ثورة سبتمبر ... ثأرا للماضي وانتصارا للمستقبل !
تاريخ النشر: 25th, September 2023 GMT
اعتبرت ثورة 26 سبتمبر 1962م جزء لا يتجزأ من المسيرة التحررية الوطنية العالمية التي تفتح الطريق واسعا للنمو الوطني والتقدم الاجتماعي
-مفهوم الثورة
الثورة ليست انقلابا لتغيير حاكم بآخر , وهي ليست حركة عفوية تقوم ببعض الإصلاحات الطفيفة .
وإنما الثورة في معناها الحقيقي تستهدف التغيير الجذري الشامل للهيكل السياسي والاقتصادي والاجتماعي المتخلف .
ومن أولى أهدافها إقامة مجتمع تقدمي جديد يقوم على دعائم الديمقراطية في الحكم والكفاية في الإنتاج والعدالة في التوزيع وتكافؤ الفرص أمام جميع المواطنين .
-ثأرا للماضي
الحقيقة أن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م التي انبثقت من ضمير الشعب اليمني , وليست وليدة عام 1962م وحده , وإنما سبقتها موجات من الارهاصات الثورية طوال عهود طويلة من العذاب والألم عاشتها البلاد تئن تحت وطأة الحكم الامامي , وتمثلت هذه الارهاصات في عدة انتفاضات وحركات ثورية قام بها الشعب اليمني قبل ذلك ولكنها انتكست نتيجة تحالف القوى الرجعية والاستعمارية ضدها .
فلقد جاءت ثورة 26سبتمبر 1962م ليفتح هذا العهد , عهد تحرير المواطن اليمني ولتحرير أرضه من الاستعمار البريطاني والتسلط السعودي , فالثورة اليمنية التي اسقطت الحكم الامامي وأعلنت قيام جمهورية وطنية متحررة شكلت انذارا ثوريا حازما للاستعمار البريطاني والرجعية السعودية وبنشوبها توفر الشرط الحاسم لانطلاق حركة التحرير الوطنية اليمنية وافشال كل المخططات الاستعمارية .
ولقد ادرك الاستعمار البريطاني وادركت الرجعية السعودية اتجاه الثورة اليمنية التاريخي .
ومهمتها العظمى التي وضعها التاريخ اليمني على عاتقها ثأرا للماضي وانتصارا للمستقبل , ولهذا فأنهما قد شنا ضدها حرب تدخل رجعية استعمارية سافرة .
ولم يكن اندفاع بريطانيا المسعور ضد الثورة اليمنية دفاعا عن عرش الرجعية الذي سقط في صنعاء بقدر ما كان دفاعا عن برجها الاستعماري في عدن .
كما لم يكن هجوم الرجعية السعودية المحموم ضد الجمهورية والثورة اليمنية استمرارا لتدخلها ضد انتفاضات الشعب اليمني كما حدث عام 1948م .
وإنما بالدرجة الأولى دفاعا عن نظام شبيه له اهتزت قواعده بفعل الثورة في صنعاء , ولم تعد تملك السعودية امكانية شن حرب توسعية علنية بقصد الالحاق كما كانت تصنع في الماضي , وأصبح كل ما تملكه هو تجنيد المرتزقة والرجعين من داخل اليمن ومن خارجها ودفعهم إلى احداث اضطرابات سياسية واقتصادية في اليمن .
-التغلغل الاستعماري
اقتصاديا فأن الاحتكارات البريطانية الاستعمارية لم تخضع جنوب اليمن المحتل لخدمة اقتصادها فقط بل واخضعت ايضا شمال اليمن فقد تحول الشمال نتيجة لفقدان المؤسسات والبنوك والموانئ إلى شبة مستعمرة تابعة من الوجهة الاقتصادية للاستعمار البريطاني .
وقاد هذا التحكم الاقتصادي في البلاد على المستوى السياسي ومارست بريطانيا نفوذا سياسيا معينا على الامامين يحيى واحمد واثرت على سيادة الدولة ومست استقلالها وقد تجلى ذلك خلال الحرب العالمية الثانية .
