جريدة الوطن:
2024-07-04@10:39:47 GMT

صداعك النصفي

تاريخ النشر: 25th, September 2023 GMT

صداعك النصفي

معظمنا يعي المفهوم والوصف السريري للصداع النِّصفي، والذي هو عبارة عن صداع نابض شديد، وغثيان، وقيء، وحساسيَّة للضوء والضوضاء، تستمرُّ لساعات أو أيَّام. وربَّما هنا أشرحها بصورة أكمل وأكثر صدقًا وأنا أتصور حالة المريض وهو يعَبِّر قائلًا بأنَّها: شعور شديد ونابض بالانزعاج بَيْنَما يزداد الألم حَوْلَ عَيْني.

وأتخيَّل هنا ألَمَه وهو متألِّم في سريره، بل ومندفع إلى المرحاض ـ أكرمكم الله ـ لِتقيُّؤٍ ما في أحشائه، مع ذلك التذمُّر والضِّيق ويدُه محشورة بجانب جمجمته، يتوسَّل من أجْلِ الراحة واختفاء ألَمِه!
ولعلَّ هذه الحالة البائسة بالنسبة لبعض الأفراد، وأغلبهم من النساء، شدَّتها تختلف من شخص لآخر، بحيث تسبق بداية الصداع النِّصفي، مرحلة قصيرة العمر يُمكِن أن تشملَ البقع العمياء، والوخز والتخدر، ومشاكل اللُّغة ونطقها (بلا شك يُمكِن أن تشبهَ هذه أعراض السَّكتة الدماغيَّة، ويجِبُ عَلَيْك طلب الرعاية الطبيَّة الفوريَّة إذا كنتَ تعاني مِنْها وليس لدَيْك تاريخ من الصداع النِّصفي). الأهم من ذلك، يعاني العديد من المرحلة النهائيَّة المعروفة باسم مخلَّفات الصداع النِّصفي: والتي تتكوَّنُ من التعب، وصعوبة التركيز، والدوخة بعد مرور أسوأ الألَم.
بطبيعة الحال تتوافر الآن المزيد من العلاجات أكثر من أيِّ وقت مضى ـ على الرغم من عدم وجود علاج نهائي يشفي من هذا المرض حتَّى الآن. ومع ذلك ما زالت الدِّراسات الطبيَّة مستمرَّة عن أسباب الصداع النِّصفي. حيث بدأت تتغير الأمور في التسعينيَّات، عِنْدما أصبحت أدوية مِثل: التريبتان، وهي فئة جديدة من الأدوية المصنوعة خصيصًا لعلاج الصداع النِّصفي، متاحة. كانت أدوية التريبتان في كثير من الأحيان أكثر فعاليَّة وأسرع في تخفيف آلام الصداع النِّصفي من الأدوية السَّابقة، على الرغم من أنَّ التأثيرات لَمْ تستمر لفترة طويلة. وفي الوقت نَفْسِه، كشفت الدِّراسات الجينيَّة أنَّ الصداع النِّصفي غالبًا ما يكُونُ وراثيًّا.
طبعًا هنا، سمحت تكنولوجيا تصوير الدماغ الجديدة للباحثين بمراقبة الصداع النِّصفي في الوقت الذي تحدث فيه. وأظهرت أنَّه على الرغم من أنَّ الأوعية الدمويَّة يُمكِن أن تلتهبَ أثناء النوبة وتُسهم في الألَم، إلَّا أنَّ الصداع النِّصفي ليس اضطرابًا في الأوعية الدمويَّة بشكلٍ فعلي. ما أقصده تحديدًا هنا، بأنَّ هذه الفوضى تأتي من داخل الجهاز العصبي أصلًا: وربَّما أفضل فهم للعلماء هو أنَّ العصب ثلاثي التوائم، الذي يوفِّر الإحساس في الوَجْه، يتمُّ تحفيزه، ممَّا يحفِّز الخلايا في الدماغ على إطلاق الناقلات العصبيَّة التي تنتج آلام الصداع. مع ذلك ـ وللأسف ـ فكيفيَّة اضطراب العصب بالضبط لا تزال غير واضحة!
لذلك لا يزال الباحثون ـ حتَّى يومنا هذا ـ يُحرزون تقدُّمًا في تحديد مسبِّبات الصداع النِّصفي. وبشكلٍ ما هنالك محفِّزات شائعة، كتخطِّي وجبات الطعام، والحصول على القليل من النَّوم، أو الحصول على الكثير من النَّوم، والإجهاد، والتغيُّرات الهرمونيَّة للمرأة. بلا شك يعاني غالبيَّة المصابِين بالصداع النِّصفي ممَّا يُسمَّى بالمرحلة الأوَّليَّة، والتي يُمكِن أن تستمرَّ لعدَّة ساعات أو أيَّام قَبل أن يبدأَ ألَمُ الصداع، ولها مجموعة من الأعراض الخاصَّة بها، بما في ذلك الرغبة الشديدة في تناول الطعام. وهنا غالبًا ما يُنصح مرضى الصداع النِّصفي وفي كثير من الأحيان بالابتعاد عن الشوكولاتة. ولعلِّي ـ إنْ لَمْ أبالغ ـ أقول لأولئك المرضى إذا كنتُم تشتهون قطعة شوكولاتة، فقَدْ يكُونُ الصداع النِّصفي قادمًا بالفعل، سواء تناولتموها أم لا! ما أعنيه أنَّه عِنْدما تُصاب بالصداع، فإنَّك تلوم الشوكولاتة، على الرغم من أنَّ الصداع النِّصفي جعلك تأكل الشوكولاتة…أوَلَيْس كذلك؟
وهنا ـ وللأسف الشديد ـ يعتمد العديد من المصابِين بالصداع النِّصفي على مُسكِّنات الألَم المتاحة دُونَ وصفة طبيَّة. مع العِلم أنَّ الأدوية التي لا تستلزم وصفة طبيَّة يُمكِن أن تسبِّبَ المزيد من هجمات تلكم الأعراض إذا أفرطت في استخدامها. بل حقيقة المشكلة التي لاحظتها مع بعض النَّاس أنَّهم يتدبَّرون أمْرَهم بالعلاجات المنزليَّة، حتَّى وصلَ الأمْرُ لتفاقُم مفاهيم خاطئة محيطة بالصداع النِّصفي، بالإضافة إلى كونه غير مرئي. فمثلًا مقارنة بالصرع، وهو اضطراب عصبي ذو مظهر جسدي، ينظر إلى الأشخاص الذين يعانون من الصداع النِّصفي المزمن على أنَّهم أقلُّ جدارة بالثِّقة، وأقلُّ احتمالًا لبذل قصارى جهدهم، وأكثر عرضة للتمارض. وبشكلٍ مؤسفٍ، وربَّما كنتيجة لذلك، يشعر الكثيرون من هؤلاء المرضى بالضغط النَّفْسي من أجْلِ اجتياز هذه المُشْكلة.
ختامًا، لا شكَّ أنَّه هنالك مسبِّبات محفِّزة لهذا الصداع، ولكن أيضًا هنالك علاجات مختلفة يحاول من خلالها تقليل تلك الأعراض القاسية على المريض، لا سِيَّما مع تطوُّر وظهور العلاج السلوكي وتقنيَّات الاسترخاء المصمَّمة خصيصًا للصداع النِّصفي، إضافة إلى الأجهزة التي يُمكِن ارتداؤها والمصمَّمة للحدِّ من الصداع النِّصفي عن طريق تقديم تحفيز كهربائي خفيف ـ على سبيل المثال ـ والتي قَدْ تكُونُ مفيدةً كجزء من خطَّة علاج أكبر مستقبلًا!

