أثـيـر – مـحـمـد الـعـريـمـي

قد يظن البعض أن زوال النعم هي النهاية، لكن فاقد النعمة هو من يُحدد “الاستسلام” أم “المقاومة” وتكون النتيجة إما فقد الإيمان واليأس أو الخير والعوض من الله للصابرين، فنجد أن هناك الكثير من العباقرة الذين فقدوا نعمة البصر إلا أنهم أبدعوا في مجالات عملهم.

الأمثلة لدينا من العُمانيين كثيرة، -وعلى سبيل المثال لا الحصر- فقدّ سلطّنا الضوء سابقًا على الكفيف وهب الوهيبي والآن نسرد قصة كفاح ونجاح عُمران بن صالح الرحبي الذي وُلد في عام 1987م وهو مُبصر للحياة وما حوله، إلا أن إرادة الله شاءت أن يفقد نعمة “البصر” وهو في المرحلة الدراسية الإعدادية.

عُمران لم ييأس ولم يجزع وآمن بأن فقدان البصر ليس النهاية والمشوار أمامه مليء بالفرص، مؤمنًا في ذلك بإمكاناته حتى اكتشف قدراته الأخرى التي منحها الله له فاستثمرها ليصل للنجاح واعتلى خشبات المسارح السمراء وحصل على المراكز الأولى وحصد العديد من الجوائز الخليجية والعربية.

بدأت القصة بعد مُضي ما يقارب 5 إلى 7 سنوات من عمر عمران عندما اكتشف وجود مشكلة بسيطة في شبكية العين، ليبدأ مشوار العلاج لمدة ما يقارب 8 سنوات وهو يُمني النفس أن يُكلل المشوار بالنجاح والشفاء فقد أجرى عمليات داخل السلطنة وخارجها، وابتُعث من قِبل وزارة الصحة ما يقارب 3 إلى 4 مرات إلى المملكة المتحدة للعلاج ، لكن؛ تدريجيًا أثناء العلاج أصبح لديه عمى جزئي في العين اليمنى ثم تدرجت الحالة في الشبكية وتفاقمت إلى أن قدَّر الله وما شاء فعل وانتهى مشوار العلاج بالعمى الكلي للعينين وهو في عمر الـ 14-16 عامًا.

كونَ أن المشكلة البصرية كانت قد بدأت لدى عمران من البداية؛ فقد واصل مشواره في التعليم النظامي ولم يتجه إلى المدارس التخصصية بحكم عدم وجودها في تلك الفترة بسلطنة عمان، ولو كان أراد المدارس التخصصية فإن الأمر يتطلب السفر إلى دول خليجية حتى وإن كان على نفقة الدولة وذلك يحتاج منه العودة إلى بداية المشوار التعليمي.

فقد عمران البصر كليًا وهو في المرحلة الإعدادية فواصلَ التعليم النظامي وبعد المرحلة الإعدادية واصل إلى الثانوية وبعد الانتهاء من مرحلة الثانوية توجّه إلى حقل العمل بصورة مباشرة فتوظف في إحدى شركات القطاع الخاص.

كانت لدى عمران رغبة في المسرح من أيام المدرسة وقدّم مشاهد لعملين بسيطين، فكان هاويًا لهذا الشيء ويجد في نفسه حبًا للمسرح وأن هناك منبرًا يستطيع التحدث من خلاله، ففي بداية الأمر رأى أن بإمكانه الظهور للطلبة في المدرسة بشخصية أخرى تستطيع الحديث وتقديم رأيها في أمر ما وإن كان بمشهد بسيط، ثم تطورت هذه الرغبة ووجد لها المساحة والمتنفس في جمعية النور للمكفوفين في 2007/2006م.

شكّل عمران ورفاقه فريقًا من المكفوفين لتقديم أعمال لفعاليات الجمعية، ثم انغمسوا في الحقل الفني وتعاونوا مع فرقة الدن لإنتاج عمل وركزوا فيه على إبراز قدرات المكفوفين على خشبة المسرح، تطور الأمر لديه أكثر؛ فبعد أن كان رغبة، أصبح شغفًا وحبًا وعشقًا للخشبة السمراء، فوجد عمران في نفسه زوايا أخرى لا يمتلكها في الواقع، زوايا يستطيع التحدث فيها عن قضايا المكفوفين وقضايا المجتمع، فانطلقوا من هناك وبدأوا على مستوى المهرجانات والعروض الاحترافية، ووجد نفسه أخيرًا يقف أمام لجنة تحكيم مكوّنة من فنان مخضرم ودكتور وأكاديمي ومن أشخاص مهتمين لهم باع طويل وتاريخ كبير في المسرح وبدأ هنا يتطور الشغف إلى تحدٍ وإبراز قدرات الكفيف في حمل أمانة المسرح.

