النظام الفاتر والنظام النامي
تاريخ النشر: 25th, September 2023 GMT
جاء في «لسان العرب» لابن منظور: (النَّظْم: التأليف.. وكل شيء قرنتَه بآخر أو ضممتَ بعضه إلى بعض فقد نظمته. والانتظام: الاتِّساق. ونظام كل أمر: مِلاكه. والجمع.. أنظمة وأناظيم)، هذا المعنى اللغوي.. استعمل في الحقل الأدبي ليدل على نوع من الشعر، يهتم غالبا بنظم فن من العلوم، أطلق عليه: منظومة، والجمع: مناظيم، (ومنه نظمت الشعر ونظّمته).
«النظام».. تطور من معنى (مِلاك الأمر) إلى مصطلح يعني آلية عمل مؤسسي لمجموعة عناصر منسجمة ومتكاملة لتسيير قطاع من الحياة، لأجل تحقيق أهداف مقصودة، هذه العناصر تقوم على رؤية واضحة ومنطق محدد وقيم إنتاج. فهناك الأنظمة: السياسية والاجتماعية والحيوية والفيزيائية والوظيفية.. إلخ، ولذلك؛ اتخذ النظام تعريفه بحسب العلم الذي يستعمله، بيد أن التعريفات تتفق على أنه مجموعة العناصر المتسقة التي تعمل معاً بشكل علمي، بحيث إن كل عنصر يقوم بعمله محركا العناصر الأخرى، ولو أن عنصراً تخلّف عن القيام بدوره لأي سبب كان؛ فلا يُعدّ جزءاً من النظام، وكذلك؛ لو اكتشف أن ضمّه كان خطأً أو وهماً، فعُدِّل وصف النظام؛ بحيث لا يصبح ذلك العنصر من مكوناته. فلو فرضنا أن نظاماً ما يقوم في تشغيله وإدارته على الخبرة، ثم تحوّل إلى اعتماد الانتخاب، فالخبرة لن تعتبر من عناصره، رغم أن بعض المنتخَبين قد يكونون خبراء، اللهم إلا إن كان الانتخاب من ذوي الخبرة فقط، فيكون عنصرا الخبرة والانتخاب من مكونات هذا النظام.
النظام.. قرين المنطق، فإن كان المنطق هو الإطار النظري لعلم ما؛ فإن النظام هو الإطار العملي لتحويل ذلك العلم إلى مؤسسة انتاج. فالطب -مثلاً- له منطقه، ولا يتحول إلى مؤسسة صحية إلا في ظل نظام علمي. وإذا كان المنطق تحكمه قواعد كلية وقوانين تفصيلية؛ فإن النظام تحكمه البيروقراطية، وكما لا يجوز للمنطق الخروج على قواعد العلم وقوانينه؛ كذلك لا يسمح النظام خروجَ مقطوراته عن سكة البيروقراطية.
لقد تكلمت عن البيروقراطية في مقالي «ما بعد البيروقراطية.. وضرورة التحوّل الإداري» [جريدة «عمان»، 27/ 9/ 2021م]، وقلت: (على الجهاز الإداري أن يتجاوز برتوكولات البيروقراطية المعتادة، بل عليه أن يتجاوزها بأسرها؛ بما في ذلك اسمها، وأن يطويها بيد الشكر، ويرفعها في تأريخ الأنظمة التي تعاقب الإنسان على الاستفادة منها، وأن يعلن بأنه اعتمد نظام «ما بعد البيروقراطية»). ورغم صعوبة التحول عن البيروقراطية في أنظمتنا؛ فإن الزمن سيفرض تحولاته «ما بعد البيروقراطية»؛ باتجاه أدوات جديدة تسيّر الأنظمة، وهذا لا يعني أن هذه الأدوات ستلغي سلسلة عمل النظام، بل ستبقى؛ ولكن بطرق تتلاءم مع متطلبات الحياة الجديدة، وهذا التطور هو قاعدة مطردة في أنظمة الحياة، بما في ذلك العلوم ومنطقها ومناهجها، التي تشهد تحولاً بحسب التقدم في المكتشفات فيها، وإعادة صياغة قواعدها وقوانينها.
