التخلص من الصورة النمطية المؤذية لكبار السن
تاريخ النشر: 25th, September 2023 GMT
ناداني أحدهم: مرحبا أيها الرجل العجوز!
نظرت للأعلى.. كنت وحيدا عند الرصيف، وكان الشاب يناديني.
نعم، لقد كنت الرجل العجوز، وكان الشاب ينبهني لآخذ حذري من السيارات، لأنني كنت أقترب كثيرًا من الرصيف.
منذ ذلك الحين وأنا أفكر: متى أصبحت رجلاً عجوزاً، وما رأي الآخرين بي الآن؟ وقد أصبحت أضعف من أن أدرك مكاني الذي أنا فيه؟ هل هكذا ينظر الناس إلى كبار السن؟ وهل ينظرون إلى الأشخاص الذين يترشحون للرئاسة بنفس الطريقة؟ أو ربما ينظرون إلى الكبير في السن كشخص تعرض لحادث سيارة للتو؟
عمري سيكون 87 عاما قريبا، وخلال معظم مسيرتي المهنية ككاتب رياضي، قمت بكتابة وصف للأشخاص في العشرينات من عمرهم.
ومع ذلك، هناك إيجابيات مجتمعية لبلوغ سن معينة.
لا أعرف متى حدث ذلك لأول مرة؟ لكن الناس في الشارع يفسحون لي الطريق، حتى أنني تجاوزت الطابور إلى مقدمة الصف في متحف التاريخ الطبيعي، ولم ينبس أحد ببنت شفة، بل إن الشباب يبتسمون لي. وعلى كل حال، فأنا غير مؤذٍ، أليس كذلك؟
ومع ذلك، فإنني أشعر بالغضب عندما يشير الناس إلى العمر باعتباره سببًا لمشكلة ما، وكأن الشاب لا يمكن أن يكون سائقًا سيئا أو أن ينطق جملة غير مفهومة.
أنا لست من النوع الذي يصر على شيء ما، ولكن بطريقة ما أصبحت هذه قضيتي، لأنني لست سعيدًا عندما يتم تحديد عمر الثمانين أنه عام الشيخوخة.
يبدو أن هذا يحدث بمعدل متزايد في مجتمعنا، فقد أصبح عدد كبار السن أكبر مما كانوا عليه عندما كنت شابا في الخمسينيات من القرن الماضي. إنّ الرجل الذي ناداني لكي أحذر من السيارات لم يرني أنا، بل رأى «رجلاً عجوزاً»، لم ير الطفل الذي اعتاد أن يلعب البيسبول في شوارع شرق نيويورك في حي بروكلين، ولم ير زوج (روز) منذ أكثر من 60 عامًا، لم يرَ أبا لثلاثة أطفال وجدا لستة أطفال، ومؤلفا للعديد من الكتب، لم ير ذلك الرجل الذي قال عنه محمد علي ذات مرة مازحًا: «أنت تعلم أنك لست غبيًا كما يبدو».
على المجتمع أن يعيد التفكير في الصورة النمطية عن الشيخوخة، لأن تلك الصورة، بكل بساطة، مؤلمة. أُقَدِّرُ أن «الشباب» يفتحون لي الباب حتى لو كنت قادرا على فتحه بنفسي، أو يشيرون إليَّ بالدخول إلى المصعد قبلهم. هذا أمر جيد ولكن ليس هذا ما أريد. أريدهم أن يروني رجلا فعالا ومتفهما يعلم أنه لن يخرج إلى الشارع بينما ينظر إلى هاتفه المحمول ليرى الرسائل النصية الجديدة لديه.
جيرالد اسكينازي كان كاتبا رياضيا لفترة طويلة في صحيفة نيويورك تايمز وهو مؤلف 16 كتابًا.
عن ول ستريت جورنال
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
الاتفاق الأمريكي-الإيراني: ترتيبات الكواليس وتداعياتها على فلسطين والعرب السنّة
في عالم السياسة الدولية، لا تُكتب كل التفاهمات في البيانات الختامية، بل إنّ ما يُدار خلف الأبواب المغلقة -خصوصا في الاتفاقات بين القوى الكبرى- يحمل في طياته ترتيبات غير معلنة قد تكون أشدّ تأثيرا من العناوين الرسمية. ومن بين هذه التفاهمات، يبرز الاتفاق الأمريكي-الإيراني الأخير، الذي وإن ركّز علنا على الملف النووي والعقوبات، إلا أن تداعياته امتدّت بعمق إلى الساحة الفلسطينية والعربية، خاصة بين العرب السنّة.
أولا: القضية الفلسطينية في ظل تفاهمات "اللا تصعيد"
1- تراجع الأولوية السياسية
رغم الخطاب الإيراني المعلن حول "دعم المقاومة"، لم تحضر القضية الفلسطينية على طاولة المفاوضات كأولوية. إذ طغت قضايا الملف النووي وتجميد العقوبات وأمن الخليج وإسرائيل على ما سواها. بهذا، تم تهميش القضية الفلسطينية لصالح ملفات أكثر التصاقا بالمصالح المباشرة لطهران وواشنطن.