د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
dryusufalmulla@gmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: على الرغم من ة التی

إقرأ أيضاً:

الحارات القديمة في مطرح

 

 

أنور الخنجري

 

تُعد الحارات والبيوت والأسوار القديمة في مدينة مطرح إرثًا تاريخيًا يحكي ماضي الآباء والأجداد الذين كافحوا من أجل بنائها حجرًا على حجر، إنها إرث تاريخي ومعنوي له مكانة خاصة في قلوب من سكنها أو زارها أو ارتبط بها بطريقة ما، خاصة تلك الأجيال التي تشدها العاطفة والحنين إلى مرتع الصبا وموضع النشأة والولادة، لهم فيها ذكريات لا تُمحى مهما تقلب الزمن وابتعدت المسافات.

تراهم يقودهم الشوق دون عناء إلى تلك البيوت والأزقة التي صغرت مساحة عندما كانوا يرونها وهم صغارا، لكنها بقيت كبيرة في وجدانهم وستبقى مترسخة في ذاكرتهم إلى ما لا نهاية. وهذا ليس هو بيت القصيد، وإنما السؤال هو إلى متى ستبقى هذه الحارات والبيوت القديمة تئن من جور الزمن وتكافح عوامل التعرية في ظل الإهمال الحاصل لها من قبل أصحابها؟ وكذلك من قبل الجهات المعنية في الحكومة التي لم تعمل بجد لانتشالها من براثن الوضع المزري الذي تعيشه الآن؟

