زامبيا ومانهاتن وباريس.. ما دلالات العرض العالمي المتواصل لـفضائح السيسي؟
تاريخ النشر: 25th, September 2023 GMT
يتوالى الكشف عن فضائح النظام المصري الدولية عبر وسائل الإعلام ووكالات الأنباء العالمية، معلنة عن اتخاذ رئيسه عبدالفتاح السيسي، وسائل وطرقا غير قانونية في التعامل مع مواطنيه، ولجوئه إلى مسالك غير شرعية مع صناع القرار في بعض الدول.
"فضيحة مانهاتن"
آخر تلك الفضائح، كان قرار المدعي العام في مدينة "مانهاتن" الأمريكية، الجمعة الماضية، بتوجيه اتهامات تتعلق بقبول رشى بمئات الآلاف من الدولارات عبارة عن أموال وسبائك ذهبية، وفقا لوزارة العدل الأمريكية مقدمة من حكومة السيسي، للسيناتور الديمقراطي من ولاية نيوجيرسي بوب مينينديز، وزوجته نادين أرسلانيان.
ونشرت وسائل الإعلام العالمية لائحة الاتهام المؤلفة من 39 صفحة، معلنة عن رشوة ضخمة قدمتها حكومة السيسي، لرئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، مينينديز، مقابل استخدام نفوذه لمساعدة القاهرة للحصول على المساعدات العسكرية الأمريكية، وتسهيل صفقات الأسلحة للجيش المصري.
وتضمنت لائحة الاتهام أيضا، أنه بعد عودة السيناتور مينينديز، وزوجته من زيارة مصر ولقاء السيسي، في 30 آب/ أغسطس الماضي، أجرى بحثا عبر "جوجل" عن سعر كيلو الذهب، ما فسره مراقبون بأنه حصل على كميات كبيرة من المعدن النفيس من السيسي، لقاء تلك الخدمات.
ويزعم ممثلو الادعاء أن مينينديز وزوجته نادين قبلا رشاوى نقدية وذهبية ومدفوعات مقابل رهن عقاري وسيارة فاخرة من ثلاثة رجال أعمال من نيوجيرسي، هم وائل حنا، وخوسيه أوريبي، وفريد دعيبس، بحسب ما نقلته "بي بي سي".
وبالإضافة إلى مساعدة الحكومة المصرية، فقد حصل النائب وزوجته أيضا على رشاوى لاستخدام سلطة مينينديز كعضو في مجلس الشيوخ لحماية رجال الأعمال الثلاثة، وفقا للائحة الاتهام، فإن زوجة السيناتور عملت مع حنا لتقديم السيناتور إلى مسؤولي المخابرات والجيش المصريين.
"توقيت مريب"
تلك الفضيحة تأتي بعد أيام من اقتطاع الإدارة الأمريكية مبلغ 85 مليون دولار من المعونة المقررة سنويا لمصر والبالغة 1.3 مليار دولار وهو الاقتطاع الأقل في 3 سنوات.
كما يأتي الكشف عن تلك الفضيحة، بعد أيام من غياب السيسي، عن اجتماعات الأمم المتحدة السنوية في نيويورك، للعام الثالث على التوالي.
وتأتي فضيحة رشوة حكومة السيسي، للسيناتور الأمريكي مينينديز، وزوجته، بعد أزمة طائرة الذهب في زامبيا، التي خرجت من القاهرة وجرى ضبطها هناك منتصف آب/ أغسطس الماضي، وعلى متنها أموال وسبائك و6 من الضباط ورجال الأعمال الذين لهم ارتباطات بالنظام المصري، وهي القضية التي فشل الإعلام العالمي حتى الآن في فك ما تبقى من طلاسمها.
وتتابع الكشف عن الواقعتين في الإعلام العالمي دفع مراقبين للتكهن بأن هناك من يقف خلف الكشف عنهما، وأن أياد خفية تلاحق جرائم نظام السيسي، وتكشف عنها.
