وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
تاريخ النشر: 25th, September 2023 GMT
في خضمِّ اختلاط القِيَم والمفاهيم الذي يعاني مِنْه عالَم اليوم على كافَّة الصُّعد وعلى مختلف المستويات وفي المجالات كافَّة، لا بُدَّ أن يَعُودَ الإنسان إلى الأساسيَّات التي أثبتتها تجارب الشعوب وخبراتها وثقافاتها عَبْرَ التاريخ لكَيْ يستنيرَ بنور الحقيقة بعيدًا عن التشويه المتعمَّد أو التجاذبات التي تهدف إلى ما تهدف من مقاصد قَدْ لا تظهر خطورتها إلَّا بعد فوات الأوان.
منذ بداية الصراع في أوكرانيا، والتقارب الصيني الروسي الذي أصبح استراتيجيًّا على صُعد عدَّة، تَقُودُ الولايات المُتَّحدة حملة مسعورة لبناء تحالفات في المحيط الهادئ وآسيا والشرق الأوسط، ولممارسة الضغوط على دوَل إفريقيَّة وآسيويَّة كَيْ تركنَ إلى التسليم للطرف الأميركي والسَّير وفق إرشاداته، بَيْنَما تقوم الصين بطرح مبادرات على المستوى العالَمي تهدف إلى تعزيز التنمية وتقدير حضارة وثقافة كُلِّ شَعب، واحترام الاختلاف، والتأكيد على مبدأ التشاركيَّة في الخطط والأهداف على مبدأ «رابح ـ رابح» لأنَّنا في قارب إنساني واحد، ونتَّجه نَحْوَ مصير بَشَري واحد؛ كوننا ننتمي إلى أُسرة إنسانيَّة واحدة. والحقُّ يُقال هنا لو أراد المرء أن يراجعَ تاريخ الولايات المُتَّحدة وما قامت به في البُلدان التي استهدفتها من فيتنام إلى يوغوسلافيا وأفغانستان والعراق وليبيا والسودان وسوريا، ناهيك عن دَوْرها المسؤول فعلًا عن استمرار الاستعمار الصهيونيِّ الغاصب في فلسطين، لوجَبَ محاكمة الحكومات الأميركيَّة المتعاقبة على ما أصاب شعوب هذه البُلدان من أضرار فادحة تسبَّبت بمآسٍ إنسانيَّة لملايين البَشَر، وحكمت على أجيال كاملة بالفقر والعَوَز والتشرُّد، ودمَّرت ثقافات وأساليب عيش وأوطانًا كان أهلها يعيشون حياة هادئة مطمئنة قَبل قدوم حروب الكاوبوي إلَيْهم تحت غطاء مزيَّف أطلقوا عليه أسماء برَّاقة كالديمقراطيَّة وحقوق الإنسان.
على النقيض من ذلك نصلُ إلى الصين، هذه الأُمَّة المعجزة التي تمكَّنت من نفض كاهل التواطؤ الغربيِّ عَلَيْها، والذي جعلها مرتعًا للأفيون؛ فشدَّت من أزر شَعْبها، وقضت على الفقر، وانطلقت في العِلم والتكنولوجيا بِدَوْر داخلي وإقليمي وعالَمي مشرِّف، ووضعت نصبَ أعيُنِها مشاركة إنجازاتها الهائلة والتي تمَّت في زمن قياسيٍّ لا يتجاوز خمسة عقود مع دوَل العالَم، صغيرها وكبيرها، غنيِّها وفقيرها، لأنَّها تؤمن بإنسانيَّة الإنسان قَبل كُلِّ شيء، وبمبدأ سحريٍّ مُهمٍّ وهو عدم التدخُّل أبدًا في الشؤون الداخليَّة للدوَل، واحترام الصغير والكبير مِنْها، والعمل معها ومشاركتها التقنيَّات والإنجازات العلميَّة على مبدأ «رابح ـ رابح».
