرية معزولة أنشأها لهم الاحتلال بعد انتهاء خدماتهم، لكن أشار الكاتب الى أحدهم بالاسم أنه ترك هذه القرية وعاد الى قريته في قضاء الخليل وما زال يعيش فيها، وهذا يثير التساؤل كيف يقبل أبناء بلدته بوجوده بينهم وعدم محاسبته ومقاطعته وطرده وكان له هو وشقيقه دور كبير في غرف العار وإجبار المعتقلين على الاعتراف بعد صمودهم في وجه محققي الاحتلال، مما أدى الى الحكم عليهم بفترات أسر بالسجون لا يستهان بها، كما أشار لعميل شاب في ص 91 اعترف بعمالته فقام الاحتلال باعتقاله من أجل تلميعه ومنحه وجه وطني، لكنه في السجن اعترف بعمالته بالتحقيق معه من المناضلين في الأسر، وفي ص 106 قال: “هل يعقل أن يكون كل هؤلاء العملاء في بلدتي؟”، وهذا التكرار لحجم العملاء ونسبتهم الكبيرة كما أشار الكاتب يجعل من الصعب الثقة بالآخرين ويوقف الانتفاضة، لكن فعليا الإنتفاضة استمرت بقوة حتى بدأت المفاوضات بين م ت ف ودولة الكيان الصهيوني، فهل كان يمكن أن تستمر رغم هذه الأعداد من العملاء التي أشار لها الكاتب؟

في الجانب الاجتماعي أشار للعديد من المسائل ومنها المعاناة من موقف البعض من الوجهاء وكبار السن في مواجهة الشباب المناضل، إضافة لقوة العشائرية وتأثيرها السلبي على المناضلين فهي في بعض الأحيان تكون أقوى من الالتزام الوطني والفصائلي، والعشائرية مرض مستشر في فلسطين بكل أسف بدرجات متفاوتة بين منطقة وأخرى وبين الشمال والجنوب وبين المدينة والقرية، وأشار لقيام البعض بتزويج ابنتهم لإبن عميل يعتبر رأس من كبار رؤوس العملاء، علما أنه تم اعدام عدد لا بأس به من العملاء في أنحاء الضفة والقطاع، لكن بكل أسف أيضاً أن هناك شرفاء جرت تصفيتهم لأسباب أخرى وجرى اتهامهم بالعمالة، وكذلك أشار الكاتب في ص 92 بالقول: “عانينا من تحريض الناس الجهلة والعملاء الذين كانوا يلبسون قناع العشائرية والدين للنيل منا”، وهو طبعا يقصد القوى اليسارية حيث أشار لذلك أكثر من مرة وفي ص 93 بالقول: “وللأسف فإن التحريض ضد اليسار لم يكن مصدره الجهل والعملاء فقط، بل شارك في هذا التحريض أفراد حركة حماس من منطلقات أيدلوجية وسياسية”، وهنا أشير أن الكاتب قد أشار في بداية الكتاب أن حماس كانت تنظيم محدود العدد والتأثير، فكيف تمكنت أن تصبح مؤثرة خلال فترة وجيزة؟

   ولكن الكاتب في الجانب الايجابي يشير للدعم الشعبي بالطعام والشراب وتأمين المخابئ لشباب الإنتفاضة بغض النظر عن فصائلهم رغم ما يمكن أن يتعرضوا له من الاحتلال لو انكشف دورهم، وممن وفروا ذلك أحيانا من تنظيمات أخرى أو مواطنين عاديين سواء من نفس بلدة الكاتب أو في قرى وبلدات أخرى مثل الراعي الذي لا يعرف الكاتب وصحبه وأمن لهم المبيت والطعام، وأشار للتكافل الاجتماعي بين المواطنين في ظل حصار التجويع الذي مارسة الاحتلال على البلدات الفلسطينية بعد قصف تل ابيب وغيرها بالصواريخ العراقية، كما اشار لاستضافته بالقدس من أناس لا يعرفونه حين فر من المشفى بعد اجراء عملية بالأنف بهوية مزورة، وأشار كيف كان للانتفاضة دور بوقف حفلات الزفاف المكلفة والمصطنعة وكيف أصبح الزواج بهدوء وبأقل التكاليف احتراما لدم الشهداء وظروف الشباب المالية بتوقف العمل في معظم الأوقات،  كما أشار لضغوط الأهل لكي يتزوج الأبناء المناضلين ظنا منهم أن ذلك يجعلهم يهدأون ويبتعدون عن النضال والاعتقال، وهذا الظن ليس دقيقاً وجميعنا من خاض النضال تعرض لذلك وأنا شخصيا أعتقلت عدة مرات بعد زواجي، وأثناء حصار بيروت أتجهنا مجموعات كبيرة للمشاركة في المعركة وكانت زوجتي حامل بالشهر التاسع ولكن هذا لم يثنني عن قراري، ولكن لم نتمكن من الوصول لإغلاق الحدود وعدنا متألمين.

