المشهد اليمني:
2024-11-27@07:21:40 GMT

يمن اللاسلام واللاحرب واللادولة

تاريخ النشر: 25th, September 2023 GMT

يمن اللاسلام واللاحرب واللادولة

أخيراً، وصل وفدٌ حوثيٌّ كبيرٌ إلى الرياض، عاصمة العدوان كما كانوا يطلقون عليها، لأول مرة ممثلا جماعته، منذ بدأت الحرب في اليمن قبل تسع سنوات مضت، مع وفد عُماني، تتويجا لسلسلة طويلة من المباحثات والمشاورات السرّية والعلنية، بين هذه الأطراف التي تسارعت لقاءاتها بوتيرة عالية مع المصالحة السعودية الإيرانية برعاية صينية، والتي توجت أخيرا بتبادل السفراء بين طهران والرياض، ما أعطى ضوءاً أخضر للحوثيين للذهاب والحج نحو الرياض.


كانت السعودية ولا تزال اللاعب الأقوى في الملف اليمني قديماً وحديثاً، وذهاب الحوثيين إليها، أخيرا، أمنية حوثية تأخرت أكثر من عشر سنوات، بفعل الممانعة الإيرانية لذلك، أما اليوم وقد تصالحت إيران والسعودية، فإن هذا ما كان ينقص الحوثيين للذهاب إلى الرياض، وهو ما تحقق لهم. ولكن إلى أي مدى يمكن أن ينعكس مثل هذا اللقاء، من ترتيبات ونتائج، على المشهد اليمني، وهل يمثل أي توقيع في الرياض خاتمة الحرب والأزمة في اليمن، وما موقع الحوثيين ونصيب خصومهم من أي تسوية، وهل يعني هذا أن الحوثيين غادروا مربع الانقلاب وأصبحوا شرعية معترف بها سعودياً على الأقل؟ أم أن الأمر برمته قفزة في الهواء بالنسبة للسعوديين والحوثيين على حد سواء.
ما يمكن قوله هنا، في هذا الخصوص، أن هذا التطوّر أخيرا في المشهد السياسي اليمني، وصول الحوثيين إلى الرياض، لم يكن مفاجئا لأي متابع وقارئ جيد للمشهد السياسي اليمني ولطبيعة السياسات السعودية في اليمن والمنطقة، تلك السياسات التي تدمن التكتيكي على حساب الاستراتيجي، والهروب إلى الإمام وعدم الوقوف في المكان نفسه فترة أطول، والقفز المفاجئ على الواقع السياسي القائم مهما كانت كارثية نتائج هذا القفز، وهي ميزة سياسية سعودية بامتياز. وبالتالي، مثل هذه اللقاءات وما سيترتب عليها لا تعدو كونها هروبا إلى الأمام بالنسبة للحوثيين والسعوديين على حدّ سواء، فالسعوديون في مرحلة انتقال حكم من جيل إلى آخر، وهم بصدد تصفير عدّاد الأزمات السياسية مع محيطهم، والتفرّغ التام لترتيب هذا الانتقال السياسي الأول من نوعه في تاريخ الدولة السعودية، وكانت الحرب هي مفتتح هذا الانتقال، وقد يكون مطلب وقف إطلاق النار في رأي بعضهم مختتما لهذا الانتقال وتثبيتاً له، بغض النظر عن مخاطر مثل هذا التصوّر التبسيطي للأزمة والحرب في اليمن وأبعادها المحلية والإقليمية والدولية.

