العفو الدولية تحذّر الاتحاد الأوروبي من الصمت على انتهاكات حقوق الإنسان في تونس
تاريخ النشر: 25th, September 2023 GMT
قالت منظمة العفو الدولية إنه يجب على الزعماء الأوروبيين وزعماء الاتحاد الأوروبي تغيير مسارهم في التعامل مع السلطات التونسية في ملفي اللاجئين وحقوق الإنسان على وجه السرعة.
وأكدت إيف غيدي هي مديرة مكتب المؤسسات الأوروبية التابع لمنظمة العفو الدولية، في مقال لها اليوم نشرته "العفو الدولية" على صفحتها الرسمية، أن السلطات التونسية استمرت حتى بعد الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي في دفع المهاجرين إلى الحدود الليبية قسراً حيث كان الكثيرون يرزحون تحت وطأة الحاجة الملحة للمساعدات الإنسانية؛ وأفادت وسائل الإعلام العالمية بهلاك الكثيرين منهم.
وحذرت إيف غيدي هي من أن المفوضية الأوروبية التزمت بالتعاون مع السلطات التونسية لمنع اللاجئين وغيرهم من المهاجرين من الوصول إلى أوروبا، وهي تدرك تمامًا أن هذا المسلك من شأنه أن يديم الانتهاكات نفسها ـ احتجاز طالبي اللجوء واللاجئين وغيرهم من المهاجرين في أوضاع مؤذية تهدر حقوقهم، وتأجيج مشاعر العداء التي يواجهونها في تونس.
وقالت: "الأمر الذي يبعث على أشد القلق هو أن هذا الاتفاق أُبرم بدون فرض أي شروط تتعلق بحقوق الإنسان، وبلا تقييم أو رصد لآثاره على حقوق الإنسان، وبدون أي آلية لتعليق التعاون عند وقوع انتهاكات. وفي الأسبوع الماضي، أعلن أمين المظالم الأوروبي أنه طلب من المفوضية الأوروبية أن توضح كيف سوف تضمن احترام تونس لحقوق الإنسان".
وأشارت إيف غيدي هي إلى أن الاتحاد الأوروبي لم يستخلص أي دروس من تعاونه مع ليبيا، وما قدمه من دعم لقوات الأمن الليبية مما جعله متواطئًا في البنية التحتية للانتهاكات ضد المهاجرين واللاجئين، بما في ذلك التعذيب والاغتصاب والإخفاءات القسرية والقتل غير المشروع والاحتجاز التعسفي، وهي انتهاكات رأى تحقيق أجرته الأمم المتحدة مؤخرًا أنها قد ترقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية.
وأكدت العفو الدولية، أنه "ليست الاتفاقيات الرامية لوضع الناس في غير دول الاتحاد الأوروبي كفيلة بإنقاذ الأرواح، ولا هي تفلح في تقليل اعتماد الناس على طرق غير نظامية؛ بل إن المهاجرين يُضطرّون إلى أن يسلكوا طرقًا أخطر، تجنبًا لاعتراض السلطات لهم، بينما يتربح المهرِّبون من ذلك لأن اللاجئين وغيرهم من المهاجرين صاروا أكثر اعتمادًا على خدماتهم".
وأضافت: "لا تجدي مثل هذه الاتفاقيات نفعًا في حل المشكلات التي دفعت الناس للهجرة أصلًا، بحثًا عن الأمن والأمان، وسوف تتكرر هذه المشكلات باستمرار بالرغم مما يتم إبرامه من اتفاقيات".
واعتبرت أن تشديد رئيسة المفوضية الأوروبية فون در لاين على الالتزام بالاتفاقية المبرمة مع تونس في "خطتها من عشر نقاط بشأن لامبيدوزا"، مخيب للآمال.
وأكدت إيف غيدي هي أن الاتفاقية التي أبرمها الاتحاد الأوروبي مع تونس تنطوي أيضًا على خطر إضفاء الشرعية على اعتداء سعيّد على سيادة القانون، وقمعه المتصاعد للمعارضة.
