لجريدة عمان:
2024-11-18@00:34:09 GMT

استياء من اقتصاد بايدن..

تاريخ النشر: 25th, September 2023 GMT

في مقابلة حديثة أجرتها شبكة CNN(سي إن إن) مع بول كروغمان من صحيفة نيويورك تايمز، لم يستسغ كروغمان عدم مشاطرة الناخبين الأمريكيين من عامة الشعب لوجهة نظره المتحمسة فيما يتعلق باقتصاد الرئيس الأمريكي جو بايدن المعتدل- الذي لا إفراط فيه ولا تفريط. فالتضخم يتراجع، ومستويات البطالة لا تزال منخفضة، والاقتصاد ينمو، وتقييمات سوق الأوراق المالية مرتفعة.

ويتساءل كروغمان لماذا إذن يمنح الناخبون اقتصاد بايدن نسبة موافقة متدنية تبلغ 36 في المائة.

ويلاحظ الصحفي غلين غرينوولد أن تساؤلات كروغمان مبنية على الانتماء الطبقي: كما لو أن كروغمان ليس سوى صاحب دخل ريعي مدلل يملك الكثير من المال، والعقارات، والأسهم، والسندات، وهذا أكثر الأحكام ظلما في حقه. فرغم أنني لم أزر منزل كروغمان، إلا أنني رأيت مكتبه المتواضع جدا في جامعة مدينة نيويورك. ومن المؤكد أنه إنسان ناجح، لكنني أظن أن أذواقه العامة لم تتغير كثيرًا منذ أن كان مدرسا في جامعة ييل، عندما كنت طالبا في مسلك الدراسات العليا هناك. إن مشكلة كروغمان لا تكمن في وفرة أمواله؛ بل في تقادم أفكاره. لقد بلغنا أنا وهو مرحلة النضج المهني في عهد جيمي كارتر. إذ استفاد الجمهوريون، الذين كانوا يستهدفون كارتر، من «مؤشر البؤس»، وهو مقياس يتألف من مجموع معدلات البطالة والتضخم خلال شهر معين أو سنة معينة. وباعتبار المؤشر أداة جدلية، فقد كان مدمرا، خاصة في عام 1980، عندما تسببت الضوابط الائتمانية التي فرضها كارتر في ركود قصير، مباشرة بعد صدمة أسعار النفط عقب الثورة الإيرانية. واستغل رونالد ريغان هذا الأمر ليصل إلى الرئاسة. واليوم، مع تراوح معدلات التضخم والبطالة بين 3 في المائة و4 في المائة، أصبح مؤشر البؤس منخفضاً. ولو حدث هذا في سبعينات القرن العشرين، لشعر من في السلطة بسعادة غامرة. وكان خبراء الاقتصاد سيصابون بحيرة من أمرهم؛ ولكن ردود الفعل هذه لم تتغير. فقد كانوا يتأثرون بشدة بما يسمى منحنى «فيليبس»؛ أو ما هو أسوأ من ذلك، معدل التضخم غير المتسارع للبطالة. وحتى يومنا هذا، لا يزال بعضهم غير قادر على فهم السبب وراء عدم تسبب انخفاض معدلات البطالة في ارتفاع معدلات التضخم. ولهذا السبب فإنهم يستغربون حين ينخفض مؤشر البؤس، شأنهم في ذلك شأن كروغمان. إن مؤشر البؤس لم يكن أكثر من مجرد رقم رئيسي. وإذا حللنا هذا المؤشر بعمق، سنخلص إلى أن مكونَيه ليسا على صلة بالناس من عامة الشعب كما يتصور النقاد. فحتى عندما كانت معدلات البطالة مرتفعة نسبيا، فإنها لم تؤثر قط تأثيرا مباشرا- على أكثر من حصة صغيرة من القوة العاملة في أي وقت من الأوقات، باستثناء أزمة الكساد الأعظم أو الصدمة الناجمة عن الوباء. إن الناس لا يحبون فترات الركود، ولكن حتى في الأوقات العصيبة، فإن معظمهم لا يفقدون وظائفهم. وعلى عكس البطالة، فإن التضخم يؤثر على الجميع. ولكن ما يهم العاملين ليس فقط التغير الذي يطرأ على الأسعار على أساس شهري أو سنوي. إن ما يهمهم هو الضرر الذي يلحق بالقوة الشرائية ومستويات المعيشة على مر الزمن. ويعتمد ارتفاع هذه الأسعار أو انخفاضها على علاقة الأسعار بالأجور. وعندما يتجاوز نمو الأجور زيادات الأسعار، تتحسن الظروف عموما. والعكس صحيح عندما لا يحدث ذلك.

