الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة بين القوة والمسؤولية
تاريخ النشر: 25th, September 2023 GMT
في العصر الرقمي الذي نعيشه اليوم، أحدثت قوة تحليلات البيانات الضخمة، المدعومة من الذكاء الاصطناعي، ثورة في مختلف القطاعات والصناعات وغيرت الطريقة التي نعيش ونعمل بها. واليوم لا يمكن إنكار الرؤى والتطورات المستمدة من تحليلات البيانات الضخمة. ومع ذلك، بينما نقوم بتسخير هذه الإمكانيات المتطورة، فمن الأهمية بمكان معالجة بعض المخاوف.
تتمتع البيانات الضخمة بالقدرة على إطلاق رؤى قيمة، ودفع الابتكار، وتحسين عملية صنع القرار في مختلف القطاعات. فمن الخدمات العامة إلى التمويل، ومن البنية التحتية إلى التعليم، أصبحت تطبيقات البيانات الضخمة واسعة النطاق وبعيدة المدى. ومن خلال تحليل كميات كبيرة من البيانات، يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي تحديد الأنماط والاتجاهات والعلاقات المتبادلة التي كانت مخفية سابقاً، ما يمكّن صناع القرار الرئيسيين في المؤسسات من اتخاذ قرارات تعتمد على البيانات، والتي تنعكس إيجاباً على أداء هذه المؤسسات.
الالتزام الأخلاقي:
رغم أن فوائد البيانات الضخمة واضحة، فيتعين علينا أيضاً أن نعترف بالمعضلات الأخلاقية التي تنشأ مع تطور هذا القطاع. وبالتأكيد هناك بعض جوانب تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي يمكن أن تسبب ضرراً دون قصد. حيث يمكن أن تتضمن خوارزميات الذكاء الاصطناعي معلومات غير دقيقة أو تحيزات مخفية تؤدي إلى نتائج غير مرغوبة. وأحياناً لا تكون الطريقة التي يتخذ بها تطبيق الذكاء الاصطناعي القرارات شفافة، ما قد يؤدي إلى نتائج غير متوقعة. علاوة على ذلك، يجب أن يتماشى جمع البيانات الشخصية وتحليلها مع المتطلبات القانونية، مثل قانون حماية البيانات الفيدرالي لدولة الإمارات العربية المتحدة أو اللائحة العامة لحماية البيانات للاتحاد الأوروبي، لضمان التعامل السليم مع البيانات فيما يتعلق بالخصوصية والموافقة وغيرها من القضايا.
والجدير بالذكر أنه هنالك وعي متزايد بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي في العديد من المجالات، من خلال النظام البيئي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT)، حيث تبذل الحكومات بالفعل جهوداً كبيرة لضمان معالجة هذه القضية. ففي دولة الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، نشر مكتب وزير الدولة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بُعد في دولة الإمارات العربية المتحدة المبادئ التوجيهية لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي في ديسمبر من العام الماضي. ويمكن أن تساعد مثل هذه المبادئ التوجيهية الشركات التي تعمل باستخدام هذه التقنيات في الحفاظ على مستوى عالٍ من الأخلاق في مكان العمل.
كما يتطلب الحفاظ على هذا النهج الأخلاقي ضرورة اتباع نهج استباقي يعطي الأولوية للعديد من العوامل الحاسمة مثل الشفافية وأطر الحوكمة وتدابير المساءلة. وتعد الشفافية هي المفتاح لبناء الثقة وضمان ممارسات مسؤولة للبيانات. كما يجب أن تتحلى المؤسسات بالشفافية بشأن البيانات التي تجمعها، وكيفية استخدامها، ومن يمكنه الوصول إليها. وينبغي الحصول على موافقة صريحة من الأفراد، مع شرح واضح للغرض والمخاطر المحتملة المرتبطة بجمع البيانات وتحليلها. ويعد تمكين الأفراد بالمعلومات الضرورية والتحكم في بياناتهم أمراً ضرورياً للحفاظ على المعايير الأخلاقية. وينبغي أن يكونوا قادرين على سحب موافقتهم و/أو حذف بياناتهم في أي وقت محدد.