"فضيحة باريس"
وفي فضيحة ثالثة، لم تغيب عن صفحات الإعلام العالمي وشاشاته ومواقع التواصل فيه، وبطلها النظام المصري أيضا، ولكن هذه المرة ليست في أمريكا أو أفريقيا بل في أوروبا وتحديدا في فرنسا.
والقصة تتمثل في قيام سلطات باريس الأمنية قبل 4 أيام، بتوقيف الصحفية الفرنسية أريان لافريو، بتهمة "كشف أسرار الدفاع الوطني"، بعد أن سلطت الأضواء على تورط حكومتي باريس والقاهرة في مقتل مدنيين على الحدود الليبية.
كما قامت السلطات الأمنية الفرنسية بتوجيه اتهامات رسمية ضد جندي سابق يشتبه القضاء في أنه واحد من مصادرها "بتحويل وكشف أسرار الدفاع الوطني".
في تموز/ يوليو 2022، نشرت الصحفية لافريو، بموقع "ديسكلوز"، الاستخباراتي الفرنسي، تقريرا عن استخدام حكومة السيسي، لعملية استخبارية فرنسية في البلاد، أسفرت عن مقتل مدنيين على الحدود مع ليبيا.
"المعلن 10 بالمئة"
وفي رؤيته لدلالات استمرار حضور اسم السيسي وفضائح نظامه ومخالفاته للقانون في الإعلام العالمي، قال السياسي المصري رضا فهمي: إن "ما تم الكشف عنه من فضائح السيسي، لا يتجاوز منها 10 بالمئة، من حجم المخالفات والجرائم التي يرتكبها على مدار الساعة".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن "بعضها في أوكرانيا والآخر مع روسيا وفي أفريقيا وحتى في دول عربية"، مبينا أن "السيسي وجرائمه وبلاويه أكبر من أن تحصر في آخر حادثتين"، ملمحا إلى أنه "خلال الشهر الماضي تفجرت 3 فضائح كبرى للنظام المصري".
وأشار إلى فضيحة "طائرة زامبيا أو طائرة الذهب كونها باكورة هذه الأحداث التي تلتها فضيحة رشوة السيناتور الأمريكي، ثم وآخرها فضيحة المشاركة مع القوات الفرنسية في قتل مدنيين على حدود ليبيا".
ويرى رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي الأسبق بالبرلمان المصري، أن "هذا يؤشر بوضوح شديد أن هذا النظام بلطجي، وفي الحقيقة لا يلتزم بالأعراف ولا القوانين الدولية، ويرتكب كل ما يخالف عيانا بيانا، وأصبح لا يخجل مما يفعله من مخالفات أخلاقية".
وأعرب عن شديد ألمه من أن "السيسي وصل ببلد بحجم وتاريخ وعظمة مصر لهذه الحالة، وأن يحكمها شخص يسلك سلوك رجال العصابات ورجال المخدرات"، موضحا أنها "بالتالي هي مرحلة بكل ما فيها على مدار 10 سنوات كشفت عن أسوأ تكوين وتركيبة منظومة الحكم العسكري بمصر من 1952 وحتى اليوم".
وقال إن "الصورة الأكثر فجاجة وقتامة ووقاحة هي العشر سنوات التي قضاها السيسي في الحكم، ومع ذلك هو يقاتل للبقاء لأكبر فترة ممكنة بالكرسي".
"البعد الآخر"
ويرى فهمي، أن هناك بعدا آخر، وهو "دلالة الكشف عن هذه الفضائح في هذا التوقيت"، متسائلا: "هل هذا معناه أن صانع القرار الأمريكي أو منظومة الحكم بواشنطن رفعت الغطاء عن السيسي، خاصة وأن (CIA) لديها ملفات مخالفات السيسي، الفترة الماضية؟".
وتساءل مجددا: "إذا لماذا الآن تقرر الحكومة الأمريكية الكشف عن هذه الفضيحة التي أيضا تسيء لها أيضا؟"، مبينا أن "ذلك يعني وجود مشرع أمريكي يتقاضى رشوة من دولة أجنبية".
