لجريدة عمان:
2024-12-25@15:31:28 GMT

النظام الفاتر والنظام النامي

تاريخ النشر: 25th, September 2023 GMT

جاء في «لسان العرب» لابن منظور: (النَّظْم: التأليف.. وكل شيء قرنتَه بآخر أو ضممتَ بعضه إلى بعض فقد نظمته. والانتظام: الاتِّساق. ونظام كل أمر: مِلاكه. والجمع.. أنظمة وأناظيم)، هذا المعنى اللغوي.. استعمل في الحقل الأدبي ليدل على نوع من الشعر، يهتم غالبا بنظم فن من العلوم، أطلق عليه: منظومة، والجمع: مناظيم، (ومنه نظمت الشعر ونظّمته).

«النظام».. تطور من معنى (مِلاك الأمر) إلى مصطلح يعني آلية عمل مؤسسي لمجموعة عناصر منسجمة ومتكاملة لتسيير قطاع من الحياة، لأجل تحقيق أهداف مقصودة، هذه العناصر تقوم على رؤية واضحة ومنطق محدد وقيم إنتاج. فهناك الأنظمة: السياسية والاجتماعية والحيوية والفيزيائية والوظيفية.. إلخ، ولذلك؛ اتخذ النظام تعريفه بحسب العلم الذي يستعمله، بيد أن التعريفات تتفق على أنه مجموعة العناصر المتسقة التي تعمل معاً بشكل علمي، بحيث إن كل عنصر يقوم بعمله محركا العناصر الأخرى، ولو أن عنصراً تخلّف عن القيام بدوره لأي سبب كان؛ فلا يُعدّ جزءاً من النظام، وكذلك؛ لو اكتشف أن ضمّه كان خطأً أو وهماً، فعُدِّل وصف النظام؛ بحيث لا يصبح ذلك العنصر من مكوناته. فلو فرضنا أن نظاماً ما يقوم في تشغيله وإدارته على الخبرة، ثم تحوّل إلى اعتماد الانتخاب، فالخبرة لن تعتبر من عناصره، رغم أن بعض المنتخَبين قد يكونون خبراء، اللهم إلا إن كان الانتخاب من ذوي الخبرة فقط، فيكون عنصرا الخبرة والانتخاب من مكونات هذا النظام.

النظام.. قرين المنطق، فإن كان المنطق هو الإطار النظري لعلم ما؛ فإن النظام هو الإطار العملي لتحويل ذلك العلم إلى مؤسسة انتاج. فالطب -مثلاً- له منطقه، ولا يتحول إلى مؤسسة صحية إلا في ظل نظام علمي. وإذا كان المنطق تحكمه قواعد كلية وقوانين تفصيلية؛ فإن النظام تحكمه البيروقراطية، وكما لا يجوز للمنطق الخروج على قواعد العلم وقوانينه؛ كذلك لا يسمح النظام خروجَ مقطوراته عن سكة البيروقراطية.

لقد تكلمت عن البيروقراطية في مقالي «ما بعد البيروقراطية.. وضرورة التحوّل الإداري» [جريدة «عمان»، 27/ 9/ 2021م]، وقلت: (على الجهاز الإداري أن يتجاوز برتوكولات البيروقراطية المعتادة، بل عليه أن يتجاوزها بأسرها؛ بما في ذلك اسمها، وأن يطويها بيد الشكر، ويرفعها في تأريخ الأنظمة التي تعاقب الإنسان على الاستفادة منها، وأن يعلن بأنه اعتمد نظام «ما بعد البيروقراطية»). ورغم صعوبة التحول عن البيروقراطية في أنظمتنا؛ فإن الزمن سيفرض تحولاته «ما بعد البيروقراطية»؛ باتجاه أدوات جديدة تسيّر الأنظمة، وهذا لا يعني أن هذه الأدوات ستلغي سلسلة عمل النظام، بل ستبقى؛ ولكن بطرق تتلاءم مع متطلبات الحياة الجديدة، وهذا التطور هو قاعدة مطردة في أنظمة الحياة، بما في ذلك العلوم ومنطقها ومناهجها، التي تشهد تحولاً بحسب التقدم في المكتشفات فيها، وإعادة صياغة قواعدها وقوانينها.