وبعد؛ فلنأتِ إلى النظام الفاتر والنظام النامي.
النظام الفاتر.. كيان ذو رؤية محددة ونسق إجرائي صارم وآليات تنفيذ متسلسلة ومعهودة. الرؤية فيه غير قابلة للتطور، فهو مغلق يرفض أن تزاحمه أية رؤية أخرى، ولو كانت أفضل وتدفع به إلى الأمام. ولديه في ذلك تبرير بأنه هو الأصلح للمجتمع، وقد أثبت جدواه منذ إنشائه، وطالما أنه صالح للخدمة فلماذا نطوّره! وأن المجتمع يرفض أي نظام بديل عنه، وربما يثور ويدخل في فوضى، والبديل غير مجرَّب مما قد يجلب مساوئه للمجتمع. وقد تشتد المعارضة في تغيير رؤية هذا النظام من داخله أكثر من المجتمع، لأنه بمرور الأيام يكون هدفه البقاء، وليس تقدّم المجتمع وتحقيق مصالحه، بل أن رؤيته قد تُنسى؛ فيصبح عمله ميكانيكياً، وتظهر لرؤيته -دون أن تتغير- تبريرات تتناسب مع تحولات الحياة، لكي يحافظ على وجوده، وتغدو الوسائل فيه غايات والشكليات جوهريات.
النظام الفاتر.. رتيب، ومريح للعاملين فيه، غير أنه لا يطوّر من خبراتهم، ولا ينهض بقدراتهم، ولا يفتح آفاق العمل أمامهم. وهو بانغلاقه قد يمنع دخول بعض سلبيات الأنظمة الأخرى إلى المجتمع، ولكنه أيضاً يمنع الاستفادة من إيجابياتها. وهذا النظام يصاب بالجمود، ويصبح غير قابل للتغيّر بسهولة، كالأنظمة القبلية والدينية والعرقية، تليها الأنظمة السياسية المستبدة، ثم الأنظمة الاقتصادية الموجَهة.
وهو نظام.. مَن ينتسب إليه ليس بمقدوره إلا أن يعمل تحت آلياته الصارمة، بل النظام -كما قلت- لا يقبل أن ينتسب إليه صاحب رؤية؛ مهما بدت أنها ستفعّل عملَ النظام وتخدم المجتمع، لأن النظام لا يرى المجتمع إلا من خلاله. والأكثر من ذلك؛ أن المجتمع قد لا يرى نفسه إلا من خلال النظام الذي يهيمن عليه، وهذا يتضح في المجتمعات التي تسودها الأنظمة الجامدة؛ سواءً أكانت سياسية أم قبلية أم دينية.
إن النظام الفاتر لن تتركه تحولات الحياة على انغلاقه، فإن لم ينفتح ستتجاوزه الأيام، وستأتي عليه ساعة الصفر التي ينهار فيها؛ فيدخل المجتمع في فوضى، قد يحتاج مدة طويلة حتى يستعيد استقراره في ظل أنظمة أكثر حيوية وانفتاحاً. لكن الانهيار قد لا يكون سريعاً، فقد يتمكن النظام من ترميم نفسه لإطالة أمده، دون أن يستطيع التقدم نحو وضع أفضل، فضلا عن منافسته للأنظمة النامية.
أما النظام النامي.. فلديه كفاءة في استقطاب مختلف الرؤى وتفعيلها، بحيث إن كل رؤية هي إضافة له، ويحرر منتسبيه من كونهم أدوات إجرائية ليصبحوا عقولاً مفكِّرة. والمجتمع.. الذي يسوده هذا النظام مجتمع ديناميكي حر، يطوّر من وعيه بالحياة، ويسهم في تنمية أفراده. وهذا النظام.. لا يعني أنه هلامي لا تحكمه آليات عمل، أو لا يملك رؤية محددة، فلو أنه كذلك لما كان من الأساس نظاماً، بل الرؤية لديه واضحة ويتطور بوعي، ويؤكد على الالتزام بالقيم الأخلاقية. والرؤى الجديدة التي تتحصل لديه من منتسبيه؛ تستنير بها رؤيته.