ويعتقد أنه "في الوقت الذي يكشف فيه الإعلان عن تلك الفضيحة عن وقاحة السيسي، وسوءاته، إلا أنه يُلقي بظلال سيئة على المنظومة الأمريكية، ومع ذلك أعلنت واشنطن عن القضية وقدمت لائحة اتهام من 39 صفحة، وفق وسائل الإعلام العالمية".
وفي تفسيره قال السياسي المصري، إن "هذا يعني أنها وصلت مع نظام السيسي، لطريق مسدود، وأنه لم يعد هناك فرصة للتعاون بينهما مرة أخرى، وقررت أن تفجر الوضع بالنسبة للسيسي".
"تمزيق السيسي إربا"
وأوضح أن "نفس الشيء فيما يتعلق بملف فضيحة فرنسا وطائرة زامبيا"، ملمحا أنه "تم لملمة قضية طائرة الذهب، ولكن تفجيرها من قبل الحكومة الزامبية يدعو للتساؤل، وهي حكومة أفريقية شأنها شأن كثير من حكومات القارة، وفكرة التدخلات الأجنبية وتفجير قضايا من هذا النوع أو إغلاقها دائما ما تكون حاضرة".
وخلص فهمي، للقول: "إذا هناك أطراف في المنظومة الدولية تعمل، فضلا عن توتر علاقات السيسي، مع الخليج بالدرجة الأولى مع السعودية وبالدرجة الأقل الإمارات".
وأضاف: "السيسي، الآن، كما أنه يلقى نوعا من الازدراء والاحتقار من الشعب المصري ومكونات الحالة السياسية أصبح أيضا يلقى نوعا من الرفض والتهميش بل وكشف الملفات عنه في المنظومة الدولية".
ويعتقد أن "الفترة القادمة ستسفر عن مزيد من فضائح السيسي، التي من شأنها أن تراكم مشاكله ومآسيه لدى داعميه بالخارج، مما يزيد من حالة ضعفه وتفككه في الداخل وبما ينعكس على حاضنته الرسمية المتمثلة بالمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية، أو حاضة 30 يونيو التي بدأت تنفض عنه".
وختم السياسي المصري بالقول: "وبالتالي نحن أمام مشهد يتم فيه تمزيق السيسي إربا إربا من قبل المنظومة الدولية، وهذا يؤشر أن عمر السيسي في الحكم مسألة وقت ليس أكثر".
من جانبه، قال السياسي والبرلماني المصري السابق الدكتور محمد عماد صابر: "بالنسبة لتعامل زعماء العرب مع لوبيات الضغط ومراكز تلميع الزعماء في أمريكا، فهذا أمر مألوف وليس سرا، وجرت العادة على ممارسته من قبل زعماء العرب، فاستخدام جماعات الضغط في أمريكا أمر قديم".
وعن حضور فضائح السيسي في الإعلام العالمي، يعتقد صابر، في حديثه لـ"عربي21"، أنها "قد تكون بداية نهايته، وقد يرتبون لهذا عبر الانتخابات، استباقا لأي ثورة تطيح به".
ويرى أن "السيسي، مفسد يرعى الفساد فى مصر بالأساس، وفهم اللعبة مبكرا، وكل أماله وطموحاته أن يحافظ على استمرار شرعيته الزائفة"، معربا عن أسفه من أن "مصر لم تعد دولة قانون، ودستورها يتلاعب فيه السيسي منفردا ببرلمان مزيف".
وأشار إلى أن "أمريكا تدرك أن الوضع بمصر خطير، وتقدير الموقف عندها قد ينفجر ويؤثر بالسلب علي مصالحها"، مبينا أن "هذا لا يتم إلا بخضوع السيسي، خضوعا كاملا أو بالتخلص منه، والانتخابات فرصة".
ويرى السياسي المصري، أن "الديمقراطية بعيدة المنال في ظل تغول رجال المال"، موضحا أن "الغرب في نظامه السياسي يحرص على إشراك المجتمع في العملية السياسية، ولكنّه قصر ذلك على شعوبهم فقط".
وقال إنه "لا يهمه أن تعيش باقي المجتمعات في ظل حكم استبدادي أو ديمقراطي"، ملمحا إلى أن "المجتمعات غير الغربية في نظر الغرب مجرد سلعة سياسية للاستهلاك المحلي فقط".
