استعراض الحوثيين العسكري.. رسائل للداخل بلا تصعيد خارجي
تاريخ النشر: 25th, September 2023 GMT
(عدن الغد) العربي الجديد:
استعرضت جماعة الحوثي أسلحتها وقواتها الخميس الماضي، في العاصمة اليمنية صنعاء، احتفاء بالذكرى السنوية التاسعة لسيطرتهم على العاصمة. وعلى الرغم من ذلك، طغى الخطاب الإيجابي تجاه السعودية نتيجة المفاوضات الجارية، في المقابل، أعلن زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي ما سماه "تغييراً جذرياً لإصلاح المؤسسات".
وكان احتفال الحوثيين لافتاً للسكان في صنعاء، إذ حلقت طائرات على علو منخفض وبسرعة اخترقت حاجز الصوت صباح الخميس الماضي، في الوقت نفسه، كانت الجماعة تجري استعراضاً عسكرياً كبيراً تضمن عشرات الشاحنات الثقيلة المحمّلة بصواريخ كروز وطائرات مسيّرة مسلحة بعيدة المدى، بحضور رئيس المجلس السياسي (مجلس حكم الجماعة) مهدي المشاط وعدد من المسؤولين في الحكومة غير المعترف بها.
استعراض الحوثيين العسكري
حول هذه التطورات، اعتبرت منى محمود، وهي من سكان صنعاء، أن "تحليق الحوثيين بالطائرات أعاد إلى الذاكرة طائرات التحالف عند بدء التدخّل العسكري في أيامه الأولى بصنعاء، والرُعب الذي كان يبثه في أوساط الناس"، مبدية في حديثٍ لـ"العربي الجديد" استغرابها قائلة: "لا أعرف ما الفائدة من هذا الاستعراض بالتزامن مع عودة وفد الحوثيين من السعودية".
وأضافت محمود: "يعيش السكان هموماً معيشية ثقيلة، جعلت المطالب بالرواتب حديث الناس في كل مكان، وكل الشائعات التي نتلقاها هذه الأيام تفيد بأننا سنتسلم رواتبنا قريباً، وأنهم اتفقوا على ذلك (في إشارة إلى المفاوضات بين السعودية والحوثيين)، وهم يريدوننا أن نحتفل بثورة ونحن بلا راتب من سبع سنوات".
وجاء احتفال الحوثيين بعد يومين من عودة الوفد الحوثي من السعودية، حيث أجرى مشاورات لخمسة أيام برفقة وفد عُماني، ورحبت الجماعة برسائل وتأكيدات السعودية الإيجابية، وأعلنت جاهزيتها لمعالجة أي مخاوف لدى الرياض بشأنها، بحسب خطاب متلفز للمشاط الأربعاء الماضي.
مع ذلك، كشفت الجماعة عن أزمة داخلية في إدارة السلطة، مع قول زعيمها عبد الملك الحوثي إنه سيعلن عن "المرحلة الأولى للتغيير الجذري" بمناسبة المولد النبوي، الأربعاء المقبل. وأشار في خطاب متلفز الخميس، في ذكرى سيطرة الجماعة على صنعاء، إلى "وجود بعضٍ من المدسوسين في مرافق المؤسسات، الذين بقيت لهم ارتباطاتهم بالأعداء، ووجود البعض من المسؤولين المقصّرين، والبعض من منعدمي الكفاءة؛ كل ذلك كان له تأثيره السلبي في أداء المؤسسات". واعترف الحوثي أن "حجم الاختلالات في الوضع الرسمي يتطلب تغييراً جذرياً، يؤسس لمرحلة جديدة لإصلاح وضع المؤسسات".
وعقب كلمة زعيم الجماعة، أعلن المجلس السياسي الحوثي مباركته لقرارات التغيير الجذري المرتقبة. كما بادرت الحكومة غير المعترف بها وكافة المؤسسات في مناطق سيطرة الحوثيين لإعلان تأييدها لعملية التغيير.
وجاء ذلك في الوقت الذي يُتهم فيه قادة في جماعة الحوثي بالفساد ونهب الإيرادات والإثراء خلال السنوات الماضية، بموازاة فرض سلطات الجماعة الجبايات القانونية وغيرها باستمرار، من دون تقديم أي نوع من الخدمات للمواطنين.
