تقرير: الإهمال والفساد وراء كارثة السدّين في درنة والتغيرات المناخية تهدد بكوارث مماثلة في الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 25th, September 2023 GMT
يمن مونيتور/قسم الأخبار
نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا أعده بينويه فوكون وجاريد ماسلين، قالا فيه إن كارثة السدين في مدينة درنة الليبية، يقف وراءها تاريخ طويل من النزاع والفساد. فعقود من التحذيرات التي تم تجاهلها، ويعود بعضها إلى نظام معمر القذافي، قادت إلى الكارثة، و”الإهمال هو مقدمة لكارثة عامة”.
ففي 2003، قامت مجموعة من المهندسين السويسريين بفحص سدين على طول نهر في شرق ليبيا، وتوصلوا إلى أن البنى التحتية لهما تتعرض للضغط، وأوصوا بتقوية السدين وبناء سد ثالث لتخفيف الضغط عنهما. ولم يتم العمل على ذلك، بل تم استئجار ثلاث شركات للقيام بأعمال الصيانة في الأيام الأخيرة من نظام القذافي، ولكنّها خرجت من البلد بعد الإطاحة به في 2011.
وبعد ثلاثة أعوام، انقسمت ليبيا، واختفت الأموال المخصصة لإعادة بناء السدين، وذلك بحسب التدقيقات المالية التي جرت على المشروع. وفي عام 2014، سيطر تنظيم الدولة على المنطقة، ثم جاء خليفة حفتر، أمير الحرب المدعوم من روسيا، وسيطر على درنة بعد أعوام، مما وضع السدين بعيدا عن منال أي حكومة معترف في طرابلس.
وفي 11 أيلول/ سبتمبر من هذا العام، وبعد عقدين من الإهمال، انهار السدان إثر الإعصار المتوسطي الذي ضرب الجزء الشرقي من البلاد، ودمرهما وفتح المجال أمام سيل من المياه التي ضربت مدينة درنة وجرفت معها أحياء بأكملها، وخلفت وراءها أكثر من 6000 قتيل.
وتعلق الصحيفة أن خسارة الأوراح الكارثية هي آخر مثال عن الكيفية التي يغذي فيها الفساد والعنف، الغضبَ ضد الحكومات في عموم الشرق الأوسط. وتثير أسئلة حول الكيفية التي يمكن فيها للبنى التحتية بالمنطقة تحمل ظروف مناخية قاسية كإعصار دانيال، حيث يقول الباحثون العلميون إنها تفاقمت بسبب التغيرات المناخية.
ونقلت الصحيفة عن أنس القماطي، مدير مركز الصادق بالعاصمة طرابلس قوله: “الإهمال هو مقدمة لكارثة كاملة.. لقد سئم الليبيون، ويريدون رؤية عملية شفافة تحاسب الأفراد”.
وتقول الصحيفة إن كارثة السدين تتبع سلسلة من الكوارث بالمنطقة، من انفجار مرفأ بيروت الذي دمر معظم العاصمة اللبنانية، وسلسلة من الحرائق في المستشفيات التي قتلت أعدادا من الناس في العراق. وفي سوريا أدت الحرب الأهلية المستمرة منذ أكثر من عقد، لتدمير معظم البنى التحتية. أما في تركيا، فقد أسهم عدم التزام المقاولين بمعايير البناء، لمفاقمة تداعيات زلزال 6 شباط/ فبراير.
ودقت نواقيس الخطر بشأن سلامة واستقرار مشاريع كبرى بناها مستبدون، منها سدّان على نهريْ دجلة والفرات في العراق وسوريا، والتي عانت من سنوات الصراع مع مقاتلي تنظيم الدولة.
وفي الوقت نفسه، طالبت حشود من الناس في درنة، بالعدالة والإطاحة بالقادة، بعد اتضاح حجم الكارثة والضحايا. وتجمع المتظاهرون أمام مسجد معروف في المدينة، وقامت مجموعة صغيرة بحرق منزل رئيس البلدية.
وتقول الصحيفة إن تحقيقها قام على مراجعة وثائق وتقارير من ديوان المحاسبة في الحكومة الليبية، ومقابلات مع مسؤولين ليبيين ومقاولين أجانب تم استئجارهم لإصلاح السدين، وتكشف عن سلسلة من سوء الإدارة الذي بدأ من عهد القذافي حتى اليوم.