وأكد أن "صناع السياسات الغربية هم أوسع خطوات وأكثر تآمرا على حرمان المجتمعات الشرقية وخاصة المسلمة من الحق في الاختيار السياسي"، مشددا على أن "انتظار أن يسهر الغرب على الديمقراطية، ولا سيَما أمريكا لا يختلف عن انتظار أن يأمر إبليس بالمعروف وينهى عن المنكر".
"حملة التكنوقراط"
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد الناشط المصري المعارض الدكتور سعيد عفيفي، أن مجموعة "تكنوقراط مصر"، تخوض حملة للكشف عن أسماء المسؤولين المصريين الذين تورطوا في قضية رشوة السيناتور الأمريكي ميننديز.
وأكد أن مجموعة التكنوقراط وجهت رسائلها إلى كل من المدعي العام الأمريكي والمباحث الفيدرالية، بهذا الشأن، داعية المعارضين المصريين في أمريكا وأوروبا وأستراليا وكندا ونيوزيلندا لإرسال تلك الرسائل بالبريد للجهتين الأمريكتين.
ولفت إلى أن تلك الحملة محاولة لفضح جرائم نظام السيسي، موضحا أنهم سيصلون بالحملة إلى وسائل الإعلام الأمريكية لممارسة المزيد من الضغوط، قبل الأربعاء المقبل، وهو موعد مثول السيناتور الأمريكي وباقي المتهمين أمام المحكمة.
"ما خفي كان أعظم"
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي أثارت تلك الفضائح الكثير من انتقادات المتابعين والمراقبين بينهم السياسي والحقوقي المصري الدكتور أسامة رشدي، الذي أشار لفضائح عبارة عن "رشاوى وعمولات وذهب بمئات الآلاف من الدولارات".
بعد تحقيقات استمرت اكثر من عامين وجه المدعي العام لمانهاتن الاتهام رسميا للسيناتور الديمقراطي #روبرت_منينديز والمصري الأمريكي #وائل_حنا بتهم الرشوة والفساد والإضرار بالمصالح الأمريكية.
بدأت التحقيقات بسبب الشكوك من احتكار شركة ناشئة لا خبرة سابقة لها بإصدار شهادات الحلال للذبائح… pic.twitter.com/FzZfgyYTcD — أسامة رشدي (@OsamaRushdi) September 22, 2023
وقال عبر "تويتر"، إنها "عمليات رشوة وفساد ليست لصالح مصر بل لصالح فساد العصابة نفسها وصفقاتها واحتكاراتها وللتغطية على جرائمهم"، مضيفا: "وكل يوم يكتشف الشعب فضائحهم في أفريقيا وأمريكا وما خفي كان أعظم".
بينما قال المرشح الرئاسي المحتمل أحمد الطنطاوي: "أتت تلك الاتهامات لتضيف علامة استفهام ثقيلة وأسفا عميقا على ما آل إليه حال مؤسسات الدولة ومسئوليها الكبار، وتورط بعضهم المتكرر في أحداث مثيرة للجدل تلقي بظلالها على سمعة مصر وصورتها الدولية".
بيان
الاتهامات الأمريكية لمسئولين بدفع رشاوى لنائب أمريكي وحق الشعب في المعرفة والمحاسبة
تابعت باهتمام بالغ قرار الإدانة الذي صدر بحق رئيس لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي روبرت مينديز وما جاء فيه من اتهامات لرجال أعمال ومن ورائهم مسئولين مصريين بدفع رشاوى ضخمة… pic.twitter.com/zrMNr0TXR4 — Ahmed Altantawy - أحمد الطنطاوي (@a_altantawyeg) September 24, 2023
وأضاف في بيان اطلعت عليه "عربي21": "ومما يضاعف الأسى ارتباط تلك الاتهامات بدفع رشاوى باهظة تقدر بملايين الدولارات في وقت تمر فيه البلاد بأزمة اقتصادية طاحنة... ".
