«التبرعات» رشاوى أم ابتزاز للقبول فى المدارس؟.. حسن شحاتة: غير مقبول إجبار أولياء الأمور على دفع تبرعات للمدارس.. طلعت عبدالحميد: سكوت أولياء الأمور رفع سقف طلبات التبرع
تاريخ النشر: 25th, September 2023 GMT
«مصطفى سيد عبدالعزيز.. مبروك»، قالها أحد المديرين وسط جمع غفير يتجاوز الـ 300 شخص ينتظرون بفارغ الصبر الإعلان عن قبول تحويل أبنائهم لإحدى المدارس الإعدادية بمنطقة إمبابة، لتشق إحدى السيدات صفوف المتجمهرين وتغمرها فرحة عارمة لتقدم الشكر للمدير الذى زف إليها هذا الخبر السعيد، وتحصل على أوراق اعتماد ابنها للدراسة بتلك المدرسة.
وبمجرد وصولها على بعد خطوات من المدير الذى يحمل فى يده مجموعة من الأوراق فى فحواها قائمة الطلاب المقبولين، حيث قالت: «شكرا يا حضرة المدير».. ليرد بنبرة حادة: «شكرا إيه اجرى يا ست انتى هاتى بستلتين دهان للمدرسة بس يكون من النوع النضيف النضيف هاه».. لتجيب السيدة: «طيب حاضر ربنا يسهل هات ورق الولد.. ليعلو صوت المدير أكثر فأكثر: ورق ايه شيل يا استاذ أحمد الورق دا لحد ما تجيب الدهان».
تلك كانت قصة عابرة قصيرة لواقعة واحدة، إلا أنها تتكرر مع كل ولى أمر يقدم على التقديم أو التحويل لإحدى المدارس، وهو ما أكده أبطال العديد من القصص الذين تحدثت إليهم «البوابة نيوز» لتكشف عن كم المضايقات التى يتعرض إليها أولياء الأمور أثناء رحلتهم لتعليم أبنائهم، تحت مسمى «تبرعات».
وعلى الرغم من توجيهات وزارة التربية والتعليم، بعدم قبول أية تبرعات إلا أن الأمر لا يزال مستمرا فى العديد من المدارى ومنها مدارس خاصة وأخرى حكومية تحت الإشراف المباشر من الوزارة.
ومطلع شهر يونيو الماضى، وجهت المديريات التعليمية، تعليمات للمدارس عن ضوابط التقدم للعام الدراسى المقبل ٢٠٢٣/٢٠٢٤، مشددة على منع جمع أى طوابع بريد من أولياء الأمور على ملفات الالتحاق بجميع مراحل التعليم بالمدارس ويتم جمع دمغات خاصة بصندوق دعم المشروعات وتنمية الموارد ونقابة المهن على طلب الالتحاق فقط.
وأوضحت المديريات، أنه يمنع طلب شهادات الميلاد كمبيوتر حديثة إصدار لسنة ٢٠٢٣م من أولياء الأمور عند قبول ملفات الالتحاق بالمدارس لجميع المراحل التابعة لعدم وجود قرار أو کتاب دورى أو قانون يجيز اجبار ولى الأمر على استخراج شهادة ميلاد كمبيوتر حديثة اصدار لسنة ٢٠٢٣م، وعدم قبول أى تبرعات تحت أى مسمى من أولياء الأمور عند قبول ملفات التقديم بجميع المراحل أو التحويلات.
وشددت المديريات التعليمية، على عدم إجبار ولى الأمر على شراء ملفات الالتحاق بالمدارس فى جميع المراحل من المدرسة عن طريق الوحدة المنتجة أو الجمعيات التعاونية الطلابية أو من مكتبة معينة تابعه لمعلم فى المدرسة المتقدم اليها الملف، وذلك فى إطار حرص على المصلحة العامة لجميع الطلاب بجميع المراحل التعليمية وتحقيقا لمبدأ الشفافية والتخفيف عن كاهل اولياء الأمور.