وهذا ما يضع بايدن في موقف صعب. فخلال فترة رئاسته، لم ترتفع مستويات المعيشة. ومن أوائل عام 2021 إلى منتصف عام 2023، ارتفعت الأسعار إلى مستويات تجاوزت الأجور، مما يعني ضمنا أن الأجور الحقيقية (المعدلة حسب التضخم) في الساعة والأرباح الأسبوعية الحقيقية قد انخفضت في المتوسط، ليس كثيرًا، لكنها تراجعت. والأسوأ من ذلك أن متوسط الأرقام ربما يخفي تراجعا أكبر، بالقيمة الحقيقية، فيما يتعلق بالأسر التي كانت أول دخولها تقل عن المتوسط. ونظرا لطريقة توزيع الدخل، دائما ما يتجاوز عدد الأسر التي تكسب أقل من المتوسط عدد الأسر التي تكسب أكثر.

لقد كانت الأسر الأمريكية قادرة على التعويض عن الدخول الحقيقية الراكدة بإضافة العمال والوظائف في كل أسرة واحدة. ومع أن تلك الوظائف الإضافية لم تكن في العادة ممتازة، فإن عملية توسيع نطاق العمل ليشمل النساء والشباب ساعدت الأسر في الحفاظ على مستويات معيشتها رغم الانخفاض الكبير في وظائف التصنيع المرتفعة الأجور. وهذا ينطبق كثيرا على أواخر ثمانينات وتسعينات القرن العشرين عندما انضم العديد من النساء، والشباب، والأقليات إلى سوق العمل. ولكن هذه العملية تلاشت. إذ رغم أن نسبة التوظيف إلى السكان ارتفعت قليلا منذ أوائل عام 2021، إلا أنها لا تزال أقل مما كانت عليه في عام 2019. وفي الوقت نفسه، مع انتهاء سياسات الإغاثة من الوباء، انخفض معدل الادخار في الولايات المتحدة من 20.4 في المائة من الأرباح في أوائل عام 2021 إلى نسبة 3.5 في المائة.

ويرى كروغمان أن هذا الرقم مؤشر على أن الناس ينفقون بثقة، لكن من المرجح أن يكون علامة على التوتر. وعلى أي حال، التوتر هو على وجه التحديد ما يريد رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جيروم باول وزملاؤه رؤيته. ولهذا السبب رفعوا أسعار الفائدة-لإبطاء النمو، والتسبب في البطالة، وزيادة انعدام الأمان الوظيفي. وهم يعتقدون أن التوتر سيجعل العمال الأمريكيين مطيعين وخاضعين. ولكن من المؤكد أنه قد يثير غضبهم. ويكفي أن ننظر إلى عمال United Auto: فهم يطالبون بزيادات في الأجور تكفي للتعويض عن التضخم، و قد دخل بعضهم في إضرابات للتو. وليس من الغريب أن يكون معدل الموافقة الاقتصادية لبايدن منخفضا للغاية. ومن المرجح أن يظل هكذا حتى يبدأ الناخبون الأمريكيون في رؤية نتائج أفضل في أوضاعهم المالية. ولا يتأثر معظم الناس بكثرة الحديث عن مدى روعة الأشياء. إن كروغمان والقنوات الإخبارية لن تغير تصورات الناس، خاصة إذا كانوا يشكون- عن حق- أن العديد من الأمريكيين الأثرياء يعيشون أفضل منهم بكثير. وفي هذا السياق، ومع اقتراب موعد الانتخابات المقبلة، يبدو من غير الحكمة أن نقول للعمال الأمريكيين أنهم لم يتمتعوا بمثل هذه الظروف الجيدة من قبل. والواقع أن مثل هذه الحجج، لم تنجح سياسيا قط. وربما نسي كروغمان، الذي كان موظفا في إدارة ريغان عام 1983، السؤال القاتل الذي وجهه رئيسه السابق لمنافسه كارتر خلال مناظرة بينهما عام 1980: «هل أنت أفضل حالا اليوم مما كنت عليه قبل أربع سنوات؟» وهذا هو السؤال الذي سيطرحه الملايين من الناخبين الأمريكيين على أنفسهم في عام 2024.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی المائة

إقرأ أيضاً:

اقتصاد المحافظات بين الاختيار والاختبار

محمد بن عيسى البلوشي

لا شك أنَّ تطلعات الحكومة وفق رؤيتها نحو "عُمان 2040" في أن تلعب المحافظات دورًا محوريًا في تنمية اقتصادها، هو أمر حميد ومطلب مجتمعي يضفي إلى اقتصاد قطري القدرة على صناعة الفرص واستثمار المقدرات والجهود الممكنة، ويتطلب ذلك وجود قيادات توجه الدفة الاقتصادية بكل تمكين وحرص، وتقتنص الفرص بعين ثالثة وفاحصة، وتعمل على ضبط الإجراءات بما يتوافق مع الرؤية الاقتصادية للمحافظة خاصة والسلطنة عمومًا.