واتهم الكاتب الصحفي مجدي الحداد، نظام السيسي، بأنه أسوأ من "آل كابوني" و"المافيا"، مؤكدا عبر "فيسبوك"، أنهم "أفضل وأكثر خلقا وصدقا ونظافة والتزاما بالعهود والوعود، وأرحم ألف مرة وأقل دموية وأدنى إجراما، وأقل جهلا وأكثر غيره وحرصا على قومهم من العصابة".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية فضائح المصري السيسي فرنسا مصر السيسي فرنسا الولايات المتحدة فضائح سياسة سياسة سياسة تغطيات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإعلام العالمی السیاسی المصری وسائل الإعلام حکومة السیسی نظام السیسی فی أمریکا الکشف عن إلى أن
إقرأ أيضاً:
منظومة إعلام السيسي المضطربة ونظرية خيل الحكومة!!
"كل الحب والتقدير لشركتنا المتحدة للإعلام ورجالها، وقياداتها، الشركة الأكبر في الوطن العربي، وحصن الإعلام المصري ولو كره الكارهون".. نص موحد نشره على صفحات التواصل إعلاميو وموظفو الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وهي الكيان الذي يضم العديد من الصحف والقنوات والمواقع الإخبارية وشركات الإنتاج التلفزيوني والسينمائي.. الخ، هي باختصار منظومة إعلام السيسي التي حلم بها، وحسد عبد الناصر على امتلاكها من قبله، هي منظومة جديدة ومتنوعة ومتكاملة، تعتمد عليها السلطة الحالية بشكل أساسي بعد فقدانها الأمل في إعلام الدولة التقليدي (قنوات التلفزيون الرسمي والإذاعات والصحف ووكالة الأنباء الرسمية).
هذه المنظومة الجديدة التي بدأ بناؤها منذ العام ٢٠١٦ إما بتأسيس قنوات جديدة؛ مثل شبكة دي إم سي التي أنشأ النظام لها شركة دي ميديا، وكان اللواء عباس كامل -مدير مكتب السيسي حينها، رئيس المخابرات المقال لاحقا- أحد مؤسسيها وفق عقد التأسيس الرسمي، وكان مخططا لها أن تضم عشر قنوات متنوعة بين السياسي والاقتصادي والاجتماعي والرياضي والترفيهي والديني الخ، لكنها لم تكتمل بسبب حالة ارتباك وقصور مالي.. أو بتأسيس شركات أخرى لشراء قنوات قائمة من رجال الأعمال مثل شبكة قنوات الحياة (صاحبها السيد البدوي؛ رجل الأعمال ورئيس حزب الوفد السابق) وشبكة قنوات سي بي سي (وصاحبها رجل الأعمال محمد الأمين الذي عاش غامضا ومات ميتة غامضة بعد حبس غامض)، وشبكة قنوات المحور (وصاحبها رجل الأعمال الدكتور حسن راتب الذي أدخل السجن وخرج بعد قضاء عقوبته)، وشبكة أون تي في (وصاحبها رجل الأعمال نجيب ساويرس) وشبكة قنوات دريم (وصاحبها رجل الأعمال أحمد بهجت)، كما تم الاستيلاء على صحيفة المصري اليوم من رجل الأعمال صلاح دياب، وتم الاستيلاء أيضا على معظم الصحف والمواقع الإخبارية المملوكة لرجال الأعمال، وتم ذلك بمبالغ زهيدة مع تهديدات علنية أو مبطنة لأصحاب تلك القنوات والصحف في حال امتناعهم عن قبول عروض الاستيلاء.
اختيار الإعلاميين والموظفين للعمل في هذه الشركة تم بطريقة عسكرية في البداية، حيث كان يتم استدعاء البعض للعمل وفق مواصفات خاصة، دون أن يتقدم هو بطلب لذلك، ولاحقا يجري عمل فحوص أمنية لمن يعلمون في قنوات وصحف تلك الشركة للتأكد من خلوهم من أمراض الانتماءات السياسية!