كما وجهت المديريات، بتشكيل لجنة من الإدارات وبعضوية كلا من إدارة المتابعة – التوجيه المالى والإدارى - الشئون القانونية - مديرى جميع المراحل لمتابعه البنود سالفة الذكر وإحالة المخالفين للشئون القانونية، وفى حالة وجود مخالفة تقع المسئولية على كلا من مدير المدرسة وسكرتير المدرسة ولجنة استلام الملفات بالمدرسة.
التبرعات «آفة» لا تنتهى فى المدارسفى القصة التى سردناها فى السطور السابقة تعرضت سيدة مصرية لابتزاز علنى وطلب رشوى من مدير إحدى المدارس الإعدادية الحكومية بمنطقة إمبابة، التابعة لمحافظة الجيزة، وكان شاهد على هذه الواقعة بطل قصتنا الأولى التى سنرويها عليكم فى السطور القليلة القادمة.
نود أن نشير إلى أن بطل قصتنا الأولى فضل عدم ذكر اسمه خوفا من تعرض إحدى بناته التى لا تزال تدرس فى ذات المدرسة محل الواقعة للمضايقات حال التعرف على هويته، وطلب من محرر البوابة كتابة اسم مستعار «محسن محمد» أمام تصريحاته التى أدلى بها لـ"البوابة".
ويستهل «محسن محمد»، ٤٣ سنة، ردا على سؤال البوابة إن كان تعرض لأية مضايقات أثناء تقديم أوراق أحد أبنائه للمدرسة، حيث يقول: «رشاوى إيه يا استاذ.. محدش فى مصر بيعرف يدخل ابنه لأى مدرسة من غير ما يتبرع بحاجة للمدرسة وكل مدرسة وعلى حسب مستواها بيختلف نوع التبرعات».
البداية كانت مطلع شهر يونيو عام ٢٠٢٠، ومع انتشار وباء كورونا تحولت جميع المدارس للعمل "أون لاين" ليقرر بطل هذه الرحلة الشاقة أن يحول ابنه من مدرسته الخاصة لإحدى مدارس الإعدادية الحكومية بمنطقة إمبابة توفيرا للنفقات، وبعدما تقطعت به السبل أثناء رحلة مليئة بالمصاعب من أجل تحويل ملف نجله «أحمد» الطالب بالمرحلة الإعدادية، ليجرى بحثا حول أقرب وأنسب مدرسة حكومية قريبة من منزله، ليقع اختياره على إحدى المدارس الإعدادية الشهيرة بمنطقة امبابة، إلا أنه فوجئ بنصيحة الأهل والأقارب بأن الدخول لهذه المدرسة أقرب للمستحيل نتيجة لمطالبة إدارة المدرسة بتبرعات كبيرة كشرط أساسى لقبول أوراق الطلاب فى المدرسة، إلا أن هذا المواطن البسيط قرر خوض التجربة.
وبدأ «محسن» تجهيز الأوراق اللازمة للتحويل حتى جاءت مرحلة القبول بالمدرسة ووجد أنه لا بديل عن التعامل مع مدير المدرسة «سيئ السمعة» على حد تعبيره، فحدثه هاتفيا واتفقا على موعد تواجد المدير فى المدرسة فحضر «محسن» مبكرا فى الثامنة صباحا ليفاجأ بالمئات من أولياء الأمور قد تجمعوا أمام المدرسة لحين حضور مدير المدرسة.
وبعد التاسعة بدقائق قليلة حضر المدير، واخترق تجمع أولياء الأمور، وأثناء عبوره قاطعه «محسن» وعرفه بنفسه، ليرحب به المدير ويصطحبه إلى داخل المدرسة من بين جميع الواقفين أمام المدرسة، إلا أنه على الرغم من العبور السلس وسط الكثير من أولياء الأمور لم يكتمل داخل المدرسة حيث ظل «محسن» بنتظر داخل المدرسة لأكثر من ٣ ساعات كاملة حتى دقت الساعة الثانية عشرة ظهرا، حيث استقبله مدير المدرسة فى مكتبه وأبلغه بصعوبة عملية تحويل نجله إلى المدرسة نتيجة لكثرة المتقدمين والمحولين إلى المدرسة، إلا أنه فى النهاية قال له بنبرة هادئة: «أنا عندى الحل.. بس معلش هتستنانى كمان ساعة عندى اجتماع ضرورى لازم أحضره وبعدين أقولك على شوية إجراءات وتفاصيل».
