جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-07@02:09:43 GMT

حصار سوريا وَهْمٌ أمريكي يتجدد

تاريخ النشر: 25th, September 2023 GMT

حصار سوريا وَهْمٌ أمريكي يتجدد

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

بتاريخ 14 سبتمبر 1982م اغتيل بشير بيار الجُمَيِّل القائد العسكري اللبناني، والذي قاد القوات اللبنانية خلال الحرب الأهلية، والذي انتخب رئيسًا للبنان عام1982 ، ووقعت عملية الاغتيال قُبيل تنصيبه رئيسًا بأيام قليلة.

العام المذكور- وكما هو معلوم- شهد الاجتياح الصهيوني للبنان مُستغلًا فوضى الداخل من الحرب الأهلية وتخاذل الخارج من الأقطار العربية والدول الإقليمية والدولية كذلك.

وبتولي بشير الجميل الرئاسة بلبنان كان الغرب وعلى رأسه أمريكا والكيان الصهيوني يحلمان بإحكام طوق الخناق على سوريا، وإخضاعها لكل أساليب الابتزاز السياسي لاحقًا، للقبول بتطبيع رخيص مع كيان العدو واللحاق بركب قطار اتفاقية كامب ديفيد والتي سنّها الرئيس المصري أنور السادات وأحدث من خلالها شرخًا عميقًا في جدار الأمن القومي العربي، ودفعت مصر من خلالها ثمنًا باهظًا ولغاية اليوم. بقيت سوريا كالغصة في أفواه الكيان الصهيوني وداعميه وحلفائه في المنطقة، بفعل سياسة اللا سلم واللا حرب التي انتهجها الرئيس حافظ الأسد بعد توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار وبرعاية أممية مع كيان العدو عام 1974. وقد أعترف وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر لاحقًا أنه أقترح على رئيسه ريتشارد نيكسون شن حرب منفردة على سورية لإضعافها وتطويعها في ظل مباركة صامتة من الرئيس المصري أنور السادات، والذي أعلن وقف إطلاق النار من طرف واحد في حرب أكتوبر 1973، ودون التنسيق مع القيادة السورية التي بدأت معه الحرب؛ الأمر الذي كلّف سوريا نقل جُهد المعركة عليها ولمدة أكثر من 236 يومًا، وانتهت بالاتفاق الأممي المذكور.

أعود الى القول إن تولي بشير الجميل للرئاسة بلبنان كان يعني إحكام طوق الخناق على سوريا، والتي تُحيط بها أنظمة عدائية أو قابلة للعداء من جميع الجهات الجغرافية؛ حيث العراق وتركيا والأردن والكيان الصهيوني، ولم يتبق سوى لبنان كرئة وحيدة تتنفس منها سوريا على العالم، كما إن الحليف السوفييتي لسوريا راودته نفس المشاعر وشارك النظام السوري ذات المخاوف من جراء نجاح المخطط الأمريكي الصهيوني لعزل سوريا وتطويقها جغرافيًا، وبالنتيجة عزل الحليف السوفييتي وتهديد مصالحه الاقليمية.

لم تخرج سورية من دائرة الاستهداف الصهيو-أمريكي كونها تُمثِّل العقبة الكُبرى لتمرير التطبيع مع الكيان الصهيوني؛ حيث نُصب لها الأفخاخ الكثيرة للإيقاع بها، لكن دهاء الرئيس حافظ الأسد ونظرته الاستراتيجية المتروية للأوضاع جعلت سوريا بمنأى عن تلك المخططات؛ بل ومحور اهتمام عربي وإقليمي ودولي لاحقًا.

أبرز المحطات التآمرية الغربية لتطويع سوريا كانت خطة السلام التي تبناها الرئيس الأمريكي بيل كلينتون عام 1998، والتي لم يُكتب لها النجاح بفعل اصرار القيادة السورية على تجنب سيناريو اتفاقية كامب ديفيد مع مصر، واتفاقية وادي عربة مع الأردن؛ حيث لم تخلو تلك الاتفاقية الأخيرة من ألغام قانونية تجرح السيادة الوطنية لكلا البلدين عبر تأجير أراضٍ ومياه للكيان الصهيوني بالأردن، ونزع السيادة المصرية الحقيقية عن سيناء؛ حيث نصت الاتفاقية على جعلها منطقة منزوعة السلاح والأفراد المصريين كذلك، والاكتفاء بقوات الفصل الأممية.

في مفاوضات جنيف التي رعاها الرئيس كلينتون، رفضت القيادة السورية التفريط في بحيرة طبرية السورية؛ حيث راهن الكيان الصهيوني على الاستحواذ على مصادر المياه العربية من أجل زراعته وصناعته ومعيشة مستعمراته، كما اشترط أن يكون التمثيل الدبلوماسي معه خارج الاعراف الدبلوماسية وقواعد العلاقات المتعارف بين الدول، بينما تُصر القيادة السورية على أنها في حالة "التطبيع" مع الكيان فستحتكم الى قواعد السياسة والدبلوماسية في التعبير عن مستوى تلك العلاقات أو المواقف المطلوبة إزاء أي خروقات سياسية أو دبلوماسية يقوم بها الكيان الصهيوني مستقبلًا.