لاحقا تم جمع كل الشركات التي أسسها النظام والقنوات والصحف التي استولى عليها تحت مظلة شركة جديدة هي الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، والمملوكة لجهاز المخابرات المصري (يستعيضون عن ذلك بمسمى جهة سيادية)، وحتى اختيار الإعلاميين والموظفين للعمل في هذه الشركة تم بطريقة عسكرية في البداية، حيث كان يتم استدعاء البعض للعمل وفق مواصفات خاصة، دون أن يتقدم هو بطلب لذلك، ولاحقا يجري عمل فحوص أمنية لمن يعلمون في قنوات وصحف تلك الشركة للتأكد من خلوهم من أمراض الانتماءات السياسية!
نعود إلى قصة البوست الموحد الذي ظهر في توقيت واحد، وبصيغة واحدة من إعلاميي وموظفي الشركة المتحدة، والذي يكيلون فيه المديح لمؤسستهم، ويصفونها بأنها الأكبر في الوطن العربي (متجاوزين شبكة الجزيرة، وشبكة إم بي سي، وشبكة روتانا، وغيرها من الشبكات الإعلامية العربية واسعة الانتشار والتأثير) كما يصفونها بأنها حصن الوطن، وهو مصطلح عسكري ينبئ عمن كتبه ووزعه عليهم. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما السر وراء هذه الحملة الدعائية المفاجئة للشركة المتحدة؟ لعل متابعة بعض التطورات في المجال الإعلامي وربطها، ببعضها يمكننا من التوصل للسر..
الحدث الأبرز المرتبط بملف الإعلام هو إقالة رئيس المخابرات السابق اللواء عباس كامل، وهو المؤسس الأول لهذه المنظومة الإعلامية الجديدة بتكليف من السيسي، فهو (عباس) الذي أنشأ شركة دي ميديا للإعلام، وهو الذي أشرف على إنشاء قنوات جديدة، وهو الذي أشرف على عملية الاستيلاء على القنوات والصحف من رجال الأعمال، وبالمحصلة هو الذي أنشأ هذه الإمبراطورية الإعلامية، وكان ساعده الأيمن هو العقيد أحمد شعبان في توجيه الصحفيين والإعلاميين عبر التواصل المباشر، أو عبر رسائل نصية فيما اصطلح عليها رسائل السامسونج!!
كان الحدث المهم الثاني إذن هو إقالة العقيد أحمد شعبان، دون الإعلان رسميا عن خليفته، ما أوجد حالة من الفوضى، ليأتي الحدث الثالث وهو ظهور اسمي المستشار وزير العدل السابق عمر مروان، والمستشار الإعلامي للسيسي اللواء محسن عبد النبي، كمسئولين جديدين عن الملف الإعلامي، وخاصة إعلام الشركة المتحدة، وليحدث المزيد من التوتر بين الإعلاميين في الشركة، وخاصة الذين ارتبطوا بالعقيد أحمد شعبان، حيث إن من الطبيعي أن يختار المشرف الجديد رجاله، ولا يعتمد على رجال من سبقه. وقد كشفت بعض التسريبات عن الاتجاه للاستغناء عن مذيعين، وإعادة مذيعين اختفوا عن الشاشة مؤخرا في إطار معارك داخلية مكتومة؛ ليس من بينها الخلاف على مستوى أو درجة الحرية الممنوحة للإعلام..