   أسلوب السرد يوحي وكأن تنظيم الكاتب كان هو القوة الأساس في قيادة الإنتفاضة في بلدة اذنا، علما أن هناك اشارات لقوى أخرى مشاركة ومنها الحزب الشيوعي وحركة فتح التي قال عنها في ص 99 : “حركة فتح هي الحركة الأقل تماسكا في بنائها التنظيمي الداخلي، فأي شخص يمكن أن يدعي أنه فتحاوي، وهذا ما سهل دخول المدسوسين إلى صفوف الحركة”.

   الغريب أنه قبل أن يغادر تونس الى الأردن كان من المفترض من قيادة تنظيمه تقديم كتاب اعتماد مالي على الادارة المالية للرئيس أبو عمار، وهي قضية سهلة في تونس في تلك الفترة وعلاقة تنظيمه مع أبو عمار كانت جيدة، فلماذا لم تقدم قيادة تنظيمه هذا الكتاب وتركته يعاني ماديا سنوات طويلة حتى حصل على الاعتماد المالي من الرئيس الشهيد وبدعم من المرحوم أبو شامخ السفير الفلسطيني بتلك الفترة.

وبغض النظر عن الأسلوب الأدبي الأشبه برواية كان الكاتب الشخصية الرئيس فيها، يبقى هذا الكتاب عبارة عن سيرة توثيق للانتفاضة في بلدته اذنا في الجزء الأول من الكتاب والحديث عن تجربة وسيرة ذاتية في الجزء الثاني، وبذلك اكتفيت بالاضاءة والتساؤلات ولم اقدم قراءة نقدية بحثية، فالكتاب ليس رواية ولا مجموعة قصصية ولا ديوان شعر حتى يخضع للقراءة النقدية العلمية المحايدة، والكاتب يتحمل وحده المسؤولية عن التوثيق للإنتفاضة في بلدته وعن كل ما أورده بالكتاب، ونلاحظ أن الكاتب لجأ للتراث الاغريقي مرتين عابرتين في نهاية الكتاب فوصف رحلته منذ غادر الوطن أنها تشبه رحلة هوميرس الشعرية في ملحمته “الأوديسا” عن رحلة اوديسيس إلى مدينته “ايثاكا” حيث اطلق هذا الاسم على بلدته اذنا وأطلق اسم “بنيلوب” زوجة أوديسيس على زوجته سامية، ويقول عن ابنه منتصر: “منتصر الذي سيمنحني الأمل الدائم للعودة إلى ايثاكا منتصرا”.

   وفي النهاية.. أعتقد أن ملحمة الانتفاضة الفلسطينية بحاجة الى روايتها وتوثيقها من جديد من خلال من عاشوا التجربة في كل المدن والقرى والبلدات الفلسطينية، روايات حقيقية بدون الصمت عن أية أخطاء انتابتها، ولا نكتفي بما هو موثق من خلال الاعلام عن بيانات القيادة الموحدة وعن اسماء الجرحى والشهداء، وهذا ما أحتفظ به في كتب جلدتها وقمت بالحفاظ عليها في اربعين كتابا مما كان يصدره اعلام م ت ف يوميا، فنحن نرى الكاتب يقول في ص 238: “باختصار فإن من قامت على أكتافهم الإنتفاضة تم اقصاؤهم بوعي أو بدون وعي”، فمن حق شعبنا أن يطلع على توثيق دقيق لتجربة الانتفاضة والتي قلبت كل الموازين في وجه الكيان الصهيوني، حتى أتت اتفاقية اوسلو وضيعت كل المكاسب التي كان يمكن لشعبنا أن يحققها كنتاج سياسي لهذه الانتفاضة المجيدة.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: سیرة ذاتیة من الکتاب أن الکاتب من خلال