ثم أتى المخطط الثاني الخطير والذي حمله وزير الخارجية الأمريكي كولن باول إلى دمشق بُعيد سقوط بغداد في التاسع من أبريل 2003؛ حيث حمل باول تهديدًا صريحًا لدمشق بضرورة التخلي عن دعم فصائل المقاومة وإلّا ستكون الهدف القادم للقوات الأمريكية وحلفائها. ورفضت دمشق كعادتها التهديد والابتزاز، وتحوّل العراق بكامله الى مُستنقع حقيقي للقوات الأمريكية والتحالف حتى إعلان خروجهم عام 2011. ثم أتت عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005 بقصد اتهام سوريا وإحراجها أمام المجتمع الدولي وإخراجها عسكريًا من لبنان، فخرجت سوريا عسكريًا من لبنان وبقي نفوذها السياسي الكبير.

أذعن الأمريكان بعد ذلك لقوة سوريا كدولة محورية في المنطقة ونظام راسخ ومتماسك، فقرروا استئناف العلاقات الدبلوماسية مع دمشق وتناوب عدد من المسؤولين الأمريكيين وأعضاء في الكونجرس على زيارة دمشق في عهد الرئيس باراك أوباما، وتكلّلت تلك الزيارات بتعيين السفير روبرت فورد سفيرًا لأمريكا بدمشق عام 2010؛ حيث مارس المذكور دبلوماسية تجسُّس بامتياز تكللت بلقاءته مع الأرهابيين لاحقًا في حمص بعد انطلاق الأحداث بسوريا.

أحدث الفصول- وليس آخرها- كانت الحرب الكونية على سوريا منذ عام 2011 ولغاية اليوم، وحين تبين للغرب فشل إرهابهم وثوَّارهم المزعومين، قفزوا الى "قانون قيصر"، ثم محاولة يائسة منهم لإعادة تطويق سوريا مجددًا، والبحث جارٍ عن بشير الجميل جديد بلبنان ونظام عدائي لسورية بالعراق، ولكن حسابات الحقل والبيدر اليوم لم تعد في كفة الأمريكي وأدواته في المنطقة، ولكن الأمريكان كعادتهم يجربون حتى يفشلون، ويعيدون تجريب المُجرَّب على الدوام.

قبل اللقاء.. يقول هنري كيسنجر عن الرئيس حافظ الأسد: لم يغلبني أحد في حياتي كما غلبني حافظ الأسد. كما قال عنه الرئيس الأمريكي بيل كلينتون: لو كان الرئيس حافظ الأسد رئيسًا لدولة كبرى لحكم العالم.

وبالشكر تدوم النعم.

 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

إسرائيل تسعى لإعادة روسيا إلى سوريا

عندما دعمت الولايات المتحدة "هيئة تحرير الشام" في الإطاحة بنظام بشار الأسد المدعوم من إيران وروسيا، كانت تطمح إلى طرد موسكو من قاعدتها البحرية في طرطوس وقاعدتها الجوية قرب اللاذقية، في خطوة اعتُبرت آنذاك نجاحاً كبيراً لواشنطن.

من المقرر أن يذهب القادة الإسرائيليون إلى واشنطن العاصمة الأسبوع المقبل

 لكن، وكما هي الحال مع العديد من التحركات الأمريكية قصيرة النظر في الشرق الأوسط، فإن هذا الدعم للقيادي أحمد الشرع (المعروف سابقاً بأبي محمد الجولاني) قد يحمل تداعيات كارثية على المدى البعيد، وفقاً لما ذكره براندون جيه ويخرت، المحرر المختص بالأمن القومي في مجلة "ناشيونال إنترست".

المستفيدون من سقوط الأسد

وكانت تركيا أحد أبرز اللاعبين في هذه العملية، إذ دعمت "هيئة تحرير الشام" بهدف تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: القضاء على الحركات القومية الكردية، واستعادة النفوذ العثماني، وضمان السيطرة على تدفقات الطاقة إلى أوروبا.

ولتحقيق ذلك، أيّدت أنقرة الحركات الإسلاموية في مختلف أنحاء العالم.  

Israel is lobbying the US to permit Russian bases in a “weak” and “decentralized” Syria as a counterbalance to Turkey’s influence.

Follow: @AFpost pic.twitter.com/Zsih7gMFgH

— AF Post (@AFpost) March 2, 2025

أما إسرائيل، فاستفادت في البداية من انهيار نظام الأسد، إذ كان عدواً لها لعقود.