وبعد؛ فلنأتِ إلى النظام الفاتر والنظام النامي.

النظام الفاتر.. كيان ذو رؤية محددة ونسق إجرائي صارم وآليات تنفيذ متسلسلة ومعهودة. الرؤية فيه غير قابلة للتطور، فهو مغلق يرفض أن تزاحمه أية رؤية أخرى، ولو كانت أفضل وتدفع به إلى الأمام. ولديه في ذلك تبرير بأنه هو الأصلح للمجتمع، وقد أثبت جدواه منذ إنشائه، وطالما أنه صالح للخدمة فلماذا نطوّره! وأن المجتمع يرفض أي نظام بديل عنه، وربما يثور ويدخل في فوضى، والبديل غير مجرَّب مما قد يجلب مساوئه للمجتمع. وقد تشتد المعارضة في تغيير رؤية هذا النظام من داخله أكثر من المجتمع، لأنه بمرور الأيام يكون هدفه البقاء، وليس تقدّم المجتمع وتحقيق مصالحه، بل أن رؤيته قد تُنسى؛ فيصبح عمله ميكانيكياً، وتظهر لرؤيته -دون أن تتغير- تبريرات تتناسب مع تحولات الحياة، لكي يحافظ على وجوده، وتغدو الوسائل فيه غايات والشكليات جوهريات.

النظام الفاتر.. رتيب، ومريح للعاملين فيه، غير أنه لا يطوّر من خبراتهم، ولا ينهض بقدراتهم، ولا يفتح آفاق العمل أمامهم. وهو بانغلاقه قد يمنع دخول بعض سلبيات الأنظمة الأخرى إلى المجتمع، ولكنه أيضاً يمنع الاستفادة من إيجابياتها. وهذا النظام يصاب بالجمود، ويصبح غير قابل للتغيّر بسهولة، كالأنظمة القبلية والدينية والعرقية، تليها الأنظمة السياسية المستبدة، ثم الأنظمة الاقتصادية الموجَهة.

وهو نظام.. مَن ينتسب إليه ليس بمقدوره إلا أن يعمل تحت آلياته الصارمة، بل النظام -كما قلت- لا يقبل أن ينتسب إليه صاحب رؤية؛ مهما بدت أنها ستفعّل عملَ النظام وتخدم المجتمع، لأن النظام لا يرى المجتمع إلا من خلاله. والأكثر من ذلك؛ أن المجتمع قد لا يرى نفسه إلا من خلال النظام الذي يهيمن عليه، وهذا يتضح في المجتمعات التي تسودها الأنظمة الجامدة؛ سواءً أكانت سياسية أم قبلية أم دينية.

إن النظام الفاتر لن تتركه تحولات الحياة على انغلاقه، فإن لم ينفتح ستتجاوزه الأيام، وستأتي عليه ساعة الصفر التي ينهار فيها؛ فيدخل المجتمع في فوضى، قد يحتاج مدة طويلة حتى يستعيد استقراره في ظل أنظمة أكثر حيوية وانفتاحاً. لكن الانهيار قد لا يكون سريعاً، فقد يتمكن النظام من ترميم نفسه لإطالة أمده، دون أن يستطيع التقدم نحو وضع أفضل، فضلا عن منافسته للأنظمة النامية.

أما النظام النامي.. فلديه كفاءة في استقطاب مختلف الرؤى وتفعيلها، بحيث إن كل رؤية هي إضافة له، ويحرر منتسبيه من كونهم أدوات إجرائية ليصبحوا عقولاً مفكِّرة. والمجتمع.. الذي يسوده هذا النظام مجتمع ديناميكي حر، يطوّر من وعيه بالحياة، ويسهم في تنمية أفراده. وهذا النظام.. لا يعني أنه هلامي لا تحكمه آليات عمل، أو لا يملك رؤية محددة، فلو أنه كذلك لما كان من الأساس نظاماً، بل الرؤية لديه واضحة ويتطور بوعي، ويؤكد على الالتزام بالقيم الأخلاقية. والرؤى الجديدة التي تتحصل لديه من منتسبيه؛ تستنير بها رؤيته.