هذه الدَّولة التي تعتزُّ بحضارتها وعراقتها وإنسانيَّتها والتي لَمْ تغزُ بلدًا، ولَمْ تحتلَّ أرضًا لأحَدٍ، ولَمْ تتسبَّب بقتل أو تشريد أو تهجير. تعتزُّ حتَّى بأساطيرها التي تُفيد في مجملها أنَّ العمل الصالح تتمُّ مكافأته، وأنَّ المَحبَّة هي سرُّ النجاح، وأنَّ التعاون والتعاضد لِمَا فيه خير البَشَريَّة هو الكفيل بإنقاذ الجميع، وكأنَّهم يُفسِّرون قوله تعالى: «وتعاونوا على البرِّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان». ففي إحدى أساطيرهم يُطلُّ عَلَيْك معبد يعتقدون أنَّه حامٍ لمدينة خانجو التي وصلنا إليها منذ أيَّام، ويزورونه ويطلبون مِنْه الاستمرار بحماية مدينتهم، وتستمرُّ الأسطورة لِتقولَ إنَّ السِّياسيِّين والمسؤولين الذين يبلون بلاءً حسنًا في خدمة شَعبهم ينتقلون بعد موتهم لِتصبحَ أرواحهم في خدمة الخير والأمن الذي يُقدِّمه هذا المعبد، وإذا لحقَ الظلم بأيٍّ مِنْهم فإنَّ روحه ستنتقل إلى هنا لِيتمَّ إنصافها في حياة جديدة مع هذا القدِّيس.
وفي معرض حديث جانبيٍّ مع أحَدِ المسؤولين في الوفد الصينيِّ، تحدَّثنا عن العلاقة مع الأميركان، فقال إنَّ الصين تدرك أنَّ العلاقة الأميركيَّة ـ الصينيَّة الجيِّدة مُهمَّة للعالَم كُلِّه، وأنَّنا نسعى كَيْ تكُونَ علاقتنا مع الولايات المُتَّحدة سليمةً وجيِّدة؛ لِمَا فيه خير شَعبَيْنَا وخير العالَم بِرُمَّته، ولكنَّ المُشْكلة التي نعاني فيها مع الأميركان هي أنَّهم يقولون لنَا شيئًا ويتَّفقون معنا على شيء، ثمَّ يذهبون ليعملوا نقيضه، ونحن نقول لهم لماذا تفعلون عكس ما تقولون؟! أوَلَيْسَ من الواجب عَلَيْنا جميعًا أن نلتزمَ بما نقول وبما نتَّفق عَلَيْه؟ أوَلَيْسَتْ هذه مبادئ أساسيَّة في التعامل المحترم بَيْنَ البَشَر العاديِّين وبَيْنَ السِّياسيِّين، وكأنَّهم يُطبِّقون قول الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون، كَبُرَ مقتًا عِنْد الله أن تقولوا ما لا تفعلون». إذا كان أتباع كونفوشيوس قَدْ ضاقوا ذرعًا بمَنْ يقول ولا يفعل، أوَلَيْسَ أحرى بالمُسلِمين وبالأُمَّة الإسلاميَّة التي تتَّبع كتاب الله، والتي تعْلَم أنَّ الله يَمقُت مَنْ يقول ما لا يفعل أن تضيقَ ذرعًا بهؤلاء الذين يعجُّ تاريخهم مع العرب والمُسلِمين بقول ما لا يفعلون، والتصرُّف بعكس ما يدَّعون؟!
