حكاية الأمس واليوم

من فلسطين الأصل والمنبت الأصيل زوج وزوجته في أحد بلاد الغربة، يتعاهدان معا على الصبر على الحلوة وعلى المرة، صار كلاهما معا والأولاد الصغار في بلاد الغربة، في جلسة مسائية على فنجان القهوة يتحدث الزوجان يتبادلان حديث الذكريات للأهل والأحباب والجيران والأصدقاء الذين كانوا قبل سنين.. ياه صارت اليوم ومن خلال هذه الجلسة المسائية ذكريات ومضت لكنها حلوة بكل ما فيها.

أرض القرية وأهلها وترابها في الأصل هو تراب فلسطين الأم الطيبة المعطاءة النقية نقاء الماء من ينابيعها الصافية، يقول الزوج لزوجته: لنا في بلاد الغربة سنين تقارب العشرين والحمد الله على نعمه أولاد طيبين بارين بنا أنا وأنت، ولدينا تحويشة العمر التي تخللها صبرك معي فعلا على الحلوة والمرة في هذه الحياة الصعبة التي تزيد وعورة سنة بعد سنة.. ماذا سنفعل في المستقبل إذا قررنا العودة إلى فلسطين؟

تسمع الزوجة كلامه وترد: نرجع يا أبو محمد، وتعطيه فنجان القهوة الذي قدمته بأناملها له، يشرب رشفة ويقول: آه نرجع لفلسطين إيش فيه كلامي؟ تعاود أم محمد الرد: أقلك أنا من زمان بفكر نفس تفكيرك، بالضبط في عندي حنين لكل شي بقريتنا لتراب فلسطين، لشجر الزيتون للقمة الزيت والزعتر، للصحبة للأهل أكثر للجيران، بس يا أبو محمد شايف الأخبار هناك بفلسطين، الصهاينة خلص سيطروا سرقوا الوطن، أكلوا فلسطين كلها تقريبا، ما حد قادر يعمل شي تصريحات تنديد كلام مؤتمرات عربية وغيره كله بظل كلام وبس. الواقع غير، الصهاينة فعلا بلعوا فلسطين. أنا مثلك جاي على بالي أصلي بالأقصى الشريف براحتي، مسجدنا هذا كمسلمين بيتنا الرائع أجمل البيوت النا كفلسطينيين، الله بسمع نداءنا من الأقصى الشريف.

يرد أبو محمد: طيب والعمل؟ نظل هيك ملوعين بعيدين لحد متى؟ ترد أم محمد: نفسي نرجع نبني أحلى بيت وسكن النا وللأولاد نحط فيه جنينة كلها زرع وخضار وورد ونافورة صغيرة، من كل قلبي بتمنى هيك الحال يصير يا أبو محمد. بس الواقع هو واقع برجع بقلك فلسطين شبه تسجلت باسم الصهاينة. يرد أبو محمد: والحلم اللي كنا ناويين نحققه أمنيتك اللي بتحكي عنها من شوي؟ ترد أم محمد: الله وحده القادر يغير الحال، بدنا مثل ما صبرنا نعيش كمان سنوات صبر زيادة، مش هروب لا يا سندي بس تصديق لواقع الحال المفروض فرض إجباري. الصهاينة سرقوا الوطن.

يرد أبو محمد: يعني المصاري اللي جمعناها بس بالغربة نصرف منها والحلم ضايع. فعلا قبل الغربة كله صار ذكريات قديمة ماضية نتذكرها للحنين لإنزال الدمعة على هذيك الأيام. ترد أم محمد: هيك نزلت الدمع من عيوني. بدنا ندعي الله ونصبر قديش أهلنا بفلسطين صبروا وبعدهم ثابتين صابرين.

هذا الوضع هو الواقع الحالي للإنسان الفلسطيني، أرضه وطنه بيته الأنيق أناقة لا توصف من شدة جمالها، الأقصى الشريف هو بيته الأجمل الأحب إلى قلبه يُسرق، تتم المحاولات لهدمه من بن غفير المجرم وسموريتش المجنون، لأجل هيكلهم الوهمي الخرافي، والوضع هو واقع الحال ما في باليد حيلة من أمة العرب كثيرة العدد.