وخلال أيام من رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة، في 2003، تلقى ميغول ستكي، مهندس السدود في لوزان- سويسرا، مكالمة من السلطة العامة للمياه لتقديم الاستشارة بشأن السدين، وذلك حسب أشخاص على معرفة بالأمر. وأوصت شركته الهندسية “ستكي” بتقوية البنى التحتية للسدين وبناء سد ثالث جديد وتنظيف الضفاف والجدران حول السدين لمنع الفيضان. وظل ستكي يقدم النصيحة لنظام القذافي، إلا أنه نجا من محاولة اعتقال في 2008 بعدما اعتقل نجل القذافي هانبيال في جنيف بتهم ضرب خدمه. واحتجت ليبيا على الاعتقال وتم اعتقال شريك ستكي ومصادرة تجارته في الإسمنت بطرابلس. وتوقف عن السفر إلى ليبيا، ولم ترد غرانر التي اشترت شركة الخدمات الهندسية التي يملكها ستكي في عام 2013 على أسئلة الصحيفة للتعليق.
ولم تسارع حكومة القذافي لتنفيذ توصيات ستكي وتم وقف العمل بشكل مستمر. وأوقف نجل القذافي، سيف الإسلام، دفعات مالية لإصلاح السدين وسط صراع على السلطة بين أبناء القذافي والحكومة الليبية في حينه، بحسب مسؤولين ليبيين، بمن فيهم محمد علي عبد الله الذي عمل في لجنة كلفت بتوحيد ديون البلاد في 2012 بعد سقوط الديكتاتور.
وورثت القيادات الليبية المتعاقبة أكثر من 10 مليارات دولار، وهو تذكير بأن محاولات القذافي لدمج البلد بالمجتمع الدولي لم يثمر منافع للناس العاديين. ويقول تيم إيتون، الزميل في تشاتام هاوس في لندن: “في ضوء المليارات التي أنفقت على التنمية في ليبيا في العقد الأول من القرن الحالي، وبعد خروج النظام من عزلته الدولية، فما الذي حصل الليبيون عليه من هذه المبالغ؟”.
لكن الوقت كان ينفد أمام سدي درنة. وفي عام 2010 تم الاتصال بالشركة الأردنية الكونكورد للإنشاءات وبناء خط أنابيب مرتبطة بالبنى وبكلفة 1.6 مليون دينار ليبي أو حوالي 327.000 دولار بناء على سعر التبادل اليوم، لكنها لم تقم بأي عمل حسب ديوان المحاسبة الليبي.
وقال مؤسس الكونكورد ومديرها التنفيذي حامد جبر، إن المشروع لم يكن على السدين وتم تأخيره بسبب خلاف مالي مع حكومة القذافي، و”لم يحدث أي تقدم منذ ذلك الوقت”. وتم استئجار شركة إيطالية لتقديم تقييم آخر وتوصلت مثل السويسرية إلى ضرورة تقوية دعامات السدين. وتم الاتصال بداية مع الشركة التركية “أرسيل إنشاءات” لإصلاح ضفاف السدين واستأنفت العمل أخيرا عام 2011. ولم تكمل سوى خُمس العمل قبل اندلاع انتفاضات الربيع العربي التي أطاحت بالديكتاتوريات بمن فيهم القذافي.
ودمر المشاغبون موقع عمل “أرسيل” عند السد، وسرقوا معداتها وأجبروها على المغادرة. وقال مروان البارودي، المشرف لدى شركة الاستشارات الإيطالية “هرب المهندسون التابعون لنا حفاظا على حياتهم”. وقال إنه عاد بعد سقوط القذافي لتدريب الليبيين للعمل على السدين “للأسف، لم يتم حل الوضع الأمني أبدا”، كما قال.
وبسبب سيطرة فرع تنظيم الدولة على درنة في عام 2014 ومحاصرتها من قوات حفتر بدعم من مرتزقة فاغنر ثم السيطرة على المدينة، جعل من درنة وسدّيها بعيدا عن منال الحكومة في طرابلس. وقال ديوان المحاسبة إن حصار حفتر للمنشآت النفطية، حرم الحكومة من الأموال اللازمة لصيانة السدين.
وكانت هناك نافذة لإصلاحهما في 2021 بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في أعقاب فشل حفتر بالسيطرة على طرابلس، ولم يحدث شيء. وبحسب مسؤولين ليبيين، فقد كانت سلطة المياه الليبية هي التي ستشرف على المشروع، إلا أن الخلاف بين الوزير ونائبه، زعيم ميليشيا أفشل العملية، وقام النائب بوضع مقاتليه لمنع الدخول إلى مكتب الوزير.