ولتعزيز الممارسات المسؤولة للبيانات، يجب على المؤسسات أيضاً تأسيس أطر حوكمة قوية. يجب أن تحدد هذه الأطر سياسات وإجراءات واضحة لجمع البيانات وتخزينها واستخدامها. وينبغي إجراء عمليات تدقيق وتقييم منتظمة لضمان الامتثال للمعايير الأخلاقية والمتطلبات التنظيمية. بالإضافة إلى ذلك، يجب وضع تدابير المساءلة لتحميل المنظمات المسؤولية عن أي سوء استخدام أو انتهاك لخصوصية البيانات.
وفي عصر البيانات الضخمة الذي نعيش فيه، من الضروري إعطاء الأولوية لحماية المعلومات الحساسة. حيث يجب حماية البيانات الشخصية، مثل السجلات الصحية والمعلومات المالية والبيانات البيومترية، بأعلى مستوى من الأمان. وينبغي استخدام التشفير وضوابط الوصول وتقنيات إخفاء هوية البيانات لتقليل مخاطر الوصول غير المصرح به أو خروقات البيانات. وأخيراً، يجب على المؤسسات الاستثمار في تدابير الأمن السيبراني القوية لحماية خصوصية وسلامة البيانات التي تتعامل معها.
دور الذكاء الاصطناعي والخوارزميات في تحليل البيانات الضخمة:
تلعب خوارزميات الذكاء الاصطناعي دوراً مهماً في تحليل البيانات الضخمة واستخلاص رؤى ذات قيمة. ومع ذلك، يجب تطوير هذه الخوارزميات ونشرها بشكل مسؤول. من الممكن أن يكون التحيز والتمييز جزءاً لا يتجزأ من أنظمة الذكاء الاصطناعي عن غير قصد إذا لم يتم تصميمها ومراقبتها بعناية. ويتوجب على المؤسسات التأكد من أن خوارزمياتها عادلة وشفافة وخاضعة للمساءلة، وأنها تسهم في الحد من التحيزات المجتمعية القائمة أو التمييز ضد مجموعات معينة.
كما يتطلب التصدي للتحديات الأخلاقية للبيانات الضخمة التعاون ووضع معايير خاصة ومبادئ توجيهية لهذا القطاع، من خلال بناء أفضل الممارسات بدعم من الحكومة والجهات التنظيمية على حد سواء. وسيساعد تبادل المعرفة والخبرات والدروس المستفادة في خلق فهم جماعي للآثار الأخلاقية للبيانات الضخمة وتعزيز ثقافة الاستخدام المسؤول للبيانات.
وفي الختام، بينما نواصل الاستفادة من قوة تحليلات البيانات الضخمة، فمن الضروري أن نفعل ذلك بمسؤولية. يجب أن تكون الشفافية والخصوصية والحماية في طليعة جهودنا لضمان الممارسات الأخلاقية للبيانات. ومن خلال إعطاء الأولوية للشفافية، وإنشاء أطر الحوكمة، والخضوع للمساءلة عن أفعالنا، يمكننا عرض التأثير الإيجابي الحقيقي لتحليلات البيانات الضخمة. لذلك دعونا نتبنى هذه الإمكانات مع التمسك بمسؤولياتنا الأخلاقية، لضمان مستقبل مبتكر قائم على البيانات.
مادة إعلانية
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی البیانات الضخمة مع البیانات من خلال یجب أن
إقرأ أيضاً:
أخطاء الذكاء الاصطناعي تربك ملخصات برايم فيديو
لم تبدأ تجربة أمازون مع تقديم ملخصات المسلسلات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي بالطريقة التي كانت الشركة تأملها. فبدلًا من تسهيل مهمة المشاهدين وتقديم محتوى مختصر ودقيق، كشفت أولى التجارب عن مشكلات واضحة في الدقة والفهم، كان أبرزها ما حدث مع ملخص الموسم الأول من مسلسل Fallout على منصة برايم فيديو.
وبحسب ما أورده موقع GamesRadar+، فإن الملخص المُولّد بالذكاء الاصطناعي يحتوي على عدد من الأخطاء الجوهرية، من بينها معلومات غير صحيحة تتعلق بأحداث العمل وسياقه الزمني، وهو ما أثار تساؤلات حول مدى جاهزية هذه الأدوات للاستخدام الواسع دون مراجعة بشرية.
