"بصيرة طه حسين من ست زوايا" في ضوء علم اجتماع المعرفة للباحث عمار علي حسن
تاريخ النشر: 25th, September 2023 GMT
في الكتاب الذي صدر مؤخراً عن مركز أبوظبي للغة العربية، التابع لدائرة الثقافة والسياحة بعنوان "بصيرة حاضرة: طه حسين من ست زوايا" لمؤلفه الباحث عمار علي حسن، انطلق من سؤال محفّز لتأليف كتابه هذا، هو: بعد كل هذه السنين التي تتابعت منذ رحيل طه حسين "هل أثر العميد ما يزال قابلاً للتداول والتفاعل، أو أنه صار جزءاً من تاريخ المعرفة؟".
طه حسين ابن الحضارة الشرقية المتحاور بوعي واستقلال مع الحضارة الغربية
طه حسين فتح قوس النهضة ولم يُغلق بعد ولن يُغلق
فالقضايا التي عالجها تقادمت، والمسائل التي تصدى لها بَعُدَت عنا، والشكل الذي أخذته نصوصه الأدبية، وكذلك الأسلوب، قد تجاوزه الكتّاب العرب فيما استحدثوه من أشكال وصيغ وأساليب وطرائق فنية.. إلا أن المؤلف رأى أن القراءات حول "بيان النهضة" الذي مثّله طه حسين، ثمة من يراه أنه قد أدى دوراً مؤثراً، ثم صار تاريخاً.. ومنهم من رأى العكس، فوجده بياناً باقياً، وصوتاً من أصوات حاضر النهضة، وطرفاً من أطراف تناقضات هذا الحاضر وصراعاته.. وفي نظر حسن أن الخلاف على الرجل وأثره سيبقى ما بقي الخلاف على وجهة النهوض العربي الحديث وآفاقه، التي لا تبدو ماثلة حتى هذه اللحظة.
مأثرتان وصرامة علمية يضم كتاب الباحث عمار علي حسن مأثرتين، الأولى وهي دراسة فكر طه حسين من ست زوايا، هي: المنهج والنص والذات والصورة والموقف والأفق.. والمأثرة الثانية تتجسد في قوله: "بوسع هذا المنظور أن يمتد أيضاً إلى دراسة الأدباء البارزين، مع استبدال بسيط، يتمثل في إحلال المعيار أو البنية بديلاً للمنهج، إذ أن الأخير لا غنى عنه لأي مفكر أو فيلسوف، بل هو الذي يميزه من غيره، ويبرهن عما إذا كان قد قدّم رؤية متسقة ومتناغمة أم العكس هو الصحيح".وجوه متعددة للعميد
وفي زاوية النص: درس أسلوب طه حسين ولغته الشفاهية التي اعتمدت على آليات التخيل والاسترجاع والتكرار وحضور الموسيقى.. وفي الذات: رأى الباحث عمار علي حسن، طه حسين صاحب الوجوه المتعددة، إذ أنه الأزهري والمدني، والريفي والمديني، وابن الحضارة الشرقية المتحاور بوعي واستقلال مع الحضارة الغربية، يبحث عن الحكمة أنى وجدها فهو أولى بها، وهذه الثنائيات ما تزال محل أخذ ورد في الثقافة العربية المعاصرة، يُضاف إليها بالطبع تلك المقابلة بين البادية والحضر.
وعن الصورة مضى يقول حسن: طه حسين يظل، بعد مرور ما يقرب من نصف قرن على وفاته، صاحب مكانة رفيعة وهيبة لا يبليها الزمن، بل يبدو أسطورة ذاتية، في نظر محبين ومنصفين له، على الرغم من الانتقادات التي وجهت إليه، سواء من شباب تسرعوا في تقييم مشروعه، أم قرأوه مبتسراً، أم من خصوم سياسيين.. ولطه حسين عدة صور هي: قاهر الظلام، والتلميذ النجيب، والأستاذ البارع، وصاحب المكانة الرفيعة، والمجدد، والمتحايل، والذي صار أسطورة، والمواطن العالمي.
أما في الموقف فقد: جمع طه حسين بين التفكير والتعبير والتنظير والتدبير، فصار مفكراً عملياً، ومثقفاً منتمياً، إثر خوضه تجربة حزبية، وأخرى تنفيذية حين تولى وزارة المعارف، وثالثة إدارية حين صار عميداً لكلية الآداب - جامعة القاهرة، وحين أنشأ وأدار جامعة الإسكندرية، وكانت له تجربة مهمة في المعهد العالي للدراسات العربية، لجامعة الدول العربية.. وجمع طه كذلك بين موقفين في طرح أفكاره، الأول كان سافراً متسماً بالعناد، ورأيناه في معاركه ضد المنفلوطي حول اللغة، أما الثاني فكان متحايلاً، حين غير بعض الآراء التي وردت في كتابه "في الشعر الجاهلي" وأعاد طباعته تحت عنوان "في الأدب الجاهلي"، لكن موقف طه حسين يمتد إلى قضايا أعمق مثل موقفه من العدالة الاجتماعية، والحرية والديمقراطية، ومناصرة حقوق المرأة، والسلطة والأحزاب السياسية، والعلاقة بين الشرق والغرب، وبين القديم والجديد من الفكر والأدب.
