الأدلة على فرضية الحجاب وستر عورة للمرأة المسلمة
تاريخ النشر: 25th, September 2023 GMT
قالت دار الإفتاء المصرية، إن من المقرر شرعًا بإجماع الأولين والآخرين من علماء الأمة الإسلامية ومجتهديها، وأئمتها وفقهائها ومُحَدِّثيها: أنَّ حجاب المرأة المسلمة فرضٌ على كلِّ مَن بلغت سن التكليف، وهي السن التي ترى فيها الأنثى الحيض وتبلغ فيه مبلغ النساء؛ فعليها أن تستر جسمَها ما عدا الوجهَ والكفين، وزاد جماعة من العلماء القدمين في جواز إظهارهما، وزاد بعضهم أيضًا ما تدعو الحاجة لإظهاره كموضع السوار وما قد يظهر مِن الذراعين عند التعامل.
أضافت الإفتاء، أن وجوب ستر ما عدا ذلك لم يخالف فيه أحد من المسلمين عبر القرون سلفًا ولا خلفًا؛ إذْ هو حكم منصوص عليه في صريح الوحْيَيْن الكتاب والسنة، وقد انعقد عليه إجماع الأمة، وبذلك تواتَرَ عمل المسلمين كافة على مر العصور وكر الدهور مِن لَدُن عهد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأجمعوا على أن المرأة إذا كشفَتْ ما وجب عليها سترُه فقد ارتكبَتْ مُحرَّمًا يجب عليها التوبةُ إلى الله تعالى منه، فصار حكم فرضية الحجاب بهذا المعنى من المعلوم من الدين بالضرورة، ومن الأحكام القطعية التي تشكل هوية الإسلام وثوابته التي لا تتغير عبر العصور.
الأدلة من القرآن على فرضية الحجابقد استدلوا على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة والإجماع
فأما دليل الكتاب
فقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: 59]، والمناسبة التي نزلت فيها هذه الآية هي أن النساء كن يُظهِرن شعورهن وأعناقهن وشيئًا من صدورهن فَنَهاهُنَّ الله عز وجل عن ذلك، وأمرهن بإدْناء الجلابيب على تلك المواضع التي يكشِفْنَها؛ حتى ينكف عنهن الفُساق إذا رأوا حشمتهن وتستُّرَهن، وأكد على شمول الحكم فيها لكل أفراد النساء بقوله تعالى: ﴿وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ﴾، قال مقاتل بن سليمان في "تفسيره": [يعنى: أجدر أَنْ يُعْرَفْنَ في زيهن أنهن لسن بمُرِيبَاتٍ وأنهن عفايف فلا يطمع فيهن أحد].
وقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31].
فنهت الآية الكريمة المؤمنات عن إبداء زينتهن، واستثنت الزينة الظاهرة، وقد فسَّر السلف الصالح -مِن الصحابة والتابعين ومَن بعدهم من الأئمة المجتهدين والفقهاء المتبوعين- الزينة الظاهرة التي يجوز للمرأة إبداؤها بالوجه والكفين، وزاد بعض السلف -كالسيدة عائشة رضي الله عنها- القدمين، وهو مذهب الإمام أبي حنيفة والثوري والمزني من الشافعية واختيار ابن تيمية من الحنابلة، وبعضهم زاد موضع السوار، وفسرها بعض السلف بالثياب، أما غير ذلك فلم يختلف أحد من السلف ولا الخلف في عدِّه من الزينة الواجب سترها، أي إن ما عدا هذه الزينة الظاهرة لا يجوز للمرأة إظهاره باتفاق العلماء وليس هو محلًّا للخلاف أصلًا على اختلاف أقوالهم في تفاصيل الزينة الظاهرة.
وجاء الأمر الإلهي في الآية للنساء المؤمنات بضرب الخُمُر على الجيوب، والخُمُر: جمع خِمَار، وخمار المرأة في لغة العرب هو مَا يُغطِّي رَأْسها، قال العلامة الفيومي في "المصباح المنير" (مادة خمر): [الخِمار: ثوب تغطي به المرأة رأسها، والجمع خُمُر]، والجُيُوب: جمع جَيْب، وهو الصدر. فجاء على غاية ما يكون وضوحًا في بيان المقصود؛ فإن التعبير بضرب الخمار على الجيب: يقتضي ستر الشعر والعنق والنحر، والعدول عن التعبير بضربه على الوجه إلى الضرب على الجيب يقتضي في الوقت نفسه كشفَ الوجه، وهذا مِن أبلغِ الكلام وأفصحِه، وأبينِه وأوضحِه.
الأدلة من السنة على فرضية الحجابأما الحديث: فأخرج أبو داود في "سننه" واللفظ له، والطبراني في "مسند الشاميين"، وابن عدي في "الكامل"، والبيهقي في "السنن الكبرى" و"الآداب" و"شُعَب الإيمان" عن عائشةَ رضي اللهُ عنها أنَّ أسماءَ بنتَ أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنهما دخلَتْ على رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم وعليها ثِيَابٌ رِقَاقٌ، فَأَعْرَضَ عَنْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «يَا أَسْمَاءُ، إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا وَهَذَا» وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ.