شاشة وكاميرتان مراقبةوعلق «محسن» على هذا الموقف قائلا: «ما باليد حيلة انتظرته فى النهاية مجتش على ساعة أنا كدا كدا مستنى من ٩ الصبح»، إلا أن الاجتماع طال أمده ولم ينته قبل الثانية ظهرا ليعود المدير إلى مكتبه ويستقبل صاحبنا من جديد، وقد أرهقه الانتظار وفاض به الكيل، إلا أنه كتم غيظه وتحدث إلى المدير: «أؤمرنى يا سيادة المدير.. أنا تحت أمرك وأمر المدرسة فى أى شيء وأى طلبات».. ليرد عليه المدير بصرامة: «بص يا استاذ محسن إحنا مش هنطلب منك حاجات كتير.. هى شاشة وكاميرتين مراقبة للمدرسة، وأنا هأحاول أقبله فى المدرسة ودا بعد التحويل الإلكترونى طبعا».
ليرد محسن قائلا: «يا سيادة المدير، أنا لا بفهم فى الكاميرات ولا فى الشاشات.. ومع ذلك اتفضل يافندم، خذ هذا المبلغ مساهمة منى وحضراكم تقدروا تجيبوا الشاشة اللى عايزينها».. ليرد المدير بقوة: «لا لا لا يا أستاذ.. أنت كدا بعيد قوى».
ليدخل الأب المجبر على المساومة فى مفاوضات مريرة مع المدير من جديد وبعد نقاش طويل.. أخرج من جيبه مئات الجنيهات كان قد ادخرها لإنهاء إجراءات التحويل والنقل، وقدمها للمدير «الجشع» على حد تعبيره، قائلا: «هو دا المبلغ اللى كان معايا واديته للمدير الجشع مع أوراق الطالب».. فقبل المبلغ بعد مجادلة طويلة وقال لى: «خير إن شاء الله يا أستاذ محسن ولو إن المبلغ شوية يعنى»، وأسرع المدير لإدخال المبلغ المالى فى جيبه.
وعلى الرغم من تطمينات المدير إلا أن تأخر إعلان أسماء المقبولين لأكثر من ثلاثة شهور، جعلت الأب يعود للقلق مرة أخرى ويعاود الاتصال بمدير المدرسة مرارا وتكرارا وفى كل مرة يجد نفس الإجابة: «الأوراق فى الإدارة التعليمية يا أستاذ والموضوع كله فى إيد الإدارة».
ومع دخول الشهر الرابع بعد تقديم الأوراق فى يونيو ودخول شهر أكتوبر دون إعلان نتيجة المقبولين فى المدرسة، وقبل موعد الدراسة بأيام معدودة وبعد تأجل الدراسة بسبب الإجراءات الاحترازية لمواجهة جائحة كورونا، جاء وقت إعلان المقبولين ليذهب الأب مسرعا إلى المدرسة ليجد مجموعة من القائمين على إدارة المدرسة قد وقفوا فى فناء المدرسة يتقدمهم المدير ويحمل قائمة المقبولين، حتى سمع اسم نجله بين المقبولين واطمأن قلبه، وقبل أن يهم بالمغادرة، كان وقع موقف «بستلتين الدهان» الذى ذكرناه فى السطور الأولى من هذا التحقيق.
واختتم «محسن» تصريحاته لـ«البوابة»: «فى داهية الفلوس بس لو مكنتش عملت كدا والله ما كان ابنى هيدخل من باب المدرسة».
مراوح سقف وورق طباعة ومنظفات.. تبرعات إجبارية في حدائق المعاديومن إمبابة إلى المعادى، تحدثت «البوابة» مع عبدالرحمن محمد، وهو ولى أمر لطالبة فى الصف الثانى الابتدائى، والذى روى لنا تفاصيل ما تعرض له من إجبار على التبرع لإحدى المدارس الابتدائية بمنطقة حدائق المعادى، والتى كانت شاهدة على إجبار المئات من اولياء لأمور على تقديم تبرعات للمدرسة لقبول أبنائهم.