وقالت: "خلال الفترة السابقة لتوقيع تلك الصفقة، ازداد صمت الزعماء الأوروبيين بينما قام الرئيس التونسي بتفكيك جميع الضوابط المؤسسية على السلطة التنفيذية تقريبًا، وأصدر مراسيم تكبل حرية التعبير وتمنح الرئيس سلطات على السلطة القضائية. وأخضعت السلطات التونسية العشرات من المنتقدين والمعارضين والمحامين والصحفيين والقضاة للتحقيق الجنائي التعسفي والتدابير المقيدة، أو زجت بهم في السجون".
وأضافت: "في الآونة الأخيرة، رفضت تونس السماح لخمسة من أعضاء البرلمان الأوروبي بدخول البلاد، كانوا يعتزمون القيام بزيارة لتونس في مهمة رسمية. وكان من بينهم النائبان ساتوري وغالر اللذان انتقدا الاتفاقية في السابق بسبب القمع في تونس. ويعتقد الكثيرون أن هذا الرفض كان ردًا انتقاميًا".
وأعربت إيف غيدي هي عن أسفها لأن "تونس التي كانت ذات يوم هي قصة النجاح الباهر في مظاهرات الربيع العربي، ومركزًا سابقًا للمدافعين عن حقوق الإنسان من شتى أنحاء شمال إفريقيا، أصبح الخوف الآن أن تسير على خطى مصر التي حوّلها رئيسها عبد الفتاح السيسي إلى سجن مفتوح، وهو يشرف على إفقار الملايين من المصريين"، مشيرة إلى أن ما يزيد الخوف هو التزام زعماء الاتحاد الأوروبي الصمت إلى حد بعيد أثناء قمعه الوحشي بينما راح السيسي يسد طرق الهجرة من مصر إلى أوروبا، مما اضطر الآلاف من المصريين للهجرة عبر طريق ليبيا المهلك بدلًا من الطرق الأخرى المسدودة.
وختمت إيف غيدي هي مقالها بالقول: "إذا كان الاتحاد الأوروبي حريصًا على ألا يصبح متواطئًا في انتهاكات حقوق الإنسان وقمعها، فلا بد أن يكون تعامله مع أي شركاء بشأن الهجرة مرهونًا بشروط صارمة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وبتقييم الآثار ورصدها. نحن بحاجة لنهج متوازن يوسِّع ممرات الهجرة الآمنة بصورة مجدية، ويركِّز على حماية الناس بدلًا من احتوائهم"، وفق تعبيرها.
وأواسط تموز (يوليو) الماضي أعلنت الرئاسة التونسية، توقيع تونس والاتحاد الأوروبي على مذكرة تفاهم حول "الشراكة الاستراتيجية والشاملة" بين الجانبين في عدة مجالات بينها تعزيز التجارة ومكافحة الهجرة غير النظامية بما يفوق ما قيمته 750 مليون يورو.
جاء ذلك، إثر لقاء في قصر قرطاج بتونس جمع الرئيس قيس سعيد مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيسي مجلس الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني والهولندي مارك روته.
وذكر بيان للرئاسة التونسية يومها أن سعيد وفون دير لاين وميلوني وروته "يشهدون حفل توقيع مذكرة التفاهم حول الشراكة الاستراتيجية والشاملة بين تونس والاتحاد الأوروبي".
وفي 11 يونيو/ حزيران الماضي، أعلنت تونس والاتحاد الأوروبي، الاتفاق على "حزمة شراكة شاملة"، يتم اعتمادها ضمن مذكرة تفاهم مشتركة، إثر زيارة للقادة الأوروبيين الثلاثة التقوا خلالها سعيد وبحثوا "العلاقات الثنائية بين الاتحاد الأوروبي وتونس وقضايا التعاون الاقتصادي والطاقة والهجرة".
وتعيش تونس، في ظل أزمة اقتصادية حادة فاقمتها تداعيات تفشي جائحة كورونا، وارتفاع تكلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية إثر الأزمة الروسية الأوكرانية وازدياد معدلات الهجرة غير النظامية عبر أراضيها.
