محمد يوسف: علمتني التجارة

علمتني التجارة ١١
تم تحويلي لسجن أمدرمان تدخل في ساحة كبيرة يختلط فيها كل المتهمين من نشالين و محتالين و تسعة طويلة طبعا في ذاك الزمن هذا ليس اسمها و هناك مكان آخر مخصص لاصحاب الشيكات طبعا الواحد يفضل انو اكون مع أصحاب الشيكات رغم انه يحتوي محتالين لأنهم ليسوا خطيرين.
طبعا الحتة الفيها مجرمين خطيرين عندها اسم زي الفي ساحة الاعتصام انا نسيته قريب من كلمة كوالمبورا معليش بعض الأشياء تنسى.

اكملت يومي هناك و بت و في الصباح تم ارجاعي مع مجموعة بالدفار للمحكمة لنمثل أمام القاضي.
لم افكر في محامي فقضيتي واضحة و كما ذكرت سابقا قرأت كثيرا من كتب الفقه و استفتيت من علماء.
كنت ارتدي جلابية و عمة و عباية ارسلها لي ابي
وقفت بين يدي القاضي و حضر وكيل للشاكي.
كان البلاغ بمبلغ ١٢٠ الف ج و كان للشاكي ٨٠ الف ج لم يضمنها في البلاغ لان أجلها لم يحن.
تحدث الوكيل لإثبات قضيته و ان له شيكات بمبلغ ١٢٠ الف ج لم يتم سدادها جاء دوري لانه لم يكن لدي محامي لتوجيه اسئلتي سألته عن بداية تعاملنا قبل سبعة سنوات و عن شيكاتي سابقا و التي كنت اسددها قبل تاريخها و هذه نقاط مهمة لتثبت انك تاجر تعرض لظروف السوق و ليس محتال يغش الناس ثم سألته عن الشيكات التي لم تحل لاوضح أن المديونية ٢٠٠ الف ج و اني أسعى لحل شامل.
بعدها جاء دوري للحديث و كنت قد حشدت شواهد من السيرة لصحابة تعرضوا للعجز فقضى الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يدفعوا الشطر و يعفو صاحب الدين عن الشطر الاخر مع أسماء المراجع و أخبرت القاضي اني عرضت تسوية بواقع الثلثين على أن يتم إعفاء الثلث.
بعد مرافعة احسب انها كانت مميزة كان قرار القاضي كالآتي
ذكر بأني برئ و ما انا فيه شئ طبيعي يحدث و لكنه لا يستطيع إطلاق سراحي ليحفظ للرجل حقه و انه سيحكم علي بأدبية و سألني عن الظروف المخففة للحكم طبعا ده بتحكي عمن تعول من أسرة و ابوين و هكذا ثم حكم علي بشهر و قال اذا توصلتم لتسوية قبل الشهر تعال و سنطلق سراحك.
طلبت من القاضي حديث شخصي مع الوكيل ذهبنا للخلف و قلت له انا حاليا استاذ في الجامعة اذا توصلنا لتسوية بأن اعطيك الموجود من المال و يتم تقسيط الباقي تقسيط معقول هذا الحل الان اذا فقدت عملي فلن ادخل معكم في أقساط و اذا طال أمد سجني سأصبر حتى تصبح اسعار العربية و الدواجن قدر قروشكم.
حملته هذه الرسائل لموكله.
في الحلقة القادمة نستعرض حياة السجن أن شاء الله
#علمتني_التجارة

