تدوير النفايات العضوية بالذهب الاخضر …من بغداد الى كل العراق !

سبتمبر 25, 2023آخر تحديث: سبتمبر 25, 2023

المستبلة/-عديلة شاهين

  في اطار مجابهة تكدس النفايات العضوية و آثارها الملوثة للبيئة في بغداد، أنشأت مروة النعيمي مشروع الذهب الأخضر لاعادة تدوير النفايات العضوية و تحويلها الى منتجات زراعية عضوية.

تطمر العاصمة بغداد حالياً قرابة 10 آلاف طن يومياً من النفايات قرب الاحياء السكنية مما جعلها اكثر المحافظات العراق تسجيلا لنسب التلوث بعد ان قارب عدد سكانها  لعام 2022 اكثر من 9 ملايين نسمة يعيشون بمساحة تبلغ 4555 كم2 و ان الكثافة السكانية فيها 1977.

2 فرد/كم 2، حسب جدول للجهاز المركزي للاحصاء التابع لوزارة التخطيط، و تعد اصغر محافظات العراق مساحة بالرغم من الزيادة المهولة في عدد  سكانها.

مروة النعيمي هي مهندسة عمليات تصنيع و مؤسسة مشروع الذهب الأخضر (Green Gold)  لاعادة تدوير النفايات العضوية و تحويلها الى منتجات زراعية عضوية، و سفيرة استدامة في مركز بغداد للطاقة المتجددة.

تقول مروة، ايضا النائب العملي لقطاع البيئة في الاتحاد العربي للمرأة المتخصصة , و هي اول امرأة انشأت مشروع لتدوير النفايات العضوية في العراق، ” انطلقت فكرة المشروع بعد ان لاحظت الكمية الكبيرة من الطعام المهدور في المطاعم و المنازل و التي تشكل 70٪ من النفايات و هي نسبة تشكل خطراً كبيراً على البيئة لذا بدأت في عام 2019 بدراسة كيفية التخلص من النفايات العضوية و تحويلها الى منتجات زراعية في ماليزيا، و قررت نقل التجربة الماليزية باستخدام كرات GG  للزراعة التي ينتجها المشروع.”

 

يعد تكدس النفايات ظاهرة خطيرة على مجتمعنا تنتهي بأكياس سوداء تملأ مكبات النفايات ثم تتحول الى غمامات سوداء نتيجة حرقها من قبل ما يدعى ب( النباشة) ! و هو ما يشكل عبئاً على البيئة بسبب الغازات التي تصدر من خلال عملية الحرق او التحلل.

كما يعد العراق من اكثر البلدان تعرضاً لخطر التلوث بسبب النفايات و يبقى استغلالها و اعادة تدويرها فرص اقتصادية ضائعة في ظل عدم الجدية في التعامل معها, في الوقت نفسه يحتل العراق المرتبة الثانية من بين اكثر دول العالم تلوثا، فيما جاءت العاصمة بغداد بالمرتبة 13 من بين المدن العالمية خلال عام 2022 وفق مسح عالمي سنوي اجرته شركة سويسرية لتصنيع اجهزة تنقية الهواء.

من نقمة الى نعمة

“حلمي أن تزرع في الساعة الواحدة مليون شجرة، و إن الروح الإيجابية والمستبشرة والمحبة والمُوقنة بالنجاح، هي التي تحقق النصر والتقدّم والسعادة، وتذلّل العقبات” بهذه الكلمات بدأت مروة يومها باليقين والأمل والتفاؤل الذي تبثه يومياً بذكاء و لطف بين العمال و العاملات مع بداية انخفاض درجات الحرارة في أوائل أيلول حيث النسيم الذي يضفي الانتعاش و رائحة الجو الرطبة.

انشيء مشروع الذهب الاخضر على مساحة ثلاثة دونمات  فقط في منطقة الدورة جنوب بغداد, و هو عبارة عن مزرعة و معمل لانتاج الاسمدة العضوية و كرات جي جيGG وهي كرات صغيرة من السماد تحتوي على شتلات لاشجار و نباتات متنوعة، ويبلغ عدد عمال المعمل والمزرعة 11 عاملاً وعاملة و العدد قابل للزيادة في موسم الزراعة.

افتتح مشروع الذهب الأخضر في عام 2019 بميزانية مليوني دينار فقط و قد حقق نجاحا تناقلته وسائل الاعلام المحلية, وبعد تطور المشروع كانت مؤسسة المحطة من الشركاء و الداعمين للمشروع .

تقول مروة: انطلقت مبادرات اخرى مصاحبة للمشروع منها ” أصدقاء الكوكب” بالتعاون مع نادي منستوري للتعليم التفاعلي و هي مبادرة للتعليم التفاعلي البيئي مخصصة للأطفال من عمر 10_ 13 سنة  في اكثر من مدرسة  لخلق جيل يعي أهمية المحافظة على البيئة و من خلالها اقمنا ورش و مهرجانات لزيادة الوعي البيئي لدى الافراد و المؤسسات .