أما الحوثيون، فيدركون جيداً أنهم ليسوا أكثر من ورقة، وقد استنزفوا كثيراً وانكشفت تماماً حقيقة مشروعهم، عدا عن عجزهم عن تحقيق أي مكاسب أكثر من التي في أيديهم، والتي اختطفوها في لحظة غفلة من التاريخ واليمنيين، فضلاً عن هذا، هم اليوم وجدوا أنفسهم أمام حالة غضب، تتعاظم كل يوم نتيجة ممارساتهم وسياساتهم الطائفية الاستبدادية التي صادرت رواتب الناس وحقوقهم وحرّياتهم وكراماتهم، وأن الناس لم تعد قادرة على تحمل مزيد من طيش هذه الجماعة وإذلالها.
وقبل هذا كله، ترى إيران أنها، هي الأخرى، بحاجة ماسّة وضرورية لاستراحة محارب أمام تعقيدات الملفات الإقليمية التي تورّطت فيها، وأنها أمام مرحلة دولية وإقليمية بالغة التعقيد، وهي بحاجة لحالة استعادة أنفاس وترتيب وضعها الاقتصادي المتردّي، وترتيب كثير من الملفات الضاغطة في كل من العراق وسورية ولبنان واليمن، عدا عن تعاظم الخطر الأفغاني على حدودها الشرقية. ولهذا أعطت حلفاءها الضوء الأخضر للانخراط في هذه المسارات التكتيكية.
من هذا كله، ما يتم وما يجرى من لقاءات سعودية حوثية عُمانية، تكاد تنحصر في شرعنة الوضع القائم يمنياً على ما هو عليه، بلا أي مقاربات أو حلول نهائية للوضع اليمني، وإنما إبقاء الوضع على ما هو عليه، يمن مقسم ومجزأ وكل جزء منه شبه دولة مستقله غير معترف بها، لأن كل ما يجرى تسريبه من مناقشاتٍ لا يقترب من أي تصوّر حقيقي للحل بقدر ما هو عبارة عن مسكنات وحلول إسعافية لمظاهر الحرب، وليس لأسبابها، وفي مقدّمتها سبب الحرب، إسقاط مليشيات الحوثي الدولة، ويتم اليوم الجلوس مع ممثلي هذه المليشيا وجها لوجه، بمعزل عن الجانب الشرعي اليمني المعترف به محلياً ودولياً والمستبعد تماماً عن هذه النقاشات حالياً، وإنما قد يجرى استدعاؤهم لاحقاً للتوقيع على ما تطلبه السعودية منهم.

الحديث عن معالجات الوضع الاقتصادي والإنساني أولوية، كما يجرى التسريب وترويجه، ليس أكثر من نوع من الهروب وعدم الاقتراب من الأسباب الحقيقية للأزمة، وهي مسألة إسقاط الدولة ونهب مقدّراتها وتفكيك وحدة أراضيها وتجاوز نظامها الجمهوري ودستورها واستلاب مواردها وانتهاك سيادتها وتقسيم جغرافيتها، وتركها رهينة ونهباً للمليشيات وأجنداتها المحلية والإقليمية.
كل ما يجرى التحضير له اليوم، وهو ما يدركه اليمنيون جيداً، هو شرعنة للوضع المليشياوي القائم ومنحه شرعية البقاء والوجود، بعد تفكيك مؤسسات الدولة اليمنية وإنهاء شرعيتها وإضعافها بالسياسات السعودية منذ البداية، وهو ما كان يقوله معظم اليمنيين منذ البداية، عن أن التحالف العربي الذي تدخل لم يكن جادّاً وصادقاً في توجهه، بقدر ما كان يعمل على إضعاف كافة الأطراف اليمنية، وفي مقدمتها الشرعية اليمنية التي وجدت نفسها خارج اللعبة كلها، وخارج كل الحسابات.
قد يعتقد الأشقاء في الخليج، وفي المملكة تحديداً، أنهم سيمضون بهذه الطريقة المسرحية لتحديد مستقبل اليمن ومصيره، وهذا تصور واعتقاد سطحيان للغاية، يتجاوزان حقائق التاريخ والواقع، فاليمن ليس جمهورية موز يمكن تشكيلها وتقطيعها وفقاً لمصالح متوهّمة لهذا الطرف أو ذلك، اليمن بلد حي، وشعب واع ومسيّس جداً وضارب جذوره في أعماق التاريخ، وهذه النخبة التي يجرى اليوم استخدامها لتمرير أي شكل من أشكال الوصاية على اليمن لا تعبر عن اليمن ولا تمثله، ولا يمكن فرضها للقبول بأي وضع يُراد تمريره وتحت أي مبرر كان.
الجمهورية والديمقراطية والوحدة قدر اليمنييين ومصيرهم الدائم، وأي تجاوز لهذه الثوابت الوطنية يمنياً يعتبر تحدّيا لليمنيين وإرادتهم الوطنية، وهو تحدٍّ لا يمكن تمريره بسهولة ويسر، وإنما يعمل على تكريس حالة وعي عميق بأهمية الحفاظ على هذه الثوابت، وأن كل من يسعي إلى تجاوزها بأي شكل لا ينظر له اليمنيون سوى أنه عدو واضح لا يمكن الخضوع له وتجب مقاومته.

