نيوزويك وواشنطن بوست: على بايدن الانسحاب من سباق الرئاسة المقبل
تاريخ النشر: 25th, September 2023 GMT
توقعت وسيلتان إعلاميتان مرموقتان في الولايات المتحدة أن يخسر الرئيس الحالي جو بايدن الانتخابات المزمع إجراؤها في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 إذا كان منافسه من الحزب الجمهوري هو سلفه دونالد ترامب.
وفي مقال بمجلة نيوزويك تحت عنوان "السيد الرئيس: سوف تخسر أمام ترامب.. نحن نتوسل إليك أن تتنحى"، كتب المعلق السياسي الأميركي جنك أويغور يقول إن شعبية بايدن في أدنى مستوياتها كما أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة، إذ حصل على أقل من 40% من أصوات الأميركيين.
ويؤكد الكاتب أن كل من يعرفهم في واشنطن سيرون أن ما ذهبت إليه تلك الاستطلاعات "ليس عدلا"، لأن بايدن أجاز العديد من مشاريع القوانين أكثر من أي رئيس آخر منذ عهد الرئيس غروغر كليفلاند (1885-1889)، "أو شيء من هذا القبيل". كما أنه صادق على مشروع قانون خاص بأشباه الموصلات.
لكن الخبر السيئ لكل من ينتمي للحزب الديمقراطي هو أن لا أحد يكترث بمشروع قانون أشباه الموصلات أو مشاريع القوانين الأخرى التي ساعدت المتبرعين لحملة بايدن الانتخابية كثيرا. ويضيف أويغور "حتى لو كانت مشاريع القوانين تلك، فإنه ما من أميركي يعرف عنها شيئا".
مؤيد لترامب: بايدن "هبة من السماء"، إذ لن يتمكن ترامب من الفوز على أي أحد سواه
أما إذا كنت من مؤيدي الحزب الجمهوري، فإن المعلق السياسي يبشرك بأن بايدن "هبة من السماء"، إذ لن يتمكن ترامب من الفوز على أي أحد سواه.
وأظهر استطلاع آخر أن 59% من الأميركيين يعتقدون أن على ترامب إنهاء حملته الانتخابية على الفور وترك الحياة السياسية. وفي الاستطلاع نفسه، حصل ترامب على 33% في حين جاء أداء بايدن أسوأ منه حاصلا على نقطة أقل أي 32%.
إن على الرئيس الحالي الانسحاب فورا من السباق الرئاسي المقبل، وإعطاء فرصة لشخص آخر يكون قادرا على هزيمة ترامب، حسب مقال نيوزويك.
ورغم أن كاتب المقال يقول إنه غير مغرم جدا بالديمقراطيين القادرين على جمع النصيب الأكبر من التبرعات، ممن يتعين على الناخبين الاختيار من بينهم، فإنهم جميعا سيهزمون ترامب، ليس لأنهم عظماء -كما يقول- بل لأن الرئيس السابق أسوأ منهم بكثير، "والشعب (الأميركي) يعرف ذلك. وأن 6 من كل 10 أميركيين يحتقرونه. ومع ذلك، سيخسر بايدن أمامه".
ويمضي أويغور في انتقاده للرئيس الحالي، فيقول ساخرا: "كان الله في عون الديمقراطيين إذا لم يكن مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب. عندها ستكون فرصة بايدن للفوز 0%".
صحيفة أميركية أخرى، هي واشنطن بوست، نشرت مقالا سلك كاتبه منحى مقال نيوزويك نفسه، مستهلا إياه بمأدبة العشاء التي أقامتها الأسبوع الماضي حملة بايدن الانتخابية لعام 2024.
وحضر المأدبة ما يزيد على 100 من الديمقراطيين الأثرياء، وثلة من قادة الحزب، الذين تناوبوا على إظهار التزامهم بإعادة انتخاب رئيس "يقول اثنان من كل 3 ناخبين ديمقراطيين إن عليه أن يتنحى جانبا".
ويلفت كاتب المقال مايكل شيرير إلى أن عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ديلاوير كريستوفر كونز استهزأ -في الحفل- بمقالة كان قد نشرتها صحيفة واشنطن بوست لكاتب العمود ديفيد إغناتيوس، دعا فيها بايدن إلى التنحي بسبب عمره.
وقال كونز إن إغناتيوس كشف له سرا كبيرا في ذلك العمود لم يكن يعرف من قبل، وهو أن "رئيسنا بلغ من العمر 80 عاما".