مَلكة الحوار وطريق التعددوفي زاوية الأفق: تحدث فيها الباحث حسن عما تحقق من مشروع طه حسين، وما لا يزال ينتظر، ومصيره هو، نصاً ومنهجاً وموقفاً، وهو الرجل الذي كان يخشى "موت الكاتب" بعد رحيله عن الدنيا، أي ضياع منجزه بعد تحلّل جسده، ليَصير مجرد ذكرى، تُستعاد بين حين وآخر، أو لا يلتفت إليها أحد.
بناء على ما سبق، والكلام للمؤلف الباحث عمار علي حسن، تقوم خطة هذه الدراسة البينية، التي تنهل، وإن جزئياً، من مسار علم اجتماع المعرفة ومسالك النقد الأبي والتأريخ له.. ثم نبه الباحث حسن إلى أن طه حسين قد تعلم ملَكَة الحوار وطريق التعدد من ثلاثة روافد أساسية هي: الفقه الإسلامي، والفلسفة والمسرح اليوناني، ثم المسرح الفرنسي.. فالأول يعتمد على تعدد الآراء، والثانية كان الحوار والجدل يشكل جانباً رئيسياً منها، أما الثالث فهو حواري بطبعه.. ثم مضى الباحث عمار علي حسن يحلل لنا تلك الزاويا الست ومميزاتها وكيف امتلكها عميد الأدب الذي في نظره قد فتح قوس النهضة بانورامياً، ولم يُغلق بعد، ولن يُغلق، ولا يجب أن يحدث له هذا، إذ أن النهوض صيرورة لا تتوقف، وبعض دور المثقف فيها هو ألا يكف عن المشاكلة والمشاغبة والإضافة والإفاضة بما يواكب حياة تتدفق بلا هوادة، وقضايا تتجدد بلا توقف، واحتياجات لا تكف عن الظهور والإلحاح، وتحديات تتوالى وتنادي دوماً مَن عليهم أن يستجيبوا لها.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: زلزال المغرب التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني طه حسين طه حسین
إقرأ أيضاً:
ملتقى الجامع الأزهر: الأمة الباحثة عن نهضتها في غير التراث كشجرة تبحث عن مائها دون جذور
عقد الجامع الأزهر، اليوم الاثنين الموافق، ملتقى الأزهر للقضايا الإسلامية المعاصرة، عقب صلاة التراويح، تحت عنوان «التراث الإسلامي بين التقديس والتجديد»، بمشاركة الدكتور محمد الجبة، أستاذ اللغويات المساعد بجامعة الأزهر وعضو مركز الأزهر العالمي للرصد والفتوى الإلكترونية، والدكتور أيمن الحجار، الباحث بهيئة كبار العلماء، وأدار الحوار الشيخ وائل رجب، الباحث بالجامع الأزهر.
وأكد الدكتور محمد الجبة، أن أي أمة تسعى للنهوض لا بد أن تستند إلى تراث معرفي وثقافي وديني رصين، مشيرًا إلى أن انقطاع الأمم عن تراثها يشبه "شجرة بلا جذور"، ما يفقدها القدرة على الاستمرار والتطور.
وأضاف الجبة، أن الانغلاق على التراث دون تفاعل مع مستجدات الواقع يُعد موقفًا غير مجدٍ أيضًا، لأنه يحوّله إلى إرث جامد يعيق بناء الحضارة، موضحا أن النهضة الحقيقية تستلزم الربط بين الموروث الثقافي والديني وبين متطلبات العصر، عبر انتقاء ما يخدم الواقع المعاصر وتجديده بما يتوافق مع روح العصر، مع الحفاظ على ثبات النصوص الشرعية التي لا تقبل التغيير.
من جانبه، تناول الدكتور أيمن الحجار دور التراث في الحفاظ على الهوية الحضارية للأمة، مؤكدًا أن ضياع التراث يعني ضياع التاريخ، وبالتالي انهيار الحاضر، مستشهدا بمقولة الباحث الغربي فريدريك التي ترفض وصف التراث الإسلامي بأنه "ميت"، مؤكدًا أنه إرث حي يعكس تجارب المسلمين عبر العصور، ويقدم حلولًا تراكمية للمسائل المستجدة انطلاقًا من اجتهادات العلماء السابقين، مشددا على أن التجديد الفكري يجب أن يستلهم المنهجية العلمية للأسلاف في فهم النصوص، مع مراعاة تحولات العصر دون المساس بثوابت الشريعة.
واختتم الملتقى بتوصيات تؤكد ضرورة تبني رؤية متوازنة للتعامل مع التراث، تجمع بين صون الهوية الإسلامية ومواكبة التحديات المعاصرة، عبر إحياء الفكر الاجتهادي القائم على فهم الواقع واستلهام الموروث بشكلٍ واعٍ.