(موجز تاريخ علم النفس المعاصر)… دراسة جديدة للهيئة السورية للكتاب
تاريخ النشر: 25th, September 2023 GMT
دمشق-سانا
أصدرت الهيئة العامة السورية للكتاب دراسة جديدة ضمن سلسلة الدراسات الفكرية الفلسفية لعام 2023 بعنوان “موجز تاريخ علم النفس المعاصر”، تأليف الدكتور بدر الدين عامود.
انطلق الكتاب من ظهور الحاجات الثقافية الروحية عند الإنسان القديم لتغيير معطيات الطبيعة من حوله وتحويلها لوسائل تستخدم في النشاط الجمعي والتعرف على العالمين الداخلي والخارجي، وإيضاح حقيقة أن علم النفس رغم استقلاله كعلم قائم بذاته إلا أنه بقي مادة خلاف بين أهل الاختصاص، لكن الاختلافات بوجهات النظر جعلت من هذا العلم بنية حاضنة للخبرات المتراكمة.
وتمحور الكتاب حول رسم صورة لمسار حركة الفكر البشري، وتعريف القارئ بأهم الأفكار السيكولوجية عبر محطات المسار زمنياً بدءاً من الحضارات القديمة وصولاً لأوساط القرن التاسع عشر والتطورات التي طرأت ومكنّت روّاد علم النفس من صياغة نظرياتهم في مطلع القرن العشرين، ومدى محاولة الأجيال المتعاقبة تخفيف الثغرات ومكامن الضعف وتجاوزها من خلال تصويب بعض الأفكار وتعزيز الإيجابيات في مستجدات الحياة الفكرية ومعطيات الممارسة العملية.
وضمّ الكتاب بين دفتيه ستة أقسام احتوت على العديد من الفصول، وذلك بمتعة السرد وفائدة المحتوى، حيث يتعرف القارئ على الفكر السيكولوجي في الفلسفة بالحضارات اليونانية والرومانية، والعربية الإسلامية، والأوروبية إبان عصر النهضة، ثم ينتقل نحو مقدمات استقلال علم النفس ونشوء الظواهر النفسية وتطورها ووظائف الجملة العصبية، ويستطيع أن يدرك ميادين علم النفس بعد الاستقلالية كعلم النفس التجريبي، والنمائي والتربوي والصناعي.
وبعد ذلك يتعمق القارئ بمدارس هذا العلم ويتبحر بتياراته التي من بينها التيار السيكو ثقافي والاقتصادي والاجتماعي، ليصل بالقسمين الأخيرين من الكتاب إلى روسيا، حيث يجد ظهور علم النفس واستقلاله فيها والاتحاد السوفييتي سابقاً والنظريات التي وضعت في هذا العلم (فيغوتسكي، ليونتيف، لوريا، روبنشتين، وتيبلوف).
يذكر أن الكتاب جاء عبر 359 صفحة، واعتمد على مراجع اختصاصية غنية عربية وروسية وأجنبية، أما الدكتور بدر الدين عامود، فهو من مواليد سلمية 1944، حاصل على دكتوراه فلسفة في علم النفس، وله نشاطات علمية حافلة من بينها عضويته في مديرية البحوث في وزارة التربية السورية، وعمله في التدريس الجامعي بمرتبة أستاذ في جامعات عربية عدة في الجزائر وليبيا، وإشرافه على العديد من رسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراه، ومشاركاته في العديد من المؤتمرات المحلية والعربية والدولية، وله العديد من المساهمات الإنتاجية السابقة في تأليف بعض الكتب وترجمة بعضها الآخر للعربية، والكثير من المقالات كله في ميدان علم النفس.
الياس أبو جراب
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
كلمات دلالية: علم النفس العدید من
إقرأ أيضاً:
متواليات الضحك مع الجميع
من حُسن الحظّ، أن المآسي والمحن، والصراعات التي مرّت بها بلداننا العربيّة، لم تجعل ثقافتنا ثقيلة الدم، ففيها نجد النكتة حاضرة، مثلما نجدها في ثقافات شعوب العالم التي تتبختر بالرفاهيّة، وحتى تلك التي تعيش تحت خطّ الفقر، ومنها الجماعات الإفريقية التي نجد الابتسامة لا تفارق وجوه أفرادها، وربما جاء حضور النكتة لدى بعض الشعوب التي عانت من الويلات والحروب والنكبات من باب السخرية أو «ضحك كالبكا»، ورغم ذلك، فهو في النهاية ضحك، وفيه ترويح عن النفس الأمّارة بالحزن.
وقد حفظتْ لنا الكتب التراثية العديد من النوادر، وكنتُ كلما أشعر بالضيق ألجأ إلى كتاب» المستطرف في كلّ فن مستظرف» لشهاب الدين الأبشيهي(ت 1448م)، والمستظرف تعني الممتع والطريف، ففيه الكثير مما يبهج النفس ويروّح عنها، فقد جمع به الأبشيهي الكثير من القصص والأشعار والنكت الطريفة مازجا بين الجدّ والهزل، ولا يقف كتاب (المستطرف) بمفرده في المكتبة العربية، ففي تراثنا توجد كتب أخرى تحتوي على أخبار طريفة، ومن بينها كتاب (أخبار الحمقى والمغفّلين) لابن الجوزي، و(البخلاء) للجاحظ.