وبعد مرور ما يقرب من 5 شهور، لا تزال حملة بايدن الانتخابية تقوم بعملها في الغالب، وفق خطة، خلف الكواليس، باستثناء الإعلانات التي تبثها باستمرار ويشاهدها الناس في الولايات المتأرجحة على شاشات التلفزة و قنوات الكيبل الإخبارية.
ولكن بعيدا عن كاميرات التلفزيون، وفي المناسبات الخاصة، في منازل ضواحي واشنطن أو مسرح برودواي، بدأ بايدن وفريقه في طرح حجته لإعادة انتخابه ومواجهة الأسئلة المتعلقة بالعمر التي لاحقت الأشهر الأولى من حملته.
ووفقا لواشنطن بوست، فقد انتقل طاقم حملة بايدن الذي يتزايد عددهم، إلى برج إداري في ديلاوير وطوروا إستراتيجيات للاقتراع والتواصل الرقمي والبيانات وخريطة المجمع الانتخابي التي أطلعوا عليها بشكل خاص المتبرعين خلال اجتماع لجنة المالية الوطنية الذي استمر يومين الأسبوع الماضي في شيكاغو.
غير أن الحملة لم تتعرف رسميا على الخصم الجمهوري الذي سينازل المرشح الديمقراطي في الانتخابات المقبلة، إلا أنه كان من الواضح لمن حضروا مأدبة العشاء أن هذه الحملة تهدف إلى إقصاء دونالد ترامب، الذي يسيطر على الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري.
غير أن شيرير يرى في مقاله أن نقاط ضعف بايدن يتم التطرق إليها في أروقة المباني لكن نادرا ما تثار في الجلسات العامة.
ويعود الكاتب مرة أخرى إلى المقالة التي كتبها إغناتيوس في عموده بواشنطن بوست، الذي دعا فيه بايدن إلى التخلي عن الترشح بسبب عمره.
ويشدد شيرير على أنه لا يوجد خلاف كبير في أوساط الطبقة السياسية العليا للحزب الديمقراطي بشأن مستقبل مسار الحملة الانتخابية رغم مخاوف الجماهير الواسعة النطاق.
وأظهر استطلاع أجرته شبكة سي إن إن أواخر اغسطس/آب أن 28% فقط من الأميركيين يرون أن بايدن "يلهمهم الثقة"، في حين أبدى 67% من الناخبين الديمقراطيين رغبتهم في أن يروا مرشحا آخر غير بايدن.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
يأخذك الحديث وأنت تتأمل فيلم غيوم لمُزنة المسافر إلى التطور الفني والموضوعي في تجربتها، موضوعا التعددية الثقافية والعرقية في المجتمع العماني كمصدر ثراء غني، تتجه إليه مزنة في استقصائها الطويل، مزيلة وهم ما يفصل بيننا، عبر البحث عن ما يجمع بيننا ويأتلف في نسيج اجتماعي واحد. عبر هذا الثراء العرقي واللغوي نخلق تجانسنا الحقيقي، التجانس المميز لمجتمعنا منذ جذوره التاريخية البعيدة. فنيا يشكل فيلم غيوم تحولا نوعيا تخرج به مزنة عن الطرح الأفقي للتجربة، عن أحكام البداية فتتسلسل الأحداث وصولا إلى نهايتها. فيلم غيوم يخرج عن القوالب التقليدية في السينما منحازا إلى شاعريتها، الغائب والماضي والمفقود هم من يشكل وهج الأحداث، ويدفع بشخوصه إلى المحبة والأسى والفراق والندم، محكومة بالماضي الذي تسدل ظلال أحداثه على الحاضر والمستقبل معا. فنيا ينحاز السيناريو إلى الصورة السينمائية عنه إلى الحوار، الصورة خاصة في تجسيدها المباشر لملامح شخوص الفيلم، قادرة حقا على نقل عواطفهم واختلاجات قلوبهم، سينمائيا تضفي هذه اللغة الجمال السينمائي، الذي تريد مزنة إيصاله إلينا، ما لا يستطيع الحوار نقله عبر السينما.