الهدف الأول من انشاء المشروع الحفاظ على البيئة بتقليل النفايات العضوية و تحويلها الى منتجات زراعية, اما الهدف الثاني دعم القطاع الزراعي و انتاج منتجات زراعية صديقة للبيئة تنافس المستورد في الجودة و السعر, و الهدف الثالث خلق فرص عمل للنساء النازحات نتيجة تغير المناخ و جفاف الاهوار، اللواتي لا يمتلكن مهارات سوى الزراعة، لتعويض نقص الموارد لدى اسرهن نتيجة الجفاف و النزوح من الجنوب الى بغداد.

بلغت النفايات المرفوعة في عام 2019 نحو 10,6 مليون طن أي بمعدل 1,5 كيلوغرام يومياً لكل فرد بحسب الجهاز المركزي للإحصاء كما بلغت 12 مليون طن يومياً من النفايات في عام 2020, و تؤشر احصائية عام 2023 بان العراق اصبح ينتج نحو 20 الف طن يوميا و بواقع 2 كيلو غرام للفرد مما يوضح ارتفاعا في معدل النفايات اليومية للافراد.

في هذا الصدد تحدث مدير قسم مراقبة و تقييم الانشطة الصناعية و الخدمية، لدى وزارة البيئة جليل حسين سلمان قائلا: تنطوي عملية حرق النفايات قريبا من المناطق السكنية على مخاطر كبيرة بسبب انبعاث الدايوكسينات والفيورينات وهي مواد مسرطنة تنتج عند حرق المواد الموجودة ضمن النفايات البلدية, فضلا عن انبعاث اكاسيد الغازات والدقائق والتي يمكن ان يؤدي استنشاقها الى الاصابة بامراض الجهاز التنفسي والربو والحساسية بالاضافة الى التاثيرات البيئية المتمثلة بتردي نوعية الهواء المحيط.

كما ان عملية الطمر غير النظامية للنفايات يؤدي الى تحول هذه المواقع الى بؤر خصبة لتكاثر الجراثيم والبكتريا والفيروسات والعوامل المعدية وانتشار الروائح الكريهة فضلا عن امكانية العبث بها من قبل جامعي القمامة واحتمالية اصابتهم بالامراض المختلفة او تعرضهم للمخاطر بسبب النفايات الحادة المطروحة مع النفايات البلدية.

يردف قائلا: اهمية تشجيع مشاريع استثمار النفايات يمكن ان تتضح جليا من خلال انعكاساتها الايجابية حيث يتم التخلص من كميات كبيرة من النفايات التي تطرح يوميا, و يقدر حجم النفايات العضوية بين (٦٠-٧٠) % من حجم النفايات البلدية الصلبة الكلية .

مضيفا : يساهم تدوير النفايات العضوية في درء المخاطر التي يمكن ان تسببها هذه النفايات في حال عدم التعامل معها بشكل امن هذا من ناحية ومن ناحية اخرى يتم تحويل هذه النفايات الى سماد عضوي طبيعي مفيد للتربة ومايمثله ذلك من عائد اقتصادي من خلال تقليل كلف انتاج او استيراد هذه الاسمدة .

عاصرت مروة  الحروب المتعاقبة على العراق التي استخدمت فيها اعظم الاسلحة و ما احدثته من اثار مدمرة على البيئة حيث خلفت احداث عام 2003 اثارا بيئية استمرت لعقدين من الزمن تراجعت خلالها مناسيب المياه في نهري دجلة و الفرات من 22 مليار متر مكعب الى 9,5 مليار متر مكعب، حسب احصائيات وزارة الموارد المائية.

لا تعترف مروة باليأس و بوعيها تقوى على كل الصعاب و تأمل ان تحدث تغييرا و لو بسيطا في الواقع البيئي لان الارادة تصنع المستحيل اذا رافقها الدعم, و اوضحت : “انخفضت المساحات المزروعة في بغداد بسبب الحروب المتعاقبة و  تجريف البساتين اما الزحف السكاني فهو متواصل مع زيادة كبيرة في نسبة النفايات ,دفعتني هذه الاسباب مجتمعة الى مواجهة نفايات بغداد بكل ما املك من قوة و سعيي الدائم لاعادة تشجير بغداد” .

تقول مروة :  بالاضافة الى  عملنا مع  شركة” ايكولايف ” للمنتجات الصديقة للبيئة, اقمنا شراكة أخرى مع مؤسسة الابتكار للتنمية المستدامة و مبادرة عودة للتمكين و التنمية التي تهتم بالأطفال و تدربهم على أهمية الوعي البيئي .