وأخرج أبو داود والترمذي وابن ماجه في "السنن" عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ عِنْدَ مُكَاتَبِ إِحْدَاكُنَّ مَا يُؤَدِّي فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ». قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وفي هذا الحديث دليلٌ على وجوب احتجاب المرأة عن الرجل ما لم يكن مملوكًا لها، وأنها إنما أُمِرت بالاحتجاب منه هنا إذا ملك ما يؤدي به وإن لم يؤده حقيقةً تورعًا، قال الترمذي: ومعنى هذا الحديث عند أهل العلم على التورع، وقالوا: لا يعتق المكاتب وإن كان عنده ما يؤدي حتى يؤدي.
وأخرج أبو داود في "السنن" عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَتَى فَاطِمَةَ بِعَبْدٍ كَانَ قَدْ وَهَبَهُ لَهَا، قَالَ: وَعَلَى فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ثَوْبٌ، إِذَا قَنَّعَتْ بِهِ رَأْسَهَا لَمْ يَبْلُغْ رِجْلَيْهَا، وَإِذَا غَطَّتْ بِهِ رِجْلَيْهَا لَمْ يَبْلُغْ رَأْسَهَا، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مَا تَلْقَى قَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكِ بَأْسٌ، إِنَّمَا هُوَ أَبُوكِ وَغُلَامُكِ».
وهذا الحديث صريحٌ في وجوب تغطية الرأس؛ لتحرُّج السيدة فاطمة رضي الله عنها من كشف رأسها حتى تغطي رجلها، ولو كان أحد الموضعين أوجب من الآخر في التغطية، أو كانت تغطية أحدهما واجبة وتغطية الآخر سنة لقدَّمَتْ الواجبَ بلا حرج.
الإجماع على فرضية الحجابأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة الإسلامية سلفًا وخلفًا على وجوب الحجاب وهذا من المعلوم من الدين بالضرورة.
ومما نُقِل من إجماع الأمة في ذلك:
قال الإمام أبو محمد بن حزم في كتابه "مراتب الإجماع": [وَاتَّفَقُوا على أَن شعر الحُرَّة وجسمها حاشا وَجههَا ويدها عَورَةٌ، وَاخْتلفُوا فِي الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ حَتَّى أظفارهما أعورة هِيَ أم لَا].
وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البر المالكي في "التمهيد": [أجمعوا أن إحرامها في وجهها دون رأسها، وأنها تخمر رأسها وتستر شعرها وهي محرمة]، وقال أيضًا: [كلها عورة إلا الوجه والكفين على هذا أكثر أهل العلم. وقد أجمعوا على أن المرأة تكشف وجهها في الصلاة والإحرام. وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم وهو قول الأوزاعي وأبي ثور: على المرأة أن تغطي منها ما سوى وجهها وكفيها، وقال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث: كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها].
وهذا صريح في أن المختلفين في الوجه والكفين ونحوهما؛ كالقدمين، وموضع السوار من الذراعين، قد انعقد بينهم الإجماع على وجوب تغطية ما سوى ذلك، ولا يوجد عند المسلمين أي قول بجواز كشف ما عدا ذلك من جسد المرأة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الإفتاء الحجاب حكم الحجاب على فرضیة رضی الله ی الله ع وا على ما عدا ى الله
إقرأ أيضاً:
عباس شومان: المساواة في الميراث ظلم للمرأة وليس إنصافا لها.. فيديو
قال الدكتور عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، إن الأزهر الشريف يبين للناس الحق ثم للناس حرية الاختيار، فالأزهر يبرئ ذمته حين يبين الحقائق ويضعها أمام الناس وكلٌ يتحمل نتيجة اختياره.
وأضاف شومان، خلال كلمته في ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة يعقد ملتقاه الأسبوعي بالجامع الأزهر للرد على المشككين حول الميراث، أن الأولى بنا جميعا أن نبتعد بالناس عن الخلاف، حول أمور لا تحتمل الخلاف أصلا، منوها بأن الشريعة الإسلامية غالبها ما يحتمل الخلاف والقليل فيها هو المحسوم واليقيني، فالميدان واسع لمن أراد البحث عن الخلاف، ولا ينبغي أن ندخل الأمور التي لا تحتمل الخلاف للأمور التي تحتمل الخلاف.
وأشار إلى أن المواريث لم يترك الله أمورها لأحد وإنما فصلها بآيات تفصيلية في إعحاز مدهش، فحسمت خمس آيات مسائل المواريث كلها.
وأوضح أن دعوى أن المرأة ظلمت في الميراث باطلة، وهل يتصور أن الله يظلم المرأة لأنه هو الذي قسم الأنصبة في الميراث؟ منوها بأن الأدلة موجودة على أن المرأة ليست مظلومة في قسمة المواريث.
وتابع: لو فرضنا تشريعا يقول بمساواة المرأة في الميراث فهذا يعني أن المساواة تكون حيثما وجدت المرأة والرجل معا، وهذه مصيبة لأن المرأة تأخذ نصف الرجل في 4 حالات فقط، وفي حالات كثيرة تأخذ أكثر منه.
وضرب عباس شومان مثلا: لو ماتت امرأة وتركت زوجا وبنتا واحدة، فللزوج الربع، والبنت النصف، وبذلك تكون حصلت على ضعف الرجل بالإضافة إلى أن لها باقي التركة، ولو تمت المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث لظلمت المرأة في هذه الحالة.