استقبلت دار الإفتاء المصرية، سؤالا، يقول صاحبه: “ما حكم قيام العامل أو الموظف بإثبات حضور الزميل الغائب عن العمل؟”.

حكم إمضاء الموظف للزميل الغائب

من جهتها، حذرت دار الإفتاء، في إجابتها على السؤال، من خلال موقعها الإلكتروني، من قيام الموظف بإثبات حضور زميله في العمل وهو غائب عنه، مشددة على أن هذا الأمرٌ محرَّمٌ شرعًا، ومجرَّمٌ قانونًا؛ لما فيه من الكذب والإخبار على خلاف الحقيقة؛ بتوقيعه لزميله الغائب عن العمل.

هل قيام الساعة اقترب؟ دار الإفتاء تكشف الحقيقة احذروا شهوة الكذب.. علي جمعة: كثير من الناس استحلوه وجعلوه فرضا

وأوضحت دار الإفتاء، أن هذا الفعل المحرم، يشتمل على التزوير والغش؛ وخيانة صاحب العمل بإثبات شيء على خلاف الواقع، وفيه تعاونٌ على المعصية؛ وكذلك الموظف الموقَّع له بالحضور دون أن يأتي للعمل آثمٌ أيضًا، بل يتأكَّد الحكم في حقِّه؛ لخيانته الأمانة بالتقصير في وظيفته التي تعاقد عليها وائتُمِن على أداء مهامها.

وقالت دار الإفتاء، إن الموظف يتقاضى راتبًا مقابل عمله وعدم القيام بهذا العمل؛ يجعل الراتب الذي يحصل عليه مقابل الساعات أو الأيام التي ثبت له فيها الحضور دون أن يأتي للعمل لا يحلّ له، بل يعدُّ من باب السُّحت، الذي ورد النهي عنه شرعًا.

وقالت دار الإفتاء إن المولى- عزَّ وجلَّ- امتدح عباده المؤمنين الذين يؤدُّون عملهم بإخلاص وأمانة؛ فقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ [المؤمنون: 8]؛ قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (14/ 253، ط. دار الكتب): [والأمانة تعمُّ جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال، وهو قول الجمهور] اهـ.

وعن أم المؤمنين السيدة عائشة- رضي الله عنها- أنَّ رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- قال: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ» رواه البيهقي في "شعب الإيمان"، والطبراني في "المعجم الأوسط".

وأكدت دار الإفتاء أن قيام الموظف بإثبات حضور أو انصراف زميله في العمل دون أن يأتي إلى مقر هذا العمل يتنافى مع قواعد الشريعة الغراء التي تأمر بالأمانة والصدق وإتقان العمل وحسن الخلق، وتنهى عن الخيانة والكذب والغش والتدليس؛ فيقع على الموظف الـمُثْبِت حضور زميله إلى العمل على خلاف الحقيقة الإثم من عدة أوجه:

عقوبة التزوير في العمل

الأول: أنَّه فعل ما فيه الكذب والإخبار على خلاف الحقيقة؛ بتوقيعه لزميله الغائب عن العمل، وقد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: 119]، والأمر بالكون مع أهل الصدق يقضي بأن يلازم الإنسان الصدق في جميع الأقوال والأعمال؛ وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا» متفق عليه، وعن الحسن بن علي عليهما السلام قال: حفظتُ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ، إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ؛ فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ» رواه أحمد في "مسنده"، والترمذي في "جامعه".

الثاني: أنَّ فعله هذا يشتمل على التزوير والغش؛ وقد قال تعالى: ﴿وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ [الحج: 30]، وروى الإمام مسلم في "صحيحه" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي».

الثالث: أنَّه يشتمل على الخيانة؛ وذلك لأنَّه خان ثقة صاحب العمل بإثبات شيء على خلاف الواقع؛ وقد قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا﴾ [النساء: 107]، وقال جلَّ شأنه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 27].