اختيار مُزنة لطرح تجربتها جبال ظفار، عائدة بنا إلى عام ١٩٧٨م، أي بعد ثلاثة أعوام من نهاية حرب الجبل بعد حرب طويلة استمرّت عشرة أعوام. هذه الحرب هي الماضي الذي يثقل أرواح رعاة الجبل، الماضي الذي يسدل على الحياة مشاعر الفقدان والخوف من عودة الحرب ثانية. الحرب التي تركت في كل منزل قتيلًا، أو قريبًا لقتيل، أحرقت المراعي وفتكت بالإبل مصدر حياة سكانه، والأثقل أنها تركت روح الفرقة بين أبناء الجبل، نظرا لتغير مواقفهم من موقع إلى آخر، ذلك ما نقرأ ثقله في حياة بطل الفيلم دبلان الذي يتحول بعد الحرب إلى رجل منطو على نفسه، يرفض مشاركة الناس أفراحهم وأحزانهم ويقضي معظم وقته في العناية ببندقيته، وملئها بالرصاص حتى تكون جاهزة للقضاء على النمر في أي وقت تتكرر عودة الحرب ثانية إلى جبال ظفار.
مزنة في هذا الفيلم العميق والشاعري في آن تبتعد عن تقديم الرصاص والقصف والقتلى، كما أن المرأة القتيلة لم تظهر في الفيلم أبدا، رغم ظهور ذكراها المتواصل، كهاجس يومي يلازم حياة الأب وابنه عمر وابنته سلمى، المرأة ومقتلها الغامض هي السر المكتوم في الفيلم، ابنها عمر كل ليلة ينام في حضن أخته الكبرى، متخيلا والدته تنام على سحابة بعيدة في السماء، يراقب أباه يوميا أثناء تنظيف وتعمير بندقيته، محاولا أكثر من مرة خطفها منه، دون أن يتبين لنا السبب المباشر لذلك، حتى نجاح اختطافه البندقية في مشهد سينمائي أخاذ، يوجّه فيه عمر البندقية إلى صدر أبيه طالبا منه فك لغز اختفاء أمه، تكون الفرصة مؤاتية آنذاك للأب للاعتراف لابنه وابنته أن الأم قد توفيت برصاصة طائشة أثناء معارك الجبل، دون أن يحدد من أي طرف جاءت الرصاصة، ذكاء مزنة يوقف التجربة برمتها أمام تقييم جديد يكشفه التاريخ في مستقبل الأيام، والوقت ما زال باكرا لإدانة طرف ضد آخر، فقط الخوف من عودة الحرب ثانية، هي النمر الذي يستعد دبلان يوميا لمواجهته. وأخيرا لتعليم ابنه طريقة استخدام البندقية لقتل النمر وحش الحرب قبل وصوله إلى الجبال.
مصدر إيحاء غيوم هي مجموعة من الصور الوثائقية التقطها والدها الفنان موسى المسافر، الذي دون شك عاصر مرارة تلك الأحداث، تكشف لنا جانبا مهما من حياة أبناء الجبل في ظفار أثناء الحرب وبعد انتهائها. من تلك الصور الوثائقية استمدت مزنة هذا الإلهام المتدفق، وصاغت سيناريو فيلم غيوم، الذي يأتي ليس لإدانة طرف دون آخر، بل لإدانة الحروب البشرية برمتها، ذلك لأنها نظرت لنتائجها الوخيمة في عيني دبلان رب العائلة الذي مع خروجه حيا منها إلا أنه خرج مهزوما فاقد القدرة على الحياة، معذبا بالماضي الذي قدمته مزنة كنمر يفترس كل ما أمامه دون تمييز ورحمة.
مزنة تعي جيدا آثار الحروب على تغيير العلاقات الاجتماعية بين البشر، العلاقة بين دبلان وشيخ القبيلة بعد الحرب، ليست هي العلاقة إياها قبل الحرب، يتقدم شيخ القبيلة المتقدم في العمر لخطبة سلمى صبية دبلان، المرتبطة بعلاقة عاطفية مع سالم الصبي الجبلي من جيلها. يقف دبلان وهو راعي الإبل الجبلي موقفا متقدما عندما يرفض تزويج ابنته شيخ القبيلة الثري، مزوجا إياها الصبي الفقير مع مباركة الأب له بحبات من شجرة اللبان الأسطورية والتي تصل محبة أبناء الجبل لها إلى درجة التقديس، نظرا لارتباط استخدامها بطقوس دينية في معابد الأديان الهندية بل وفي معابد الأديان السماوية قديما.