وحتى لو توفر المال، فلم يكن مؤكدا أنها ستنفق على إصلاح السدين. وفي نسخة من ميزانية الحكومة لعام 2022، فلم يتم تخصيص أي شيء لمشاريع سلطة المياه. وبعد أشهر انهارت حكومة الوحدة الوطنية وترك السدان ليواجها العاصفة.
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: السدين المناخ درنة فی عام
إقرأ أيضاً:
مشروع تقسيم “سوريا”
يمانيون../
شكل الانتداب الفرنسي نموذجاً تاريخياً لتقسيم سوريا على أسس طائفية وإثنية بكونه أول تطبيق فعلي لمشروع “الشرق الأوسط الجديد” في نسخته القديمة “اتفاقية سايكس بيكو”. التحديات الحالية التي تمر بها سوريا تعيد إلى الأذهان هذا النموذج، وإمكانية العودة له مع تعديلات معينة في سياق المشروع الأمريكي الإسرائيلي الجديد للتقسيم.
عاد الحديث مجدداً عن “الشرق الأوسط الجديد” منذ بداية طوفان الأقصى على لسان نتنياهو، إذ وجد الكيان الصهيوني في حدث طوفان الأقصى مبرراً لإطلاق العنان لهذا المشروع التدميري، وحشد الدعم الأمريكي والغربي الأوربي له.
سوريا بتعددها العرقي والديني والطائفي هي بيئة ملائمة لإعادة إطلاق هذا المشروع، ومن ثم توسيعه ليشمل دولاً أُخرى بما يتناسب مع الواقع المحلي لكل دولة؛ فمع إنهيار نظام بشار الأسد في سوريا، هناك مساع جدية لإعادة تشكيل “الشرق الأوسط”.
التقسيم الفرنسي لسوريا إبان الانتداب
شهدت سوريا عقب إعلان قيام المملكة العربية السورية عام 1920م تطورات سياسية وعسكرية أفضت إلى تقويض السيادة السورية لصالح الانتداب الفرنسي. بعد معركة ميسلون واستشهاد وزير الحربية يوسف العظمة، فرضت فرنسا سيطرتها على سوريا وأقرت سلسلة من المراسيم لتقسيمها إلى كيانات طائفية وإثنية مستقلة، كان أبرزها:
دولة دمشق (1920-1925): تضم دمشق وحمص وحماة وأجزاء من وادي العاصي، لكنها فقدت أقضيتها الساحلية (بيروت وطرابلس وصيدا والبقاع) لصالح دولة لبنان الكبير.
دولة حلب (1920-1925): شملت مناطق الشمال السوري وشرق الفرات، واحتوت على تنوع إثني من عرب وأرمن وكرد ومسيحيين.
دولة العلويين (1920-1936): مركزها اللاذقية، وضمّت مناطق العلويين والإسماعيليين.
دولة جبل الدروز (1921-1936): شملت السويداء ذات الأغلبية الدرزية.
دولة لبنان الكبير (1920-1926): تأسست كياناً مستقلاً يضم المناطق ذات الأغلبية المسيحية وبعض المناطق السنية.
لواء الإسكندرون: أُُعلِن أنه منطقة مستقلة لاحقاً، وأُلحق بتركيا في 1939م وهو أرض تاريخية سورية.
اعتمدت فرنسا في هذا التقسيم على مبدأ “فرِّق تسد” الذي طبقه الانجليز، مبررة بأن سوريا غير قابلة للحكم الموحد بسبب تنوعها الطائفي والإثني، ما أسهم في تعميق الانقسامات الداخلية وتهيئة الأرضية لصراعات مستقبلية، ورغم أن لبنان جزء صغير من سوريا فقد قامت فرنسا بتشكيل نظام سياسي لبناني على أسس طائفية ودينية.
احتمالات تقسيم سوريا في سياق مشروع
“الشرق الأوسط الجديد”
في ظل الحرب الدائرة في سوريا عقب الاحتجاجات الشعبية المستمرة عام 2011م حتى دخول الجماعات المسلحة دمشق وسقوط النظام السوري ديسمبر 2024م بِيَدِ الجمعات المسلحة المتطرفة، ظهرت مخاوف جدية بشأن احتمالات تقسيم سوريا ليكون ذلك جزءاً من مشروع “الشرق الأوسط الجديد” الذي يهدف إلى إعادة رسم الحدود وفقاً لتوازنات طائفية وإثنية تخدم مصالح الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني قبل أي دولة أخرى.
