لجريدة عمان:
2025-02-17@00:30:13 GMT

النادي الثقافي وتحديات الواقع

تاريخ النشر: 25th, September 2023 GMT

بداية أشكر صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد وزير الثقافة والرياضة والشباب على ثقته بتشكيل مجلس إدارة النادي الجديدة، واختياري عضوا فيها، وإن كان هناك من هو أفضل وأولى، مشاركة مع الدكتور محمد البلوشي رئيسا، والدكتور سعود الحنيني نائبا للرئيس، وعضوية أيضا الدكتورة منى السليمية، ومعاوية الرواحي، كما أشكر التفاعل الكبير من المتابعين في وسائل التواصل، والأصدقاء في داخل عمان وخارجها، على حسن الظن، وتفاعلهم الجميل والكبير معا.

بطبيعة الحال النادي الثقافي تأسّس عام 1983م باسم النادي الجامعي، والنادي الجامعي بمعنى نادي الخريجين، حيث كان معنيّا من الابتداء بالخريجين، وتأسّس وفق المرسوم السلطاني رقم 31 / 83، وحينها كان يشرف عليه معالي وزير التربية والتعليم وشؤون الشّباب، لكون التعليم العالي تابعا لها، ولا توجد وزارة حينها باسم التعليم العالي.

والعمانيون كغيرهم لهم شغف كبير بالثقافة والمنتديات الثقافية، كالدم الذي يسري في عروقهم، وكانت لهم منتدياتهم المهاجرة في شرق أفريقيا وغيرها، ولما حكم السلطان قابوس – رحمه الله – عمان 1970م فكّر العديد من المثقفين العمانيين في تأسيس نادي ثقافي منذ فترة مبكرة جدّا، وكما يذكر الأستاذ أحمد الفلاحي في لقاء لي معه في أبريل 2022م تمّ تأسيس النادي الوطني الثقافي عام 1971م، وفكرته «تعود إلى وزير الإعلام السابق حمد بن محمد الراشدي ... مع صديقه يحيى بن سعود السليمي الذي أصبح لاحقا أيضا وزير التربية والتعليم، فاقترح حمد الراشدي أن نؤسّس ناديا يختلف عن الأندية الرياضية الأخرى، ولم يكن حينها تعقيد في إنشاء الأندية، فحصلنا على التّرخيص بسرعة، فهو بدأ بالرّاشدي وأصدقائه، ثمّ دخلت معهم، وكان معنا مجموعة من المهتمين بالثّقافة حينها، وأشركنا من كان يكبرنا سنّا، مثل محمود الخصيبي (ت 1998م)، وخميس بن حارب الحوسني، وعبد الله بن صخر العامري (ت 2001م)، وكان للنّادي نشاط ثقافي كبير، حيث يقيم المحاضرات والنّدوات بشكل متواصل، وكانت لديه فرقة للموسيقى، وفريق للشطّرنج، والفنّ التشكيلي، والرّسم، وغيرها، وفيه مكتبة، واستضفنا شخصيّات عديدة ... والشباب الذين يدرسون في القاهرة ودمشق وبغداد لمّا يرجعون في الصّيف يعملون لنا ندوات مرتبطة بالمجتمع والثّقافة، ومن أهم أنشطة النادي أنّهم فكّروا في إصدار نشرة، سميت بالثقافة الجديدة .... واستمرت هذه النّشرة من سنة إلى سنتين .... وطبعنا العشرات من الأعداد فيها، وتوقفت المجلّة في عام 1977م، حيث حدثت إشكالات في النّادي فتوقف وتوقفت معه المجلّة».

إلّا أنّ فكرة النّادي ظلّت حاضرة، حيث ارتفع عدد المثقفين العمانيين بشكل كبير بسبب النّهضة الحديثة، فكان النادي الجامعي، وارتبط بالخريجين ابتداء كما أسلفنا، ثمّ ارتبط بالثقافة والمثقف العماني عموما، لهذا كما في لائحة النّادي بالموقع على الشّبكة العالميّة «في عام 1986م تم تعديل مسمّى النادي من النادي الجامعي إلى النادي الثقافي، بمقتضى المرسوم السلطاني رقم 42/ 86»، ولتفعيل النّادي بصورة أكبر، وبعد مرور أكثر من خمسة وعشرين عاما على تأسيسه، وارتفاع الوعي الثّقافيّ في عمان، ففي عام 2008م «صدر المرسوم السلطاني رقم 15/ 2008 القاضي بإعادة تنظيم النّادي الثقافي، والذي أسند مهمة الإشراف عليه إلى وزير التّراث والثّقافة بدلا من وزير التربية والتعليم»، وكان حينها جلالة السّلطان هيثم بن طارق – حفظه الله -، الّذي أعطى تعدديّة ثقافيّة في النّادي، ومنحه صلاحيات أكبر بكثير من السّابق.