النظام النامي.. يتحلى بأمرين:

- القدرة الذكية على اجتذاب أصحاب الرؤى الفاعلة والملهمة، فهو مهيأ بالأساس للتطور ويزعجه الجمود، ودرجة قلقه من التغيير ضعيفة. بل لديه قرون استشعار يبصر بها القدرات التي تضيف إلى فاعليته، ولا تحجبه عنها المصالح الذاتية لمنتسبيه، لأن لديه حساسية مفرطة من وجود مصالح ذاتية قد تصيبه بالفتور.

- القدرة على تفعيل آليات عمله بتجدد رؤيته، وهو بجوهره قادر أن يفكر بأدوات متطلعة للمستقبل، غير مكبلة بقيود الماضي، وهذا فارق جوهري بين النظامين، فالنظام الفاتر.. ينظر لأمجاد الماضي، والنظام النامي.. ينظر لصناعة المستقبل.

ومع ذلك؛ على الأنظمة النامية أن تحذر من النزق نتيجة حماس بعض منتسبيها، فيجعلون النظام مشاعاً لكل رأي فطير أو تغيير من دون تقدير، فالنظام النامي.. ينبغي أن يتخمّر الرأي لديه حتى يصبح رؤية ناضجة ليسير عليها، لا أن تقفز به الآراء في عماء الفراغ.

على المجتمعات الذكية ألا تنفتح أنظمتها الفاترة فجأة، فالأنظمة فجائية الانفتاح سرعان ما تنهار، فهي واقعاً ليست بأنظمة، بل تعيش مرحلة مراهقة تكثر فيها أحلام اليقظة. والمجتمع الذكي.. لا تحبسه الأنظمة الفاترة في الماضي، وإنما يبني أنظمة نامية بالمعنى القيمي البنّاء، ويحذر كذلك من الأنظمة المغامرة التي تجر على المجتمع الويلات.

ختاماً.. النظام النامي هو الأنسب للتحولات التي تحدثها الحياة باستمرار؛ لاسيما في العصر الرقمي، فهو إن ظهرت به عيوب، أو أحدث ضجة في المجتمع، قادر على معالجتها حتى يستقر، كما أنه يراقب نفسه من الانغلاق والانفتاح غير المدروس على حدٍ سواء، ولديه رؤى وآليات كفيلة بالحفاظ على مبادئه العليا وقيمه الأخلاقية، وإمداد منتسبيه بروح يجعل رؤيتهم متقدة ومتطورة باستمرار

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذا النظام نظام م

إقرأ أيضاً:

مخططات التقسيم ومخاطر استنساخ أحداث سوريا في دول المنطقة

يمانيون../
لا شك أن ما حدث في سورية وتطوراته المستمرة سيظل لفترة طويلة محل اهتمام كل وسائل الإعلام العالمية والإقليمية، كما سيتوقف مستقبل المنطقة والصراع الدولي على مآل هذه التطورات، خاصة وأن سورية تمثل عقدة للصراعين الإقليمي والدولي، وأن طريقة سقوط النظام تمثل نموذجاً يمكن تصديره وتكراره لدول أخرى بالمنطقة، وخاصة الدول المجاورة للكيان الصهيوني مثل الأردن ومصر، وكذلك ممالك الخليج التي تتربص بها تنظيمات تنتمي لذات مدرسة جبهة النصرة والفصائل التي أسقطت النظام في سورية، وبعد ما بدا وتكشف من أن أمريكا والكيان وتركيا أعدت صيغة لتسويقها بإدخال تحديثات على خطابها لنيل الشرعية الدولية.

ولا شك أن إعلان نتنياهو نواياه وإرفاقها بخرائط لشرق أوسط جديد وتزامن ما حدث في سورية وتوظيف الكيان له، وملامح تحركاته في سورية عبر اقتناص مزيد من الأراضي والتواصل مع قطاعات من الأكراد والدروز، يقود إلى قناعة بأن “إسرائيل” تنوي مواصلة تحركاتها باتجاه هذا المشروع الذي لايتوقف عند حدود سورية، بل يتسع ليشمل الحلم التاريخي الصهيوني من النيل إلى الفرات، وهو مشروع صهيوني قائم وتبلورت عدة إستراتيجيات له، وكان أهم خططه الإستراتيجية خطة ينون التي نشرت في مقال في فبراير 1982 في المجلة العبرية كيفونيم (الاتجاهات) بعنوان “إستراتيجية لإسرائيل في الثمانينيات”، والتي كتبها عوديد ينون، المشهور كمستشار سابق لأرييل شارون، والمسؤول الكبير السابق في وزارة الخارجية الإسرائيلية، وتم الاستشهاد بالخطة كمثال مبكر لوصف المشاريع السياسية في الشرق الأوسط بمنطق الانقسامات الطائفية.