ومع سقوطه، ضعفت القيادة السورية لدرجة مكّنت إسرائيل من ضرب القواعد العسكرية السورية بسهولة ومن دون مقاومة، بل وحتى توسيع نفوذها داخل سوريا.

إضافةً إلى ذلك، أدى انهيار نظام الأسد إلى قطع خطوط الإمداد بين إيران و"حزب الله" في لبنان، وهو ما اعتبرته إسرائيل مكسباً استراتيجياً، خاصة في ظل التصعيد الذي أعقب هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 التي نفذتها حماس.

كما مكّن الوضع الجديد إسرائيل من استخدام المجال الجوي السوري لشن ضربات جوية بعيدة المدى ضد أهداف إيرانية، وهو ما ظهر جلياً بعد سقوط الأسد عندما استهدفت الطائرات الإسرائيلية أنظمة الدفاع الجوي S-300 الروسية في إيران.

انهيار التحالف الإسرائيلي التركي

قبل الإطاحة بالأسد، شهدت العلاقات بين إسرائيل وتركيا تنسيقاً واضحاً، لكن هذا التحالف المؤقت بدأ ينهار بعد سيطرة "هيئة تحرير الشام" على مناطق واسعة في سوريا، مما أثار مخاوف إسرائيل من مواجهة مباشرة مع أنقرة. 

Israel is lobbying the United States to keep Syria weak and decentralised, including by letting Russia keep its military bases there to counter Turkey's growing influence in the country, four sources familiar with the efforts said.

Source: Reuters pic.twitter.com/oD6kZgxiS1

— Clash Report (@clashreport) February 28, 2025

ومع بدء الهجوم الإسرائيلي على غزة عقب أحداث 7 أكتوبر، تصاعدت تهديدات تركيا لإسرائيل، وفي ظل سيطرة جماعة مدعومة من أنقرة على سوريا، يزداد احتمال تدخل تركيا عسكرياً لصالح الفلسطينيين.

وبات الحفاظ على الوجود الإسرائيلي في سوريا أكثر تعقيداً بسبب الدعم التركي لـ"هيئة تحرير الشام"، خاصة مع اتساع نطاق التحديات الأمنية التي تواجهها إسرائيل منذ هجمات 7 أكتوبر.

ومع ذلك، تسعى إسرائيل لضمان استمرار استخدام المجال الجوي السوري لضرب إيران، لكنها تواجه قيوداً نظراً لصغر حجمها الجغرافي، رغم امتلاكها قوة عسكرية متقدمة.

خطة إسرائيلية جديدة: إعادة روسيا إلى سوريا

في محاولة لتحقيق أهدافها، تسعى إسرائيل إلى إعادة روسيا إلى المشهد السوري.

ووفقاً لبعض التقارير، يستعد القادة الإسرائيليون لزيارة واشنطن قريباً لمطالبة إدارة ترامب بالسماح بعودة القوات الروسية إلى قواعدها السابقة في طرطوس واللاذقية.

وهذه الخطوة قد تعني أن الولايات المتحدة، التي سعت لإخراج روسيا من سوريا عبر دعم المعارضة، قد تتجه الآن لإلغاء أهم مكاسبها الاستراتيجية هناك عبر السماح لموسكو باستعادة نفوذها.

ويرى الكاتب أن السياسة الأمريكية تجاه سوريا كانت مرتبكة حتى قبل سقوط الأسد، وأن الاستجابة لمطالب إسرائيل بعودة روسيا ستكون بمثابة تدمير للإنجاز الوحيد الذي حققته واشنطن في هذه الأزمة. 

مقالات مشابهة

  • أول تعليق لجنبلاط على اعتقال أشهر رجال استخبارات حافظ الأسد والمتهم رسميا باغتيال والده قبل 48 عاما
  • شاهد| النظام السوري الجديد: يتغنى بالسلام مع الكيان الصهيوني بينما يواصل قمع الأقليات
  • مصدر بإدارة الأمن العام لـ سانا: بعد الرصد الدقيق والتحري، تمكنت قواتنا في مدينة جبلة من اعتقال اللواء المجرم إبراهيم حويجة رئيس المخابرات الجوية السابق في سوريا والمتهم بمئات الاغتيالات بعهد المجرم حافظ الأسد، منها الإشراف على اغتيال كمال بيك جنبلاط
  • استغلال للموقف الأمريكي.. روسيا تقترب من الحكومة السورية الجديدة لتعزيز نفوذها
  • بريطانيا ترفع العقوبات عن 24 كيانا سوريا
  • التهديدات التي تقلق “الكيان الصهيوني”
  • الشيباني يتعهد بتخلص سوريا من إرث الأسد الكيميائي
  • السليمانية.. صلاة التراويح عبادة وموروث اجتماعي يتجدد كل عام (صور)
  • إسرائيل تسعى لإعادة روسيا إلى سوريا
  • الفرقة الرابعة.. الإمبراطورية التي نهبت اقتصاد سوريا