يمكن للمشاهدين الاطلاع على هذا الملخص من خلال قسم “الإضافات” الموجود ضمن صفحة الموسم الثاني من مسلسل Fallout على برايم فيديو. وعلى الرغم من أن الفيديو يبدو من الناحية التقنية متماسكًا، حيث يجمع بين المقاطع المصورة والموسيقى والحوار في قالب واحد، إلا أن محتواه يعاني من سطحية واضحة وسوء فهم لتفاصيل أساسية في القصة.
أحد أبرز الأخطاء يتمثل في تحديد الفترة الزمنية لمشاهد الفلاش باك التي تدور في مدينة لوس أنجلوس. إذ يشير الملخص إلى أن هذه المشاهد تعود إلى خمسينيات القرن الماضي، بينما الحقيقة أن أحداثها تقع في عام 2077، وهو العام المحوري في عالم Fallout. وتدور السلسلة في خط زمني بديل انفصل عن تاريخنا الحقيقي بعد عام 1945، وهي نقطة أساسية لفهم أجواء المسلسل ورسائله.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد. فقد أشار موقع Gizmodo إلى أن الملخص يُسيء أيضًا فهم نهاية الموسم الأول، وهي نهاية تمهّد بوضوح لأحداث الموسم الثاني، وخاصة العلاقة التي تتشكل بين شخصية لوسي، ساكنة الملجأ، وشخصية “الغول”، أحد سكان الأراضي القاحلة المشعة. هذه العلاقة ليست مجرد تحالف عابر، بل ترتبط بشكل وثيق بالغموض الذي يدور حوله الموسم الأول بأكمله، وهو ما تجاهله الملخص أو عرضه بصورة مشوشة.
المفارقة أن الفيديو نفسه يعطي انطباعًا تقنيًا جيدًا، إذ يثبت أن نظام الذكاء الاصطناعي لدى أمازون قادر على تحرير المقاطع ودمج العناصر السمعية والبصرية بسلاسة. غير أن المشكلة الحقيقية تكمن في غياب الفهم العميق للسرد الدرامي، وهو ما يجعل هذه الملخصات غير موثوقة كمصدر لتذكير المشاهد بالأحداث أو تمهيده لموسم جديد.
ورغم أن هذه الأخطاء قد لا تؤثر بشكل مباشر على استمتاع الجمهور بالموسم الثاني من Fallout، فإنها تطرح علامات استفهام كبيرة حول استراتيجية أمازون في الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي دون رقابة بشرية كافية. ويبدو أن حل هذه المشكلة لم يكن معقدًا، إذ كان من الممكن ببساطة عرض الفيديو على موظف شاهد المسلسل لمراجعته قبل نشره.
ولا تُعد هذه الواقعة الأولى التي تكشف عن ضعف مراقبة الجودة في محتوى الذكاء الاصطناعي لدى أمازون. ففي وقت سابق من هذا الأسبوع، اضطرت الشركة إلى سحب مقاطع دبلجة صوتية مُولّدة بالذكاء الاصطناعي لعدد من مسلسلات الأنمي، من بينها Banana Fish، بعد شكاوى واسعة من رداءة الصوت وعدم ملاءمته لطبيعة العمل.
هذا السياق يجعل من المرجح أن تقوم أمازون بسحب ملخص Fallout الحالي، وتصحيحه، ثم إعادة نشره لاحقًا. لكن المشكلة الأعمق تتعلق بالاتجاه العام للشركة نحو إدخال المزيد من المحتوى المُولّد بالذكاء الاصطناعي إلى منصتها، في وقت لم تصل فيه هذه التقنيات بعد إلى مستوى يضمن الدقة والموثوقية.
ومع قاعدة مستخدمين ضخمة مثل التي تمتلكها برايم فيديو، يصبح أي خطأ صغير مضخمًا، ويؤثر على ثقة الجمهور في المنصة. فالذكاء الاصطناعي قد يكون أداة فعالة لتسريع الإنتاج وخفض التكاليف، لكنه لا يزال، حتى الآن، بحاجة ماسة إلى إشراف بشري حقيقي، خاصة عندما يتعلق الأمر بأعمال درامية معقدة تعتمد على التفاصيل والسياق بقدر اعتمادها على الصورة والصوت.