من جانبه يشيد بالمشروع رعد كردي مدير مؤسسة سما الابتكار للتنمية المستدامة ” قائلا :اكتسب تعزيز ريادة المرأة للاعمال البيئية زخماً على مدى العقد الأخير و تدعم مؤسستنا دائماً  المشاريع التي تمنح المرأة استقلالية مادية و تمكنها اقتصادياً من خلال زيادة قدراتها الذاتية و الاستفادة من الفرص التي تتوفر لها بما يعزز التنمية المستدامة لذا لا بد من زيادة الأنشطة و المشاريع التي تساعد على توليد الدخل للمرأة و المنافسة في سوق العمل .

مستدركا قوله: في إحصائية نشرت في تموز 2022، لمنظمة العمل الدولية، فإنّ “هناك نحو 13 مليون امرأة في سن العمل في العراق، ومع ذلك هناك مليون امرأة فقط يعملن”، كما يشير المسح إلى أنّ “معدل مشاركة الإناث في القوى العاملة كان منخفضًا بشكل خاص حيث بلغ 11% مقارنة بـ68% للذكور” , و لقلة الدعم الحكومي دورا كبيرا في  غياب المرأة خاصة في مجال تدوير النفايات العضوية و الاعمال الريادية  التي تدر بالفائدة على المجتمع من جهه والبيئة من جهة أخرى.

استطاع مشروع الذهب الاخضر ان يغطي عددا كبيرا من المزارع العضوية تقول شنال من احدى المزارع الصغيرة التي تستخدم سماد جي جي العضوي لانتاج الخضراوات العضوية في اقليم كردستان “تختلف المنتجات الزراعية العضوية عن الكيمياوية من حيث الطعم و الرائحة و قد نجحت تجربة الزراعة العضوية بفضل سماد الكومبوست من مشروع الذهب الأخضر”.

فاطمة محمد مستفيدة اخرى  من مشروع الذهب الأخضر في بغداد تقول: لطالما حرصت على شراء كرات جي جي العضوية و زراعتها في الحديقة الخارجية للمنزل و نقلت التجربة للجيران في منطقة شارع فلسطين و  كانت المبادرة ناجحة لزيادة التشجير الذي يضفي جمالية للشارع.

توسع توزيع منتجات الذهب الاخضر من بغداد الى اغلب المحافظات العراقية و إقليم كوردستان و تأمل مروة بعد نجاح المشروع وكخطوة ثانية بافتتاح فروع أخرى في كافة المحافظات ليصبح المشروع الأول لتدوير النفايات العضوية الذي يغطي العراق .

يرى نائب رئيس مؤسسة “مثابرون للخير” للبيئة و التنمية انس الطائي ، انه “رغم صعوبة عمل المرأة في مجال جمع النفايات العضوية و إعادة تدويرها لكن لعمل المرأة في مجال حماية البيئة  أهمية كبيرة من حيث منحها استقلالية مادية اولاً و حرصها للمحافظة على البيئة ثانياً “.

و مضى بالقول: على الرغم من أن النساء تحدثن أضرارا للبيئة أقل بكثير مقارنة بالرجال، إلا أنهن الأكثر إسهاما في مواجهة التغير المناخي والدفاع عن الحقوق البيئية  حيث وجد العلماء والباحثين أن النساء تعطين أولوية لقضية تغير المناخ ولديهن ميل إلى الانضمام للحركات المدافعة عن البيئة أكثر من الرجال.

حقق مشروع الذهب الأخضر نجاحاً و حضوراً دولياً و هو من احد المشاريع التي تأهلت لمرحلة المنافسة المحلية لكأس العالم لريادة الاعمال, كذلك مثل المشروع العراق في هولندا _ أمستردام عام 2022  و هو المشروع الريادي الوحيد المشارك من العراق و كانت فرصة عظيمة لتوسيع نطاق العمل خارج العراق و بنفس الوقت نقل التجربة للدول الاوربية, ايضا حصل المشروع على جائزة EBA  لريادة الاعمال العراقية.

اصداء واسعة

زادت منتجات معمل و مزرعة الذهب الأخضر من منتج واحد الى ثلاثة منتجات هي : البتموس و كرات جي جي العضوية و الفيرمي كومبوست و هو سماد عضوي مصنوع من بقايا و فضلات الدود ,ايضاً زادت الإنتاجية منذ انشاء المشروع الى الان من 100 كيس الى 3000 كيس شهرياً و ترك المشروع بصمته على كافة شرائح المجتمع و في اكثر من مجال .