ولا شك أن تطبيق خطة الجنرالات في شمال غزة، وهي خطة للجنرال غيورا آيلاند، تشي بتهديد كبير لمصر، لأن هذا الجنرال هو صاحب خطة تهجير سكان غزة إلى مصر، والتي اقترحها وكان يعد لتنفيذها في العام 2005.

كما أن إشارة سموتريتش بأن العام 2025 هو عام ضم الضفة، لا بد أن يقرع جرس إنذار كبير وعاجل في الأردن، لأن خطط ضمها تتضمن تهجير أهلها إلى الأردن.

كما أن قوام مشروع الشرق الأوسط الجديد يقوم على أن تكون اليد الطولى للكيان، وهو ما لا يسمح بوجود نفوذ لممالك الخليج ويجب إعادتها لعصور مظلمة بحيث لا تشكل ندًّا للكيان.

وقبل الخوض في شواهد واحتمالات تكرار نفس السيناريو في دول أخرى، ينبغي إلقاء الضوء على بعض الملاحظات التي تحمل دلالات لافتة على طبيعة النظام الدولي والشرعية الانتقائية والازدواجية الفاضحة وحجم التنسيق والتواطؤ مع الكيان، وكذلك استغلال وتوظيف الكيان للأحداث بشكل سريع وخاطف، ثم الإشارة إلى علاقة خطة ينون ومخططات التقسيم بالدول الأخرى التي يمكن تكرار النموذج فيها، وذلك على النحو الآتي:

1- هناك استخفاف كبير بالمجتمع الدولي والشعوب عند الاعتراف بشرعية تنظيمات مارست الإرهاب وبشخص مصنف كإرهابي دولي مثل “أبي محمد الجولاني”، وهذا الاستخفاف يجعل من هذه البساطة التي تنال بها هذه التنظيمات الشرعية الدولية والرضا الإقليمي والدولي مؤشراً مرعباً للدول والجيوش التي اطمأنت لفترة طويلة على عرشها وشرعيتها الدولية باعتبارها تكافح الإرهاب، لأنه ببساطة يمكن اعتبار هذا الإرهاب ثورة وأنها دول تقمع الثورات وتنتقل في لحظة من خانة مكافحة الإرهاب لخانة الأنظمة المارقة عن الشرعية الدولية!

2- بينت الأحداث أن هناك خلايا نائمة لكثير من الفصائل والتنظيمات التي يتصور الكثيرون أنها ملفوظة شعبياً ولا تحظى ببيئة حاضنة، كما تؤثر الأزمات الاقتصادية وصعوبة معيشة المواطنين على طبيعة التفافها حول الأنظمة، مما يجعل المقاومة الشعبية لهذه التنظيمات مقاومة ضعيفة وبالتالي قد تجد أنطمة مثل الأردن ومصر مخاطر كبيرة وتجد جيوشها معزولة في مواجهة هجمات من هذا النوع دون رديف شعبي، خاصة أن هناك تجارب سابقة وخلايا نائمة، ولا يمكن استثناء ممالك الخليج رغم ثرائها من هذه السيناريوهات لأن التقارير الاقتصادية الدولية تفيد بمؤشرات لافتة حول انخفاض مستوى معيشة المواطنين وارتفاع نسب البطالة، ويضاف إليها وجود قطاعات شعبية تتقارب إيديولوجيا مع هذه التنظيمات وتتربص بعروش الخليج، وتحمل ثارات كبيرة خاصة مع دولة الإمارات التي تتبعت هذه التنظيمات وساعدت على قمعها في عديد من الدول.