والأسبوع الماضي رفضت السلطات التونسية دخول وفد من لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الأوروبي إلى البلاد في زيارة كانت مجدولة.
وأصدر وفد لجنة الشؤون الخارجية الأوروبية بيانا أكد فيه المنع معبرا عن إدانته الشديدة لذلك. وطالب الوفد بتوضيح رسمي مفصل عن أسباب المنع، معتبرا أن "هذا السلوك غير مسبوق منذ الثورة الديمقراطية عام 2011".
وكانت هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين أعلنت الأسبوع الماضي خلال ندوة صحفية، أن وفدا عن جميع الكتل بالبرلمان الأوروبي سيزور تونس للقاء محامين وعائلات المعتقلين.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية التونسية الاتفاقية أوروبا تونس أوروبا اتفاقية مخاوف سياسة سياسة سياسة تغطيات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المفوضیة الأوروبیة السلطات التونسیة الاتحاد الأوروبی العفو الدولیة حقوق الإنسان
إقرأ أيضاً:
قيس سعيد يرفض الانتقادات الدولية والمعارضة تعتبر تصريحاته اعترافا بالانتهاكات
تونس- تتوالى الانتقادات الدولية تجاه الأوضاع الحقوقية والسياسية في تونس، وخاصة عقب الأحكام القضائية "القاسية" الصادرة مؤخرا بحق عشرات المعارضين فيما بات يعرف بـ"قضية التآمر على أمن الدولة".
وأثارت هذه التطورات موجة ردود أفعال غاضبة من قبل الرئيس التونسي قيس سعيد، الذي ندد بما اعتبره "تدخلا سافرا في الشأن الداخلي"، في وقت ترى فيه المعارضة أن تلك التصريحات تعبّر عن ضيق الرئيس من الضغط الخارجي وتؤكد العزلة المتزايدة التي تواجهها السلطة.
وفي بيان صادر عن الرئاسة التونسية، الاثنين الماضي، اعتبر سعيد أن "التصريحات والبيانات الصادرة عن جهات أجنبية مرفوضة شكلا وتفصيلا"، مؤكدا أنها تمثل "تدخلا سافرا في الشأن الداخلي التونسي".
عزلة دوليةجاء ذلك في سياق رده على بيانات انتقادية شديدة اللهجة صدرت عن المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة فولكر تورك وعدة عواصم أوروبية، أعربوا عن قلقهم من الأحكام الصادرة بحق 37 معارضا وعدوها مسيئة للعدالة وانتهاكا لضمانات المحاكمة العادلة.
وتعقيبا على موقف سعيد، يرى رياض الشعيبي، القيادي في حركة النهضة، أن "السلطة في تونس ترفض أي صوت نقدي سواء من الداخل أو الخارج"، مشددا على أن حقوق الإنسان ليست شأنا داخليا بحتا بل قضية كونية لكون تونس عضوا في الأمم المتحدة وموقعة على اتفاقيات ومعاهدات دولية تُلزمها باحترام الحقوق والحريات.
إعلانويضيف الشعيبي للجزيرة نت، أن تونس في عهد قيس سعيد باتت تعاني من عزلة إقليمية ودولية غير مسبوقة، بعد أن كانت تحظى بعلاقات تعاون واسعة قبل 25 يوليو/تموز 2021، تاريخ إعلان الإجراءات الاستثنائية. واعتبر أن النظام الحاكم اليوم "لم يعد يملك أصدقاء أو شركاء يُبنى معهم تعاون أو ثقة".
أما بشأن الانتقادات الدولية الأخيرة، فيؤكد الشعيبي، وهو أحد المعارضين الذين حوكموا بالسجن في الطور الابتدائي وهو بحالة إطلاق سراح في قضية "التآمر على أمن الدولة"، أن المعارضة لم تسعَ إلى تدويل هذه القضية بل تمسكت بمقارعة السلطة داخليا عبر الاحتجاج السلمي، معتبرا أن الضغط الدولي ليس نتيجة تحركاتها بل بسبب السلوك الاستبدادي للسلطة والانتهاكات الحقوقية الفادحة.