إقرأ أيضاً:

في ميلاد سيدة نساء العالمين: فاطمة الزهراء .. سيرة عطرة ومكانة مرموقة

يمانيون../
تحتفي المؤمنات وحفيدات الزهراء في 20 جمادى الآخرة من كل عام بمولد فاطمة الزهراء -عليها السلام-، صاحبة السيرة العطرة والمكانة المرموقة، تمثل هذه المناسبة أهمية كبيرة في إحياء سنن الله في أرضه، وتستمد منها جميع النساء المجاهدات الدروس والعبر من حياة سيدة النساء، التي كانت قصيرة لكنها مليئة بالمحتوى والمضمون عبر العصور.

إن الحديث عن أطهر النساء وأنبلهن لا يُوفيها حقها، فهي فاطمة الزهراء، ابنة أعظم خلق الله، نبي الرحمة والسراج المنير، محمد بن عبدالله، صلوات الله عليه وعلى آله، لقد كانت فاطمة رمزًا للفضيلة والعطاء، تجسد القيم النبيلة والمبادئ السامية. إن سيرتها العطرة تُلهم الأجيال وتُعزز مكانة المرأة في المجتمع، فهي مثال يحتذى به في الإيمان والصبر والتضحية.

تكللت الأرض وازدهرت بمجيء الطهر البتول، فهي الكوكب الدري والكوثر الفياض، تزهر لأهل السماء كما تزهر النجوم لأهل الأرض، ويغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها. إنها سيدة نساء العالمين، زوج الوصي وأم سيدي شباب أهل الجنة، تجسيدٌ للطهارة والكرامة، ودليلٌ على مكانة المرأة في الإسلام.

فاطمة أم أبيها رسول الله وقلبه

فاطمة الزهراء -عليها السلام- كانت في قلب والدها، النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، كما عبر عن ذلك في حديثه: “إنما ابنتي فاطمة بضعة مني، وقلبي الذي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله”.
كما قال عنها: “يا فاطمة، إن الله تعالى يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك”. ألا يجدر بهذه السيدة العظيمة، التي يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها، أن تكون سيدة نساء العالمين، وأن يختصها الله بمنزلة عظيمة تتناسب مع عظمتها؟
لقد نشأت تلك الحوراء الإنسية في كنف الحب والدعم لأبيها، حتى استحقت بجدارة أن تُلقب بـ “أم أبيها”، كما ناداها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فكانت مثالاً للوفاء والتضحية، تجسد القيم النبيلة التي تميزت بها.

حياة الزهراء وجهادها

رغم أن حياتها لم تتجاوز 25 عامًا، إلا أن فاطمة الزهراء -عليها السلام- اعتلت أعلى المراتب بفضل أعمالها وعفتها وطهارتها ونقائها. كانت تتمتع بحكمة وبصيرة وقيم نبيلة، مما جعلها رمزًا للفضيلة. قضت طفولتها في كنف والدها، الذي كان يعيش في حالة مستمرة من الجهاد في سبيل الله.
ثم أضحت زوج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب – عليه السلام-، الذي كان أيضًا مجاهدًا في سبيل الله. خلال أحد عشر عامًا من زواجها، كرست حياتها لدعم زوجها وأبيها في كل معركة وميدان، حيث كانت السند والعون لهما في سعيهما لإعلاء كلمة الله في جميع أقطار الأرض.

رغم سعي أعداء الإسلام والمسلمين إلى تغييب السيرة العطرة لفاطمة الزهراء -عليها السلام-، التي تفوح منها طيب الأخلاق وعظيم الجهاد على مختلف الأصعدة، إلا أنهم عجزوا عن محو أثرها. لقد كانت النماذج التي قدموها بعيدة كل البعد عن سيرة سيدة نساء العالمين، التي تجسد القيم النبيلة والمبادئ الرفيعة.

