التطبيع السعودي- الإسرائيلي في ميزان الجدوى
تاريخ النشر: 25th, September 2023 GMT
خلال الأشهر والأسابيع الماضية مارست السعودية سياسة الصمت الدبلوماسي تجاه جميع التقارير التي كانت تتحدث عن جهود وضغوط أمريكية لإقناع المملكة بالتطبيع مع إسرائيل، لكن يبدو أنّ مقابلة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع قناة فوكس نيوز الأمريكية، قد كسرت هذه القاعدة، إذ نفى ولي العهد توقف مفاوضات التطبيع بين إسرائيل والسعودية وأكد على أنهم يقتربون أكثر من أي وقت مضى لتحقيق هذا التطبيع.
ولتمهيد الطريق أمام التطبيع فقد زار مستشار الأمن القومي الأمريكي "جاك سوليفان" السعودية عدة مرات في الأشهر الماضية، كما كانت هناك زيارات سرية من قبل رئيس الموساد الإسرائيلي إلى الولايات المتحدة لبحث عملية التطبيع والتنازلات المحتملة للسعودية مع الطرف الأمريكي.
كما ظهرت إشارات إيجابية سعودية تجاه هذه العملية من خلال السماح للطائرات الإسرائيلية بالتحليق فوق أراضيها لأول مرة في تاريخها، كما سمحت السعودية أيضا للمواطنين الإسرائيليين بزيارة المملكة العربية السعودية كجزء من رحلات الحج السنوية.
وعلى الرغم من تصريح ولي العهد الذي يأتي في سياق دفع الطرف الإسرائيلي والطرف الأمريكي تقديم تنازلات وامتيازات أكثر للسعودية، إلا أن مسار التطبيع يبدو طويلاً ومعقداً بسبب المعادلات السياسية والجيوسياسية المعقدة التي تحكم هذا الملف.
أولاً: قد يعتقد البعض بأن القضية الفلسطينية ليست عقبة في ملف التطبيع بين السعودية وإسرائيل، ولكن الحقائق التاريخية والواقع الحالي يثبت عكس ذلك. لا بد من ملاحظة أنّ الملك سلمان هو من أكثر الداعمين للمبادرة العربية لحل القضية الفلسطينية، وهنا يظهر الالتزام الأخلاقي والسياسي السعودي تجاه القضية الفلسطينية، إذ إن السعودية إذا ما أرادت استعادة دورها الإسلامي والإقليمي فعليها أن تطالب بحقوق الشعب الفلسطيني التي تؤكد عليها الشعوب العربية والشعوب المسلمة على حد سواء.
وتدرك المملكة حجم التطرف السائد في حكومة نتنياهو، ولذلك فإن أي تطبيع مع إسرائيل خارج المبادرة العربية فهو قتل للدور العربي في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. كما على المملكة أن تدرك أن الفلسطينيين الفاعلين على الأرض هم حركات المقاومة الفلسطينية وليست السلطة الفلسطينية التي لا تمثل الشعب الفلسطيني، وعليه فالتشاور مع حركات المقاومة المختلفة أمر ضروري لبناء معادلة قوية في هذا الملف.
ثانياً: تقديم ضمانات أمنية أمريكية للجانب السعودي مقابل قيود على العلاقات السعودية- الصينية. وتتمحور هذه الضمانات حول تدخل أمريكي عسكري في حال تعرضت السعودية لأي تهديد خارجي، إلى جانب توقيع معاهدات وتحالفات أمنية عسكرية مشابهة لما هو عليه في حالة "الناتو"، كما تتعهد الولايات المتحدة بتقديم الأسلحة المتطورة إلى المملكة.
في الحقيقة وعلى الرغم من التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والسعودية الذي ساد في أعقاب الحرب العالمية الثانية، إلا أن الولايات المتحدة لم تتعهد ولم تقدم أي مساعدات أمنية وعسكرية في اللحظات الحرجة كالهجمات التي شُنت على عصب الاقتصاد السعودي ونقصد شركة أرامكو في 2019، ناهيك عن أن الولايات المتحدة ترفض بشكل غير مباشر أن تنضم السعودية إلى برامج تطوير الأسلحة وتطوير الطائرات المقاتلة والطائرات بدون طيّار.