إن السير اليوم إلى التطبيع مع بني الصهاينة لن يؤدي حتما إلى تغيير عقليتهم فقد عقدوا العزم على السيطرة وبناء الهيكل، مشاريع السلام معهم لن تقلل إجرامهم أبدا، على الأغلب سوف تزيده مقدارا كما ونوعا سوف يرون أمة عربية ضعيفة مادية يزيد إجرام بن غفير وجماعته. بالتأكيد الصهاينة لن يتغيروا أبدا، ساديتهم باقية وتزيد سنة بعد أخرى. لماذا؟ لأن هدفهم ليس ماديا دنيويا لأجل متاع الدنيا وملذاتها من مال وغيره هدفهم الأساسي فكري يتعلق ببناء الهيكل الوهمي بدلا عن الأقصى الشريف، بيت المسلمين الانيق وملجئهم الذي لم يخذلهم يوما.

ياه الحياة وهم بدل حقيقة، تمشي الحياة اليوم إلى العبثية أكثر كلما تم تمكين بن غفير وأمثاله في الحياة بصورة عامة العبثية إلى ماذا تؤدي وما هي دلالاتها، طبع حياة الغابة هي النتيجة الحتمية لتمكين سموريتش المجرم، معقول يتغير يصير مؤدب يستحي قبل سجن أو قتل إخوتنا الفلسطينيين الطيبين؟ هذا لن يحدث من سادي سفاح مثله لأن هدفه وهدف جماعته يتعلق بالفكر والتفكير، يعني إحلال فكر بشري مادي محل عقيدة إسلامية أمر بها الله سبحانه للبشر في الأرض التي أوجدها، بمعنى آخر زيادة السكوت على بن غفير وأصدقائه الصهاينة هو إدخال الحياة مرحلة العبثية المدمرة التي تسير بخطواتها نحو مسح أية صفة فطرية إنسانية طيبة عن مسار الحياة نفسه.

مشاريع السلام مع الصهاينة لن تؤدي إلى إلغاء خططهم ولا إلى إلغاء ساديتهم، بل سوف تزيدها مقدارا والخاسر هو الأقصى الشريف، هي فلسطين هي قيم العروبة النبيلة. تبدو الفائدة من تلك المشاريع السلمية مع الصهاينة صفرية من ناحية الفكر والعقيدة. الحديث هنا ليس عن مكاسب دنيوية مادية لأن الحياة أولها عن آخرها حكاية زائلة لها موعد فرضه الله عند خلقها بالزوال.

تبقى حكاية الأمس واليوم ثابتة في دفتر الحياة، ويبقى الانتظار سيد الموقف لدى عائلة أبي محمد وزوجته الطيبة، وتقول الحياة: فائدة مشاريع التطبيع والسلام صفر بقول المثل: اسأل مجرب، وفلسطين جربت وبعدها بتجرب، سادية جماعة اسمها مجاميع بن صهيون.

الأقصى الشريف يقول قوله الصريح: لا للتسرع في مشاريع التطبيع والسلام، التريث والتفكير بالعقل والمنطق الصحيح هو طوق النجاة وإن اشتدت أعاصير الحياة ونوائبها المهلكة لا فائدة من المصافحة مع بن غفير، لن يتغير أبدا، ادخل نفسه في مرحلة خطيرة مرحلة التحدي مع الله سبحانه كما فعل قبله مخلوق بشري كان اسمه فرعون.

الأصوب تجميد مصطلح السلام عند المرور بسكة بشرية اسمها جماعة الهيكل الوهمي وبني صهيون، تبقى الفائدة صفرية أو أنها في درجة التقييم السالبة بالنسبة للمنفعة الإسلامية والعربية من ناحية الفكر والعقيدة، وهي الأهم. الحياة لها وقت للنهاية لن تستمر. ما هو ذنب عائلة أبي محمد حتى يسرق حلمها صهيوني لا وطن ولا هوية حقيقية له؟ هو هذه حقيقته سيأتي يوم ويضمحل زوالا وإن بعد حين.

هي الحياة في كثير من لحظاتها ذات لمحات غريبة يعتريها الظلم. ظالم أنت بن غفير ويعجبك أن تبقى بهذه الصفة. عقلك إذن لا يعمل بشكل سوي صحيح. تذكر لا أحد يتحدى خالق الكون أبدا. راجع سيرة فرعون وابن جماعتك شارون.

المصدر: عربي21