وباندثار الثقافات المغلوطة وظهور أعلام الهدى، تجددت سيرة الطهر البتول في نفوس النساء. صار الاقتداء بها رمزًا يُحتذى به. نرى اليوم نساء العالم بشكل عام، ونساء اليمن بشكل خاص، يتسابقن بكل حفاوة لإحياء ذكرى مولدها الشريف. في المحافظات والمديريات والعزل، تُقام المجالس والمناسبات، حيث تُزرع وتعزز هذه المناسبة العظيمة في نفوس الأجيال. إن إحياء ذكرى مولد فاطمة الزهراء -سلام الله عليها- ليس مجرد احتفال، بل هو رسالة تظل نقطة ساطعة واستثنائية في ذاكرة البشرية.

وفي هذه المناسبة العظيمة قال قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي: “ما أحوج المرأة المسلمة في هذا الزمن الذي يستهدفها فيه أعداء الإسلام والبشرية للاقتداء بفاطمة الزهراء بما يحقق لها الحماية الفكرية والثقافية والأخلاقية”.

وشدد قائد الثورة على أهمية التصدي لحرب الإفساد بالوعي والبصيرة والتربية الإيمانية وترسيخ القدوة الحسنة والمفهوم الصحيح لحياة الإنسان، مشيراً إلى أن اليهود يسعون لنشر الفساد أكثر من أي وقت مضى، ويشغلون كل الوسائل والإمكانات لذلك.

الفعاليات النسائية التي أقيمت في العاصمة صنعاء وسائر المحافظات، أكدت على أن إحياء ذكرى ولادة السيدة فاطمة الزهراء – عليها السلام – يعيد للمرأة المسلمة مكانتها واعتزازها وانتماءها للإسلام. من خلال هذه الفعاليات، تم تجسيد القيم الفاضلة التي تمثلها المرأة المؤمنة، كما عكست شخصية سيدة نساء العالمين، مما يعزز دورها في المجتمع ويشجع على التمسك بمبادئها النبيلة.

ارتبطت حرائر اليمن بالمناسبة العظيمة لمولد السيدة فاطمة الزهراء -عليها السلام- بالجهاد الكبير، ليؤكدن أنهن بحق حفيدات الزهراء. وبأنهن يسرن على نهجها في مقاومة الظلم ودحض الباطل، ويكنّ سندًا للمقاومة الحرة والشريفة.

كما يبرز دور المرأة في هذه المعركة من خلال تقديم الدعم بقوافل البذل والعطاء، وتوعية المجتمع بأهمية الجهاد. إنهن يستعدن دومًا لتقديم كل ما يلزم لنصرة الشعب الفلسطيني، مما يعكس قوة إرادتهن وإصرارهن على تحقيق العدالة.

إن الحديث عن أشرف النساء مكانةً هو حديث يطول، ولا تكفيه الكتب ولا المجلدات للإيفاء بحقها وعظمتها. هي الابنة، والأخت، والزوجة، والأم، والقدوة الحسنة على وجه هذه البسيطة. لقد تجسدت فيها معاني النبل والعطاء، فسلام الله عليها ألف سلام، تظل سيرتها العطرة مصدر إلهام لكل امرأة مؤمنة تسعى لتمثيل قيم الإسلام في حياتها اليومية.

السياسية – الزهراء عبدالكريم

مقالات مشابهة

  • إضاءة شمعة حانوكا في الرياض.. إسرائيليون يحتفلون في السعودية (شاهد)
  • حكاية بائع عصائر في القدس
  • حول طرح اسمه للرئاسة.. كلام لافت من كنعان
  • لقاء موسع لعلماء وخطباء بني حشيش بصنعاء بذكرى جمعة رجب
  • الإفتاء تكشف عن سيرة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم
  • قيادي في “انصار الله” يحذر “الانتقالي” من انتفاضة “إصلاحية” 
  • إضاءة شجرة عيد الميلاد في العاصمة عمان
  • سيرة شرف والعاصفة.. الثقافة بالسويس تقدم أولى عروض نوادي المسرح
  • وزير المالية التركي يعلن عن إجراءات ستؤدي إلى خفض أسعار الإيجارات في البلاد
  • في ميلاد سيدة نساء العالمين: فاطمة الزهراء .. سيرة عطرة ومكانة مرموقة