الدكتور أحمد جمال الدين: الإصلاح المؤسسي ضرورة لإصلاح التعليم في مصر
تاريخ النشر: 25th, September 2023 GMT
تحت عنوان "التعليم للجميع"، استضاف مشروع حلول للسياسات البديلة (APS)، لقاءً مفتوحًا حول مجانية وجودة التعليم في مصر تحت عنوان"التعليم للجميع" بمقر الجامعة الأمريكية بالقاهرة.
وجاء ذلك بحضور الدكتور أحمد جمال الدين موسى وزير التربية والتعليم والتعليم العالي الأسبق، والدكتورة يوهانسن عيد رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد سابقًا، وسنية الفقي الباحثة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فيما أدارت الحوار الصحفية دينا عزت.
وناقش المتحدثون في اللقاء العديد من الأسئلة السائدة حول جودة التعليم في مصر على ضوء التعهدات السياسية بالحد من ارتفاع تكاليف التعليم، مع طرح مبادرات وحلول في سياق إعادة تقييم وضع التعليم الحالي بالتقاطع مع طبيعة الظرف الاقتصادي والجيوسياسي.
و اعتبر الدكتور أحمد جمال الدين موسى وزير التربية والتعليم والتعليم العالي الأسبق ، أن إصلاح التعليم لا ينفصل عن الإصلاح المؤسسي للدولة، قائلًا إن المسؤول التنفيذي مهما بلغت كفاءته أو إخلاصه، فهو غير قادر على تحقيق ما يطمح له بسبب عقبات ترجع إلى "عدم كفاءة التنظيم المؤسسي للدولة".
وقال وزير التعليم الأسبق خلال كلمته، إن تحسين جودة التعليم مكون أساسي في استراتيجية الإصلاح المؤسسي، مضيفًا "تحسين التعليم ليس مجرد هدف من أهداف التنمية المستدامة، وإنما ركن أساسي"، موضحًا أن ذلك يرجع إلى كونه ذو تأثير وانعكاسات على الأهداف الأخرى للتنمية المستدامة.
واقترح جمال الدين أن يكون إصلاح التعليم من خلال مدخل متعدد الأبعاد، يشمل عناصر عديدة يتم معالجتها بشكل متوازٍ، وضرب على ذلك مثلًا، حيث قال: "لن يكون مجديًا تطوير المناهج دون تغيير أوضاع المعلمين التأهيلية والمادية"، مضيفًا أنه حتى في حال تطوير المناهج وتغيير أوضاع المعلمين، فلن تتحقق نتائج ملومسة دون تطوير الإدارة المدرسية وأسلوب اختيار القائمين عليها.
وفي هذا السياق، علّق جمال الدين على التحديثات التي جرت على المنظومة التعليمة من خلال إدخال جهاز التابلت، واصفًا الأمر بـ"المهم"، مستدركًا بالتساؤل عن مدى نجاح التجربة انطلاقًا من أن "التخطيط شيء والواقع شيء آخر".
وأوضح الوزير السابق أن عدم نجاح تجربة التحديث من خلال جهاز التابلت بالشكل الكافي يرجع لعدة أمور، من بينها ارتفاع كثافة الفصول، وضعف مستوى بعض المعلمين وتراجع حماسهم لتطبيق الأساليب الجديدة، وخذلان الإدارة المدرسية، وسلبية أولياء الأمور وضعف اهتمامهم بمتابعة شؤون أبنائهم التعليمية، كما لفت إلى "قصور الرقابة والمحاسبة والمساءلة من القيادة التعليمية على كافة مستوياتها" باعتبارها من أسباب عدم نجاح التجربة.
وعلى صعيد تطوير المناهج، أشار "جمال الدين" إلى أنه رغم أهمية تطوير المناهج، لكن تأثير هذا التطوير لا يمكن فصله عن العملية الكلية متعددة الأبعاد للإصلاح التعليمي، مشيراً إلى أن الفئات الأضعف في المجتمع يقل تمثيلها في التعليم الجامعي مقابل زيادة تمثيلها في التعليم ما قبل الجامعي، في حين تزيد معدلات الإنفاق والاهتمام بشكل عام بالتعليم الجامعي مقابل التعليم ما قبل الجامعي.