الرابع: أنَّ فِعلَ هذا الموظف فيه من التعاون على المعصية؛ والله تعالى يقول: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2].
 
كما أشارت دار الإفتاء المصرية إلى أن الموظف الموقَّع له سواء بالحضور دون أن يأتي للعمل أو بالانصراف قبل مواعيد العمل الرسمية آثمٌ أيضًا مشترك مع زميله الموقِّع في الإثم، بل يتأكَّد الحكم في حقِّه؛ لأنَّه مكلَّف بعمل محدد بمواقيت زمنية معلومة -حضورًا وانصرافًا-؛ وإثباته الحضور أو الانصراف على خلاف الحقيقة كذبًا وزورًا؛ هو من خيانة الأمانة بالتقصير في وظيفته التي تعاقد عليها وائتمن على أداء مهامها؛ وذلك لأنَّ العلاقة بين الموظف وبين صاحب العمل تُكَيَّف من الناحية الفقهية على أنَّها علاقة إجارة؛ لأنَّ الإجارة عقدٌ على منفعة مقصودة معلومة قابلة للبَذْل والإباحة بعِوَضٍ مَعلوم.

 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: دار الإفتاء العامل الموظف الزميل الغائب العمل على خلاف الحقیقة ی ه د ی إ ل ى ال دار الإفتاء قال تعالى ى الله الله ع ت حضور

إقرأ أيضاً:

القدوة الصالحة وأثرها على المجتمع

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

الحمد لله متمم النعم والإحسان، معلم الحكم للإنسان، نور بكتابه القلوب، وأنزله في أوجز لفظ وأعجز أسلوب، والصلاة والسلام على لبنة الكمال، وبدر التمام، ومسك الختام، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم –  الذي جَعلَه الله لنا  قُدوَةً وَمَثَلًا أعلى نتأسى به في كل شئون حياتنا إلى يوم الدين،، وبعد،،،

فمما لا شك فيه أن للقدوة الصالحة، والتأسي الحسن، أثر طيب في تربية النفوس، وصلاح المجتمعات، والقدوة في اللغة تدور حول عدة معان، منها: التقدُّم على الاخرين، ومتابعة الغير، وإذا شَممت الرائحة الطيِّبة تُمسِي قدوةً، وهكذا من كان طيِّبًا في سُمعته يُتابَع في فعله.

وقال ابن منظور: «والقُدوة والقِدوة: الأُسْوة. يُقَالُ: فُلَانٌ قُدْوَة يُقْتَدَى بِهِ. والقَدْوةُ التقَدُّمُ. يُقَالُ فُلَانٌ لَا يُقادِيه أَحد وَلَا يُماديه أَحد وَلَا يُباريه أَحد وَلَا يُجاريه أَحد، وَذَلِكَ إِذا بَرَّز فِي الخِلال كُلِّهَا». ومن خلال هذه المعاني، يمكن القول بأن القدوة هي اتّخاذ الغير مِثالًا لنا، وأن نقتدي به وأن نحذوا حذوه.

فإن كانت التأسي به في الخير، فهو القدوة الصالحة والمثال الحسن والإنموذج الطيب، وإن كان التأسي في الفساد والشرِّ فهو القدوة السيئة. والإنسان بطبعه وفطرته يميل إلى الاقتداء والتأسي؛ حيث يحتاج في حياته إلى تواجد شخصية إيجابية ناجحة كي يستفيد من تجاربها الناجحة في حياته، وتطوير ذاته، وتحديد قدراته، وتنمية مهاراته في مختلف المجالات.