النظام النامي.. يتحلى بأمرين:
- القدرة الذكية على اجتذاب أصحاب الرؤى الفاعلة والملهمة، فهو مهيأ بالأساس للتطور ويزعجه الجمود، ودرجة قلقه من التغيير ضعيفة. بل لديه قرون استشعار يبصر بها القدرات التي تضيف إلى فاعليته، ولا تحجبه عنها المصالح الذاتية لمنتسبيه، لأن لديه حساسية مفرطة من وجود مصالح ذاتية قد تصيبه بالفتور.
- القدرة على تفعيل آليات عمله بتجدد رؤيته، وهو بجوهره قادر أن يفكر بأدوات متطلعة للمستقبل، غير مكبلة بقيود الماضي، وهذا فارق جوهري بين النظامين، فالنظام الفاتر.. ينظر لأمجاد الماضي، والنظام النامي.. ينظر لصناعة المستقبل.
ومع ذلك؛ على الأنظمة النامية أن تحذر من النزق نتيجة حماس بعض منتسبيها، فيجعلون النظام مشاعاً لكل رأي فطير أو تغيير من دون تقدير، فالنظام النامي.. ينبغي أن يتخمّر الرأي لديه حتى يصبح رؤية ناضجة ليسير عليها، لا أن تقفز به الآراء في عماء الفراغ.
على المجتمعات الذكية ألا تنفتح أنظمتها الفاترة فجأة، فالأنظمة فجائية الانفتاح سرعان ما تنهار، فهي واقعاً ليست بأنظمة، بل تعيش مرحلة مراهقة تكثر فيها أحلام اليقظة. والمجتمع الذكي.. لا تحبسه الأنظمة الفاترة في الماضي، وإنما يبني أنظمة نامية بالمعنى القيمي البنّاء، ويحذر كذلك من الأنظمة المغامرة التي تجر على المجتمع الويلات.
ختاماً.. النظام النامي هو الأنسب للتحولات التي تحدثها الحياة باستمرار؛ لاسيما في العصر الرقمي، فهو إن ظهرت به عيوب، أو أحدث ضجة في المجتمع، قادر على معالجتها حتى يستقر، كما أنه يراقب نفسه من الانغلاق والانفتاح غير المدروس على حدٍ سواء، ولديه رؤى وآليات كفيلة بالحفاظ على مبادئه العليا وقيمه الأخلاقية، وإمداد منتسبيه بروح يجعل رؤيتهم متقدة ومتطورة باستمرار
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هذا النظام نظام م
إقرأ أيضاً:
تحديات الشعب الفلسطيني ما بعد وقف العدوان على غزة
أفضت السنتان الماضيتان وما تخلّلهما من أحداث جسام على صعيد القضية الفلسطينية ببعدها الوطني وكذلك امتداداته الإقليمية والدولية، إلى جملة تحديات صعبة، بعضها مفصلي، وهي في ذات الوقت متداخلة، ولعلنا نشير إلى أن العديد منها ليس وليد المرحلة الماضية تحديدا، ولكنها تعاظمت وفرضت نفسها على المشهد، وبعضها له أثر إيجابي بالبعد التحرري، واستعادة الحقوق الثابتة، والأخرى سلبية ومناحيها في العديد من جوانبها خطيرة، وتصنف بأنها وجودية.
ولعل جملة المشاهد (في هذه المرحلة من عمرالقضية الممتد) التي تصدرت أخبار العالم خلال أيام معدود-، وخُتمت في يوم الاثنين الماضي 13 أكتوبر/تشرين الأول 2025، بين غزة، والقدس المحتلة، وشرم الشيخ- ترسم معالم واضحة إلى حد متقدم للصورة الكاملة لعِظم ما يواجهه الشعب الفلسطيني، وللمسؤوليات الملقاة على عاتقه على المديات الزمنية: القريبة، والمتوسطة، والبعيدة، وسواء بالبعد الرسمي (منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية في الداخل)، أو الفصائلي، أو منظمات المجتمع الأهلي، والشخصيات النافذة، ولا نستثني أحدا من أبناء الشعب الفلسطيني بالمستوى الفردي سواء في داخل فلسطين، أو حيث كانوا في جغرافيا العالم على اتساعه. ولعلنا تاليا نستعرض عناوين التحديات، ثم أفق التعاطي معها فلسطينيا.