ألم يحن الوقت للتفكير فيما إذا استمر الوضع على هذا الحال! هل سيظل هذا الإرث صامدا في وجه الحداثة والتغييرات المتسارعة لمحو كل ما هو قيّم وقديم؟ حتمًا سنصل إلى فقدان ذلك إذا ما بقيت الأفواه مكممة والعقول جامدة وجاحدة والقرار صائما عن كل ما هو جميل ومثرٍ يخدم البلاد والعباد. دول كثيرة استغلت مثل هذه الحارات والبيوت القديمة وأقامت فيها مناشط تجارية وسياحية نموذجية حققت من خلالها صيتا عالميا وموارد مالية لا يستهان بها، كما قامت بعض الدول بمحاكاة الحارات والبيوت القديمة والأسواق التقليدية وخلقت منها منتجعات ونزل ومقاه ومطاعم وغيرها من المناشط التجارية والاقتصادية بنفس الشكل والتصميم الذي تمتاز به أحيائنا ومدننا العمانية، بينما نحن لدينا هذه الكنوز ولا تحتاج إلا لبعض لمسات التأهيل والترميم فقط وبعض الإضافات لتكون مصدر جذب سياحي واقتصادي كبير، خاصة ونحن نتكلم عن مدينة مطرح القديمة، أبرز مقصد للسياحة الداخلية والخارجية في السلطنة.

وإذا ما تضافرت الجهود الحكومية والأهلية في هذا الشأن فيمكن أن نستلهم عدة طرق ووسائل نعمل من خلالها على تحقيق هذا الحلم على أرض الواقع وننقل هذه الحارات والبيوت من حالة الركود التي هي عليها إلى مواقع جذب سياحية تستوعب أعدادا لا يستهان بها من الأيدي العاملة الوطنية.

فلنتخيل لو تحولت هذه البيوت القديمة في مدينة مطرح، ومثلها تلك الواقعة في مدينة مسقط القديمة، إلى نزل ومطاعم ومقاه ومسارح ومحلات أو نصبت في ساحاتها عربات موحدة الشكل والتصميم لبيع التذكارات البسيطة والمأكولات العمانية الخفيفة التي يحب السياح اقتناءها أو تجربتها أو أن تكون الأزقة نظيفة مرتبة وملونة جدرانها برسومات مبتكرة تبدع فيها أنامل الفنانين العمانيين، لأخرجنا من هذه الحارات تحفاً فنية ومتاحف مفتوحة في الهواء الطلق يستمتع بزيارتها كل من يزور بلادنا الحبيبة.

ومن أجل تحقيق غاية الاستفادة من هذه الحارات والبيوت القديمة فيجب أولا أن تكون هناك جدية لدى الجهات المعنية في الدولة بمنح التصاريح اللازمة دون تلكؤ أو تعقيد، ولتسهيل ذلك يمكن الاستعانة بالمخططات التي وضعت لتطوير مدينة مطرح أو تلك التي قامت بها إحدى الشركات الاستشارية لتطوير حارة الشمال مثلاً بحيث تمنح تصاريح البناء والصيانة وفقاً للتصميمات والأشكال التي حددتها هذه المخططات، وبحيث لا تكون هناك تجاوزات تؤثر على النمط التقليدي العام المرسوم للحارة والبيوت التي تحتويها، مع إجراء بعض التحسينات في البنية الأساسية. إن القرار الحكومي هنا يعد من الأولويات الضرورية إذا ما أردنا فعلا المضي قدما نحو تحقيق هذه الغاية.

وبما يتعلق بالأهالي ملاك هذه البيوت وأغلبهم من الطبقة المتوسطة فإنه من الصعوبة بمكان أن يقوموا فرادا بتأهيل بيوتهم واغلبها أصبحت إرثا من تركات الوالدين أو الأجداد، وللتغلب على هذه الإشكالية فأننا نرى أن يتفق أصحاب هذه الأملاك على تأسيس شركات أهلية يدخلون فيها كشركاء مقابل أسهم معينة تقدر بقيمة ما يملكونه من عقار ومع بعض الدعم من هيئة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة و بنك التنمية العماني أو البنوك التجارية في شكل قروض ميسرة فيمكن التغلب على هذه الإشكالية.

هناك أيضا إمكانية دخول القطاع الخاص كمستثمر في مثل هذه المشاريع المربحة من خلال نظام حق الانتفاع أو الشراكة مع أصحاب هذه العقارات أو حتى من خلال الشراء المباشر شريطة أن يكون الغرض من الشراء للغاية نفسها وليس من أجل بناء العمارات وتأجيرها للعمالة الوافدة كما هو حاصل الآن؛ الأمر الذي أدى إلى تشويه الصورة التقليدية لمدينتنا العريقة مطرح الخير.

مقالات مشابهة

  • موظفون حزبيون خارج إعلامهم
  • غزة.. إعادة التفكير في كل شيء تقريبًا!
  • أمي.. ظل لا يغيب
  • أعراض الصداع الناتج عن الجفاف وعلاجه
  • مونتيلا يرى «قلب تركيا»!
  • القراءة
  • الحارات القديمة في مطرح
  • 40 مليون مصاب.. دراسات طبية توضح أسباب الصداع النصفي وطرق علاجه
  • محكمة باكستانية تحكم على رجل مسيحي بالإعدام لنشره محتوى يحض على كراهية المسلمين
  • باكستان.. الإعدام لمسيحي بعد إدانته بنشر ما يحض على كراهية المسلمين