وفي عهد الإمام أحمد اخذ البلاط الملكي يتحول بالتدريج إلى مسرح للنفوذ الاستعماري واخذ النفوذ الامريكي يكتسح النفوذ البريطاني وبدا أن الاستعمار الجديد يسعى حثيثا في فرض نفسه في شمال اليمن خلال صراعه وتنافسه مع الاستعمار القديم واصبح للاستعمار الامريكي عملاء مهمون يحتلون أماكن حساسة في جهاز الدولة .
وما كان اعطاء امريكا امتياز التنقيب عن البترول في شمال اليمن الا احد مظاهر تغلغل الاستعمار الجديد أمريكا في اليمن .
-اصدأ الثورة
كان لنجاح ثورة 26سبتمبر1962م وقيام الجمهورية العربية اليمنية , أول جمهورية في شبة الجزيرة العربية صدى هائل في العالم أجمع , واعتبرت الثورة جزء لا يتجزأ من المسيرة التحررية الوطنية العالمية التي تفتح الطريق واسعا للنمو الوطني والتقدم الاجتماعي .
اما الاوساط الرجعية والامبريالية وقبل كل شيء الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا فقد تلقت اخبار الثورة اليمنية بيقظة وعداء . إذ رات هذه الاوساط في الجمهورية الفتية تهديدا لمصالحها النفطية ومواقعها الاستراتيجية .
وبهذا الصدد كتبت الصحيفة الإنجليزية ( أيسيرفر) في تاريخ 2اكتوبر 1962م ( شكلت الثورة اليمنية مشكلة معقدة بالنسبة للسياسة الأمريكية والبريطانية الشرق أوسطية ) .
أما الصحيفة الفرنسية ( لاكروا) فقد اشارت في تاريخ 10 اكتوبر 1962م ( إن القضاء على الملكية في اليمن خلق القلق والانزعاج على امتداد شبة الجزيرة العربية وقبل كل شيء في المحميات البريطانية وفي العربية السعودية ) .
ومع استمرار التكالب الرجعي والاستعماري بحربها على ثورة 26 سبتمبر عادت كتبت صحيفة ( أيسيرفر) الانجليزية في تاريخ 5 أبريل 1964م لتكتب : ( إذا ما صمدت الجمهورية العربية اليمنية وازدهرت فالخطر لا محالة مخيم على المملكة العربية السعودية ) .
في حين تناولت المجلة الإنجليزية الأسبوعية في عددها 276 بتاريخ7 ديسمبر ( نيوستبسمن ) فقد كتبن بهذا الصدد : ( بنجاح قيام الجمهورية العربية اليمنية وجدت الأنظمة الملكية في شبة الجزيرة العربية - من عدن وحتى الحدود الأردنية - وجدت هذه الأنظمة بأن الثورة على أبوابها ) .
-تكالب استعماري
لقد وضع التاريخ على شعب اليمن الثائر في الشمال والجنوب مهمة مواصلة كفاحه التاريخي المليء بالتضحيات فبعد اقامة ثورة سبتمبر كان على عاتقه اسقاط الحكم الاستعماري في الجنوب ومواصلة مرحلة التصدي للرجعية في الرياض الطامعة باليمن وخلق دولة يمنية موحدة مستقلة وطنية ديمقراطية .
على أن ما شجع الرجعية السعودية بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م على الاستمرار في سياستها العدائية لليمن وشعبه والتدخل الدائم في شؤونه الداخلية , ومحاولة فرض مطامعها وسياستها عليه هو الاستعمار الانجلو - الأمريكي وظهور أمريكا كقوة عالمية بعد الحرب العالمية الثانية كوريثه للاستعمار البريطاني والذي أدرك بدوره أن قاعدته العسكرية الاستعمارية في الظهران ونفوذه السياسي والعسكري في الرياض ومصالحه البترولية في المنطقة قد دنت ساعة التخلص منها بقيام ثورة اليمن التحررية التي اشاعت في طول الجزيرة العربية وعرضها روحا ثورية جديدة وعهدا ثوريا متأججا وزاد من القلق الاستعماري الانجلو – امريكي التواجد المصري في اليمن لمساندة ثورة 26 سبتمبر ودعم ثوار ثورة ال14 اكتوبر 1963م في جنوب اليمن مما يعني ان مصر ستطوق منابع النفط في الخليج وتتحكم بأهم المضايق البحرية بدأ من مضيق هرمز بالخليج العربي والسيطرة على البحر الاحمر بمضايقه باب المندب وقناة السويس مما يهدد الاطماع الاستعمارية القديمة ممثلا بريطانيا والجديدة ممثلا بأمريكا في المنطقة .