فى البداية يقول عبدالرحمن: «أنا واحد من مئات المواطنين الذين تقدموا للمدرسة وكل منا كان عليه التبرع لقبول أوراق نجله أو نجلته فى المدرسة، وتنوعت عهذه التبرعات ما بين مراوح وكاميرات مراقبة وكرتونة ورق طباعة، ومستلزمات دهان للمدرسة».
ويضيف ساخرا: «المسئولين فى المدرسة كانوا كرماء معى حيث خيرونى ما بين أن اجيب كرتونة مراوح سقف ٣ مراوح كان الحد الأدنى لاى نوع ضعيف فى ذلك الوقت ٥٠٠ جنيه للمروحة الواحدة، أو أن أجلب ٢ كرتونة ورق طباعة بداخل كل كرتونة ٥ باكيت كل باكيت ٥٠٠ ورقة، وكان سعر الورق مرتفعا فى ذلك الوقت».
وتابع: «فكرنا فى التقديم فى مدرسة أخرى أبعد قليلا عن منزلنا فى حى المعادى بالقرب من كورنيش النيل، إلا أننا فوجئنا بتبرعات أضخم من المدرسة المتواضعة القريبة من المنزل فى حدائق المعادى، ففى المدرسة الثانية كانت الطلبات بفلوس أكتر وتنوعت ما بين شاشات تليفزيونية، وتكييفات للمدرسة، لذلك اضطررنا للرجوع إلى المدرسة الأولى وشراء الورق المطلوب حتى تتمكن بنتنا من الحصول على التعليم الحكومى الذى من المفترض أن يكون ايسر من ذلك بدلا من أن يتشرد أولادنا ونرجع نعيب على الأسرة والمجتمع».
وأكمل قائلا: «الموضوع لا يتوقف عند ورق الطباعة باهظ الثمن فى ذلك الوقت، بل ان الطلبات فى مدرسة ابنتى لم تتوقف، فامتدت لتشمل مستلزمات للنظافة والمناديل الورقية، ومتطلبات جميعها من المفترض أن تكون متوفرة بالمدرسة، بالإضافة إلى الابتزاز المستمر من المعلمين لإجبار أولياء الأمور على الاشتراك فى الدروس الخصوصية التى تجاوزت كل الحدود».
وقال عبدالرحمن: «يا سيدى الفاضل أنا أجبرت على الاشتراك فى الدروس الخصوصية لمدرسة الفصل والتى تقوم بإعطاء هذه الدروس للطلاب داخل فصول المدرسة وفى وقت الدراسة، لأنها لن ترهق نفسها بالشرح بعد مواعيد المدرسة، كما أن من لا يشترك فى هذه الدروس يلقى عقابا مستمرا من المدرسة وإبعاده تماما عن الصفوف الأولى فى الفصل والمخصصة للمشتركين فى الدروس الخصوصية فقط».
واختتم قائلا: «أين وزارة التعليم من كل دا.. مدرسة بنتى بتدى دروس خصوصية داخل المدرسة وفى وقت الحصص الدراسية ولم يجرؤ أحد على عتابها حتى.. من فضلكم نظرة للمواطنين البسطاء».
خبراء: مرفوض ومخالف للقانونوفى هذا الشأن، قال الدكتور حسن شحاتة، الخبير التربوى، إن فرض هذه التبرعات بالإجبار ودون رقابة فذلك مرفوض تماما ومخالف للقانون، ومخالف لتوجيهات وزارة التربية والتعليم التى أكدت أكثر من مرة على منع قبول أية تبرعات من أولياء الأمور.
وأضاف شحاتة فى تصريحاته لـ«البوابة»، أن التبرعات العينية للمدارس موجودة منذ سنوات ولكن بضوابط، وتكون ضمن قائمة مشتريات المدارس، وتسجل بها هوية المتبرع ونوع التبرع.