وفي هذا العام 2023م احتفل النادي الثّقافي بمرور أربعين عاما على تأسيسه، وهو يرفل تحت رعاية وإشراف صاحب السّمو السيد وزير وزارة الثّقافة والرّياضة والشّباب، وبمتابعة خاصّة وتوجيه من جلالته، وقد قدّمتُ شخصيّا مقترحا في الإدارة السّابقة تحت رئاسة الدّكتور محمود السليمي حول قراءة للنادي احتفائيّة ونقديّة بمرور أربعين عاما على تأسيسه؛ فوافقت مشكورة على إقامتها، مع استلهام تلك العقود الأربعة وقد تنوعت فيها المناشط، وساهمت في الوعي العمانيّ المعاصر، واستضافت شخصيّات ورموز كبيرة من خارج عمان، وما زال أرشيف النادي في يوتيوب شاهدا على ذلك، كما تناوبت في دورات رئاسيّة شخوص مختلفة المشارب، ممّا ساهم بشكل كبير في تنوع الفعاليّات، كل حسب توجهه ومقتضيات واقع فترته، كما فتح المجال للمشاركات الخارجيّة من كافة التّنوعات الثّقافيّة العمانيّة لمن لديه تصوّرات ومقترحات لفعاليّات ثقافيّة، أو توجيهات ومقترحات، أو رؤى نقديّة وتوجيهيّة.

وبعد هذا كلّه علينا أن ندرك، ونحن نقرأ النادي الثقافي اليوم أنّ تحدّيات النّادي وقت تأسيسه وما بعده في الثّمانينيّات والتّسعينيّات من القرن الماضي ليس كتحدّيات اليوم، والواقع حينها يختلف تماما عن الواقع اليوم، فحينها كان النّادي قبلة ثقافيّة للجميع، يتسامرون ويحاورون بعضهم، وفيه يقدّمون إبداعهم، ويتزاحمون على الفعاليّات الثّقافيّة، كما أنّ السّكنات الطلابية، ومحبّي الثّقافيّ لم تكن بالبعيدة يومها، وكانت مدينة القرم الّتي يقع فيها النّادي الثقافي واسطة العقد بين الجميع.

وأمّا اليوم فتغير الحال تماما، فالثّقل السكني والطّلابي ابتعد قليلا عن القرم، كما يزاحم النّادي الثّقافي جمعيّات رسميّة ومدنيّة وأهليّة، ومبادرات شبابيّة وطلابيّة، وأصبحت العديد من المكتبات والمقاهي تقام فيها فعاليّات ثقافيّة وأدبيّة وعلميّة ومعرفيّة، ففي الأمس ينتظر المجتمع الثّقافي بشغف يوم الفعاليّات في النّادي الثّقافي، وأمّا اليوم فلا يكاد يأفل يوم من وجود فعاليّة في مسقط، وأحيانا أكثر من فعاليّة في اليوم الواحد، كما زاحمت المقاهي – خصوصا ذات الصّبغة الثّقافيّة – النّادي الثّقافيّ في مجالات اللّقاء التّعارفيّ والإبداعيّ، فإذا كانت السّينما أثرت على المسرح؛ فكذلك الحال هذه المبادرات الأهليّة والشّبابيّة أثرت على المؤسّسات الرّسميّة والأهليّة عموما، والسّؤال المطروح هنا: هل يستطيع النّادي الثّقافي اليوم استيعاب هذه المبادرات، والانفتاح لها بشكل كبير، بدل الفعاليّات التّقليديّة، بحيث يتحوّل النّادي الثّقافي إلى حاضنة لمبادرات الشّباب الثّقافيّة والفنيّة والابداعيّة والابتكاريّة.