في مقاربة سريعة بَيْنَ قوَّة ضاربة بُنيت على أُسُس الأخلاق والأساطير المبنيَّة على العمل الصالح والصِّدق وحُبَّ الخير لأخيك كما تحبُّ لنَفْسِك، وبَيْنَ مجموعة من البَشَر انتقلت إلى الأرض الجديدة فقتلت كُلَّ مَنْ عَلَيْها، ودمَّرت حضارتهم، وألْحقَتْ خسارة هائلة للإرث الإنساني والحضاري، وبَنَتْ قوَّتها على قوَّة السِّلاح واستعباد الآخرين ونهبِ ثروات بُلدانهم، لا يستطيع العقل إلَّا أن يستنتجَ أنَّ القوَّة التي بُنيت على المبادئ والأخلاق والعمل الصالح هي التي سوف تنتصر على القوَّة العسكريَّة الطاغية التي تُقدِّس المال والقوَّة، وتسحقُ الإنسان دُونَ أن يرمشَ لها جفن. ولذلك، وفي غمرة فوضى المفاهيم المندسَّة لتشويش الرؤى، من المفيد جدًّا أن نتذكَّرَ قول الشاعر أحمد شوقي:
إنَّما الأُمم الأخلاق ما بقيَتْ
فإنْ همُ ذهبتْ أخلاقهم ذهبوا
في المبادئ الصينيَّة لا استعلاء ولا تكبُّر ولا إقصاء ولا عنصريَّة، أي على النقيض تمامًا من إرث الإنسان الأبيض الذي دمَّر أرقى الحضارات ووصَفَها بأنَّها متوحِّشة، ولَمْ يصلنا مِنْها سوى النَّزر اليسير، ولكنَّ ما وصلنا من حضارة الأميركان الأصليِّين والأبورجينز يُبرهن على أنَّها كانت حضارات ذات ثقافة وفنون ضاربة في القِدَم، وفي غاية الجَمال. وهُمُ اليوم عاكفون على تدمير الحضارة العربيَّة بكُلِّ ما يستطيعون من قوَّة، وبكُلِّ السُّبل، من فلسطين إلى اليمن وليبيا وسوريا والسودان. إنَّ الانحياز إلى الذَّات ومحاولة إنقاذها من غطرسة المعتدين والمحتلِّين والمستعمِرين يعني الانحياز إلى المحور الذي تُمثِّله وتَقُودُه الصين؛ لأنَّه دُونَ شكٍّ هو الذي سوف يعتلي سُدَّة المستقبل ويُنقذ البَشَريَّة من آثام الحروب والويلات التي فرضها عَلَيْها الإنسان الأبيض لكسبِ قوَّته ومراكمة ثرواته على حساب الحياة الإنسانيَّة السليمة والطبيعيَّة والهانئة.
أ.د. بثينة شعبان
كاتبة سورية
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: الب ش ر ة التی التی ت
إقرأ أيضاً:
بالفيديو.. سيدة سودانية: (مراهق شاب يعمل سائق ركشة قام باستدراجي إلى منزلهم بحجة وجود “حنانة” معهم وبعد أن وصلنا صدمني خاله الكبير وهو يسخر مني “بقيت بتاع خالات كمان”)
كشفت الناشطة السودانية الشهيرة كوثر عبد الله, عبر منصتها المتابعة على تطبيق “تيك توك”, عن تلقيها قصة من إحدى السيدات المتابعات لها.
وبحسب ما شاهدت محررة موقع النيلين, فقد سردت الناشطة الشهيرة باسم “ماما كوكي”, القصة كما على لسان صاحبتها.
وقالت السيدة في قصتها أنها كانت تبحث عن كوافير, من أجل وضع “الحنة”, واستعانت في مشوارها بسائق “ركشة” توك توك مراهق.
وبحسب ما نقلت محررة موقع النيلين فقد ذكرت السيدة أنها لم تجد صاحبة الكوافير ليدلها سائق “الركشة”, على خالته التي تعمل “حنانة”, في منزلهم.
وأضافت: بالفعل صدقته وذهبت معه للمنزل وتفاجأت هناك بوجود مناسبة أمام المنزل, وبقيت جالسة بعد أن تمت دعوتي للطعام.
وواصلت: وأنا أنتظر قدوم الحنانة تفاجأت بأن المنزل الذي قادني إليه المراهق كان منزل “عزابة” من بينهم خال المراهق الذي ظل يلاحقني بنظرات إشمئزاز وهو يوجه حديثه لإبن أخته سائق الركشة “بقيت بتاع خالات كمان”.
وختمت بحسب ما نقلت محررة موقع النيلين, حاولت أن أبرر له وأحكي له القصة لكنه لم يصدقني وسط صدمتي الشديدة من نظراته وعباراته الجارحة.
رندا الخفجي _ الخرطوم
النيلين
إنضم لقناة النيلين على واتساب