وقال إن "الإنفاق على التعليم ما قبل الجامعي أكثر أهمية بمراحل على مستوى العدالة الاجتماعية من الإنفاق على التعليم الجامعي".
من جانبها قالت الباحثة سنية الفقي إن دستور 2014 كفل حق التعليم المجاني، والإلزامي للتعليم الأساسي والثانوي، لافتةً إلى إلزام الدستور للحكومة المصرية بزيادة نسبة الانفاق على التعليم لتصل لـ6% من الناتج المحلي بواقع 4% للتعليم قبل الجامعي و2% للتعليم الجامعي.
وقالت" الفقي" أن االمخصصات الدستورية للتعليم انخفضت لتصل في آخر موازنة (2023-2024) لنسبة 1.9% بواقع نحو 239 مليار جنيه من إجمالي 11.8 تريليون جنيه، لتبلغ بذلك الفجوة بين واقع الإنفاق على التعليم والنسبة الدستورية نحو 480 مليار جنيه.
وأشارت سنية الفقي إلى أن ذلك يحدث رغم انتهاء الفترة الانتقالية التي سمح بها دستور 2014 قبل التزام الحكومة بالنسب الدستورية، حيث بلغت تلك الفترة الانتقالية 3 سنوات منذ إقرار الدستور.
وأوضحت الباحثة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن الحكومة في سبيل التعامل مع هذا الوضع كانت تستخدم ما أسمته بـ"التحايل الحسابي" في الموازنة المقدمة للبرلمان، وذلك قبل أن يعلن رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي أن الحكومة غير قادرة على تحقيق الحد الأدنى من الإنفاق المقرر دستوريًا لما يحتاج إليه ذلك من موارد كبير.
وأشارت الفقي إلى أن التحايل الحسابي يتمثل أيضًا في أن الحكومة تحتسب أي إنفاق في أي وزارة أو هيئة حكومية على التعليم أو التدريب، يدخل ضمن الموازنة العامة للتعليم، هذا بالإضافة إلى إضافة أجزاء من الديون وفوائدها على ميزانية التعليم.
وقالت "الفقي" إن بند الأجور والمرتبات "يلتهم الموازنة المخصصة للتعليم بنسبة 70%"، مضيفةً أن هذا الارتفاع في نسبة الأجور من إجمالي موازنة التعليم "يدل على عدم كفاية وكفاءة الموارد المخصصة للتعليم"، لأنه رغم أن الأجور تقتص النسبة الأكبر من مخصصات التعليم إلا أنها أيضًا لا تزال أجورًا متدنية.
وبالمقارنة عالميًا، فتنخفض معدلات الإنفاق الحكومي في مصر على التعليم ليس فقط عن متوسط الانفاق العالمي والبالغ 4.5% من الناتج المحلي، بل أيضًا، بحسب الفقي، عن متوسط الانفاق على التعليم في الدول متوسطة الدخل والدول التي "يمكن مقارنة ظروفها الاقتصادية بمصر" بحسب الفقي التي ضربت مثالًا بتونس حيث تبلغ نسبة الإنفاق الحكومي على التعليم 7.3% من الناتج المجلي.
وأكدت الدكتورة يوهانسن عيد رئيس هيئة ضمان جودة التعليم سابقا أنّ الطالب لا يتأثر بالمعلم فقط على المستوى التحصيل العلمي، وإنما أيضًا على المستوى السلوكي، لافتةً إلى أنه بناءً على ذلك يمثل تدني معدلات أجور المعلمين تحديًا رئيسيًا لتحقيق جودة التعليم.
