أسعار البصل .. والتغيرات المناخية والسياسية
تاريخ النشر: 25th, September 2023 GMT
طالما كان البصل رمزًا للبساطة ورقَّة الحال، والذَّاكرة الشَّعبيَّة المصريَّة تحتوي على قدرٍ هائلٍ من الأمثال التي تُدلِّل على ذلك من عيِّنة: «نصوم.. نصوم.. ونفطر على بصلة» و»بصلة المُحب خروف»..إلخ، ولكن فجأة أصبح للبصل وزن، وتدلّل على المائدة المصريَّة، واختفى من عربات الأكل المنتشرة في شوارع القاهرة، وتحوَّل إلى سلعة ترفيهيَّة، رغم أنَّ مصر وصلت في السنوات الأخيرة للاكتفاء الذَّاتي من محصول البصل، وحقِّقت فائضًا مليون طن يتَّجه معظمه للتصدير.
فالبصل من السِّلع التي تتدخل في حَسْم نتائج الانتخابات في الهند، لذلك سارع رئيس الوزراء ناريندرا مودي بفرض رسوم على تصديره، في مسعاه لكبح جماح التضخُّم قَبل الانتخابات العامَّة التي تشهدها الهند مطلع العام القادم، وأكَّد مودي أنَّ الضريبة ستسري بأثَرٍ فوري وتستمرُّ حتَّى نهاية العام، وسط آمال أن يؤدِّيَ هذا القرار لانخفاض أسعار البصل وتوافره محلِّيًّا.
ويُستخدم البصل على نطاق واسع في الأكلات الهنديَّة شأنه شأن التوابل، وبلغت أهمِّيته أنَّه كان سببًا في إسقاط حكومات سابقة، وهو المأزق الذي يحاول مودي تجنُّبه، رغم إنجازاته الهائلة على المستوى السِّياسي والتي تجلَّت مؤخرًا في قمَّة العشرين، والقفزات الواسعة التي حقَّقها الاقتصاد الهندي، ونجاح الهند في عهده في الوصول للقمر.
وقَدْ أدَّت التغيُّرات المناخيَّة إلى هطول أمطار غزيرة؛ تحوَّلت إلى سيول وفيضانات أضرَّت بمحصول البصل الصَّيف الماضي في كُلٍّ من الهند وباكستان المنتِجَيْنِ الرئيسَيْنِ للبصل على مستوى العالَم، الأمْرُ الذي أدَّى إلى زيادة أسعار البصل في الأسواق الهنديَّة قرابة 20%.
والهند دَولة المليار و400 مليون نسمة دَولة ديمقراطيَّة، وأكثر ما تخشاه الحكومات غضب الرأي العامِّ، ودعوات التظاهر وخروج النَّاس إلى الشارع، لذلك سارعت حكومة مودي لاحتواء التضخُّم وكبح زيادة الأسعار، وفرضت حظرًا على صادرات القمح في 2022، وقلَّصت صادرات الأرز الشَّهْرَ الماضي.
في مصر رغم وجود وزارة للتموين وعديد الجهات الرقابيَّة، عجزت الحكومة عن السيطرة على الأسعار، وتوحَّشت نظريَّة اقتصاد السُّوق وسياسة العَرْض والطَّلب وحُريَّة التجارة، واستغلَّ بعض التجَّار والدخلاء الفرصة، لتخزين السِّلع وتعطيش الأسواق، ثمَّ طرحها بأسعار مضاعفة، كما اتَّجه كثير من أصحاب رؤوس الأموال مؤخرًا لِسحْبِ أموالهم من البنوك، خشية تآكل قِيمتها جرَّاء موجات التعويم المتتالية وخفض قِيمة العملة المحلِّيَّة أمام الدولار، واتَّجهوا للمضاربة في السِّلع الاستهلاكيَّة؛ بديلًا عن المضاربة في المعادن الثمينة، حدَثَ ذلك في سلعتَي الأرز والسجائر، فرغم تحقيق مصر إنتاجًا يفوق الاستهلاك المحلِّي ويسمح بالتصدير ـ وفقًا للأرقام والإحصائيَّات الحكوميَّة ـ اختفت السجائر من الأسواق وتضاعفت أسعار الأرز، وجنى المضاربون في السِّلعتَيْنِ أرباحًا تفوق أرباح تجارة المخدرات، في بلد يعيش فيه 110 ملايين نسمة ما بَيْنَ مواطن ووافد، يحتاجون إلى كميَّات هائلة من السِّلع والخدمات، وسُوق ضخمة تحتاج إلى قدرٍ من التنظيم والرقابة لتحقيقِ الانضباط في الأسعار.