3- الأطماع التركية لا تقتصر على أطماع التوغل البري في سورية والعراق واستعادة نفوذ المجلس الملي وأمجاد الإمبراطورية العثمانية، بل تمتد جيو إستراتيجيًا لشرق المتوسط ومشروعات الغاز، وثقافياً لقيادة العالم الإسلامي عبر رعاية تنظيمات إخوانية وفصائل وحركات وأحزاب توالي تركيا، لها وجودها في الأردن ومصر ودول الخليج، وهو تمدد ثقافي تسعى تركيا عبره لخلق نفوذ ممتد في الإقليم يحمي مصالحها التوسعية المتسقة مع الأحلام الإمبراطورية التي لا تفارق الطغمة الحاكمة في تركيا، وهو ما يشكل خطراً على هذه الأنظمة، والتي يُؤخذ عليها أن معظم الخطابات الشعبية هاجمت الأنظمة الرسمية بسبب تخليها عن غزة، فيما لم توجه انتقادات لتركيا وأردوغان رغم عدم تقديم تركيا أي مساندة إلا بعض الشعارات والخطابات الديماغوجية الخالية من أي فعل على الأرض.

4- رعاية غرف العمليات الأمريكية والصهيونية لما حدث في سورية، وهو ما رصده السيد الخامنئي بالتعاون مع الدولة الجارة التركية، وهو ما يقود لوجود مصالح مشتركة، وهذه المصالح لا تقتصر على سورية، لأنها تقتسم النفوذ والكعكة، وهو ما يغري الأطراف الثلاثة لتوسيع هذا التنسيق والسعي لمزيد من المكتسبات الإقليمية في لحظة تاريخية مفصلية تشكل فرصة لهذه الأطراف مع الضعف الملحوظ للنظام الرسمي العربي واستسلامه للنتائج دون تدخل فاعل في مواجهة الهجمة المزدوجة على القضية الفلسطينية وعلى منطق الدولة القومية التي قوامها المؤسسات والجيوش الوطنية.

5- الاستغلال الصهيوني بمزيد من التوغل وكسب الأراضي وانتهاك الاتفاقيات الدولية، لا بد وأن يشكل مؤشر خطر من الدرجة الأولى للدول التي ركنت إلى هذه الاتفاقيات مثل الأردن ومصر، وخاصة مع التلويح المستمر بضم الضفة الغربية وتهجير سكان غزة والتموضع الدائم للجيش الصهيوني في محور نتساريم وممر فيلادلفيا والسيطرة على المعابر، واستعداد إدارة يمثلها ترامب الذي لا يعبأ بالاتفاقيات الدولية لاستلام الحكم، وهو ما يشكل خطراً لتوغل صهيوني داخل خطوط فض الاشتباك برعاية أمريكية وترويج دعائي تركي لفصائل مماثلة لجبهة النصرة.

كما لا تشكل الاتفاقات “الإبراهيمية” حماية للأطراف التي وقعتها، لأن وجود نظام حكم تابع بشكل مباشر لأميركا والكيان ويدين بالشرعية والولاء لهما أفضل أمريكياً من جهد الابتزاز لأنظمة الخليج وأقصر طريقاً في جني الثمار.

6- وبالعودة إلى مخطط الشرق الأوسط الكبير وخطة ينون، نرى أن فيها تفصيلات تشير نصاً إلى دول أخرى، والخطورة هنا تتمثل في أن مقال ينون قد تم تبنيه من قبل أعضاء معهد الإستراتيجيات الصهيونية في الإدارة الأمريكية، حتى تم تناوله بشكل مفترض كوسيلة لتعزيز المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، وكذلك تحقيق الحلم اليهودي بدولة “من جدول مصر إلى نهر الفرات”، وتشمل غالبية الشرق الأوسط، كما هو مكتوب في الكتاب المقدس العبري، حيث كانت مجلة «كيفونيم» مُكرّسة لدراسة اليهودية والصهيونية، وقد ظهرت بين عامي 1978 و 1987، ونشرها قسم الإعلام في المنظمة الصهيونية العالمية في القدس.