هنا ظهر أيضا تعليق لأحد مقدمي البرامج الحوارية (وهو بالأساس محام وليس إعلاميا)، وقد كتب على صفحته تعليقا أثار الجدل حتى إن البعض اعتبره سبب الحملة التسويقية الأخيرة للشركة المتحدة عبر الاسكربت الموحد، كتب يقول إن مقدمي البرامج الحوارية كانوا من وجهة نظر الدولة (يقصد نظام السيسي) أبطال في 30 يونيو، ثم أصبحوا عبئا بعد ذلك، وبعد أن تم تعريضهم لاختبارات وتجارب واختراعات، ممكنة وغير ممكنة، ومعقولة وغير معقولة لدرجة أنه تم حبس أحدهم بسبب إحدى حلقاته، ولم يستطع زملاؤه إدخال الدواء له في الحجز! كما تم وقف برامج معظمهم (مبالغة منه). ثم تساءل مستنكرا ومستهجنا: هل استطاعت الدولة (يقصد السلطة الحاكمة) توصيل رسالتها للشارع المصري عن طريق المؤتمر الصحفي لرئيس الوزراء كل أربعاء؟
يعكس كلام هذا المحامي (الإعلامي) حالة من الغضب لمن تم أو سيتم الاستغناء عنهم ضمن التغييرات الجديدة، وهو يرى أنه وكل من على شاكلته ساعدوا النظام كثيرا من قبل، وينسى هذا المحامي (الإعلامي) أن بدلاءه ومن على شاكلته سيكونون أكثر تطبيلا، لكنهم وجوه جديدة بعد الاحتراق الكامل للوجوه القديمة، وسيحاول من خلالها النظام إيهام نفسه وإيهام الشعب بحدوث تغيير، رغم أنه سيظل تغييرا في الوجوه والقيود وليس السياسات..
ربما أراد إعلاميو "المتحدة" من خلال هذه الحملة التسويقية المفاجئة إثبات أن ولاءهم للشركة أو للمنظومة ذاتها، وليس للعقيد أحمد شعبان، ولأننا بصدد تغييرات شكلية يراد تضخيمها فسوف يكون من بينها كشف العديد من أوجه الفساد المالي داخل هذه المنظومة، وفضح كل من تورطوا فيه، على طريقة "آخر خدمة الغز (العوالم) علقة"، وعلى طريقة خيل الحكومة التي يتم التخلص منها بإطلاق الرصاص عليها حين تصل إلى مرحلة العجز عن الجري.
منذ تم تأسيس هذه المنظومة الإعلامية الجديدة والتي أخذت على عاتقها ترويج (وهْم) الجمهورية الجديدة، كان واضحا أنها منظومة ذات طبيعة خاصة، فلا هي تشبه الإعلام الخاص الذي يصدر عن شركات مساهمة، ولا هي إعلام حزبي مثل ذاك الذي تصدره الأحزاب السياسية، ولا هي إعلام عام مثل التلفزيون الرسمي بقنواته وإذاعاته وشركاته، ومثل المؤسسات الصحفية القومية؛ هذا الوضع الخاص بهدف تجنيبها المساءلة المالية، فليس هناك الجمعية العمومية للمساهمين التي تحاسب إدارات الإعلام الخاص، وليس هناك رقابة للجهاز المركزي للمحاسبات أو هيئة الرقابة الإدارية كما هو الحال بالنسبة للإعلام الحكومي (القومي)، هذه المنظومة الجديدة تتبع بالأساس صندوقا خاصا مملوكا للمخابرات المصرية (صندوق إيجل كابيتال) وهو مثل غيره من صناديق "علي بابا" لا يستطيع أحد خارج الدائرة (السيادية) مساءلته.
بعد 23 يوليو 1952 صنع النظام الجمهوري الجديد إعلامه الخاص بطريقين، أولهما تأسيس صحيفة معبرة عنه هي صحيفة الجمهورية عام 1954، ووكالة أنباء الشرق الأوسط عام 1955، والإذاعة والتلفزيون سنة 1960، والطريقة الثانية هي تأميم المؤسسات الصحفية العريقة القائمة في ذلك الوقت مثل الأهرام وأخبار اليوم وروز اليوسف ودار الهلال.. الخ؛ عام 1960. وما فعله نظام السيسي في تأسيس منظومته الإعلامية هو استنساخ مشوه لتلك التجربة، فالتأميم في الحالة الأولى نقل أصول المؤسسات الإعلامية لملكية الشعب، وجعلها تحت إشراف هيئات شعبية منتخبة بدءا من الاتحاد القومي، ثم الاتحاد الاشتراكي، وصولا إلى مجلس الشورى، وأخضع ميزانياتها لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات (وإن كان في تلك الرقابة تساهل خاصة في العقود الأخيرة)، أما التأميم الذي تم للقنوات الإعلامية الخاصة في عهد السيسي، فإنه لم ينقل أصولها للشعب، بل إلى صندوق خاص بمؤسسة عسكرية، ولم يخضعها لرقابة المؤسسات الرقابية كما أسلفنا.