وتابع: «التبرع مشروع حال تحديد هوية المتبرع وتسجيل ذلك فى سجلات المشتريات، وتحت باب تسجيل تبرع عينى من قبل ولى الأمر على أن يسج ذلك فى أوراق رسمية وبرضاء أولياء الأمور، أما إذا كان بإجبار أولياء الأمور لقبول أو رفض أبنائهم فى المدارس فهو مخالف للقانون».
من جهته، قال الدكتور طلعت عبدالحميد، الخبير التربوى، إن هذه التبرعات ليس لها أى أساس قانونى، وأصبحت عرف فى المدارس بل ويساء استخدامها نتيجة لسكوت أولياء الأمور.
وطالب عبدالحميد، أولياء الأمور بالتوجه مباشرة لاحدى الجهات الرقابية مباشرة للتبليغ حالة تعرضه لاى ابتزاز من جهة أى مسؤول بأى مدرسة، وفى حال طلب أى تبرع لان ذلك مخالف تماما للقانون.
وتابع: «فرض هذه التبرعات ضد القانون وضد الدستور، وسكوت أولياء لأمور يفتح الطريق للمزيد من الفساد لذا يجب على أولياء الأمور التوجه للجهات الرقابية وتقديم شكاوى، لأن السكوت جعل جمع هذه التبرعات فرض على أولياء الأمور وبدأ الفاسدين فى أن يطلبوا بشراهة وارتفعة وتيرة الطلب لتصل لمستويات لم نرها من قبل، ومن هنا أصبحت التبرعات باب خلفى لإثراء المرتشين والفاسدين».
وأكمل قائلا: «كما أن البرلمان مسؤول أيضا فالنواب هم ممثلون للمواطنين ضمن الدوائر التى انتخبتهم، لذا يجب على النواب التقدم بطلب احاطة للوزير من أجل وقف هذه المشكلة المتكررة فى العديد من المدارس».
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: التبرعات أولياء الأمور التحويل وزارة التربية والتعليم القبول في المدارس من أولیاء الأمور هذه التبرعات جمیع المراحل داخل المدرسة إحدى المدارس مدیر المدرسة إلى المدرسة فى المدارس فى المدرسة إلا أنه إلا أن
إقرأ أيضاً:
المشهد التربوي في ظلّ الحرب.. قمة التناقض والضياع والاصرار
يواجه نظام التعليم في لبنان تحدّيات عدة، تفاقمت مع الأزمة الاقتصادية في البلاد، واستفحلت اليوم مع الحرب الاسرائيلية على لبنان وتحوّل المدارس الرسمية إلى مراكز إيواء للنازحين، مما حال دون تمكّن عدد كبير من الطلاب من متابعة دراستهم. وحرمت الحرب الإسرائيلية على لبنان قرابة ألاف الطلاب من مقاعدهم الدراسية، وأصبح مستقبلهم مرهونًا ببعض المبادرات التعليمية هنا وهناك.
ينقسم الرأي العام اليوم، حول قضية العودة تثير العودة إلى الروتين المدرسي مشاعر متضاربة. فمن ناحية، ندرك أهمية الروتين في خلق شعور بالاستمرارية وتعزيز المرونة الشخصية والاجتماعية. ومن ناحية أخرى، تنشأ مخاوف طبيعية في ظل الوضع الأمني المعقد.
وفي هذا السياق أكدت مدرسة كوليج يونيفرسال أن "قرار العودة الى المدرسة جاء بعد التشاور على نطاق موسّع مع الأسرة التربويّة بكلّ مكوّناتها، بهدف إنقاذ العام الدراسي، انطلاقًا من إصرارنا على عدم ضياع السنة الدراسيّة مهما بلغت قساوة الظروف. حيث نسعى بكل جهد كي لا تحدث فجوة بين تلامذة يتمكّنون مِن الدرس حضوريًا أو عن بعد، وآخرين لن يتمكنوا من ذلك في الوقت الحاضر".