علمتني التجارة ١٢
تمت اعادتي لسجن أمدرمان سابقا كنت من المنتظرين و هم موزعون بين كولومبيا و الشيكات اما الان بعد الحكم فهناك جزء اخر في السجن يسمى نيفاشا و منه يتم توزيع المحكومين لسجون العاصمة المختلفة.
دخلت و انا احمل جوالا به بطانية و ملابسي اتفرس في الامكنة و الوجوه لاتخير مكان اقامتي بالقرب من المسجد رأيت مجموعة في صالة غير مكتملة و بلا سقف انخت رحلي بينهم يبدو عليهم انهم أبناء بلد استقبلوني استقبالا جيدا و سريعا اندمجت معهم.
نصحوني أن ادفع للصول حتى لا يتم تحويلي للسجون الأخرى قلت لهم لو دفعت بودوني بيتنا قالوا لا طيب يا جماعة سجن لسجن ما فارق معاي استنكروا موقفي و أخذوا يخوفوني بسجن سوبا قلت لهم قد يتم تحويلي لأسوأ سجن و اكون احسن زول لن ادفع اي رشوة اتصل بي ابي و قال لي نكلم فلان اوديك سجن كويس قلت له لا تكلم اي شخص و لا تشغلوا بالكم فان السجون تستوي عندي. أذكر قابلت واحد تركي اسمه علي وايضا نصحني بالرشوة للبقاء في سجن أمدرمان و لكني اصريت على الرفض.
للأسف هناك زقاق على مسافة منا به كل الموبقات من مسكرات و مخدرات و ممنوعات كل هذا موجود بالسجن المفترض انه مؤسسة تربوية.
طبعا عندما تكون محكوم بمبلغ ١٢٠ الف ج فهذا يعني أنك تاجر كبير لذا يسعى البعض من المسؤولين للاستفادة منك و لكن كنت اقول لهم كوسوها عند غافل.
في الحلقة القادمة مسلسل نقلي و قصتي مع صول السجن إن شاء الله
#علمتني_التجارة

علمتني التجارة ١٣
بت ليلتي مفترشا الأرض و ملتحفا السماء و في الصباح جمعنا ليتم توزيعنا لسجن آخر حاول الجميع معي لكي ادفع رشوة و اظل بسجن أمدرمان و نسوا أن الله لعن الراشي و المرتشي و الرائش بينهما فرفضت بشدة فالسجن سجن و لو كان ٥ نجوم.
تحرك الدفار من سجن أمدرمان كان الطريق طويلا وصلنا سجن سوبا و أخذوا يندهون واحدا واحد في النهاية رفضوا استلام ثلاثة مساجين أحدهم كان ظاهره الجنون و الثاني لم تكن مدة حكمه واضحة اما انا لاني مطلوب مال كبير يخشون علي من الهرب.
عدنا ثلاثتنا شعرت بتعب و إرهاق شديدين و لكني في قرارة نفسي راض فأمر المؤمن كله خير قد لا نعرف الحكمة و قد نعرفها.
أقبلت على اصحابي فلاموني اني لم ادفع فقلت لهم و افوض أمري إلى الله أن بصير بالعباد. لم يعجبهم حديثي.
في الغد جمعونا من جديد فانتظرنا بلا فائدة حينها أدخلت مستلزماتي و عدت إلى الصول و قد عرفت انه من نفس قبيلتي فقلت له ود عمك ما فارقة معاه لو عاوزين تحولوني لأي سجن.
و في الغد ناداني و تم تحويلي إلى سجن الهدى
في الحلقة القادمة نتجول في أرقى و أسوأ عنابر سجن الهدى
#علمتني_التجارة

