اتجاهات مستقبلية

هل يؤثر الانسحاب الفرنسي من النيجر على حملات مكافحة الإرهاب؟

 

 

 

أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال مقابلة تلفزيونية سحب سفير بلاده من النيجر سليفان إيت، وأكد أن بلاده ستنهي وجودها العسكري هناك، موضحًا أن الجنود الفرنسيين الـ 1500 سيغادرون خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، على أن يتم الانسحاب الكامل بحلول نهاية العام.

ويثير هذا الإعلان تساؤلات عدة حول مدى تأثير هذا الانسحاب على حملات مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي. وتبدو أهمية هذه التساؤلات في ضوء أن فرنسا تعد من اللاعبين الرئيسيين في عملية مكافحة الإرهاب في تلك المنطقة؛ ولاسيما في ظل التصاعد المطّرد لنفوذ التنظيمات الإرهابية، واشتعال الصراع بين تنظيمَي “القاعدة” و”داعش” على التمدد والانتشار هناك.

لقد لعبت فرنسا دورًا ملحوظًا في مواجهة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي، منذ أن أطلقت في يناير عام 2013 عملية سرفال التي نجحت في منع مجموعات موالية لتنظيم القاعدة من الاستيلاء على شمال مالي، وحلّت محلها عملية برخان في أغسطس 2014 بهدف مواجهة عودة جماعات الإرهاب إلى المنطقة، وقد خصصت فرنسا لهذه العملية ميزانية قدرها نحو 600 مليون يورو ‏سنويًّا، ونشرت نحو 4000 جندي في مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد وموريتانيا، وذلك قبل أن يعلن الرئيس ماكرون انتهاءها في نوفمبر 2022.

وبصرف النظر عن مدى نجاح فرنسا في مواجهة الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل، فإن المؤكد أن خروج قواتها من المنطقة سيخلق فراغًا أمنيًّا كبيرًا تستطيع التنظيمات الإرهابية أن تستغله من أجل ترسيخ نفوذها وتحقيق مزيد من التمدد والانتشار، وليس أدل على ذلك من تصاعد نشاط تنظيم القاعدة عبر فرعه “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” في مالي الذي أعلن في مطلع أغسطس الماضي “الحرب في منطقة تمبكتو” وفرض عليها حصارًا شديدًا حتى يتمكن من السيطرة عليها. يأتي ذلك فيما تواجه النُّظم الجديدة في بعض دول المنطقة العديد من التحديات التي قد تعوق قدرتها على مواجهة تلك التنظيمات بشكل حاسم، الأمر الذي يطرح إشكاليات حقيقية بشأن كيفية مواجهة هذه التنظيمات وكبح تطلعاتها إلى إقامة نماذج جديدة من “دولة الخلافة” المزعومة.

إن صعوبة هذه الإشكاليات تفرض على دول منطقة الساحل وحكوماتها التفكير بشكل جدي في كيفية تعويض الغياب الفرنسي عن حملات مكافحة الإرهاب، ويمكن أن يكون ذلك من خلال إعادة تنظيم صفوفها لمواجهة التهديدات الإرهابية المتزايدة، ومعالجة أوجه القصور التي تقوض جهودها في القضاء على الإرهاب، مثل تواضع القدرات العسكرية للجيوش وهشاشة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، ونقص المعدات الحديثة التي تسهم في رصد تحركات العناصر الإرهابية كالطائرات المسيرة وغيرها.

ومن جهة أخرى فإن المجتمع الدولي مُطالَب أيضًا بتقديم كل أنواع الدعم لدول منطقة الساحل في إطار حربها ضد التنظيمات الإرهابية، التي لم تعد تداعياتها تتوقف عند حدود هذه المنطقة، وإنما باتت تتعداها لتصل الى أوروبا والعالم الغربي؛ بالنظر إلى ممارسة هذه التنظيمات عمليات الهجرة غير الشرعية وتجارة المخدرات والتهريب، التي أصبحت تمثل صداعًا مزمنًا للدول الأوروبية. إلى جانب ذلك، ينبغي على دول الإقليم الأخرى أن تجد وسيلة تستطيع من خلالها دعم دول منطقة الساحل الإفريقي في مواجهة التنظيمات الإرهابية، إذ تمثل هذه الدول “خط الدفاع الأول” الذي إذا انكسر أو انهار فإن موجات الإرهاب لن ينجو منها أحد، وهو ما يفرض عليها تقديم كل دعم ممكن للجيوش التي تواجه الإرهاب في تلك المنطقة، قبل أن يستفحل خطره ولا يمكن السيطرة عليه.

 

 

 

 

 

 


المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

أكبر عملية طرد: الجزائر ترحّل إلى النيجر 1800 مهاجر إفريقي غير شرعي في يوم واحد

أكبر عملية طرد: الجزائر ترحّل إلى النيجر 1800 مهاجر إفريقي غير شرعي في يوم واحد

مقالات مشابهة

  • قيام إمبراطورية روسيا الإفريقية
  • وفد إماراتي يبحث في المغرب تعزيز التعاون في مواجهة غسل الأموال
  • الخارجية تندد بالجريمة الإرهابية التي ارتكبتها مليشيا الجنجويد ضد مركز إيواء المقرن بعطبرة ومحطة الكهرباء
  • رئيس المخابرات العراقي يلتقي الرئيس السوري لبحث مكافحة الإرهاب وتعزيز التعاون الثنائي
  • مثقفون وأكاديميون يطلقون بيان دعم للدكتور سعد الهلالي في مواجهة حملات التشويه والتكفير
  • أكبر عملية طرد: الجزائر ترحّل إلى النيجر 1800 مهاجر إفريقي غير شرعي في يوم واحد
  • قمة عنتيبي تبحث مستقبل بعثة AUSSOM: تحديات أمنية وتمويلية في مواجهة الإرهاب بالصومال
  • السيسي يهاتف مودي بعد هجوم كشمير الدامي ويتحدث عن تجربة مصر في مواجهة الإرهاب
  • الإمارات تستضيف وفد الاتحاد الأوروبي ودول الأعضاء لتعزيز التعاون في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب
  • طالباني لوزير الخارجية الفرنسي: وحدة الكورد ضمانة الاستقرار في المنطقة