غزة وواجب الوفاء (خطة مارشال)إن ما كابده أهل غزة من أبناء الشعب الفلسطيني من أهوال المذابح والتطهير العرقي والتجويع والتهجير والهدم، يوجب وبإلحاح ودون تأخير من بقية الكل الفلسطيني وقفة الأخوّة والوفاء في البعد الإغاثي في كل مجالات الحياة سواء المعيشية أو الطبية أو التعليمية وتفرعاتها بما لا يشعرهم بأدنى درجات التقصير، فيما يمكن أن يشابه "خطة مارشال" لإعادة إعمار غزة، وإرجاعها للحياة الطبيعية.
وهذا يمكن أن يعين أهل غزة في ذات الوقت على القيام بمسؤولياتهم الوطنية الأخرى، وأهمها التجذر في الأرض، ومقاومة مشاريع التهجير وإفشالها.
إعلانوفي البعد السياسي فإن ما تضمنته خطة ترامب بشأن مستقبل الوضع في غزة من عناوين وصاية على الشعب الفلسطيني وسلب السيادة الوطنية، يحتاج إلى رفع الصوت عاليا في رفضه، والعمل على عدم نجاحه.
ومما هو مطلوب عدم إخلاء طرف الاحتلال من كل مسؤولياته عن جرائمه التي ارتكبها في غزة، سواء بإعادة الإعمار، أو في ملاحقته قانونيا عن جرائم الحرب والإبادة الجماعية، وكذلك عدم إعفاء الأطراف التي دعمت دولة الاحتلال في جرائمها، ووضعها أمام استحقاقاتها.
ومن مسؤوليات الشعب الفلسطيني تجاه غزة العمل على إبقاء غزة حاضرة في ضمير وواقع الشعوب العربية والمسلمة، بل والشعوب قاطبة لناحية إسنادها وعدم قفل ملفات استحقاق الحرب بكل الاتجاهات دون استيفائها. وهذا بلا شك حال دائم ولا ينتهي، وأن تبقى "مظلمة غزة" حاضرة، وأقتبس من أحد النشطاء ما أسماه "عقدة غزة" تلاحق قادة الاحتلال وداعميهم على الدوام، لتقابل مع الفارق " عقدة الهولوكوست".
خطة الضم والتهجير والتهويد في الضفة الغربية والقدسلم يعد المخطط الصهيوني- بكل تفاصيله فيما يتعلق بضم الضفة والعمل على ترسيخ المستوطنات وشرعنتها، وكذلك مخطط التهجير- خافيا، وكذلك الأطماع في الاستيلاء على المسجد الأقصى، وتهويد المدينة المقدسة، وهذا يمتد إلى السياسة الأميركية ودعمها المطلق لدولة الاحتلال في هذه الأبعاد، فإسقاطُ البند 21 من خطة ترامب التي اتفق مع الزعماء العرب والمسلمين عليها، وتراجعُه أمام الرغبة الإسرائيلية لاحقا، وأداؤه أثناء زيارته فلسطين المحتلة وتأكيده على وضع القدس، لا تحتاج لشرح أكثر في طبيعة الأخطار، ونستدعي أيضا وقوفه المعارض في وجه التوجه العالمي للاعتراف بالدولة الفلسطينية.
لقد وفّرت هذه الاعترافات أرضية صلبة للحراك الفلسطيني المأمول في مواجهة المخططات الإسرائيلية، وبالأخصّ على الصعيد القانوني، وعدم شرعيّة الاستيطان والمستوطنين، وكذلك الإجراءات في القدس وضد المقدسيين، ومصادرة الأراضي وهدم البيوت والممارسات اليومية التعسفية بحق أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة والقدس.