ومما أذكر، فإنّ أوّل كتاب وقعت عيني عليه، بعد أن تعلّمت القراءة والكتابة كان عنوانه (100 نكتة ونكتة)، وقد وضع الناشر تحت العنوان عبارة (اضحكْ تضحك لك الدنيا)، وجاءت صورة الغلاف على هيئة وجه ضاحك في كتاب منشور بطبعة شعبية، وورق أسمر، فالنكتة بضاعة رائجة، ولها جمهور واسع، متعطّش للضحك، والمرح، ومن هنا، فالمسارح التي تعرض مسرحيات هزلية تجد إقبالا كبيرا من الجمهور، ويضطرّ مرتادوها إلى الحجز المسبق، بينما يستهوي المسرح الجاد قلّة من المهتمّين، فهو مسرح نخبوي، يتوجّه للنخب المثقّفة، لذا انحسر هذا النوع من العروض، واقتصر على المهرجانات، وقد رمز الإغريق للكوميديا بالقناع الأبيض الضاحك، فيما رمزوا للتراجيديا بالقناع الأسود، لذا اعتاد مصمّمو الإعلانات المسرحيّة على وضع قناعين؛ الأبيض المبتسم، والأسود المتجهّم، في دلالة إلى عنصري الخير والشر، والفرح والحزن، وهما الدعامتان اللتان تقوم عليهما الدراما، فللحياة وجهان، وجه سعيد ووجه حزين ودراما الحياة فيها السعادة والحزن معا.
وفي عقود مضت كانت تصدر مجلات متخصّصة بنشر النوادر، والقصائد الساخرة، ومن أقدمها، مجلة (التنكيت والتبكيت) التي أصدرها عبدالله النديم في مصر عام 1881م، وجريدة (الكرخ) التي أصدرها الملا عبود الكرخي عام 1927 وهي جريدة هزلية، و(حبزبوز) لصاحبها نوري ثابت الصادرة عام 1931م، ومن المجلات المتخصّصة بالنكت والرسوم الكاريكاتيرية والشعر الهزلي مجلة ( الفكاهة) ويعود تاريخ صدورها إلى عام 1950 م في الكويت، وواصلت صدورها حتى عام 1985م وهناك مجلة (الفكاهة) العراقية التي كانت تصدر في الستينيات، و(المتفرّج) ومجلّات فكاهيّة أخرى.
ولكنّ الكثير من الحكايات الطريفة لم يدوّن، وبقي شفاهيّا، يروى في المجالس، فالضحك يزدهر مع الجماعة، فهو طقس جماعي، ففقدناها بفعل النسيان، وتبدّل الأحوال، ورحيل نجوم الكوميديا.
والنكتة، كما يعرّفها الباحث طالب الأحمد (النكتة في مجتمع حزين) في كتابه الصادر عن دار (السرد للطباعة والنشر) في بغداد 2024م، «سرديّة شفويّة، أو مكتوبة تقترب في الشكل من الأقصوصة، وتطرح مضمونا مثيرا للإضحاك ينطوي على رمزية لا يمكن فهمها خارج سياق الثقافة الشعبية التي تمنحها المعنى»، وهي ليست فقط للتسلية، فلها أهداف وغايات، وتعطي مؤشرا «إلى حيوية المجتمع ونباهته، وحدّة ذكائه وقدرته على الصبر وتحمل الصعاب والأهم من كل ذلك قوة إيمانه وحبه للحياة»، كما يرى الباحث (طالب الأحمد)، ولها أبعاد فكرية، فهي تحمل الكثير من المضامين، فخضعت في النقد الثقافي للتحليل أسوة بالإعلان، والفولكلور، والطقوس الشعبية، مثلما خضعت لدراسات المتخصّصين بعلم النفس، ويذكر (طالب الأحمد) في كتابه أن الدكتور قاسم حسين صالح قام بتحليل النكات من الناحية النفسية، فوجد أن النكت البذيئة «تقلُّ في شعوب البلدان المتطوّرة وتكثر في الشعوب المتخلّفة لاسيّما بين الشرائح الاجتماعية الشعبية» واعتبر أن النكتة البذيئة عنف لفظي لعدوان مكبوت ضد آخر بهدف النيل من مكانته الاعتبارية، ولهذا، فإنها تعدُّ مادة علمية لعلماء النفس والاجتماع يستطيعون الكشف من خلالها عن الأفكار والميول العدوانية لدى الطوائف والمكونات الاجتماعية.
وحين أتذكّر كتاب (100 نكتة ونكتة) أستحضر عبارة بقيت راسخة في ذهني هي «إذا أردت أن تضحك، فاضحكْ مع الناس وإذا أردتَ أن تبكي، فابكِ وحدك» ومن يومها عرفتُ أنّ الضحك حين يخرج من الفرد إلى الجماعة، يكون كفيلا بإشاعة الفرح، والبهجة في المجتمع، ويستطيع الإنسان السيطرة على الحزن عندما لا يجاهر به، فالحزن ينتشر بالعدوى، ضمن متوالية عدديّة، وكذلك الفرح، ومن يومها وأنا أضحك مع الجميع وأحزن وحدي.