الفيلم ناطق بالشحرية لغة رعاة الجبال بظفار، كان ذلك ضروريا، هذا ما أدركته مزنة، منذ بداية اشتغالها على المشهد السينمائي العماني، بما يحمله من تنوع عرقي وثقافي أخاذ منذ قديم الزمان. قبلها قدمت فيلم شولو الناطق بالسواحيلية وفيلم بشك الوثائقي الناطق بالبلوشية. هي السينمائية التي لا تعترف بفوارق وهمية بين أبناء الوطن الواحد، القادرة على اكتشاف النسيج الاجتماعي المخفي، الرابط أبناءه روحيا على أرض واحدة، وتحت سماء واحدة.
فيلم تشولو، تناقش مُزنة فيه تجربة الانتماء الوطني والحنين إلى الجذور البعيدة خلف البحار، تدور أحداثه في زنجبار، موطن أساسي لهجرة العمانيين عبر التاريخ لقرون مضت، يستقبل تشولو الصبي أخاه عبدالله القادم من عُمان، يعيشان معا توافق البحث عن جذورهم المشتركة، يتعرضان للاعتداء من رجال أفارقة بسبب انتماء عبدالله العربي الواضح في لونه، تتراءى عمان وطنا بعيدا مجهولا لتشولو، أرضا سحرية لن يعود إليها أبدا، يعود عبدالله مع أبيه ويظل تشولو ينظر إلى البحر، إلى السفن وهي تبحر عائدة إلى عمان التي لن يراها أبدا، هكذا تتكرر تجربة الماضي الساكن كقيد يرتبط به المرؤ. ولكن بشكل إيجابي في تشولو عنه في غيوم، مزنة تتجاوز تجربة الحنين النوستالجي إلى الماضي، في الفيلمين تنظر إلى الماضي كقيد يجب علينا كسره والانطلاق إلى المستقبل دون الالتفات إليه. خاصة في مرارة أحداثه كما هو في فيلم غيوم، حيث يبقى الدم الأفريقي العماني المشترك، تجربة حضارة مشتركة أيضا، تغذي النسيج الاجتماعي العماني بخصوبة العطاء في فيلم تشولو، أي أنها تنطلق من الإيجابي في ثراء الوجود العماني بشرق إفريقيا، الثراء الذي دفع بالأفارقة إلى ما هو مثمر، حيث حمل العمانيون معهم الأساليب الحديثة في الزراعة، وارتياد آفاق العمل التجاري، ونشر الدين الإسلامي وغيرها من الدلائل الحضارية المهمة، التي تؤكد إيجابية وجودهم المبكر في شرق إفريقيا. وحش الماضي الذي يصوب له دبلان وابنه عمر البندقية لمواجهته، يحتفظ له تشولو وأخيه عبدالله بمئة قطعة من المندازي الذي خبزته لهما جدتهم الإفريقية، يحشوان فم النمر المفترس بها حتى لا يكون قادرا على افتراسهما معا. ذلك دون شك مشهد طفولي ساحر يؤكد وحدة الأخوين ضد وحش الحرب المأساوية بين العمانيين والأفارقة، أي من المحبة المشتركة بينهما نخلق إمكانية التعايش المشترك والوحش الذي يطعمه الطفلان العماني والأفريقي المندازي، هي الحرب التي خلقت روح الكراهية بينهما، وآن لنا جميعا طي صفحاتها الدموية، نحو خلق عالم أجمل لأجيالنا القادمة.
مُزنة التي جاءت بعد ستين عاما على مأساة خروج العمانيين من شرق إفريقيا بطريقة مأساوية فقد فيها العمانيون الآلاف من أبنائهم ثم أنها جاءت بعد خمسين عاما أيضا بعد نهاية حرب الجبل بظفار، تنصت إلى أوراق التاريخ التي تحفظ لنا ما فقد وتم نسيانه، مؤهلة حقا للذهاب أبعد مستقبلا، نحو تقديم تجارب العطاء العماني المتدفق عبر التاريخ، ورفد السينما العمانية الناشئة بلغة شاعرية متميزة، ذلك حقا جوهر الفن الطليعي الجاد، يضيء كالنجوم ترشد المسافرين في ليل البحار إلى المجهول.
فيلم غيوم /روائي قصير /ناطق بالشحرية/ جائزة أفضل فيلم روائي قصير /المهرجان السينمائي الخليجي ٢٠٢٤م. إخراج مزنة المسافر.
فيلم تشولو/ روائي قصير/ ناطق بالسواحيلية /جائزة أفضل سيناريو /مهرجان أبوظبي السينمائي ٢٠١٤ م. إخراج مزنة المسافر.
سماء عيسى شاعر عُماني