والعمل الذي نتطلع أن تقوم عليه المحافظات خلال المرحلة المقبلة، هو النظر إلى مكامن القوة الاقتصادية والاستثمارية سواء على مستوى المشاريع العملاقة وتلك المتوسطة والصغيرة، وأن تضع يدها على إمكانيات المحافظة في جذب الاستثمارات المتنوعة، والتي ستوفر معها فرصاً متجددة للعمل في مختلف ولاياتها.

والدور التقليدي الذي تقوم به بعض المؤسسات الخدمية في المحافظات لا بُد أن يتطور ليواكب التوجه الاقتصادي العام، فليس من المعقول أن تظل البلديات تقدم خدمات التشجير والنظافة ومراقبة التصاريح المتعلقة بشأنها فحسب، بل هناك دور أكبر من المهم الالتفات إليه على مستوى المحافظة وهو استقراء الخدمات التي يتطلبها أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة والوقوف على احتياجات ومتطلبات أصحاب المصلحة (صناعيون، تجار، عقاريون، مستثمرون) وحل التحديات التي يواجهونها في مشاريعهم، ومراجعة الإجراءات وتبسيطها بما يتسق مع تطلعات الدولة نحو تحقيق رؤيتها الوطنية.

يتفق معي الاقتصاديون والمحللون والمراقبون على أن تمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في كل اقتصاد والوقوف على التحديات التي يواجهها أصحابها وحلها بالطرق المناسبة، هو أحد أسرار نجاح المشاريع وضمان نموها واستدامتها وتأثيرها الإيجابي في الاقتصاد الوطني؛ فعندما تقوم الجهات الحكومية بتلبية احتياجات هذا القطاع وتسخير كافة الإمكانات لذلك وتهيئة المناخ الاستثماري والتجاري والاقتصادي الصحي، فإنها بذلك تعزز الدور الذي تقوم به مؤسسات القطاع الخاص (الكبرى، المتوسطة،الصغيرة، أصحاب المصلحة) في اقتصادها القطري وتأثير ذلك على الاقتصاد الوطني.

إن المرحلة المقبلة من عمر نهضتنا المتجددة التي يقودها مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه وسدد على طريق الخير خطاه- يتطلب شحذ الهمم من أجل تمكين الملف الاقتصادي للمحافظات، وأيضا تعزيز مكاتب المحافظين بكفاءات اقتصادية ترسم خارطة الطريق نحو هذا الهدف الوطني الشامل، وتوجيه أصحاب القرار في دفع المسيرة الاقتصادية من أجل تمكين الدور الاقتصادي في الملفات الوطنية المستدامة ومنها ملف الباحثين عن العمل.

ونقترح في هذا الصدد وجود محافظين اقتصاديين 100% لقيادة دفة اقتصاد المحافظات إلى جانب مهاراتهم في الإدارة التنموية، وإنشاء مديرية عامة لاقتصاد المحافظة بمكتب المحافظ ليكون معملا تنفيذيا للمشاريع الاقتصادية والاستثمارية ومتابعة تنفيذها، وتمكين ذلك بكفاءات اقتصادية واستثمارية متحققة، وأيضا إيلاء الخدمات العامة (تنظيف، تشجير) إلى البلدية، على أن تحال بقية الخدمات (تصاريح، تصديق المعاملات التجارية، التجديد، خدمات ومتطلبات التطوير، مراجعة الإجراءات، احتياجات المؤسسات والشركات من الخدمات الأخرى) إلى المديرية العامة لاقتصاد المحافظة. وبهذا يمكن أن ننطلق برؤية متجددة وعزم أكبر نحو تحقيق رؤيتنا لـ"عُمان 2040" كما أراد لها قائدها ورآها بعين شعبه ومشورته الوطنية.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • استياء في بيراميدز من بيان الأهلي بعد تهنئة خالد عبدالفتاح لمروان حمدي
  • استياء في بيراميدز من بيان النادي الأهلي
  • أحمد موسى: دول قمة العشرين يسيطرون على 90% من اقتصاد العالم
  • برلمانية تسأل: ما أسباب ارتفاع نسبة البطالة إلى 6.7% رغم مشروعات التنمية؟
  • ما حكم العمل في مكان يبيع خمور؟.. أمين الفتوى: يجوز ولكن بشرط (فيديو)
  • استياء من ضغوط ماسك على ترامب في التعيينات
  • قيادي عمالي لـ "صدى البلد": مشروع قانون العمل الجديد يعكس جهود الدولة في تحسين الأجور وتقليص البطالة
  • اقتصاد المحافظات بين الاختيار والاختبار
  • كلية العلوم بنات الأزهر بالقاهرة تقيم الملتقى التوظيفي الثالث للحد من البطالة
  • السكوري: التشغيل هَمُّ المغاربة والحكومة لها الإرادة الحقيقية لمواجهة معضلة البطالة