الأسرى في سجون الاحتلالإن أسرى الحرية والذين ما زالوا رهن الاعتقال في سجون الاحتلال وتقديرات عددهم بما يزيد على 9 آلاف، كانوا وسيبقون قضية إجماع وطني، والتحدي أمام الشعب الفلسطيني أن يبقوا حاضرين في الضمير الجمعي الوطني، والعمل على ألا تنتهك حقوقهم من قبل الاحتلال، في طور العمل الحثيث على تحريرهم، والعمل على ذلك ضمن ما تنص عليه القوانين الدولية. قضيتهم العادلة تحتاج أن تنبري قطاعات الشعب إلى مأسستها والعمل مع المجاميع العربية والدولية للضغط على حكومة الاحتلال لإطلاق سراحهم.
أوضاع استثنائية لقطاعات من فلسطينيي الخارج.. لبنان وسوريا نموذجاومما نراه من تبعات ملحة وتحتاج إلى التفاتة في خطة التحرك الفلسطيني المفترضة، هو ما يتعرض له بعض قطاعات فلسطينيي الخارج في أماكن تواجدهم المختلفة، وهنا نشير إلى تقدُّم حالَي فلسطينيي لبنان، وسوريا ليوضعا في دائرة الاهتمام والأولوية، وذلك لتأثرهما المباشر بما يجري في فلسطين المحتلة من أحداث، فأثار العدوان على غزة امتدت ميدانيا إلى لبنان، بما يشمل هذا الوجود الفلسطيني ومخيماته هناك. علاوة على الوضع الصعب المزمن سواء من الناحية المعيشية أو التعقيدات اللبنانية الداخلية.
إعلانوعلى الجانب السوري، فإن سقوط بشار الأسد ونظامه ونجاح الثورة عليه، وما تكشف عن تلك المرحلة وسياستها من آثار سلبية على التواجد الفلسطيني، وخصوصا الدمار في مخيم اليرموك، ويُضاف لذلك الاجتياحات الإسرائيلية والاعتداءات المتكررة على المدن، يعني كل ذلك استهدافا مباشرا لما يزيد على 400 ألف فلسطيني بقوا على الأراضي السورية، وما يتطلبه ذلك من رعاية معيشية، ومتابعة للأبعاد القانونية وامتداداتها السياسية سواء في سوريا أو لبنان.
التصدي القانوني لتغول المشروع الصهيوني في العالملم يكن أشد المتشائمين من الداعمين للمشروع الصهيوني على أرض فلسطين، يتخيل حجم التراجع في المكانة العالمية لدولة الاحتلال في كافة مجالات الحياة الحيوية، بل وعزلها ونبذها، وهذا يأتي بعد ثمانية عقود من قيام دولة الكيان وبشرعية دولية.
وقد عزا الرئيس الأميركي نفسه تدخله المباشر ورعايته لوقف الحرب والعدوان على غزة وفرضه ما يشبه الوصاية على القرار الإسرائيلي، إلى أنه في بعض أسبابه يعود لتراجع المكانة التي وصلت إليها دولة الاحتلال، وهو الذي قطع على نفسه وعدا في القدس المحتلة وأمام سياسيي الكيان أن يعمل على إعادة تلك المكانة.
وباشر فعلا بخطوات متسارعة وعديدة، ومنها دعوته لرئيس اتحاد كرة القدم العالمي إلى المشاركة في اجتماع القادة في شرم الشيخ، في محاولة للتصدي لحملات المقاطعة العالمية بحرمان فريق دولة الاحتلال من المشاركة في المنافسة أسوة بما حصل مع روسيا.
ويأتي في ذات السياق، ما أعلن عنه نتنياهو نفسه في التعاقد مع منصات التواصل، ودفع أموال لتحسين صورة دولة الاحتلال.
ولا نحتاج لتعمق في الاستكشاف لنصل إلى أن الخطة الإسرائيلية المضادة، تعني الهجوم بكافة الوسائل المتاحة لديهم على كل ما هو فلسطيني، وما يقوي القضية من مصطلحات وأفراد مؤثرين سواء كانوا فلسطينيين أو من الداعمين من غيرهم، وكذلك المؤسسات والعمل على تشويهها عالميا، كما هو حاصل مع وكالة الأونروا.
كل ذلك يتطلب تصديا حقيقيا بما تسمح به القوانين المحلية والقارية والدولية حول العالم، ويتطلب استنهاض طاقات الشعب الفلسطيني ومعه أبناء الأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم حيث كانوا.