علمتني التجارة ١٤
اشفق علي اصحابي من التحويل لسجن الهدى و لكني لم اهتم تحركت بنا عربة السجن وصلنا حوالي الثالثة ظهرا شرطة السجن تحمل خراطيش المياه السوداء كسياط تم توزيعي لعنبر يسمى الاستخارة مساحته تقريبا ٥٠ في ٦ أمتار كأنه داخلية ليس به سراير. و لكن أسوأ ما فيه حماماته لا تساعد على الطهارة حضر الغداء كنت صائما طلبت منهم أن يتركوا لي طعام للإفطار فردوا بكل عدم تهذيب يا زول انت ما عندك اكل معانا الليلة اكلك من بكرة.
و الحل اشتري من الدكان اخذني الحارس للدكان يحمل سوطه الأسود لمحت ضابطا توجهت نحوه اعترض الحارس يا زول ماشي وين لا أذكر إن كان ضربني ام لا فلم أكن اهتم وصلت للضابط و سلمت عليه و شكوت له العنبر و انه لا تتوفر فيه الطهارة لاداء الصلاة.
فاستجاب لطلبي و نقلني لعنبر آخر لقد كان شيئا مختلفا به سراير تتكون من طابقين للسجن شيخ عاملني شيخ السجن معاملة طيبة و تركوا لي طعاما و عندما جاء وقت المغرب صلينا جماعة نحن ثلاثة شيخ السجن و آخر.
و كالعادة تعرفنا من خلال حكمنا فقد أدين شيخ السجن هذا بتجارة البنقو و تمكن من الهرب و لكنه قبض متلبس مرة أخرى فحكم عليه بالسجن مرة أخرى عقوبة مغلظة ٢٠ عاما.
و بعد العشاء هم شيخ السجن و صاحبه بشرب سجارة البنقو فطلبت منهم أن يشربوها في السراير الأعلى حيث هناك شباك و استلقيت في سرير اسفلهم حتى لا استنشق رائحة البنقو.
يبدو أن الابتلاء يعظم كيف للمرء أن يحافظ على نفسه.
في الحلقة القادمة إن شاء نتعرف مغامرتي في السجن و نجاتي من هذا العنبر حتى لا اتحول إلى مدمن ممنوعات و كيف كان شعوري عند تدخينهم

علمتني التجارة ١٥
استلقيت على السرير الاسفل و دخنوا البنقو في السرير الأعلى يبدو اني نمت أو غفوت فلم اختبر شعور تدخين البنقو و لكن يجب أن أغادر هذا العنبر و لكن كيف السبيل.
في الصباح الباكر كان هناك تفتيش خبأت الموبايل و لكن قام شيخ العنبر بسرقته و لا بد أن يفعل فكيف لمثله أن يوفر ثمن البنقو. تغلف العنابر في المساء و تفتح في الصباح هنا وجدتها فرصة مناسبة و سبب كافي للتحويل من العنبر.
اشتبكت مع شيخ العنبر ليرد موبايلي الذي غالبا ما يكون سلمه لاحد افراد الشرطة فلن تدخل الممنوعات الا بتواطؤ افراد الشرطة من ضعاف النفوس.
تدخل الشرطي في الحوش و أخبرته انه سرق موبايلي حاول أن يسكتني بخرطوشه و لكني كنت مصر و طبعا الموبايل ممنوع و لكنهم يغضون الطرف هنا طلبت منهم أن يتم تحويلي من العنبر و لكني تشددت في اختيار العنبر البديل حتى لا الدغ مرة أخرى.
اختاروا لي عنبر سعيد تأكدت اولا من أخلاقه و عنبره و تحولت اليه فكان نعم العنبر. تمر بك كثير من الحكايات بعضها حقيقي و بعضها من نسج الخيال فالمحكوم في نفقة يخجل أن يحكي قصته و عندما يفتخر النزيل يقول لك مالي مسجون في نفقة انا اكلت حق رجال و كأن حق الرجال حلال اكله.
قابلت الصيدلي الذي عجز فانتهج درب الكسر فتضخمت ديونه و الاستاذ الذي افلست به مدارسه الخاصة و التاجر الذي خسر تجارته.
الشاهد في الأمر كل من دخل في الكسر تضخمت ديونه و صعب الحل فمن اخذ مالا يريد اداءه أدى الله عنه و من أخذه يريد اتلافه اتلفه الله.
كان حكمي شهرا و بلاغي ١٢٠ الف ج وجدت من كان دينهم ٧ الف ج حكموا بأربعة و ستة أشهر هذا من توفيق الله ثم اقتناع القاضي بعدالة دفاعي.
قابلت في احد الايام صديق والدي داخل السجن كان تاجرا خزله السوق فاصر أن انتقل لعنبره.
و لنا في السجن بقية نحكيها في الحلقة القادمة إن شاء الله

محمد يوسف

المصدر: موقع النيلين