ولو تدبرنا نصوص الشريعة من قرآن وسنة، لوجدنا أن القدوة الصالحة، والتأسي الحسن خُلُق كريم، وصفة عظيمة من صفات أنبياء الله ورسله - عليهم الصلاة والسلام - ولأهميتها في حياة الأمة، وفي إصلاح المجتمعات، نجد أن القرآن الكريم قد حث على أهمية القدوة في حياة الأمة، فأرشد نبينا وحبيبنا محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى الاقتداء بأحوال السابقين من المرسلين؛ فهم صفوة عباده، وخيرة خلقه، جُبلوا على كمال الدين، وجميل الصفات، ومكارم الأخلاق وطيب العادات؛ فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم؛ فقال الله – تعالى - بعد أن ذكر عليه قصصهم - ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 90].

وأرشد الله تعالى أمة حبيبه صلى الله عليه وسلم إلى التأسي برسولهم صلى الله عليه وسلم في جميع سلوكياته وأقواله ؛ فقال الله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].

لذا اقتدى صحابته- رضوان الله عليهم - به في كل أحواله وحركاته وسكناته، والأدلة على ذلك كثيرة، منها: ورد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ، قَالَ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ»، قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ جِبْرِيلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا - أَوْ قَالَ: أَذًى - " وَقَالَ: " إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ: فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا" ( ) قال العظيم آبادي عند تعرضه لشرح هذا الحديث:«وَفِيهِ أَنَّ الِإْتِسَاءَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَفْعَالِهِ وَاجِبٌ كَهُوَ فِي أَقْوَالِهِ وَهُوَ أَنَّهُمْ رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فخَلَعُوا نِعَالَهُمْ».

إن القدوة الحسنة لها أثر طيب في إصلاح الأفراد والمجتمعات؛ فهي توفر جهودا كبيرة،  وأوقاتا كثيرة على الآباء في مجال تربية أبنائهم، وتساعدهم في غرس القيم الجميلة، والأخلاق النبيلة الايجابية في نفوس أطفالهم ونشئهم. فالأولاد دائما يتأثرون بآبائهم وأمهاتهم، والقائمين على تربيتهم منذ نعومة أظفارهم، وقد أصاب كبد الحقيقة من قال:
مَشَى الطاووسُ يومًا باعْوجاج          فقلدَ شكلَ مشيتهِ بنوهُ
فقالَ علامَ تختالونَ؟ 

قالوا: بدأْتَ به ونحنُ مقلّدوهُ
فخالِفْ سيركَ المعوجَّ واعدلْ           

فإنا إن عدلْتَ معدلوه
 أمَـا تدري أبانا كلُّ فــــــــرعٍ                  يجاري بالخُطى من أدبوه؟
وينـشَأُ ناشئُ الفتيانِ منـا                  على ما كان عوَّدَه أبوه.

إن وجود القدوة الصالحة، والمثال الحسن، في حياة الأطفال والشباب –الذين هم عماد الأمة وقادة المستقبل - له جميل الأثر ودوام النفع على الفرد والمجتمع ويساعد على بناء جيل يتصف بسلوك حميد صفات إيجابية مما يجعلهم قادرين على النهوض بأمتهم وإصلاح مجتمعهم.

د. أحمد رزق درويش، عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الالكترونية

 

مقالات مشابهة

  • القدوة الصالحة وأثرها على المجتمع
  • «الصليب الأحمر»: منشآت غزة الطبية تعاني ضغطاً شديداً
  • كيف تحسن الظن بالآخرين ؟.. الإفتاء توضحها فى خطوات
  • حكم تغيُّب الموظف عن العمل بحجة الاعتكاف في المسجد.. المفتي السابق يوضح
  • خلاف سعودي إماراتي حاد.. ما علاقة الدعم السريع ووكالة الأنباء السودانية؟
  • وزيرة التنمية المحلية توجه بتسريع وتيرة العمل بمنظومة التصالح
  • كيف يقبض ملك الموت أرواح الكثير من البشر في وقت واحد؟.. الإفتاء توضح
  • خلاف أميركي - لبناني حول طبيعة لجان التفاوض
  • زعيم العصابة الغائب الحاضر قال إنهم لن يخرجوا من القصر الجمهوري
  • رمضان.. والتحلي بالأخلاق