رغم الإنفاق الكبير على هذه المنظومة إلا أن شكوى السيسي منها مستمرة، فهي في نظره لم تقم بدورها المنتظر في التسويق لما يعتبره إنجازات كبرى غير مسبوقة، وهي في نظره لم تستطع الوصول للرأي العام، وهي أيضا لم تستطع منافسة القنوات والصحف التي يعتبرها معادية لنظامه. والحقيقة أنها ستظل في هذا المستوى بل ستنحدر أكثر في الفترة المقبلة، ذلك أن الإعلام لا يزدهر إلا في ظل أجواء الحرية، رغم الإنفاق الكبير على هذه المنظومة إلا أن شكوى السيسي منها مستمرة، فهي في نظره لم تقم بدورها المنتظر في التسويق لما يعتبره إنجازات كبرى غير مسبوقة، وهي في نظره لم تستطع الوصول للرأي العام، وهي أيضا لم تستطع منافسة القنوات والصحف التي يعتبرها معادية لنظامه. والحقيقة أنها ستظل في هذا المستوى بل ستنحدر أكثر في الفترة المقبلة، ذلك أن الإعلام لا يزدهر إلا في ظل أجواء الحريةوهو الأمر المفتقد حاليا، وقد فقد الشعب الثقة بهذا الإعلام التعبوي، والذي يعبر عن السلطة وليس الشعب، واتجه المشاهدون للقنوات الفضائية التي تمتلك قدرا كبيرا من الحرية، سواء كانت قنوات عربية وعالمية معروفة مثل الجزيرة وبي بي سي، والحرة، ودويتشة فيلا، أو قنوات المعارضة المصرية في الخارج، وقد رصدت هذا التحول لدى المشاهدين بعض المؤسسات المختصة مثل إبسوس.
يجادل السيسي ورجاله أن الإعلام كان قويا، ومحل ثقة المواطنين أيام عبد الناصر والسادات رغم غياب الحريات، والحقيقة أن كلا الرئيسين السابقين كان يمتلك مشروعا، وكان لكل من هذين المشروعين رجاله في الإعلام المقتنعون به، والمدافعون بإخلاص عنه. كان لعبد الناصر برنامج تنموي واستقلالي اشتراكي، وكان للسادات مشروع انفتاحي، بخلاف أنه صاحب نصر أكتوبر، وصاحب مشروع السلام (بغض النظر عن تقييمنا له)، بينما لا يوجد للسيسي مشروع واضح، سوى بناء أكبر عاصمة إدارية تحوي أكبر برج في أفريقيا، وأكبر مسجد وأكبر كنيسة، وأعلى ساري علم. وقد طبل إعلامه لهذه المشاريع بما فيه الكفاية، لكن هذا الإعلام وقف عاجزا عن تبرير سياسة النظام في التخلي عن جزيرتين، والفشل في إدارة ملف سد النهضة، والتسبب في أزمة المديونية الخارجية وانهيار قيمة الجنيه، وارتفاع الأسعار، وتراجع دور مصر الإقليمي والعالمي.. الخ.
ستظل منظومة إعلام المتحدة ومعها باقي الإعلام المصري (باستثناءات قليلة) في حالة فشل متزايد، وعلى الأرجح سيتصرف النظام بحماقة مع هذا الفشل (الذي هو سببه)، حيث سيجد في التخلص من الإعلام الرسمي فرصة لجمع مليارات الدولارات من بيع الأصول التي يمتلكها هذا الإعلام، والذي تركه النظام يموت ببطء، كما أنه قد يعرض بعض المؤسسات الإعلامية التابعة للشركة المتحدة نفسها للبيع أيضا بعد تيقنه من فشلها وتحقيقها المزيد من الخسائر، بل قد يستغني عن المنظومة كلها، ليؤسس منظومة جديدة مع هذا الطاقم الجديد المكلف بالملف الإعلامي.. لننتظر ونتابع.
x.com/kotbelaraby