محمد عبد الصادق
Mohamed-abdelsadek64@hotmail.com
كاتب صحفي مصري
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: التی ت
إقرأ أيضاً:
بعد انتهاء حرب غزة .. هدوء في الأسواق المالية واستقرار الذهب والدولار
شهدت الأسواق المالية العالمية تحركات ملحوظة عقب إعلان انتهاء حرب غزة الأخيرة، حيث انعكست التطورات السياسية والأمنية في المنطقة على أسعار الذهب والدولار الأمريكي، مما أثار اهتمام المستثمرين والمحللين الاقتصاديين على حد سواء.
استقرار نسبي في أسعار الذهب..
لطالما كان الذهب يُعتبر ملاذًا آمنًا للمستثمرين في أوقات الأزمات والصراعات السياسية، حيث ترتفع أسعاره مع تصاعد التوترات الأمنية وتراجع الثقة في الاستقرار العالمي. ومع انتهاء الحرب في غزة، شهدت أسعار الذهب تراجعًا نسبيًا، إذ أظهرت الأسواق العالمية استجابة أولية إيجابية لانخفاض المخاطر الجيوسياسية في الشرق الأوسط.
في الأسواق العالمية، انخفضت أسعار الذهب بنسبة طفيفة خلال الأيام الأولى بعد انتهاء الحرب، حيث انخفض سعر الأوقية من 1975 دولارًا إلى 1940 دولارًا. ويعزو المحللون هذا الانخفاض إلى عودة المستثمرين تدريجيًا للاستثمار في الأصول ذات المخاطر الأعلى، مثل الأسهم والسندات، بدلاً من الذهب.
الدولار الأمريكي: انعكاسات متباينة..
على الجانب الآخر، تأثر الدولار الأمريكي بشكل مختلف، حيث اتسمت التحركات بالثبات النسبي على المدى القصير، مع توقعات بأن تستمر آثار انتهاء الحرب في التأثير على العملة الأمريكية خلال الأسابيع المقبلة.
تعزز الدولار الأمريكي خلال فترة الصراع، حيث أدى القلق من تداعيات الحرب إلى زيادة الطلب على العملة الأمريكية باعتبارها ملاذًا آمنًا. ومع إعلان التهدئة، شهد الدولار بعض التقلبات بسبب تحول السيولة إلى الأسواق الناشئة وتزايد التوقعات بأن تستعيد العملات الإقليمية، مثل الشيكل الإسرائيلي، جزءًا من قيمتها التي فقدتها خلال الحرب.
الانعكاسات على أسواق الشرق الأوسط..
في أسواق الشرق الأوسط، كان التأثير ملحوظًا، حيث شهدت البورصات الإقليمية ارتفاعات معتدلة، مدعومة بتوقعات الاستقرار الاقتصادي بعد انتهاء الصراع. كما سجلت العملات المحلية في دول المنطقة أداءً أقوى نسبيًا مقابل الدولار الأمريكي، مما ساهم في تقليل الضغوط التضخمية على الاقتصادات المحلية.
التوقعات المستقبلية..
على الرغم من التحسن النسبي الذي شهده السوق، فإن المحللين يحذرون من أن الأوضاع في المنطقة لا تزال غير مستقرة بشكل كامل، مما يعني أن تأثيرات انتهاء الحرب قد تكون قصيرة الأمد إذا لم يتم تحقيق استقرار دائم.
فيما يخص الذهب، فإن أي تصعيد جديد في المنطقة أو أزمات سياسية أخرى قد يؤدي إلى ارتفاع أسعاره مجددًا، بينما يعتمد أداء الدولار الأمريكي بشكل كبير على سياسات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ومستوى الطلب العالمي.
إن انتهاء حرب غزة أسهم في إحداث حالة من الهدوء النسبي في الأسواق المالية، مع وجود تأثيرات متباينة على الذهب والدولار.
وبينما يأمل المستثمرون في استقرار طويل الأمد، فإن المنطقة لا تزال بحاجة إلى جهود مكثفة لتحقيق السلام الدائم وضمان استدامة النمو الاقتصادي.