وقالت ادارة المدرسة أن "على الرغم من كل التحديات، قررنا إعادة استكمال السنة الدراسية، لأن الوضع التربوي اليوم دقيق جداً، خصوصاً مع مروره عبر السنوات الماضية بهزات كثيرة، ولم يتم بعد وضع خطة طويلة الأمد لهذا القطاع، بالرغم من أن الحرب متواصلة منذ عام، وطلاب الجنوب معظمهم من دون مدارس".
وأشارت المدرسة الى ان قرار وزير التربية ملزم للمدارس الرسمية، ولكنه غير ملزم للمدارس الخاصة التي بدأت اعتباراً من الاسبوع الماضي بالعام الدراسي عن بعد او التعليم المدمج ما بين الحضوري و"الاونلاين"، مشيرة على ضرورة البدء بالعام الدراسي مهما كانت الصعوبات، لأن المدارس قادرة على التعليم حضورياً وعليها فعل ذلك، لكن تبقى المشكلة الأساسية في النازحين والمدارس الرسمية وكيفية معالجتها.
ولفتت المدرسة الى ان هناك العديد من المدارس في مناطق آمنة يمكن ان تفتح ابوابها للتعليم الحضوري وبدء العام الدراسي بشكل طبيعي جداً، فيما يبقى الخيار مفتوحاً للمدارس التي تقع عند خطوط التماس.
وقالت "فقد درسنا في الحرب الأهلية تحت الرصاص والقنص، لكن لم يكن من المفترض صراحة أنْ تتحوّل كلّ المدارس الرسمية إلى وجهة للنازحين، فعلى الرّغم من الظروف الصعبة، يُمكن استكمال التعليم لكن بعد تقسيم التوقيت بين دراسة قبل الظهر لأبناء المدينة، وبعد الظهر للنازحين مثلاً كيّ تسنح الفرصة للجميع للتعلّم، لكن حينما تُنسى المدارس الرسمية، فهنا بتنا نتحدّث عن كارثة تربوية قادمة وليست الأولى من نوعها".
واضافت ادارة المدرسة بأنّ "المدارس أكثر أمنًا من المنازل ومن مراكز الإيواء، وأكثر فائدة على الطالب من أي مكان آخر، ومن هذا المنطلق فإنّنا نصرّ على التعليم الحضوري في المناطق الآمنة، والخيار الأمثل بترك كلّ مدرسة تفتح أبوابها بحسب استطاعتها، على أن يتمّ البحث في وقت لاحق في كيفية التعاون مع المدارس الرسمية من أجل المساعدة في تأمين التعليم للجميع".
في الختام، قالت المدرسة انه "على الرغم من التحديات، فإن العودة إلى الروتين المدرسي هي فرصة لتعزيز المرونة الشخصية والاجتماعية. من خلال الاهتمام والتفهم والدعم، ويمكننا أن نساعد أطفالنا ليس فقط على التعامل مع الموقف، ولكن أيضًا على النمو منه. معًا سنتجاوز هذه الفترة ونخرج منها أقوياء".
وتقول معلمة اللغة العربية "ريتا انطون" أن من المهم أن نتذكر أن الحرب تؤثر على كل واحد منا بشكل مختلف. في تعاملنا مع الأطفال العائدين إلى المدرسة، يجب أن نأخذ في الاعتبار كل التغييرات في بيئتهم، تغيرات مكان الإقامة، وأكثر من ذلك. وعلى الرغم من أننا لا نستطيع منع هذه التغييرات، إلا أنه يمكننا تسهيل التعامل معها.
وبرأيها، فإن الحل الأمثل في ظروف الحروب هو استخدام كل الوسائل الممكنة من أجل تعليم الأطفال مهارات حياتية بسيطة، تساعدهم على التفريغ النفسي وتعلّمهم القدرة على دعم الذات. وتقول إنه على الجهات الرسمية حصر قوائم بأسماء المعلمين الذين بإمكانهم تنفيذ مبادرات تعليمية والإشراف عليها ودعمها قدر المستطاع.