فعلى الرغم من الدعم البريطاني والإيطالي الذي حظيت به السعودية في إطار جهودها للانضمام إلى برامج تطوير الطائرات المقاتلة من الجيل السادس المعروف بـ"GCAP"، إلا أن اليابان (الحليف الدائم المتعاون مع الولايات المتحدة) رفضت بشدة انضمام السعودية إلى هذه البرامج. يُعتقد بأن الرفض الياباني هو بتوجيه من الولايات المتحدة، وذلك بسبب التنافس الصيني-الأمريكي ودخول السعودية على خط هذا التنافس من خلال الاقتراب وبناء علاقات مع الصين.
ثالثاً: تعتبر مطالبة السعودية للولايات المتحدة بتقديم المساعدة في مجال تطوير برنامج نووي سلمي أكثر العقبات تعقيدا والتي تحول دون التوصل إلى اتفاق تطبيع، إذ يواجه هذا الملف بفيتو إسرائيلي حاد، فإسرائيل لا ترغب بظهور منافس نووي لها في منطقة الشرق الأوسط يكسر احتكارها لهذه التكنولوجيا، وقد يُعتبر مقدمة لحصول السعودية على السلاح النووي على المدى الطويل.
ختاماً، على الرغم من التصريحات الإيجابية حول عملية التطبيع مع إسرائيل، إلا أن السعودية تدرك جيداً بأن الملفات الشائكة والعالقة صعبة للغاية ولا يمكن التغلب عليها دون الحصول على ضمانات حقيقية؛ سواء: أولاً على مستوى القضية الفلسطينية والتي يجب أن تبنى على أساس المبادرة العربية للسلام، أو ثانياً من خلال الحصول على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة سواء في مجال الحماية الأمنية أو تقديم الأسلحة المتطورة. وهنا تظهر أهمية التمييز بين معاهدات أمنية مشابهة لتلك الموقعة بين اليابان وكوريا الجنوبية مع الولايات المتحدة والتي تقوم على فرضية بحث خيارات التعاون والرد العسكري في حال تعرضت هذه الدول لأي اعتداء. بعبارات أخرى، أنه لا التزام عسكريا أمريكيا تجاه هذه الدول على غرار الفصل الخامس من اتفاقية حلف الشمال الأطلسي الناتو الذي يفرض التدخل العسكري الأمريكي المباشر في حال تعرضت أي دولة عضو في التحالف لأي اعتداء.
وثالثاً، والأهم، كيفية الاتفاق على صيغة تضمن للسعودية تطوير برنامج نووي سلمي بقدراتها الخاصة وخبراتها المحلية، وليس من خلال تطوير هذا البرنامج من خلال قيود أمريكية شديدة أو منع السعودية من إجراء عملية التخصيب على أراضيها. وفي هذا الملف بالتحديد تملك السعودية خيارات بديلة أكثر استدامة وأكثر فاعلية من خلال العروض التي قدمتها الصين للمساهمة في هذا البرنامج، أو حتى من خلال العرض الإيراني بتقديم أي مساعدات عملية في مجال تطوير البرنامج النووي السعودي المخصص للأغراض السلمية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه السعودية إسرائيل التطبيع الأمن إسرائيل السعودية الأمن التطبيع تحالفات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة رياضة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القضیة الفلسطینیة الولایات المتحدة على الرغم من هذا الملف من خلال إلا أن
إقرأ أيضاً:
السعودية تقترب من التطبيع مع كيان العدو الصهيوني
يمانيون/ تقارير مرت منطقة الشرق الأوسط بسلسلة اتفاقيات تطبيع بين كيان العدو الصهيوني ودول عربية رمت بنفسها في أحضان الكيان الغاصب وهي (الإمارات والبحرين والمغرب والسودان)، وستكون آخر هذه الدول التي ستنضم إلى قائمة الخزي السعودية والتي كشف مسؤولون أمريكيون أن اتفاق التطبيع معها يمكن أن يتم في غضون ثلاثة إلى ستة أشهر وأن الاتفاقية جاهزة بانتظار تحقيق شرطين للتنفيذ.
وفي هذا السياق كشف جاريد كوشنر، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي السابق دونالد، بحسب ما نشر موقع “يسرائيل هيوم” الصهيوني، في المقابلة مع “بودكاست”، أن إدارة ترامب كانت تخطط لإجراء اتفاق مع السعودية خلال الفترة الانتقالية بين الإدارات.. مُشيرًا إلى أنه أبلغ فريق بايدن أن الاتفاق مع السعودية يمكن أن يتم في غضون ثلاثة إلى ستة أشهر.