قدّم عمران أكثر من 30 عملًا مسرحيًا ما بين مشهد وأوبريت وعمل مسرحي متكامل، فقد شارك في 5 نسخ من المهرجان المسرحي الخليجي وحصل على جائزة أفضل ممثل دور أول، وأفضل ممثل من الأشخاص ذوي الإعاقة مرتين، وأفضل ثاني ممثل من الأشخاص ذوي الإعاقة، وجائزة ناصر بن حمد لإبداع المعاقين خليجيًا في مستوى المسرح. كما شارك في المهرجان المسرحي العربي في دورته التاسعة الذي أُقيم في الجزائر وتعد أول مشاركة عُمانية ، وتمت الموافقة على مشاركة مسرحيتهم “المزار” وبذلك أصبحوا أول عُمانيين يقدمون عملًا مسرحيًا في منصة الهيئة العربية للمسرح. كما حصل على جائزة أفضل ممثل كفيف في الوطن العربي من المركز العربي الإعلامي المتخصص للأشخاص ذوي الإعاقة.

لا بد لأي مشوار أن يكون له تحديات ومعوقات، وكانت التحديات التي واجهت عمران كبيرة جدًا في البداية من ناحية تقبُّل الجمهور لشخصية كفيف تقف على خشبة المسرح، وتجاوزوا هذه المرحلة وأقنعوا الجمهور بأن المعاق والكفيف لا يقدمون أعمالًا مسرحية تتحدث عن قضايا المعاقين فقط لكن يتحدثون عن قضايا معاصرة تخص المجتمع والناس والفرد والإنسان، وعالجوا بذلك قضايا كثيرة في الأعمال المسرحية، فأصبحت هناك قاعدة جماهيرية متواضعة لكن مرضية لهم -نوعا ما- بوجود الكفيف على خشبة المسرح.

إقناع الوسط الفني بوجود معاقين ومكفوفين وبوجود عمران أيضًا على خشبة المسرح، هو أيضًا تحدٍ آخر يتمثل في كيفية إقناع الفنانين الآخرين لوجود المكفوفين على خشبة المسرح، وتأتى لهم ذلك من محاولتهم في الأعمال التي قدموها بالعمل مع ممثل أو ممثلة من الوسط الفني من الأشخاص غير ذوي الإعاقة وبالاحتكاك والخبرات التي اكتسبوها منهم والأعمال والاستعدادات حاولوا كسر هذا الحاجز وأكدوا بأن الكفيف قادر على أن يكون كجميع الممثلين الآخرين.

الحركة على خشبة المسرح هو تحدٍ صعب بالنسبة للكفيف في كيفية توظيف الحركة فهناك حركة بطيئة وسريعة وهناك ردات فعل لا بد أن تكون على الوجه بحكم أنهم مكفوفون، فكيفية تمثيل الكفيف بملامح الوجه وليس الجسد فقط؛ كالفرح والحزن والاكتئاب وغيرها، من بين الصعوبات، لكنهم تجاوزوا ذلك بالتمارين والتدريبات من قِبل المخرجين الذين عملوا معهم، أما حول صعوبة الحركة فقد أوجد لهم الدكتور عماد الشنفري، ابتكار “سجادة المكفوفين” وهي عبارة عن حبال تُقسِّم المسرح إلى 9 أجزاء بحيث تكون الرؤية واضحة للكفيف بمجرد ملامسة الحبال الموجودة على أرضية المسرح فيعرف الكفيف موقعه.

يقول عمران بأن المسرح أعطاهم كمعاقين ومكفوفين وهو كعمران، مرآة أخرى ينظر من خلالها إلى المجتمع عن طريق الشخصيات التي يجسدها، ففي المسرح تدخل بشخصية بعيدة جدًا عن شخصيتك وعندما تتقمص الشخصية تكون إنسان آخر لديك فرصة أن تشعر بالآخر وبتلك الشخصية أكانت محبذة أم غير محبذة، فالمسرح أعطاهم زوايا ومرايا كثيرة ينظرون فيها إلى المجتمع وأعطاهم الكلمة التي بإمكانهم قولها وإيصالها ويؤثرون بها في المجتمع وتحدث تغييرًا ولو كان بسيطًا.