وكان خطاب الحوثيين موجهاً إلى الداخل خلال الأيام الماضية، وتصالحياً وهادئاً مع السعودية التي تقدّم نفسها وسيطاً بين الجماعة والحكومة اليمنية المعترف بها.
وقال القيادي الحوثي حسين العزي، عضو الوفد الذي زار السعودية، مخاطباً من أسماهم "الخصوم المحليين" في تغريدة على منصة "إكس" (تويتر سابقاً): "نحن مصممون على صناعة سلام دائم مع جوارنا (السعودية) ومن الجيد عدم إعاقة هذه الخطوة".
ورأى المحلل السياسي سلمان المقرمي أن "الحوثي يعتقد أنه بدأ يحظى باعتراف سعودي يسعى إليه منذ زمن بعيد، لذا يتفرغ لاستكمال دولته الانفصالية شمالاً، وينتهز المفاوضات لإعادة تشكيل مؤسسات الدولة، والتخلص من أهم حلفائه أو ما بقي منهم، وهم المؤتمر الشعبي العام، ولتقليص بقية المنافسين الذين يعتقد أنهم قد يشكلون خطراً عليه بشكل ما".
وأضاف المقرمي في حديث لـ"العربي الجديد": "يحاول الحوثي أن يعمل ظاهرياً على تهدئة الغضب الشعبي المتفاقم ضد جماعته، وهو أهم سبب من جهة التوقيت، لأن غضب نادي المعلمين وأساتذة الجامعات والقطاع الخاص والقبائل بلغ مستويات ما قبل الانفجار الشامل، في وقتٍ تشهد تشكيلات الجماعة العسكرية مؤشرات أولية للتصدع".
وأشار المقرمي إلى أن "الأهم من ذلك هو محاولة الحوثي وضع حد للصراعات داخل جماعته، التي ظهرت آثارها في الاشتباكات العسكرية في صعدة، والنزاع مع المؤتمر، والتظاهرات في صنعاء والإضرابات والحروب القبلية واغتيال بعض القادة العسكريين أو إقالتهم، مع ذلك، فإن التغيير متوقع أن يطاول شكل المؤسسات فقط".
منذ بدء الهدنة في 2 إبريل/نيسان 2022، اعتمد الحوثيون على التهديد بالتصعيد العسكري من أجل تحريك ملف التفاوض معهم والقبول بمطالبهم، ومن ثم الحديث عن تسوية سياسية شاملة، لكن بعد تسع سنوات من الحرب والتغيرات الإقليمية، هناك شكوك حول القدرة على التصعيد.
رسائل الحوثيين للداخل والخارج
ورأى الباحث اليمني في شؤون النزاعات المسلحة علي الذهب أن "العرض العسكري للحوثيين يقدم رسائل للداخل، لإعادة الثقة بمقاتلي الجماعة وتحفيز الشباب للالتحاق بصفوفها، بعد عزوفهم نتيجة للضربات التي تلقتها الجماعة والخسائر".
وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد": "أما الرسائل الموجهة إلى الخارج فتأثيرها محدود، لأنهم يعرفون قدرات هذه الأسلحة وحجمها وسبل مواجهتها، لكن ربما تؤثر بشكل كبير على جبهات القتال داخل البلاد، إذا لم تكن القوات الحكومية قد استعدت لمثل هذه المواجهة بأسلحة حديثة تستطيع التعامل مع الطائرات التي استعرض بها الحوثيين".
وأبدى الذهب اعتقاده أن "الحوثيين ليسوا مستعدين للتصعيد العسكري خارجياً، لكن بالإمكان التصعيد في الداخل بضوء أخضر في حالة تعنت الحكومة اليمنية في تلبية مطالبهم وعدم تدخل التحالف". ولفت إلى أن "السعودية لديها الاستعداد الكامل للتضحية للحيلولة دون تكرار المواجهة معها بأي شكل، خصوصاً المواجهة الاستراتيجية في استخدام الصواريخ".
وأوضح الذهب أن "الحوثيين لا يستطيعون أيضاً التصعيد خارجياً لأن الصواريخ والطائرات المُسيّرة، التي كانت تصل إلى العمق السعودي ومواقع منشآت النفط، مرتبطة بالخلاف السعودي الإيراني، باعتبار طهران مصدرها الأساسي، لذا لا يمكن أن تتكرر هذه العمليات في ظل العلاقات السعودية الإيرانية التي تسير بشكل جيد".