- انتصارا للمستقبل
يمكن القول : إن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962م التي أسقطت النظام الامامي الملكي وأعلنت الجمهورية العربية اليمنية ماهي إلا امتدادا للأعمال الكفاحية والانتفاضات الثورية السابقة والدؤوبة التي استمرت ثلاثين عاما , وتتويجا لها وتعبيرا جليا عن وضوح الرؤية الثورية وعن تحديد الأهداف .
وبقيام ثورة 26 سبتمبر 1962م أمكن انتزاع اليمن من واحد من أكثر أقبية القرون الوسطى ظلاما ووحشية ووضعها دفعة واحدة في غمرة أضواء القرن العشرين , فكانت القذيفة الأولى التي لعلعت في ليل الجزيرة العربية البهيم وايقظتها من سباتها الطويل للسير في طريق المستقبل .
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية: الجزیرة العربیة الثورة الیمنیة ثورة 26 سبتمبر سبتمبر 1962م ثورة الیمن فی الیمن
إقرأ أيضاً:
اليمن: الصخرة التي كسرَت قرون الشيطان وتستعد لتحطيم طغاة العصر
عدنان ناصر الشامي
على مدى عشر سنوات من التحدي الأُسطوري، وقف الشعب اليمني شامخًا كالجبل الذي لا تهزه الأعاصير، خلال هذه السنوات، خاضت اليمن معركةً لا تشبه غيرها، معركةً بين الحق والباطل، بين العزة والذل، بين إرادَة الله وبين غطرسة الشياطين، في هذه المعركة، أظهر اليمن للعالم أن الأمم الحقيقية لا تخضع لهيمنة الطغاة، ولا تنكسر أمام ضغوط الاستكبار العالمي.
كان اليمنيون صخرة الله التي حطمت قرون الشيطان، تلك الدول الوظيفية التي نشأت في نجد، السعوديّة والإمارات، التي لم تكن يومًا سوى أدوات بأيدي الطغاة، تُساق وفق أهواء قوى الاستكبار، تدور في أفلاكهم، وتنفذ مخطّطاتهم، لكن هذه المخطّطات تحطمت أمام إرادَة الشعب اليمني الذي جعل الله من صموده كابوسًا يطارد الأعداء.
الشيطان الأكبر… إلى مصيره المحتوم..
واليوم، ومع سقوط أقنعة الدول الوظيفية، يواجه اليمن تحديًا جديدًا، الشيطان الأكبر، الولايات المتحدة الأمريكية، لم تعد تكتفي بإرسال أدواتها، بل تقدمت بنفسها إلى الساحة، وكأن الله يسوقها إلى قدرها المحتوم، لتلقى مصير كُـلّ من سبقها ممن تحدى إرادَة الله، جاءت أمريكا معتقدةً أنها ستُحني اليمن، وأنها ستخضع هذا الشعب الذي وقف أمامها على مدى تسع سنوات، لكنها لم تدرك أن الله جعل من اليمن صخرةً تتحطم عليها أحلام المستكبرين وتتكسر عندها مخطّطاتهم.
قدر اليمن في مواجهة الطغاة ودعم الأحرار..