هذا الانفتاح ذاته يترتب عليه تحدّيات ماليّة تختلف عن السّابق، كما أنّ الثّورة الرّقميّة اليوم توجب تحدّيات افتراضيّة بشكل كبير، وانفتاح في الفضاء الأوسع، فالعالم اليوم يعيش في قرية واحدة فضلا عن عالمنا العربيّ، فهل يستطيع النّادي الثّقافيّ خلق فضاء ثقافي وفكري وإبداعي وأدبي يتجاوز قاعة النّادي ليس إلى عمان فحسب؛ بل إلى الفضاء الخليجيّ والعربيّ عموما، بحيث تتوسع قبلة النّادي الثّقافيّ لتكون محطة ثقافيّة تساهم في خلق وعي وإحياء عربيّ، مع حضور الرّمزيّات والعقول العربيّة المبدعة في هذا الفضاء الثّقافيّ.

كما لا ننسى تحدّي استثمار الثّقافة، فاليوم لم تعد الثّقافة مجرد ترف أو هواية، أو ذات ارتباط بالعلوم الإنسانيّة المحضة فقط؛ بل أصبحت مرتبطة بالاستثمار والاقتصاد والسياحة، وتساهم في دعم الاقتصاد الوطنيّ، وخلق وظائف جديدة، وعمان اليوم تعيش في ظلّ رؤيتها 2040، وهذا بدوره يعطي تحدّيا آخر للنّادي الثّقافيّ، هل يستطيع اليوم المساهمة في ذلك، خاصّة وأنّ عمان ذات تنوع جغرافيّ وثقافيّ، وفيها محطات سياحيّة، ومواسم سياحيّة وثقافيّة في كلّ عام.

أتصوّر النادي الثقافي كغيره من المؤسّسات الثقافية والفنية والإبداعية والابتكارية، كانت رسميّة أو ذات صبغة مدنية وأهلية، أو ذات مبادرات شبابية وطلابية؛ تعاني من تحدّيات كبيرة، وأصبحت معقدة بشكل أكبر، ولا يمكن مقارنتها بالتحديات السابقة، إلّا أنّه بلا شك إنّ إدارة الدّكتور محمد البلوشي، وبالتّعاون مع إدارة النادي، والمجتمع الثقافي العماني ككل، ومع المؤسّسات والمبادرات الأخرى؛ سوف تساهم بشكل كبير في تجاوز العديد من التحديات بما يرفع من اسم عمان ثقافيّا وإبداعيّا وابتكاريّا، ويساهم في نهضة هذا الوطن، كما ساهم العديد ممّن سبق، وكل يكمل الآخر وفق واقعه، كما أنّ التعددية الموجودة حاليا في الفضاء الثقافي العماني حالة صحيّة تبهج الجميع.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: النادی الثقافی بشکل کبیر وزیر الت ثقافی ة تحد یات ثقافی ا فی عام

إقرأ أيضاً:

المناوي: التصريح باتخاذ حماس خطوات إلى الخلف التصرف العاقل هذه المرحلة

قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي عبداللطيف المناوي، الرئيس التنفيذي للأخبار والصحافة بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، إن تصريحات بعض القيادات أو المصادر داخل حركة حماس، بشأن اتخاذ خطوات إلى الخلف، تمثل تصرفًا عاقلًا وصحيحًا في هذه المرحلة، حيث تعكس واقعية سياسية وتتماشى مع الأمر الواقع.

حماس مش موجودة في إدارة غزة.. أحمد موسى: مصر ترغب بتفويت الفرصة على الأمريكانمتحدث حماس: التهديدات الأمريكية لن تحقق أهدافها والشعب الفلسطيني هو من يدير غزة


وخلال مداخلة هاتفية في برنامج "كلمة أخيرة"، الذي تقدمه الإعلامية لميس الحديدي على شاشة ON، أضاف المناوي:"أعتقد أن هذا هو التصرف الصحيح، ويكفي ما يعانيه الشعب الفلسطيني والمنطقة بأسرها من تداعيات مغامرة السابع من أكتوبر."


وأشار إلى أنه لا ينبغي أن نغفل أن ما نشهده اليوم ربما كان مخططًا له بالفعل، لكن السابع من أكتوبر 2023 عجّل بهذه المخططات، وسهّل للاحتلال استخدامه كذريعة لتنفيذها.