2- تضييق على فصائل المقاومة
برزت آثار التفاهم الأمني غير المعلن من خلال خطوات على الأرض، أبرزها:
- خفض ملموس في الدعم اللوجستي والمالي لبعض فصائل المقاومة الفلسطينية.
- جمود في خطوط الإمداد التي تمر عبر بعض أذرع إيران الإقليمية، كحزب الله أو المليشيات في سوريا والعراق، وإشارات سياسية من طهران لضبط حلفائها وعدم التصعيد من غزة أو جنوب لبنان.
3- تهدئة جبهات التماس
أحد البنود الضمنية للتفاهم كان تجميد الجبهات المشتعلة، سواء في لبنان أو غزة، مقابل مكاسب اقتصادية وسياسية لإيران. حزب الله وحماس، وإن لم يُعلن ذلك، يبدوان في حالة "إدارة تصعيد" محسوبة، تنتظر نتائج التسويات الكبرى.
ثانيا: العرب السنّة ودور المتفرج القلق
1- شعور بالخيانة
خلفت الاتفاقات الأمريكية-الإيرانية شعورا عميقا بالخيانة لدى حلفاء واشنطن التقليديين من العرب السنّة، خاصة في الخليج، إذ شعروا بأن واشنطن سلّمت مفاتيح التوازن الإقليمي لعدوهم التاريخي (إيران)، دون مراعاة لمصالحهم أو أمنهم القومي.
2- الاندفاع نحو التطبيع
تسارعت خطى بعض الأنظمة السنيّة نحو إسرائيل، ظنا بأنها تمثل توازنا مضادا للنفوذ الإيراني المتصاعد بعد الاتفاق، فكان التطبيع خيارا استراتيجيا، لا تطورا دبلوماسيا فحسب.
3- تمدد إيراني في الجغرافيا السنيّة
إدراك هذه التفاهمات الخفية لا ينبغي أن يمرّ مرور الكرام، بل يجب أن يكون دافعا لتحرك استراتيجي جديد يُعيد الاعتبار للمصالح الحقيقية لأمتنا، ويوحّد الصف أمام مشاريع التجزئة والتهميش
من اليمن إلى العراق مرورا بسوريا ولبنان، شكّل الاتفاق متنفسا سياسيا واقتصاديا لطهران، عزز من حضورها ونفوذها. والنتيجة: تصاعد التوتر الطائفي، وتراجع قوى السنّة في مساحات كانوا فيها فاعلين.
4- تنازلات أمريكية على حساب السنّة
ضمن ترتيبات ما وراء الكواليس، غضّت واشنطن الطرف عن انتهاكات مليشيات موالية لطهران في مناطق سنّية، مقابل تعاون إيراني في ملفات النووي وأمن إسرائيل. وهكذا، تمت التضحية بمطالب السنة في العراق وسوريا واليمن كجزء من "صفقة كبرى".
ثالثا: ما دار في الخفاء.. ترتيبات غير معلنة
- ترسيم غير معلن لمناطق النفوذ: تفاهمات ضمنية حول توزيع السيطرة في سوريا والعراق، بحيث تحتفظ إيران بوجودها، مقابل انسحاب جزئي أمريكي.
- التزام بتهدئة الجبهات ضد إسرائيل: إيران أبلغت -عبر وسطاء- باستعدادها لكبح حلفائها من التصعيد مع إسرائيل، مقابل تسهيلات اقتصادية ومالية.
- قنوات أمنية غير مباشرة: عُمان والعراق كانا محطات لتبادل الرسائل الأمنية، بما في ذلك ما يخص المليشيات والسلاح الإيراني الدقيق.
- تجميد الدعم للمقاومة: مقابل الإفراج عن أرصدة مجمدة، تم الاتفاق على تهدئة حلفاء إيران وتقليص دعمهم لحركات المقاومة الفلسطينية.
خاتمة: إعادة ترتيب الشرق الأوسط.
الاتفاق الأمريكي-الإيراني ليس مجرد تسوية نووية، بل هو إعادة رسم للخريطة السياسية للمنطقة، حيث يتم استبعاد بعض اللاعبين، وإعادة تأهيل آخرين. وتبدو القضية الفلسطينية -مرة أخرى- الخاسر الأكبر، إلى جانب المجتمعات السنّية التي فقدت حليفا دوليا طالما اعتبرته سندا.
إن إدراك هذه التفاهمات الخفية لا ينبغي أن يمرّ مرور الكرام، بل يجب أن يكون دافعا لتحرك استراتيجي جديد يُعيد الاعتبار للمصالح الحقيقية لأمتنا، ويوحّد الصف أمام مشاريع التجزئة والتهميش.