ومع ذلك، انتقد كوشنر إدارة بايدن.. مشيرًا إلى أنهم “أضاعوا عامين في انتقاد السعودية” قبل أن يبدأوا في تبني سياسات ترامب بشأن المنطقة.
وحول رؤيته للمنطقة، قال كوشنر: إن هدف إدارة ترامب كان إنشاء كتلة اقتصادية تربط الشرق الأوسط من ميناء حيفا في الكيان الصهيوني إلى مسقط في عمان، حيث يمكن لدول المنطقة أن تتعاون اقتصاديًا في مجالات التجارة، التكنولوجيا، والاستثمار.
وأضاف: إن التغيرات التي تمر بها دول الخليج اليوم تفتح المجال لتعاون أكبر مع الكيان الغاصب، خاصة مع تولي جيل الشباب زمام الأمور في هذه الدول.
وأشار كوشنر إلى أن إدارة ترامب كانت تتمتع بفهم عميق للمشاكل في المنطقة.. قائلاً: “لن تكون هناك فترة تعلم مثل المرة الأولى، فترامب وفريقه على دراية كاملة بالوضع في الشرق الأوسط”.
واختتم كوشنر حديثه بالقول: إن التطبيع بين الكيان الصهيوني والسعودية هو أمر لا مفر منه في عهد ترامب.. لافتاً إلى أن ذلك سيؤدي إلى انتشار الابتكارات الصهيونية في المنطقة ويعزز التعاون الاقتصادي بين الدول العربية والكيان الغاصب.. على حد زعمه.
من جهته، ألمح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى أن اتفاقية التطبيع بين السعودية والكيان الصهيوني جاهزة بانتظار تحقيق شرطين للتنفيذ.
وقال بلينكن في تصريحات صحفية الجمعة: إن الاتفاقيات بين الولايات المتحدة والسعودية بشأن تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني جاهزة للتنفيذ، لكن هناك شرطين لإنجازها.
وصرح بلينكن في هذا الصدد بأن “المحادثات بشأن صفقة التطبيع بين الكيان والسعودية تقترب من تحقيق اختراق، هل هناك اختراق بالفعل؟ وما هو موقع هذه المحادثات اليوم؟”.
وأضاف بلينكن: “أحد الأشياء التي أتذكرها هي أنه في العاشر من أكتوبر قبل عام، كان من المفترض أن أسافر إلى السعودية و”إسرائيل” للعمل على المكون الفلسطيني من صفقة التطبيع هذه.. وبالطبع لم تتم هذه الرحلة بسبب السابع من أكتوبر.. ولكن حتى مع أحداث غزة، واصلنا هذه المحادثات وواصلنا العمل”.
وتابع قائلاً: “فيما يتعلق بالاتفاقيات المطلوبة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، فهي جاهزة تماما للتنفيذ ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى التطبيع بين “إسرائيل” والسعودية.. ولكن هناك شيئين مطلوبين لإنجاز ذلك بالفعل: الأول هو إنهاء الصراع في غزة والثاني هو وجود مسار موثوق نحو إقامة دولة فلسطينية”.
ويشار الى أنه وُقعت في النصف الأخير من عام 2020، أول عملية تطبيع عربي صهيوني علنية بالقرن الـ21، سماها مهندسوها باتفاقيات “أبراهام”.
وانخرطت الإمارات في مفاوضات لتطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني، وأعلن في 13 أغسطس 2020 عن توصل الطرفين إلى اتفاق بهذا الشأن، وبعد أقل من شهر وتحديدا (11 سبتمبر 2020) أعلن عن اتفاق تطبيع آخر مع البحرين التي انضمت إلى ممثلي الإمارات والكيان الصهيوني والولايات المتحدة للتوقيع.
وتم توقيع اتفاقيات أبراهام يوم 15 سبتمبر 2020 في البيت الأبيض، بين كل من الإمارات والبحرين والكيان الغاصب، بوساطة أمريكية.
وتتعلق هذه الاتفاقيات بـ”معاهدة للسلام والتطبيع الكامل للعلاقات الدبلوماسية بين الأطراف الموقعة مع الكيان الصهيوني، واتخاذ تدابير لمنع استخدام أراضي أي منهما لاستهداف الطرف الآخر”.