وطالب حركة حماس بالتوقف عن ما وصفه بـ*"محاولة ادعاء النصر"،* قائلًا:"يجب أن تتوقف عن خلق أي صورة أو انطباع بأنها حققت انتصارًا، لأن ما حدث ليس انتصارًا، بل هو رضوخ لواقع مفروض."

وعن المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام بين الفصائل، علق المناوي قائلًا: "نتمنى أن يكون الواقع الحالي دافعًا للأطراف الفلسطينية لمراجعة مواقفها، وعلى حماس أن تقتنع بأن الواقع يفرض عليها التراجع خطوات إلى الخلف."

ولفت إلى أن حماس تحاول تقديم نفسها كجزء من "اليوم التالي للحرب"، عبر ماتصدره في مشاهد تبادل الأسرى، لكنها في الحقيقة لا ينبغي أن تكون جزءًا من المشهد في هذه المرحلة، مشددًا على أن القيادات العربية تدرك هذا الواقع جيدًا، خصوصًا في ظل الضغوط التي تتعرض لها دول مثل الأردن ومصر بشأن ملف التهجير.

وقال:"على الرغم من كل الجهود لإبعاد فكرة التهجير عن التفكير الأمريكي والشهوة الإسرائيلية، إلا أن هذا الطرح لا يزال حاضرًا على الساحة، ويجب التعامل معه بواقعية."


وأوضح المناوي أن إحدى الوسائل المطلوبة لوأد فكرة التهجير، هي إيجاد صيغة مناسبة لخروج حماس من المشهد السياسي في هذه المرحلة، قائلًا:"قد يعتقد البعض أن هذا نوع من التنازل، لكنه في الحقيقة واقع يفرض نفسه. الوضع في حالة تراجع، وهذا ثمن لمغامرة 7 أكتوبر، وسوف يدفع الجميع هذا الثمن، وعلى حماس أن تتحمل نصيبها منه."


وطالب حركة حماس بأن تكون أكثر وطنية، وأكثر واقعية، وأكثر ارتباطًا بالشعب الفلسطيني الذي يعاني اليوم، وأن تتخذ القرار الصحيح في هذه المرحلة.


ورداً على سؤال الإعلامية لميس الحديدي حول ما إذا كانت حماس ستقبل بهذا الطرح، في ظل مشهد التصعيد في لبنان ودور حزب الله، إضافة إلى الدعم الإيراني لحماس، أجاب المناوي: "نحن لا نتحدث عن انسحاب نهائي لحماس، ولكن انسحاب مرحلي، وفقًا لما يفرضه الواقع."


أما عن إيران، فأكد أن الرهان عليها أصبح خاسرًا في هذه المرحلة، موضحًا: "إيران يمكنها تقديم الدعم بأشكال مختلفة، لكنها لن تعرض نفسها للخطر المباشر."


واختتم بقوله:  "إيران تبحث فقط عن حضور يحفظ لها ماء الوجه في المنطقة.

مقالات مشابهة

  • "أوبريت محيط الأرض" يسلط الضوء على الوحدة والتنوع الثقافي
  • مجلس شئون الدراسات العُليا والبحوث والعَلاقات الثَّقافيَّة بجامعة الفيوم يَعقِـدُ جلستَهُ رقم 212
  • ندوة حوارية في ثقافي حمص تسلط الضوء على ما يريده الوطن من المواطن
  • تونس.. معرض القرآن في عيون الآخرين يستكشف التبادل الثقافي بين الإسلام وأوروبا
  • المناوي: التصريح باتخاذ حماس خطوات إلى الخلف التصرف العاقل هذه المرحلة
  • «أميركية الشارقة» تنظم اليوم العالمي احتفاءً بالتنوّع الثقافي
  • فرص وتحديات عديدة.. توقعات الأبراج وحظك اليوم السبت 15 فبراير 2025
  • انطلاق فعاليات منتدى بغديدي الثقافي في نينوى
  • محمود الحديني ضيف الصالون الثقافي بقصر الإبداع الفني غدا
  • جامعة حلوان تستقبل سفير السودان والمستشار الثقافي لبحث دعم الطلاب السودانيين