د. زهراء رعد مديرة نادي منستوري للتعليم التفاعلي اشارت الى اهمية التعاون مع مشروع الذهب الاخضر من خلال حملة “اصدقاء الكوكب” موضحة انه تم تعميمها  على 13 مدرسة اهلية و حكومية من خلال اقامة ورش بيئية تفاعلية مضيفة : بلغ عدد الاطفال المستفيدين من الحملة 500 طفل و تضمنت الحملة تعليم الاطفال على الزراعة و بادرنا من خلالها بزراعة 750 شجرة.

من وجهة نظر عبد الرحمن عبد الكريم مدير مؤسسة ايكو لايف فان شريحة واسعة قد استفادت من الشراكة مع مروة من خلال تقديم الحلول للشركات المتوسطة و الصغيرة حول طرق التغليف الصديقة للبيئة و تقديم منتجات مبتكرة خالية من المواد البلاستيكية و انتاج منتجات بديلة كقوارير الماء الزجاجية و حقائب التسوق الصديقة للبيئة و قصبات العصائر المصنوعة من قصب الاهوار.

و تابع: تميزت مروة في مجال الصناعة الخضراء بالرغم من كل العقبات التي واجهتها استطاعت ان تحقق الفائدة العظمى للمجتمع المحلي و الدولي و ان تثبت وجودها كنموذج ملهم لريادة الاعمال البيئية.

نجاح تصاحبه عقبات

هناك العديد من  المعوقات التي تواجه المشاريع الصغيرة  والمتوسطة في العراق وتعتبر طبيعة المعوقات التي تتعرض لها مترابطة مع بعضها البعض، والتي منعت قيام هذه المشاريع بالدور المطلوب منها، حيث تعاني المشاريع الصغيرة و المتوسطة  من عدة معوقات بدءًا من فترة التفكير في المشروع وانتهاءً بالنواحي الإنتاجية والنواحي التسويقية، علاوة على ذلك  مسائل ترتبط  بالنواحي القانونية والنواحي البنيوية وغير ذلك.

لم يحصل مشروع الذهب الأخضر على أي دعم من الدولة  و قد واجهت مروة  عدة عقبات منذ تأسيسه منها ارتفاع أسعار الأراضي الزراعية لذا تم انشاء المشروع على ارض مؤجرة، ففي حالة شراء الأرض لا يمكن تمويل المشروع من ايدي عاملة و مواد أولية و لا يوجد تعاون مع البلدية لانها لا تتعامل الا مع المشاريع التي تمتلك مساحة ارض كبيرة و تكون ملكيتها خاصة.

اما الصعوبات الأعظم هي عمل المرأة في مجال جمع النفايات العضوية و البحث في مكبات النفايات حيث يتطلب العمل المزيد من الجهد البدني ايضاً تعرضت مروة الى الكثير من التنمر و الاستهزاء في باديء الامر و لكنها تجاوزت كل الصعوبات و اثبتت نجاحها على المستوى المحلي و الدولي .

من الصعوبات الاخرى  الانقطاع المبرمج للكهرباء الوطنية  و الاستعانة بالمولدات الاهلية التي لا تلبي الحاجة لكثرة اعطالها و مصاريفها الزائدة، اذ تعاني اغلب مناطق بغداد من انقطاع الكهرباء الوطنية في الصيف و لا يتعدى التجهيز 6 ساعات في اليوم الواحد, ايضا عدم تعاون اصحاب المطاعم لتقديم الفائض من الطعام حيث يوفر تعاونهم الكثير من الجهد و الوقت للحصول على النفايات العضوية .

افاد مدير قسم مراقبة و تقييم الانشطة الصناعية و الخدمية لدى وزارة البيئة جليل حسين سلمان ” بأن اطلاق مشاريع استثمار النفايات العضوية يمكن ان يتم من خلال الجهات القطاعية المسؤولة عن ملف النفايات وهي وزارة الاعمار والاسكان والبلديات العامة وامانة بغداد” .

مبينا :ان وزارة البيئة هي جهة رقابية تراقب اداء هذا القطاع ، علما ان وزارة البيئة يمكن ان تتبنى المشاريع المقدمة بهذا الخصوص في اطار خفض الانبعاثات  لاستحصال التمويل اللازم لها من خلال صناديق التمويل الدولية والتي تقدم الدعم في هذا المجال لمجابهة تاثيرات التغيرات المناخية.

تسعى مروة في المرحلة المقبلة ان تكون منتجات الذهب الاخضر هي المنتجات الأكثر توزيعاً و مبيعاً في الشرق الأوسط مختتمة حديثها بقولها ” خلقت من طين حر مبارك و ألايام تمضي …اتقبل ماهو افضل واسامح   وأبحث عن الخير  لأني الأرض الخصبة المعطاء و كلي ثقة بخالقي إني خليفته وروحه في الأرض”.

 

تم إنتاج هذا التقرير ضمن اطار مشروع أصواتنا المنفذ من قبل منظمة انترنيوز.

المصدر: وكالة الصحافة المستقلة