لجريدة عمان:
2025-03-02@22:17:26 GMT

حكايتي مع المجلة

تاريخ النشر: 25th, September 2023 GMT

يحدث أحيانا أن يتشبث شيء في ثنايا الذاكرة لوقت طويل، كأن تتمنى زيارة مكان ما، أو مقابلة شخصية مهمة كانت تمثل إلهاما، أو الحصول على كتاب تبحث عنه، أو غيرها من الأمنيات والرغبات التي يخفت وهجها مع الوقت ولكنها لا تُمحى ولا تتنازل هي عن مكانتها في الذاكرة؛ وكأن وجودها الدائم في البال يضمن تحققها ولو بعد حين.

أسوق هذه المقدمة لأحكي حكايتي مع مجلة «المجلة» التي تمنيت أن يكون لي عمود فيها، فقد طالعتها في مرحلة مبكرة من اهتمامي بالقراءة، رغم أن الأمر الذي قادني إليها لم يكن الأدب، بل نزوة طفولية نحو السياسة في بداية المراهقة. كنت حينها قد شاهدت الفيلم العراقي (الحدود الملتهبة) عن الحرب العبثية الإيرانية العراقية، وهو فيلم حربي من إنتاج المؤسسة العامة للسينما والمسرح -أنتج في عام 1984- وكنت آنذاك معجبا بالقدرات العسكرية العراقية ناهيك عن السياسيين العراقيين حينها؛ ذلك الإعجاب الذي تضاءل لاحقا بعد الغزو العراقي للكويت.

تصفحت مجلة «المجلة» قبل ثلاثة وثلاثين عاما وعمري آنذاك لم يتجاوز الثانية عشرة، وجدتها مع المرحوم أحمد بن عبدالله الدارودي الملقب بـ(حيوت) بعدما أركبني في سيارته ونحن متجهان إلى معاطن الإبل في وادي شعبون شمال غرب مدينة مرباط. تصفحت المجلة الموضوعة على كرسي الراكب إلى جوار السائق وطالعت الصور المنشورة فيها وليس موضوعاتها المكتوبة، فطلبتُ من الدارودي أن يعيرني إياها ووافق، فسُرِرتُ بها أيما سرور.

كنت في مخيمنا المؤقت أطالع عناوين المجلة وصور الشخصيات السياسية وأسماء الكُتاب، ولكن لم يعلق في بالي إلا اسم الكاتب السوداني الطيب صالح، ليس لأنه يكتب العمود الأخير في المجلة، بل لأن اسمه يترك أثره في الذاكرة «الطيب صالح». ولأننا من رعاة الإبل الرُحّل ننتقل من مكان إلى آخر -في وقت لم يكن في القرى والمدن التي نمرّ بها ونتزوّد منها بحاجاتنا الضرورية مكتبات- فقد كان الحصول على مجلة «المجلة» أو غيرها من الصحف نوعا من الترف، لذلك كنت أوصي بعض الأهل الذين يذهبون إلى صلالة بإحضار مجلة «المجلة». وبالفعل حصلت على أعداد يتيمة منها، من بينها عدد خاص عن اعتقال الفنزويلي إلييتش راميريز سانشيز المعروف بكارلوس في السودان، الذي قدمته لزملائي في كلمة الإذاعة المدرسية في طابور الصباح.

أثناء دراستنا لتاريخ الأدب العربي في آخر سنة من المرحلة الثانوية -وهي السنة المفصلية في حياة أي طالب: فإما الحصول على تقدير يؤهله لدخول الجامعة، وإما الاكتفاء بالشهادة الثانوية والانضمام إلى طوابير الباحثين عن العمل- جاء السؤال في امتحان مادة اللغة العربية عن الكتّاب السودانيين، فلم تسعفني الذاكرة إلا باسم الطيب صالح الذي رسخته مجلة «المجلة» في ذهني. هنا أدركت أهمية المطالعة في بداية حياة المرء، وكذلك أهمية وجود مكتبة عائلية في كل بيت تتيح لأفرادها المطالعة، أو تصفح الكتب والمجلات بالنسبة للأطفال واليافعين. ناهيك عن شعوري بالامتنان لمجلة «المجلة» التي أنقذتني في سؤال امتحان اللغة العربية.

التقيت مؤخرًا بالكاتب سامر أبو هواش في معرض أبوظبي للكتاب، ودعاني للكتابة في المجلة فلم أتردد في الموافقة؛ ليس لأن الكتابة في الصحف العريقة تُعد نافذة مهمة للتعريف بالكاتب ونتاجه الأدبي، بل لأنني تذكرت شعور الطالب على عتبة الامتحان الفاصل في الحياة وحلم النسبة التي تمكنه من الحصول على مقعد في الجامعة، ومن ثم الحصول على فرصة العمل وتحقيق الذات.

أثناء الدراسة الجامعية والمشاركة في الأنشطة الطلابية وبدايات الدخول إلى عالم الكتابة الإبداعية، اكتشفت مكانة الأديب السوداني الطيب صالح، قرأت ما كتبه وما كُتِب عنه، وتأثرت بالأجواء التي كتب عنها والبيئة التي انطلق منها، فاقتنيت أعماله الكاملة، وصرت مهتما بما ينشره. هكذا أصبحتُ أُدين للقراءات المبكرة ومصادر المعرفة الأولى التي تشكّلت في الذهن، وأجدني ممتنا لمرحلة المراهقة التي دفعتني إلى متابعة السياسة ومجلة «المجلة».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الحصول على

إقرأ أيضاً:

الشهداء فى الذاكرة.. والدة الشهيد محمد غنيم: اكتشفت أنه بيخدم فى سيناء

في قلب كل شهيد، قصة بطولة لا تموت، وتضحية نقشها التاريخ بحروف من نور، في هذه السلسلة، نقترب أكثر من أسر شهداء الشرطة والجيش، نستمع إلى حكاياتهم، نستكشف تفاصيل حياتهم، ونرصد لحظات الفخر والألم التي عاشوها بعد فراق أحبائهم.