ووفقًا للرئيسة السابقة لهيئة ضمان جودة التعليم والاعتماد، فـ"جودة التعليم" تعني أن "يُحقق التعليم المقصود منه" على مستوى كسب المعارف والمهارات التي تؤهل الطالب لسوق العمل، أما "ضمان جودة التعليم" فهي "المراجعة المنهجية لمخرجات العملية التعليمية"، والتي تتطلب بحسب يوهانسن "مراجعة خارجية وحكمًا على نواتج التعلم"، مشددة على عجز نواتج التعلم في مصر وأنه يبدأ أساسًا من انخفاض الإنفاق على التعليم، وذلك وفقًا لنموذج عملية ضمان الجودة.
واستعرضت "يوهانسن" إحصائيات حول عدد المؤسسات التعليمية ما قبل الجامعية التي تقدمت لهيئة ضمان جودة التعليم والاعتماد، وقالت إن عددها ما بين عامي 2014 و2022 بلغ حوالي 8 آلاف مؤسسة تعليمية، يُضاف إليها 4 آلاف مؤسسة تعليمية تقدمت سابقًا، ليبلغ إجمالي المؤسسات المتقدمة لاعتماد الجودة حوالي 13 ألف مؤسسة تعليمية من أصل ما بين 60 ألف لـ70 ألف مؤسسة تعليم ما قبل جامعي.
وأوضحت الدكتورة يوهانسن أنه في 2006 نصّ القانون على أن لوزير التربية والتعليم تحديد آجال تقدم المؤسسات التعليمية للاعتماد؛ ومنذ ذلك الحين لم توضع الخطة، ولذلك وخلال الفترة ما بين 2017 و2022، وهي فترة ترأس الدكتورة يوهانسن لهيئة ضمان الجودة والاعتماد، كان عدد المدارس المتقدمة سنويًا أقل من نصف العدد الذي يفترض به التقدم وفقًا لرؤية "مصر 2030"، ففي حين يُفترض أن تتقدم ما بين 1400 و1500 مدرسة، كان متوسط المدارس المتقدمة سنويًا يتراوح ما بين 700 و750 مدرسة.
يذكر أن مشروع "حلول للسياسات البديلة" هو مشروع بحثي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، معني بتقديم مقترحات سياسات عامة للتعامل مع أهم التحديات التي تواجه المجتمع المصري، عن طريق عملية بحثية متعمقة ودقيقة، واستشارات موسعة مع مختلف القطاعات المعنية.
ويقدم المشروع حلولاً مبتكرة ذات رؤية مستقبلية لدعم مجهودات صناع القرار في تقديم سياسات عامة تهدف لتحقيق التنمية العادلة في مجالات التنمية الاقتصادية وإدارة الموارد والإصلاح المؤسسي.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: التعليم الجامعة الأمريكية بالقاهرة وزير التربية والتعليم وزير التربية والتعليم والتعليم العالي ضمان جودة التعليم الإنفاق على التعلیم ضمان جودة التعلیم تطویر المناهج التعلیم فی جمال الدین التعلیم ا ما بین إلى أن فی مصر
إقرأ أيضاً:
جمال أحمد حمد إزيرق: في عيد الأم
جمال أحمد حمد إزيرق: في عيد الأم
ود شيخنا إبراهيم: تمر أيام وتتعدى
عبد الله علي إبراهيم
في عزاء الأستاذ عمار محمد آدم في زوجته، رحمها الله، لقيت شيخنا ود إبراهيم لأول مرة. وهو اسم في الصُلاح ملء سمع بلدة الأراك ونواحيها. وأبعد. وما عرفوني به حتى قلت له:
- كان أمي جمال أحمد حمد إزيرق جاتك . . .
ولم يتركني أكمل سؤالي فقال:
- بلحيل. وقت ليها بيطلع ويكون له شأن. ما شاء الله. سامعبك.