وأعلن الجانبان استعدادهما للانخراط مع الولايات المتحدة فيما سماه الاتفاق أجندة إستراتيجية لاستقرار الشرق الأوسط.
وتعتبر الإمارات الدولة الخليجية الأولى التي أقامت علاقات تطبيع مع الكيان الصهيوني، والثالثة عربياً بعد مصر والأردن.. وقبل الإعلان عن تطبيعها مع الكيان، عرضت عليها الولايات المتحدة بيع 50 طائرة مقاتلة من طراز “إف 35”.
ويوم 23 أكتوبر 2020، أعلن البيت الأبيض أن السودان والكيان الصهيوني اتفقا على تطبيع العلاقات بينهما.
وقبل ذلك بأيام، أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وكذا قبول الخرطوم دفع 335 مليون دولار تعويضا لمن قال ترامب إنهم “ضحايا الإرهاب”.
وسبقت هذا الاتفاق عدة خطوات أبرزها اللقاء الذي جرى في أوغندا بداية فبراير 2020 بين كل من رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان ورئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، والذي أُعلن بعده أن الجانبين اتفقا على تطبيع العلاقات.
ولاحقا في العاشر من ديسمبر 2020، رعت الولايات المتحدة أيضا اتفاق تطبيع بين المغرب والكيان الصهيوني، تزامن مع اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، ووعد منها ببيع أسلحة وتنفيذ استثمارات ضخمة.
وقد ترتب على اتفاقيات أبراهام فتح ممثليات دبلوماسية صهيونية في كل من الدول الموقعة، وربطت خطوط جوية مباشرة بين “تل أبيب” وأبو ظبي ودبي والمنامة والدار البيضاء ومراكش، كما أجريت زيارات متبادلة بين عدد من الوزراء والمسؤولين والعسكريين والسياسيين ورجال الاقتصاد من الدول المطبعة، وقعوا خلالها اتفاقيات تعاون في مجالات مختلفة.
وعقدت الدول المطبعة سلسلة من الصفقات التجارية وترتيبات التعاون الأمني، وكانت الأكثر ربحية هي تلك التي جرت بين الكيان الصهيوني والإمارات حيث أجرتا مبادلات تجارية بأكثر من نصف مليار دولار بالسنة الأولى من تطبيع العلاقات، كما حدث تبادل ثقافي مع توافد السياح الصهاينة على الإمارات.
وتطبيع العلاقات مصطلح سياسي يشير إلى “جعل العلاقات طبيعية” بعد فترة من التوتر أو القطيعة لأي سبب كان، حيث تعود العلاقة طبيعية وكأن لم يكن هناك خلاف أو قطيعة سابقة.
أما التطبيع في علم الاجتماع أو التطبيع الاجتماعي؛ فهي العملية التي يتم من خلالها اعتبار الأفكار والسلوكيات التي قد تقع خارج الأعراف الاجتماعية على أنها “طبيعية”.
ويشير إلى جهود ومعاهدات السلام بين جامعة الدول العربية والكيان الصهيوني لإنهاء الصراع العربي الصهيوني.. ومنذ سبعينيات القرن الماضي، بُذلت جهود موازية لإيجاد شروط يمكن على أساسها الاتفاق على السلام في الصراع العربي الصهيوني، وكذلك الصراع الصهيوني الفلسطيني على وجه التحديد.
وعلى مر السنين، وقَعت العديد من دول الجامعة العربية معاهدات سلام وتطبيع مع الكيان الغاصب بدءاً بمعاهدة السلام المصرية الصهيونية (1979).
وعلى الرغم من الفشل في تنفيذ اتفاقيات السلام الصهيونية اللبنانية (1983) فقد استمرت المزيد من المعاهدات مع عملية السلام الصهيونية الفلسطينية (1991 حتى الآن)، ومعاهدة السلام الأردنية الصهيونية (1994)، واتفاقيات أبراهام التي تطبع العلاقات بين الكيان الصهيوني والإمارات العربية المتحدة والبحرين (2020)، واتفاقية التطبيع بين الكيان الغاصب والسودان (2020)، واتفاقية التطبيع بين الكيان والمغرب (2020).. علاوة على ذلك، أقام العديد من أعضاء جامعة الدول العربية علاقات شبه رسمية مع الكيان الصهيوني بما في ذلك سلطنة عُمان والسعودية.