هؤلاء الأبطال الذين ضحوا بأرواحهم دفاعًا عن الوطن، لم يرحلوا عن ذاكرة الوطن ولا عن قلوب ذويهم من خلال لقاءات مؤثرة، نروي كيف صمدت عائلاتهم، وكيف تحولت دموع الفقد إلى وسام شرف يحملونه بكل اعتزاز.

هذه ليست مجرد حكايات، بل رسائل وفاء وتقدير لمن بذلوا أرواحهم ليحيا الوطن.

"الحياة بقت وحشة من غيرك قوى يا حبيبى صحيح إحنا بناكل وبنشرب بس برضو مبقاش في فرحة تفرحنا طول ما أنت مش موجود معانا ومستنيا اليوم اللى أجيلك فيه وأخدك في حضنى زى زمان"، بهذه الكلمات بدأت والدة الشهيد الرائد محمد أحمد غنيم، شهيد الواجب على أرض الفيروز، أثر عبوة ناسفة وضعتها الجماعات التكفيرية الإرهابية في سيناء لاستهداف مركبته أثناء عمليات المداهمة التي يقوم بها الجيش في إطار العملية الشاملة "حق الشهيد"، لتطهير سيناء من تلك الوجوه القبيحة التي اتخذت من أرض سيناء الحبيبة مكانا لهم لتنفيذ مخططاتهم الخبيثة.
وأضافت والدة الشهيد، أنها أخر لقاء جمع بينها وبين الشهيد كان وقت انتهاء أجازته وعودته إلى وحدته مرة آخرى، مضيفة أن نجلها الشهيد لم يخبرهم حتى وقت استشهاده أن وحدته في شمال سيناء، وذلك حتى لا يتسلل الخوف إلى قلوب عائلته، وحتى يكونوا مطمئنين عليه، موضحة أنها فوجئت بخبر استشهاده من خلال صفحته على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك".

واستكملت أنه بعد أن أخبرها أحد أقاربها بأن هناك خبر منشور على حساب نجلها، لافتة إلى أنها عندما قرأت الخبر صعقت من هول الخبر، وذلك لاعتقادها أنه تشابه أسماء كون نجلها وحدته ليست في شمال سيناء، حتى تأكدت من أصدقائه المقربين الذين أكدوا لها أن نجلها استشهد بالفعل، وأن وحدته في شمال سيناء، وأن مركبته تم استهدافها من قبل الجماعات التكفيرية في شمال سيناء بعبوة ناسفة، استشهد على إثرها في الحال.

واستكملت والدة الشهيد، أن الشهيد كان دائم على تلاوة القرآن الكريم خلال شهر رمضان وفى غير شهر رمضان، مضيفة أنه نجلها كان له طقوس معينة في ذلك الشهر، وهى أنه كان يحب طريقة عملها للعصائر التي كانت تقدمها له وقت الإفطار، موضحة أن هذه العصائر كانت تعد من اساسيات إفطار نجلها في رمضان، وأنه في حال عدم وجود تلك العصائر لا يمكن أن يفطر وينتظر حتى تعد له العصائر التي يحبها.
ووجهت والدة الشهيد، رسالة إلى نجلها وكل الشهداء، متمنية لهم أن يكونوا في مكان أفضل في الجنة، مؤكدة أن هؤلاء الشهداء قدموا ارواحهم فداء لمصر، حتى تصل مصر لما هي عليه الأن من ازدهار ونمو وتقدم.

ووجهت أيضا والدة الشهيد، رسالة للعناصر التكفيرية في سيناء، أنهم لم ولن يفلحوا في أي شيء من الذى يقوموا به ضد جنودنا البواسل في أرض الفيروز، مؤكدة أن هؤلاء المجرمين القتلة سوف ينتقم منهم المولى عز وجل بمثل ما فعلوه في شهدائنا الأبرار.

واستكملت والدة الشهيد، حديثها بتأيدها المطلق لكل ما يقوم به الرئيس عبدالفتاح السيىسى من أعمال تطوير ومشاريع للوطن، متمنية له دوام التوفيق المكلل بالنجاح، مؤكدة على أن إذا أن أولادهن استشهدوا فهناك المزيد من أبنائهن مستعدين لتقديم أرواحهم للشهداء فداء لمصر كأخوتهم الذين سبقوهم بالشهادة.
 







مشاركة

مقالات مشابهة

  • دار الكتب والوثائق تطلق موقعًا إلكترونيًا لحملة المحبة والسلام بالتعاون مع مجلة سماء الأمير
  • أسباب محتملة لاضطراب الذاكرة
  • في ثاني حلقات الإمام الطيب: الاختلاف بيننا وبين الشيعة فكري وليس في الدين
  • الشهداء فى الذاكرة.. والدة الشهيد محمد غنيم: اكتشفت أنه بيخدم فى سيناء
  • دراسة صادمة.. الكرش قد يعزز الذاكرة ويحمي الدماغ
  • ابننا العزيز الرشيد أحمد الطيب عبد الحفيظ
  • 7 أطعمة تقهر النسيان.. تقوي الدماغ وتنشط الذاكرة
  • في مجموعتها القصصية على باب البئر الأولى بعد المالحة للفلسطينية غدير حمدان.. الذاكرة الذاتية والوطنية
  • العـدد مـئتـــان واربعة وخمسون من مجلة فيلي
  • الإمام الطيب وأمة واحدة وقيم إنسانية.. أبرز برامج حكماء المسلمين خلال رمضان