والحكاية أن أمي، وهي شديدة الاعتقاد في آل ود إبراهيم لصلاحهم وقرابتهم وختميتهم الواضحة، أرقها طول غيابي في بطن العمل السري الشيوعي الذي استمر منذ 1973 إلى 1978. وسعت للإطمئنان عليّ من جهتين. جاءتني يوماً وأنا في "الغميلة ديك" بين الشيوعيين بكتاب "الحصن الحصين" من بركة قريبنا سر الفتوح الذي يجمع بين التربية الروحية وإصلاح الدراجات. أظن. واحتفظت به طويلاًً لبركة الكتاب الصغير وبراً بالوالدة وللمسة البروليتاريا عليه.
من جهة أخرى زارت أمي شيخنا ود إبراهيم. ورأيته في المأتم رجلاً "قليَّلاً" تنحدر وجنتاه القديمتان المهذبتان بقوة في حنكين التقيا في زواية حادة. وطوق حيوية وجهه بلياقة الختمية لا مفر. شَبَه خالي المرحوم عطا عبد المولي. والخال مَثَل أمي الأعلى في "كيف تعيش كختمي لا غير". وبدا لي من لقاء شيخنا أنه طمأن الوالدة على أنني سأخرج من الغميلة وسيكون كل شيء OK.
لم يتطرق شيخنا في حديثنا في بيت البكاء لتعريفه للشيوعيين الذي حفظته أمي عنه وأطلعتني عليه في لقاء لنا في الغميلة الشيوعية. قالت إنها سألته عما يريده الشيوعيون من أمثالي. ويبدو أنني حيرتها وقطعت قلبها. فقال لها إنهم يريدونها "معلقة كدي لا ترتاح ولا تريح". ولا أعرف تعريفاً للمثقف (والثوري بوجه خاص) أبلغ من تعريف ود شيخنا أو أدق. فقد سبقه الفارابي ليقول إن المثقف ذبابة خيل لا تكف عن اللسع. واستفدت هذا التعريف للفارابي عن المرحوم التجاني الماحي. كما أن أوسع التعريفات عن المثقف شيوعاً في أمريكا هو أنه الذي يزلزل السلطان (سلطان الدولة أو العائلة أو الحزب أو النقابة المهنية وهلمجرا) بالأسئلة طلباً للحق. فالولاء في مضمار المعرفة هو للمسألة لا للحلول. أليس هذا هو تعريف ود شيخنا الخالق الناطق: عاوزنها معلقة لا ترتاح لا تريح؟
يعجبني في المثقف التقليدي مثل شيخنا الفضل. فمهنتهم هي الاستماع الجليل لما يؤرق "زبائنهم". يسمعون بلا كلل ولهم عبارة مطمئنة لكل مشتك. وجلال الاستماع فريضة غائبة في المثقف الحديث. فما أن تبدأ بالشكوى لطبيب عن علتك حتى قاطعك بقوله: "افتح خشمك. قول عاع". يظن أن رواية المرض زائدة لا معنى لها.
لما عدت من غملتي بين الشيوعيين في 1978 وجدت أمي ترتاح إلى إغنيتين. فمتى غنى الراديو من الحقيبة: "ماتقول ضعت من إهمالي أنا عامل الحزم رأسمالي" استمعت ثم رددت هذا المقطع من الإغنية بالذات بعد نهايتها قائلة: "والله صح!". وكانت إمرأة حازمة ولكن الدنيا ما بتدي حريف. أما الأغنية الثانية فلزيدان وهي "تمر أيام وتتعدى ونقعد نحسب المدة". وكانت تنبهني للأغنية متى جاءت في الراديو. وبدا لي انها جذلى بعودتي بعد أيام تعدت وحسبت مدتها.
ودعت ود شيخنا ولم اسمعه يدعوني لحضور إنشاد البراق الختمي على روح المرحومة. ونبهني من معي للدعوة. فجلست. وكنت أفكر متى يكون للمثقف الحديث مقبضاً على طقوس مثل تلك التي تتنزل على يد ود شيخنا عذباً سلسبيلا في يوم حزين؟
ibrahima@missouri.edu