الله جعل من اليمن أُمَّـة تحمل قدرًا عظيمًا، قدرها أن تطهر العالم من فساد الطغاة، وتكسر غرورهم وجبروتهم، وأن تكون سوط العذاب الذي يستأصل الكفر ويضع حدًا لجبروت الطغاة، وكما قال أحد رؤساء أمريكا في مقولته الشهيرة: “قدرنا أمركة العالم”، نقول لهم بكل ثقة: “قدرنا أن نطهر هذا العالم من فسادكم، وأن نحطم أوهامكم، وأن ندفن غروركم في مزبلة التاريخ. ”
اليمن ليس مُجَـرّد دولة صغيرة في خريطة العالم، بل هو رمزٌ لروح الأُمَّــة وقوة الإرادَة، من أرضه تنطلق سهام الحق التي تهز عروش الطغاة، ومن شعبه تصعد إرادَة صلبة تقف في وجه كُـلّ متجبر، وَإذَا كان التاريخ قد شهد فراعنةً تحطموا أمام إرادَة الله، فَــإنَّ اليمن اليوم هو السوط الذي يلاحق فراعنة العصر، ليكون قدر الله في الأرض، الذي يستأصل الظلم وينشر العدل.
وفي نفس اللحظة التي يقاوم فيها الشعب اليمني الغزو والطغيان، يقف جنبًا إلى جنب مع الأحرار في غزة ولبنان.
إن صمود غزة الأُسطوري ومقاومة لبنان الشجاعة ليسا بمعزلٍ عن الروح اليمنية التي تحمل في طياتها إرادَة التحرّر ونصرة المظلوم، كلّ صاروخٍ يمني، وكلّ طائرةٍ مسيّرة، هي سهمٌ من سهام الله، يوجهها اليمنيون نحو قلوب أعداء الإنسانية، يحطمون بها غرور الطغاة، ويعلنون بها أن المعركة لم تنتهِ، وأن الظالمين إلى زوال.
هذه ليست معركةً عابرةً بين قوى ضعيفة وأُخرى متغطرسة، بل هي معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، الذي يُطهِر الأرض من دنس الظالمين، إنها معركةٌ بين الإيمان والكفر، بين الحق والباطل، بين إرادَة الله وإرادَة الشياطين، وكلما ازدادت التحديات، زاد اليمنيون قوةً وعزيمة، وكلما حاولت قوى الظلم كسر شوكة هذا الشعب، ازداد صلابةً وثباتًا؛ لأَنَّ إرادَة الله هي الإرادَة العليا، ولأن الله جعل اليمنيين جنوده في الأرض، وسوط عذابه الذي يطارد كُـلّ متكبر عنيد.
من صنعاء إلى غزة، ومن اليمن إلى لبنان، يمتد جسر المقاومة والتحدي، ليشكل ثلاثيةً من الصمود لا تعرف الخضوع ولا الانكسار، كُـلّ صاروخٍ يمني، وكلّ طلقةٍ يطلقها المقاومون في غزة، وكلّ شجاعةٍ يبديها الأبطال في لبنان، هي جزء من معركة التحرّر الكبرى، نحن أُمَّـة توحدها القضية، وتجمعها المقاومة، وتُحييها الإرادَة الإلهية.
اليمن اليوم ليس مُجَـرّد دولة تصمد أمام طغيان الإمبراطوريات، بل هو رمزٌ لتحرير البشرية من قبضة الشيطان الأكبر، وما كان لليمن أن يكون في هذا الموقف إلا بإرادَة الله، الذي جعله سدًا منيعًا يحمي الأُمَّــة، وصخرةً تتحطم عليها قرون الشياطين، واحدًا تلو الآخر.
نحن اليوم نقف في معركةٍ مقدسة، معركة لن تتوقف حتى يتحقّق وعد الله بالنصر والتمكين، ومع كُـلّ يومٍ يمر، يُسطر الشعب اليمني بدمائه ملحمةً جديدة، ليعلن أن طغاة هذا العصر، مهما تعاظمت قوتهم، فَــإنَّ مصيرهم إلى زوال، وأن إرادَة الله هي التي ستسود في نهاية المطاف.
اليمن هو القدر الذي كتبته يد الله في صفحات التاريخ، ليدفن الطغاة، وليُعلي رايات الحق، إنه الصخرة التي تكسر قرون الشيطان، والشعلة التي تضيء دروب الأحرار في كُـلّ زمان ومكان، وها هو اليوم يقف كتفًا إلى كتف مع غزة في نضالها ومع لبنان في صموده، ليقول للعالم: نحن أُمَّـة واحدة، وقضيتنا واحدة، وإرادتنا لا تنكسر.