التقسيم الفعلي لسوريا إلى دول مستقلة سيؤدي إلى مزيد من الصراعات والتوترات في المنطقة، خاصة مع وجود مصالح دولية وإقليمية متضاربة، بالإضافة إلى ذلك، فإن التركيبة السكانية المتنوعة في سوريا تجعل من الصعب رسم حدود واضحة بين الطوائف والعرقيات المختلفة، وبينما يمكن تصور تقسيم سوريا نظرياً، فإن تطبيقه على أرض الواقع يواجه تحديات كبيرة، لكنه يظل ممكناً.
العوامل الداعمة لاحتمال التقسيم في الوقت الراهن هي السيطرة التركية على الشمال السوري، والتوسع الصهيوني نحو القنيطرة، ومساعي الصهاينة إقامةَ دولة درزية، ووجود القوات الأمريكية وحلفائها شرق الفرات، الذي يدعم الإدارة الذاتية الكردية، وبقاء القاعدة العسكرية الروسية في الساحل السوري. كما أن من شأن ممارسات الجماعات المتطرفة -بنزعتها الإرهابية- أن تخلق أزمة طائفية وتعزز العصبيات الدينية والعرقية والمذهبية، فقد ظهرت في الأيام الأخيرة مضايقات للمسيحيين واعتداء على قبورهم، ومحاولة اقتحام مقام السيدة زينب، ومداهمات منازل العلويين والمسيحين. وإن كانت هذه الممارسات حتى الآن ليست على نطاق واسع إلا أن الاستمرار فيها سوف يدفع مشروع التقسيم قُدماً.
فإذا ما اختفت الدولة الوطنية المركزية -التي تضمن مصالح الجميع- سوف تعود المجتمعات المحلية إلى الهويات الخاصة تتعصب حولها لحماية نفسها.
قد يتم التوصل إلى حدود الدويلات عبر المفاوضات بين الفصائل المختلفة الممثلة للعرقيات والطوائف والمذاهب لتحديد الحدود وتقاسم الموارد، ومن المحتمل أن تستمر الصراعات لفترة طويلة حتى يتم التوصل إلى اتفاق نهائي.
وسيترتب على تقسيمٍ كهذا صراعاتٌ جديدة بين هذه الكيانات على الحدود والموارد، وستظل القوى الإقليمية والدولية حاضرة في الساحة السورية لضمان مصالحها. التقسيم هذا سيعني نسف الهوية الوطنية السورية والدولة السورية المستقلة، التي برزت إلى الوجود عقب رحيل المستعمر الفرنسي في العام 1947م.
خارطة سوريا الجديدة
افتراض وقوع حرب أهلية طويلة الأمد في سوريا مدعومة بتدخلات خارجية قد يؤدي في نهاية المطاف إلى إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية والديمغرافية، حيث يمكن أن تظهر عدة كيانات أو دول جديدة تستند إلى التوازنات الطائفية، والعرقية، والسياسية. بناءً على الوضع الحالي والتوترات المعروفة. يمكن تخيل سيناريوهات التقسيم على النحو الآتي:
دولة علوية في الساحل:
تشمل مناطق الساحل السوري (اللاذقية وطرطوس) وتمتد إلى أجزاء من حمص وحماة، غالبية سكانها علويون، وقد تستفيد من الدعم الروسي أو الإيراني لحمايتها بكونها كياناً منفصلاً.
دولة كردية شمال شرق سوريا:
تمتد على المناطق ذات الغالبية الكردية، مثل الحسكة والقامشلي، وصولاً إلى الحدود العراقية والتركية. تتمتع بدعم غربي، خاصة من الولايات المتحدة، على غرار إقليم كردستان العراق.
دولة سنّية في الشمال والوسط:
تشمل المناطق ذات الأغلبية السنية مثل حلب وإدلب وجزء من دير الزور والرقة، وقد تكون مدعومة من تركيا وبعض الدول الخليجية، مع نفوذ قوي للفصائل الإسلامية المتطرفة.
دولة درزية جنوب سوريا:
تتركز في السويداء وجزء من ريف درعا، تتمتع بتوازن عرقي وديني معتمد على حماية خارجية من “إسرائيل”.
دمشق وريفها قد تكون منطقة حكم خاص أو عاصمة رمزية، تخضع لسيطرة جهة دولية أو قوة محلية متعددة الأطراف للحفاظ على أهميتها الدينية والتاريخية.
موقع أنصار الله – أنس القاضي