بعد كل ما واجهه عُمران من فُقدان لـ “البصر” النعمة التي تعد نافذة يطل من خلالها الإنسان على العالم من حوله، والتحديات والمعوقات الكثيرة، وإيمانه بإرادة الله وصبره واحتسابه واستثماره لعوض الله وقدراته، قدّم رسالة قال فيها: انظر إلى إمكانات نفسك ولا تقارن نفسك بالآخرين، انظر للمواهب والقدرات التي أوهبك إياها رب العالمين وبإمكانك أن تشق طريقك.

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: على خشبة المسرح ذوی الإعاقة

إقرأ أيضاً:

ذكري ميلاده.. اللحظات الأخيرة في حياة حسن مصطفى

تحل اليوم ذكرى ميلاد الفنان القدير حسن مصطفى الذي يُعتبر واحداً من أعمدة الفن المصري. 

وترك بصمة لا تُمحى في المسرح والسينما والتلفزيون المصري على مدار عقود من الزمن.

من جانبها كشفت الفنانة ميمي جمال، تفاصيل اللحظات الأخيرة من حياة زوجها الفنان الراحل حسن مصطفي، قائلة "هو كان في العناية المركزة وانا كنت واخدة اوضة في المستشفي عشان الزيارة كانت ممنوعة منه فكنت انا استقبل الناس .. وبعد ما خرج من العناية جابوه في الاوضة جمبي وهو كان علي السرير وانا علي الكنبة".

حسن مصطفي 

وأضافت "ميمي جمال" خلال حوارها التليفزيوني في برنامج "واحد من الناس" المذاع علي قناة "الحياة" الفضائية، أن بعد خروجه من العناية المركزة ووضعه في غرفة أخري قام بطلب اكل كومبوت فاحضرت له وأكل وبعدها شرب المياة وطلب منها الجلوس بجواره، فجلست ووضعت يدها علي خدها، فقال لها "شيلي إيدك من علي خدك .. الأيام الجاية هتعملي كده كتير".

حسن مصطفي 

وتابعت الفنانة ميمي جمال، أن بعد ذلك أسند رأسه الي الخلف ولم يتحدث مرة أخري وفاضت روحه، وعلمت بذلك عندما كانت تحادثه ولم يقوم بالرد عليها.

نبذة عن حياته وأعماله

بدأ حسن مصطفى مسيرته الفنية في سن مبكرة، حيث التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية وتخرج منه. عمل في البداية في المسرح القومي وعدد من الفرق المسرحية الكبيرة، مما أكسبه خبرة واسعة في فنون التمثيل.

الأعمال المسرحية

كان للمسرح النصيب الأكبر من أعمال حسن مصطفى، حيث شارك في العديد من المسرحيات التي أصبحت علامات بارزة في تاريخ المسرح المصري. من أشهر أعماله المسرحية:

مدرسة المشاغبين: حيث قدم دور الناظر، الذي أصبح أيقونة في المسرح المصري.

العيال كبرت: أحد الأدوار التي أثرت في جيل كامل بأدائه الكوميدي المميز.

سك على بناتك: إحدى المسرحيات التي لا تزال تُعرض وتحقق نجاحاً حتى اليوم.

حسن مصطفي وميمي جمال الأعمال السينمائية

رغم تألقه الكبير في المسرح، إلا أن حسن مصطفى لم يغفل السينما، حيث قدم العديد من الأفلام التي رسخت مكانته كأحد كبار الفنانين في مصر. من أشهر أفلامه:

أخطر رجل في العالم

مراتي مدير عام

إسماعيل ياسين في الأسطول

مقالات مشابهة

  • عائلة دانييلا رحمة في بيروت استعداداً لزفافها من ناصيف زيتون
  • عروض مسرحية جماهيرية في مهرجان خشبة المسرح في سيئون
  • ٣٠ يونيو| الشهيد العميد امتياز إسحاق كامل بطل ارتوت بدمائه الصحراء وبكى الملايين على رحيله
  • أجمل عبارات للتهنئة بمناسبة السنة الهجرية الجديدة
  • عاجل - مباشر المناظرة الرئاسية.. ترامب: كان لدينا أعظم اقتصاد في العالم ولكن بايدن قام بشيء كارثي
  • بالفيديو.. البطل المغربي مراد زاهر يكشف ل”مراكش الآن” تفاصيل تنظيم مسابقة “NPC” بمراكش
  • «مسرح الشباب».. «أبو الفنون»
  • "أوكيو عُمان للسباقات" عينه على التتويج مع انطلاق "التحدي العالمي الأوروبي"
  • ذكري ميلاده.. اللحظات الأخيرة في حياة حسن مصطفى
  • هيئة الدواء تبحث مع غرفة التجارة الأمريكية ملف تطوير تسجيل الدواء