ضمان استدامة للتضامن العالمي على الصعيد الرسمي والشعبيوهنا تبرز التحولات العالمية الإيجابية على صعيد القضية الفلسطينية على المستويين؛ الرسمي والشعبي، وفي كافة المجالات السياسية والشعبية والقانونية والإعلامية، وفي مختلف القطاعات وبامتداد نوعي لافت، حتى أضحت السردية الفلسطينية بأحرف الحقيقة والقفز على التزييف الإسرائيلي الذي تسيّد في العقل الجمعي الغربي والعالمي بالعموم.
وهذا الدعم تمظهر بصور عديدة مذهلة وغير مسبوقة، وساعد الإعلام الجديد ومنصاته في التصاعد الحاد وتدعيم وتسيد القضية الفلسطينية المشهد في شق المظلمة، وفي المقابل الجرائم الإسرائيلية وبشاعتها، وكذا الحال في صور المظاهرات والأنشطة.
ويأتي امتدادا لذلك، المنحى القانونيُّ والملاحقات لدولة الاحتلال وسياسييها وجنودها.
وعلى المستوى السياسي من حكومات وبرلمانات وشخصيات، فإن حجم المقاطعة والوقوف بحزم أمام سياسة دولة الاحتلال قد تنامى.
هذا النمو ليس من السهل محوه سريعا، ولكنه يحتاج لرعاية ضمان استدامته، خاصة في ظل خطة دولة الاحتلال للتأثير عليه سلبا. وهنا يأتي دور الجهد الشعبي الفلسطيني للتجمعات الأهلية حول العالم ودورها المحوري والحيوي في ذلك، وهذا يتطلب تنسيقا حيويا بينها عابرا للدول بل والقارات؛ لضمان قوة النفاذية والتأثير. ويحتاج التواصل مع الامتدادات العربية والإسلامية؛ لتوسيع الدائرة في ديمومة الحراك.
الوضع الداخلي الفلسطيني والمرجعية القياديةالتحدي المفصلي ذو الأولوية القصوى لدى الشعب الفلسطيني، هو المشهد القيادي والمرجعية التي تسيّر الشأن العام الفلسطيني، فإن محاولات التغييب والشطب للقضية تتجلى في العزلة والتهميش الحقيقي لقيادة السلطة والمنظمة، وهنا جاءت عناوين فرض الوصاية على الشعب الفلسطيني وسلبه سيادته على قراره، وهذا بلا شك نتيجة حتمية للضعف القيادي الفلسطيني، ولعل أحد الأسباب الرئيسية والجوهرية هو تغييب إرادة الشعب برمته في أن يختار قيادته، واختطاف القرار القيادي الفلسطيني، وتسيد منهج الانفراد وسياسة الإقصاء.
إعلانوهذا التحدي يكاد يكون عاملا مشتركا مع التحديات الستة السابقة، ويزيد صعوبة التعامل معها غياب الطرف الفلسطيني الرسمي والامتدادات الشعبية التي تعبر عن إرادة حقيقية، وهنا ندعو إلى الضغط العاجل من قبل كل القوى الحية في الشعب الفلسطيني: فصائل ومنظمات مجتمع مدني، وشخصيات مستقلة للسعي لتشكيل جبهة وطنية فلسطينية عريضة انتقالية، تتعامل مع القضايا أعلاه وتتصدر المشهد، ومن أدوارها إعادة رسم الهيكل القيادي الفلسطيني، بما يشمل منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا يتم على أسس ديمقراطية تعتمد الانتخابات حيث أمكن.
وفي ذات السياق، فإن تشكيل مرجعيات قيادية محلية في الأقطار التي يتواجد عليها أبناء الشعب الفلسطيني- وهذا يتم بانتخابات لمن ارتضى تلك الصيغة- سيضمن هذا سرعة في تشكيل تلك المرجعيات عبر العالم للضغط بشكل حضاري تمثيلي باتجاه التعامل مع القضايا والتحديات الملحة، وأيضا باتجاه تغيير المشهد القيادي الكلي للشعب الفلسطيني في طريق مسيرة التحرير، والعودة الممتدة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline