لا توجد منطقةٌ وسطى
تاريخ النشر: 25th, September 2023 GMT
د. صالح الفهدي
رفضتْ الخارطة بحجّة أن لا حلّ لنقطةٍ محدّدة، استسهل المهندس المشرف رفضها دون أن يلتقي بصاحبِ المصلحة فيناقش معه الحلول الوسطى فيها لكي يتم اعتمادها، فكان الرفض هو الأفضل عن "صداع الرأس"، لكن صاحب المصلحة حين نظر إلى الخارطة وجد لها حلّا فأشار للمهندس المشرف به، فقبِل به، وتم اعتماد الخارطة! هنا تساءل صاحب المصلحة في نفسه: ألم يكن المهندس المشرف قادرًا على مناقشتي والوصول إلى الحل الذي وصلت إليه وحدي؟ ألم يكن المهندس المشرف قادرًا- لو أنه أمعن النظر في الخارطة- برؤية الحلِّ الذي رأيته وأنا لست متخصصًا في الأمور الهندسية؟
في جهةٍ أخرى يقف مستثمرٌ على رأس موظف لينهي إجراءات استثماره، لكن الموظف يأبى القيام بذلك بحجّة أن "النظام معطّل"، يلحّ عليه المستثمر: طيب، خذ الأوراق وانهِ الإجراءات، فأنا على أهبةِ سفر، غير أنه لا يجد سوى جوابٍ واحدٍ أبتر من الموظف: "هذا نظامنا إذا عاجبنّك أهلا وسهلًا وإذا ما عاجبنك مع السلامة".
مرة أخرى لا توجد منطقة وسطى. إِذن ما السبب؟!
السبب في نظري هو أن عقليات البعض قد برمجت بين لونين هما: الأسود والأبيض ليس بينهما لونٌ آخر!، ولو أن هذه العقليات قد أمعنت الفكر لتوصّلت إلى أن الأبيض ليس لونًا واحدًا وإنّما يتدرّج في عدّة ألوان كلّها أبيض، والأسود كذلك، إذن هناك متّسع للمناورة حتى في اللونين: الأبيضِ والأسود.
لقد سار هؤلاءِ -ظاهريًا- على سياق ما قاله أبوفراس الحمداني:
ونحن أناسٌ لا توسّط عِندنا // لنا الصدر دون العالمين أوِ القبر
لكنه الشاعر قاله في سياق الإعتداد بالنفس، والشجاعةِ، والنخوة، ولم يقله في سياق خدمة الناس، وتسهيل مصالحهم، والتيسير عليهم!
في المقابلِ وعلى عكسِ المثالين السابقين، تنظر جهة ثالثة بفكرٍ مرنٍ إلى "المنطقة الوسطى" وتبحث مع صاحب المصلحة الذي يطلب ترخيصًا للمضي قدمًا في مشروعه الذي يخشى عليه من التعطّل والتأخر، ومع أنّ لديها ملاحظات عليه، إلا أنها تمنحه "ترخيصًا مؤقتًا" ومهلةً معيّنة ليعالج الملاحظات.
نقف هنا بين أكثرية تعمل وفق منطق "لا يوجد حل وسط" وبين أقلية تعمل وفق منطق "هناك دائمًا حل وسط" ونجد أنّ الأولى لم تسع في الأصل للبحث عن الحلِّ الوسط، لأنها لا تريد ذلك، بل تريد إعاقة مصالح الناس، ولا تريد إشغال نفسها وإجهادها في البحث عن المنطقة الوسطى التي يقع فيها الحل لأن ذلك يعني أنها ستبذل وقتًا أكثر، وتتحمّل مسؤولية إزاء ذلك، لهذا فإنها تؤثر منطق "الأبيض أو الأسود" ولا حلّ غيرهما. يقال "إذا خلصت النيّة وضح الطريق" ما يعني أنه لو كانت نيتها خالصة لخدمة مصالح الناس، ومساعدتهم لوجدت الطريق واضحًا كما وجدت الجهة الأخرى التي منحت الترخيص المؤقت مع وجود الملاحظات.
النيّة الخالصة هي الوسيلة التي تخرج "الحل الوسط"، وهذا ما يؤكد القرآن الكريم في سورة النساء (الآية 35) في قول الحق سبحانه وتعالى "وإِنْ خِفْتمْ شِقاق بيْنِهِما فابْعثوا حكمًا مِّنْ أهْلِهِ وحكمًا مِّنْ أهْلِها إِن يرِيدا إِصْلاحًا يوفِّقِ اللّه بيْنهما ۗ إِنّ اللّه كان علِيمًا خبِيرًا" إذ نرى تجلِّى النيّة الخالصة للبحث عن حل وسط في "إِن يرِيدا إِصْلاحًا" أي الحكمين، يصلان حينها إلى الحل الوسط "يوفِّقِ اللّه بيْنهما".
الحل الوسط هو إحدى المشكلات التي يعاني منها المتعاملون مع بعض الجهات الخدمية، فهي تؤثر الرفض على الحل الوسط الذي فيه سعة ورخصة، وهنا نتساءل: إذا كان الله قد أعطى لعباده السعة في العبادة، فكيف لا يعطي العباد لبعضهم البعض السعة في المعاملات؟!
في نظري يعود الأمر إلى عدّة أمور: دينية، وأخلاقية، ووظيفية. فالدينية منها أن الموظف لا يعي أن "الدين المعاملة" فيقصره على الصلوات، ولا يعي ما قاله نبيه الأكرم عليه أفضل الصلاة والسلام:"إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا فليتقنه" وأن راتبه الذي يتقاضاه لا يحلّ إلا بالإِخلاص لوجب عليه أن يجتهد في تقديم الحل الوسط بدلًا عن الرفض لأية معاملة. أما الاجتماعية فإنه لو شعر بأن طالب المصلحة إنما هو فردٌ من أسرة المجتمع الذي ينتمي إليه فإنه سيشعر بمعاناة الرفض والمماطلة والتسويف التي سبّبها له، والمسلمون كما قال نبينا الأكرم عليه السلام كالجسد الواحد إذ اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". أما الوظيفية: فإنه وجد في وظيفته لخدمة الناس، والخدمة تقتضي العمل بكل وسيلة للتيسير على مصالحهم، ودفع جهودها قدمًا وليس إعاقتها. كما أنه لو تمت مراقبته ومساءلته ومحاسبته لما قدّم الرفض على الحل الوسط في أكثر المصالح التي تقع بين يديه.
العقليات الجامدة التي لا ترى الحل الوسط في قضاء مصالح الناس إنّما هي عقليات معطِّلة للنمو والتقدم في الوطن، وهذه لا يمكن لأي وطن الاعتماد عليها في حركته لأنها تعيده إلى الخلف ألف خطوةِ كلّما تقدم خطوة!، أما العقليات التي تبحث دائمًا عن الحل الوسط الذي يصبّ في مصلحة الوطن فهي الأنسب والأصلح لنماء الوطن.
رابط مختصر
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
رئيس مصلحة الضرائب تكشف الأهداف الأساسية لمبادرة التسهيلات الضريبية
قالت رشا عبد العال رئيس مصلحة الضرائب المصرية، إن مبادرة التسهيلات الضريبية التي أطلقتها المصلحة مؤخرًا تأتي في إطار حرص الدولة على دعم الاقتصاد الرسمي وتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة على الانضمام إليها ومن ثم الاستفادة من بنودها، مؤكدة دعم وزير المالية ومتابعته المستمرة لتطبيق بنود التسهيلات على أرض الواقع للوصول لأفضل النتائج.
وأشارت "عبد العال" إلى أن هذه الحزمة تشمل العديد من الامتيازات منها نظامًا ضريبيًا مبسطًا يراعي طبيعة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ويقلل من الأعباء الإدارية والمالية عنها، بما يحقق سهولة الالتزام الضريبي ويخلق بيئة مشجعة للاستثمار والنمو.
من جانبه، أوضح "محمد كشك معاون رئيس المصلحة ورئيس وحدة دعم المستثمرين" أن النظام المبسط يستهدف المشروعات التي لا يتجاوز حجم أعمالها السنوي 20 مليون جنيه، ويعتمد على نسب ضريبية بسيطة حسب حجم الأعمال السنوي، على النحو التالي:
0.4% للمشروعات التي يقل حجم أعمالها عن 500 ألف جنيه.
0.5% للمشروعات التي يقل حجم أعمالها عن 2 مليون جنيه.
0.75% للمشروعات التي يقل حجم أعمالها عن 3 ملايين جنيه.
1% للمشروعات التي يقل حجم أعمالها عن 10 ملايين جنيه.
1.5% للمشروعات التي يتراوح حجم أعمالها بين 10 و20 مليون جنيه.
وأكد "كشك" أن هذا النظام يمنح إعفاءات ضريبية هامة، منها الإعفاء من ضريبة الدمغة ورسوم تنمية الموارد، ورسوم التوثيق لعقود تأسيس الشركات والتسهيلات الائتمانية، بما يعزز اندماج هذه المشروعات في الاقتصاد الرسمي، مشيرًا خلال اللقاء إلى حرص المصلحة على تقديم كافة سبل الدعم الفني لأعضاء الجمعيات التابعة لاتحادات المشروعات المتوسطة والصغيرة من خلال عقد العديد من اللقاءات وتنظيم ندوات توعية بفوائد الانضمام للمبادرة، وكذلك سعيها الدائم لتوحيد الصف والهدف بينها وبين مجتمع الأعمال من خلال نشر الوعي الضريبي الصحيح لمبادر التسهيلات الضريبية وكل ما يخص الشأن الضريبي، موضحًا أهمية التعاون المشترك بين المصلحة والجمعيات لتحقيق ذلك.
وفي ذات السياق، أوضح "الدكتور صفوت حسن" مدير عام المكتب الفني لرئيس مصلحة الضرائب المصرية، أن النظام المبسط يعفي الممولين من إمساك الدفاتر المحاسبية التقليدية، حيث يُسمح باستخدام نظم محاسبية مبسطة وكذلك تقديم إقرارات ضريبية مبسطة وفقًا للنماذج المعتمدة من المصلحة.
كما أشار إلى أهمية التزام المشروعات بالمنظومات الضريبية الإلكترونية مثل منظومة الفاتورة الإلكترونية والإيصال الإلكتروني، مؤكدًا أن المصلحة تقدم كامل الدعم الفني اللازم للانضمام لهذه المنظومات دون تحميل الممول أي أعباء مالية إضافية.
ومن جانبه، أشاد "المهندس علاء السقطي رئيس اتحاد مستثمري المشروعات الصغيرة والمتوسطة" بحزمة التسهيلات الضريبية الجديدة، معتبرًا إياها خطوة إيجابية نحو تمكين المشروعات الصغيرة والمتوسطة من تحقيق النمو والازدهار ضمن إطار رسمي منظم، مؤكدًا أن التعاون القائم بين مصلحة الضرائب واتحاد مستثمري المشروعات يعكس حرص الدولة على دعم هذا القطاع الحيوي من خلال سياسات ضريبية مرنة وعادلة وتلبي طموحات المستثمرين، كما أكد أن هذه التسهيلات تُحسن من تصنيف مصر الاقتصادي في الخارج مما يعزز من مواطن جذب المستثمرين خارجيًا وداخليًا، مشيرا إلى أن الاتحاد يعمل على حث أعضاؤه للانضمام للمبادرة، وكذلك يسعى لزيادة أعداد المستفيدين بها واستثمارهم كنواه جاذبه لكافة أصحاب المشروعات المتوسطة والصغيرة للانضمام للنظام المبسط.
وأضاف "مصطفى أبو حديد، رئيس مجلس إدارة الاتحاد النوعي لجمعيات التنمية الاقتصادية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة" أنه في ظل المبادرات الأخيرة التي تقدمها مصلحة الضرائب، نحن كاتحاد جمعيات تنمية اقتصادية نفخر بالدور الكبير الذي تقوم به المصلحة من أجل تغيير فكر الممولين، قائلًا: "نحن نؤمن بأهمية التسهيلات الضريبية التي تقدمها المصلحة، ومدى تأثيرها الواضح في دعم المشروعات المتوسطة والصغيرة في كافة محافظات مصر"، مؤكدًا على التزامهم الكامل بالعمل جنبًا إلى جنب مع مصلحة الضرائب، وحرصهم على التواصل المستمر مع أصحاب المشروعات لنشر الوعي ببنود مبادرة التسهيلات وتقديم الدعم اللازم ليستفيدوا بأقصى قدر ممكن من خدماتها من خلال قنواتنا المتعددة.