من جهته، رأى الكاتب السياسي معن دماج أن "جماعة الحوثي اليوم قد اطمأنت إلى أن هزيمتها لم تعد على جدول أي طرف أو قوة، لا في التحالف ولا حتى من الأطراف المحلية الغارقة في حساباتها الصغيرة، خصوصاً المجلس الانتقالي والإصلاح وقوات طارق صالح، لكنها بعيدة تماما عن هيمنتها شبه المطلقة التي كانت قد حققتها قبيل الحرب أو مع انطلاقها".
وأضاف دماج في حديث لـ"العربي الجديد": "على الأرجح أن الجماعة تستغل المفاوضات مع السعودية لانتزاع مكاسب مالية وسياسية، مع الاستعداد للانقضاض على بقية المناطق خصوصا مأرب".
ولفت إلى أن "الحركة الحوثية تشكو من تزايد السخط الشعبي بسبب المجاعة التي أصبح يعاني منها معظم اليمنيين في مناطق سيطرتها، وما زالت تكشف الطابع العنصري والطائفي والفساد الهائل الذي تمارسه قيادتها".
وقال دماج إن "المستقبل مفتوح لكل الاحتمالات، ومهما كانت مآلات المفاوضات السعودية الحوثية، فإن تركيبة وطبيعة الحركة الحوثية تجعلها غير قابلة لأي تعايش أو القبول بأقل من الهيمنة المطلقة على السلطة والمجتمع، وهو الأمر المستحيل بالنظر لقاعدتها الاجتماعية المحدودة وللثارات العميقة التي تجمعها بأغلب القوى الاجتماعية والسياسية".
وتابع دماج: "الحرب محاولة للتوسع وإخضاع بقية اليمنيين ولقهر من يخضع لها حالياً، وهي المستقبل الوحيد للجماعة، بينما المقاومة المسلحة أساساً وكل أشكال المقاومة هي كل ما يربط اليمنيين بالحرية والمستقبل".
المصدر: عدن الغد
كلمات دلالية: العربی الجدید فی حدیث إلى أن
إقرأ أيضاً:
السعودية تبلغ “ترامب” رسمياً موقفها من أي تصعيد عسكري قادم ضد صنعاء
الجديد برس|
أنهت السعودية، الخميس، الجدل حول التصعيد العسكري في اليمن، بعد الهجوم اليمني الواسع الذي استهدف بوارج أمريكية، بينها حاملة الطائرات “لينكولن”، في البحرين الأحمر والعربي.
وأكدت الخارجية الأمريكية في بيان أن السعودية أبلغت الإدارة الأمريكية بأن الرهان على “الشرعية” الموالية لها جنوب اليمن قد انتهى.
ونقل مركز صنعاء للدراسات، المعروف بصلاته بوزارة الخارجية الأمريكية، أن السعودية بدأت تتبنى موقفاً جديداً تجاه الملف اليمني، وترى إمكانية التوصل إلى صفقة مع صنعاء بدلاً من التصعيد العسكري.
وبحسب المصادر، أبلغ ولي العهد السعودي الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بأن المملكة لم تعد ترغب في العودة إلى مستنقع الحرب اليمنية، وأن احتواء صنعاء عبر اتفاق سياسي أصبح الخيار الأمثل.
يأتي هذا التحول بعد إعلان قوات صنعاء عن تنفيذ هجمات واسعة استهدفت بوارج أمريكية، بما في ذلك حاملة الطائرات، مما كشف عن قدرات يمنية متزايدة أثارت قلقاً إقليمياً ودولياً.
وتشير هذه التحركات السعودية إلى اقتناعها باستحالة تحقيق أي انتصار عسكري بعد سنوات طويلة من الحرب، وخصوصاً في ظل تنامي القدرات العسكرية للقوات اليمنية.
ورغم محاولات الرياض السابقة للاستفادة من عودة ترامب المعروف بمواقفه المؤيدة للحرب، يبدو أن المملكة اختارت الخروج من دائرة الصراع بعدما فقدت الأمل في الحصول على دعم دولي يعزز موقفها العسكري.