ويشير إلى أن البيانات الدولية، مثل تلك الصادرة عن المفوض السامي لحقوق الإنسان، لم تلامس عمق حجم الخروقات، إذ اقتصرت على انتهاكات إجرائية ومواطنين مزدوجي الجنسية، بينما "الواقع أسوأ بكثير، فالقضية مفبركة بالكامل، والمحاكمات تفتقر للعدالة، وتستهدف إسكات كل معارض".
خطاب شعبويفي السياق نفسه، يرى هشام العجبوني، القيادي في حزب التيار الديمقراطي، أن تصريحات الرئيس سعيد تشي بـ"ضيق صدره من انتقادات المفوض السامي"، وتؤكد "تدخله غير المباشر في سير القضاء، ومنع حضور الملاحظين الدوليين جلسة المحاكمة الثالثة في قضية التآمر في 18 أبريل/نيسان الجاري".
ووفقا له، فإن سعيد يحاول مغازلة جمهوره من خلال خطابات شعبوية تروج لفكرة السيادة الوطنية، متسائلا "لو كان الرئيس جادا في اعتراضه على التدخلات، لماذا لم يتبع الإجراءات الدبلوماسية المعروفة مثل استدعاء السفراء؟ ولماذا لم يقم بتسمية الأطراف الخارجية التي قال إنها تتدخل في الشأن الداخلي؟".
ويؤكد للجزيرة نت أن تصريح سعيد عن وجود تدخل خارجي دون تسميات واضحة، يعكس ارتباكه ومحاولة للهروب إلى الأمام، واصفا إياه بأنه تصريح موجه للداخل أكثر من كونه ردا سياديا حقيقيا.
إعلانويذهب العجبوني إلى أن ما جاء في بيان المفوض السامي "ليس سوى نقطة من محيط الانتهاكات الحاصلة في تونس"، قائلا إن الرئيس سعيد سيطر على القضاء منذ 25 يوليو/تموز 2021، واستعمله لتصفية المعارضين بتهم ملفقة، وإن جلسات المحاكمة افتقرت لأدنى شروط العدالة بمنع حضور المتهمين والصحفيين والمراقبين الدوليين.
انتقادات خارجية
وكان بيان المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، قد وصف الأحكام بالسجن على 37 معارضا تونسيا بأنها "نكسة للعدالة وسيادة القانون"، مشيرا إلى "انتهاكات خطيرة شابت سير المحاكمات"، أبرزها "تجاوز مدة الإيقاف التحفظي القانونية، ومنع المحامين من الزيارات، ومحاكمة المتهمين عن بُعد، وغياب الشفافية، وحرمان المتهمين من الدفاع عن أنفسهم".
وحذر المفوض السامي من استمرار نمط القمع السياسي في تونس، مطالبا بإطلاق سراح جميع المعتقلين تعسفيا، ومراجعة القوانين المتعلقة بالأمن القومي ومكافحة الإرهاب لضمان انسجامها مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
وتشغل قضية "التآمر على أمن الدولة" الرأي العام التونسي والدولي، وسط اتهامات للسلطة بتوظيف القضاء ودفعه في الطور الابتدائي لإصدار أحكام قاسية ضد المعارضين الموقوفين منذ أكثر من عامين. ولا تأمل المعارضة أن تنفرج الأمور في طور الاستئناف القادم والذي لم يتحدد بعد.
وتأتي المحاكمة بعد تحولات سياسية كبرى منذ إعلان قيس سعيد التدابير الاستثنائية في 25 يوليو/تموز 2021، والتي شملت حل البرلمان وتعويض دستور 2014 بآخر يوسع صلاحياته، في خطوة وصفتها المعارضة بـ"الانقلاب".
ومنذ فبراير/شباط 2023، شنت قوات الأمن حملة اعتقالات واسعة طالت شخصيات معارضة بارزة، من بينهم رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي والسياسي عصام الشابي، بتهم تتعلق بالإرهاب، ما يثير تساؤلات حول توظيف القوانين الاستثنائية لتصفية الخصوم السياسيين.
إعلان