وطالبت انطون بأن "تكون الخطة الجديدة شاملة بحسب كل شخص وكل مؤسسة بحسب حاجتها، وإيجاد حلول سريعة، ووضع التعليم ضمن الأولويات. ويمكن زيادة أشهر السنة الدراسية، وإلغاء بعض الأعطال السنوية، لتحصين أطفالنا بالعلم والعمل، خصوصاً لذوي الاحتياجات الخاصة الذين لا يستطيعون التعلم عن بعد بل يحتاجون إلى اختصاصيين".
وقالت أنه "كان يوم الاثنين هو يومنا الأوّل وسجّلنا غياب عشرات التلاميذ الذين لم تُرسلهم أمهاتهم خوفاً من الحرب، وربما هناك أسباب أخرى سنستعلم عنها لاحقاً".
وأكدت أن "الظروف صعبة اليوم مع استعمال 75 في المئة من المدارس الرسمية كمراكز إيواء للنازحين، ووجود 45 ألف أستاذ خارج نطاق مراكز أعمالهم أو مناطقهم، و546 ألف تلميذ نازح".
واشارت انطون أنه على الرغم من الخوف السائد، فإنّ وظيفة المعلم الأساسية ليست التدريس، بل بناء ثقافة ووعي، وعن ذلك تقول: "منذ اليوم الأول للعودة الى الدراسة رأيتُ أنّ الحديث مع الطلبة مهم وهذا ما فعلته، سألتهم عن مشاعرهم وحاولت أن أشعرهم بالطمأنينة".
"حسين ومنى" شقيقان نجحت عائلتهما برفقة طواقم الدفاع المدني في اخراجهما من منطقتهم المشتعلة بنيران الحرب، حسين الذي كان قد بدأ عامه طالبا في الصف الثاني، حزين على قرطاسيته التي لم يستطع إنقاذها من الركام.
تصف بتول انقطاع أولادها عن الدراسة بمأساة حقيقية، وتقول ان الوضع اليوم لا يسمح بفتح المدارس والتعليم، فالعدو همجي واولادنا عرضة للخطر، مشيرة الى ان العديد من الطلاب او الاساتذة قد تركوا منازلهم، سواء بفعل النزوح او الهجرة، وبالتالي من الصعب عليهم الالتحاق بالصفوف حضوريا.
واعتبرت بتول أنّ "الواقع الحربي يستنزف التعليم الرسميّ ولا يُنصف أبناء المؤسسات التعليمية الحكومية. ونحن نرفض خسارة العام الدّراسي. أما من جهة التعليم عن بعد فمشاكله لا تحصى ولا تعد ان لناحية عدم توفر الكهرباء بشكل دائم او لناحية عدم توفر الانترنت المطلوب. وما زاد الطين بلّة ازدياد أعداد النازحين الذين يحاولون تدبّر أمورهم في أماكن نزوحهم بعيداً عن منازلهم وقراهم، وعدم توفر الظروف الملائمة للعودة إلى المدرسة، إضافة إلى عدم معرفة الأهالي كم ستطول الحرب لاتخاذ قرار تسجيل أولادهم في مدرسة في منطقة نزوحهم".
وختمت قائلة: "أخطر ما في الحياة التوقف عن التعليم، فهذا أسوأ أمر يمكن أن يحصل في المجتمع، وغالباً ما يواجه الآباء صعوبة في معرفة أفضل السبل للاستجابة لأولادهم في هذه الظروف، ويمكننا البدء بالشرح للأبناء مقدار وأوجه العنف الفظيع الذي يُرتكب حولهم، مع التذكير دوماً بأنّها حالة مؤقتة، وسنتغلّب عليها ونتجاوزها".
وبين التعليم الحضوري والتعليم الافتراضي واللاتعليم، يبقى التلامذة النازحون القابعون في المدارس طلبا للأمان لا للعلم هم الخاسر الأكبر. وعليه، فإن المشهد التربوي الحالي هو قمة في التناقض والضياع وفيه من كل شيء: تلامذة عادوا إلى مقاعد الدراسة، تلامذة في المنازل ووراء الشاشات الذكية يتعلمون افتراضيا من خلال الـ"online" وتلامذة في المنازل وفي مراكز الإيواء من دون تعليم. المصدر: خاص "لبنان 24"