وتتناول الخطة تفاصيل، نرى ظلالها في سياسات نتنياهو حالياً، ومما ورد فيها حول الأردن والعراق ومصر ولبنان، يمكن الاستشهاد بما يلي بشكل موجز:

أولاً: الأردن، اقترحت ورقة ينون أن السياسة الإسرائيلية، في كل من الحرب والسلام، يجب أن تهدف إلى هدف واحد هو “تصفية الأردن” كما تحكمها المملكة الهاشمية، إلى جانب زيادة الهجرة الفلسطينية من الضفة الغربية إلى شرق الأردن لوضع حد لمشكلة وجود تجمعات كثيفة للفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية التي احتلتها “إسرائيل” في حرب الأيام الستة عام 1967، مما يتيح لهم الانتقال إلى أراضي تلك المملكة السابقة.

ثانياً: لبنان، حيث دعت الخطة إلى خطة قديمة ضد وحدة أراضيها تعود إلى عام 1943، والتي بموجبها كان من المقرر أن يتم تجميع البلاد على أسس عرقية قومية، وتم تنفيذ جزء منها خلال السبعينيات، وخاصة بعد اندلاع الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، وارتبطت بشخصية هنري كيسنجر، حيث تردد وقتها أنه يخطط لتقسيم لبنان إلى دولتين.

ثالثاً: العراق، حيث اعتبر ينون العراق بثروته النفطية التهديد الأكبر لإسرائيل، وكان يعتقد أن الحرب الإيرانية العراقية ستقسم العراق الذي يجب أن يكون حله هدفًا إسرائيليًا إستراتيجيًا، وتوقع ظهور ثلاثة مراكز عرقية: الشيعة الذين يحكمون من البصرة، والسنة في بغداد، والأكراد وعاصمتهم في الموصل، حيث كل منطقة تسير على غرار التقسيمات الإدارية للدولة العثمانية السابقة.

رابعاً: مصر، حيث اعتقد ينون أن اتفاقيات كامب ديفيد 1978، التي وقعها مناحم بيجن وأنور السادات، كانت خطأ، وكان أحد أهداف “إسرائيل” في الثمانينيات، تقطيع أوصال مصر، الدولة التي وصفها بأنها “جثة”، وتهدف الخطة لتشكيل دولة قبطية مسيحية على الحدود الشمالية لمصر، وإعادة الغزو الإسرائيلي السريع لسيناء.

ربما بدأت الأنظمة تستشعر خطورة هذه التطورات بسرعة عقدها لاجتماع العقبة ولكنه اجتماع يخلو من الفاعلية بسبب عدم امتلاك أدوات ضغط فاعلة وسبب ابتعاد هذه الأنظمة وتخليها عن المقاومة وهو ما عراها أمام أميركا والصهاينة وأدخلها تحت قاعدة “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”، ولكن على الأنظمة أن تفطن إلى أن كلفة المقاومة رغم كل التضحيات أقل من كلفة التماهي والاستسلام، بدليل أن الحركات والقوى التي تقاوم مثل حزب الله تحافظ على الردع مع الكيان وتخرج دوماً بأقل الخسائر في ما يمس السيادة، رغم التضحيات والشهداء والخسائر المادية، وهو ما يفرض استفاقة وصياغة سياسات وإستراتيجيات جديدة للأنظمة تتسق مع هذه الهجمة التاريخية الاستعمارية الكبرى.

العهد الاخباري ايهاب شوقي

مقالات مشابهة

  • مبتدأ وخبر
  • التدريب على أنظمة التحكم الرقمية في القطاع الصحي
  • "العدل" تحاضر حول "الاتفاقيات الدولية والنظام القانوني"
  • أحمد السبكى رئيس الهيئة العامة للرعاية الصحية لـ«الوفد» .. انتهينا من وضع رؤية مستقبلية شاملة
  • "أحسن صاحب": منصة الإبداع التي تكسر حواجز الإعاقة
  • الأمم المتحدة: انهيار القانون والنظام في غزة
  • الأمم المتحدة: نشهد انهيار القانون والنظام في غزة والنهب المسلح لإمداداتنا
  • الأمة وأهداف قوى الهيمنة والاستعمار
  • العرب بين حداثة الزيف وأزمة الوعي
  • مخططات التقسيم ومخاطر استنساخ أحداث سوريا في دول المنطقة