الأزمة والحرب في اليمن أكثر تعقيداً وعمقاً مما يتخيّله الساسة الخليجيون، فالأمر متعلق بكرامة شعب وكفاحه ونضالاته لعقود، وهذا الوضع لا تمكن حلحلته من القفز في الفراغ وشرعنة وضع مليشياوي شاذ، تحت مبرّرات الإنهاك الذي يعيشه اليمنيون جرّاء هذه الحرب، ووضعهم الإنساني المزري نتيجة انهيار الدولة بفعل هذه الحرب، التي قُدّمت فيها مئات آلاف الضحايا من خيرة ما أنجبت اليمن.
صحيح أن اليمنيين يتمنون السلام ويسعون إليه، وهو سلام الشجعان، السلام الذي يستعيد لهم دولتهم ويحفظ كرامتهم وليس سلام الاستسلام الخضوع للمليشيات، السلام الذي تُستعاد فيه دولتهم، وليس سلاماً على ركام الدولة اليمنية الحديثة التي ضحى ويضحي من أجلها اليمنيون طويلاً. هذا السلام الحقيقي قطعاً ليست بوابته شرعنة واقع مليشياوي تجزيئي لليمن، بل سلام مستدام ينبع من حلحلة أسباب الحرب، وليس تأجيلها وشرعنتها، وغير هذا لن يُكتب لأي جُهد مهما كان أي نجاح، لأن استعادة الدولة اليمنية هي الحل الوحيد الذي يرى اليمنيون من خلاله نهاية الحرب والأزمة اليمنية، وليس سلاماً لاستراحة المتحاربين، ليستأنفوا من بعدها حروبهم اللانهائية.
وختاماً، هذا الاندفاع السعودي والحوثي لا يقود إلى أي شيء يمنياً ، بقدر ما يكرّس واقعا مشوّها ومكشوفا، يسعى الطرفان إلى إنجازه، وهو توهم تجاوز لحظة الحرب، وتوهم أن هذه الخطوة ستجعل اليمنيين يستسلمون لها ولواقع تشكّلها، وهو واقع لن يُنتج سوى حالة من اللاسلام واللاحرب واللادولة، وهذا الواقع هو ما يرفضه اليمنيون جملة وتفصيلاً.

اقرأ أيضاً كابوس ‘‘المكحل’’ يطارد المليشيات الحوثية في إب.. وتوجيهات صارمة بشأن الاحتفال بذكرى ثورة سبتمبر القبائل تقبض على طقم ‘‘المولد النبوي’’ محملًا بالمخدرات الحوثية (فيديو) قيادي اشتراكي: عيدروس الزبيدي ممثل للجمهورية اليمنية ولن يستعيد الدولة الجنوبية من نيويورك مليشيا الحوثي تبرئ ‘‘مسؤوليها’’ من جريمة قتل أطفال السرطان.. وتغلق ملف القضية بحكم هزلي عرض رأس ‘‘فاتنة’’ يمنية للبيع في لندن أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الريال اليمني القبض على ‘‘المتوكل’’ في ذمار بعد ارتكابه جريمة بشعة درجات الحرارة المتوقعة في مختلف المحافظات اليمنية مفاجأة مدوية: أمريكا تعترف بدعم الحوثيين لإسقاط صنعاء 2014 ومنع قوات طارق والجيش الوطني من تحرير الحديدة وصنعاء وصعدة! بدعم كويتي.. أول جامعة للذكاء الاصطناعي في اليمن يمانيون في موكب ثورة 26 سبتمبر 1962م .. اللواء عبد الله جزيلان والذي طالب بتجريم الهاشمية شاهد .. أحد المتنفذين في العدين بإب يحول مياه المجاري ”العادمة” إلى مقبرة الأموات بالتواطئ مع الميليشيا

*العربي الجديد

المصدر: المشهد اليمني

كلمات دلالية: فی الیمن أکثر من ما کان

إقرأ أيضاً:

أحلام الطفل عزام.. عندما تسرق الحرب الطفولة بين صواريخ اليمن وغربة إسطنبول

وللوقوف على إحدى تجارب الأطفال مع الحرب واللجوء تناولت حلقة جديدة من برنامج "ضحايا وأبطال"، التي تبث على منصة "الجزيرة 360" مأساة الطفل اليمني عزام فهد سلطان، البالغ من العمر 12 عاما، الذي فرّ مع عائلته من ويلات الحرب في اليمن ليجد نفسه أمام تحديات جديدة في تركيا.

وبدأت رحلة عزام مع الحرب في عام 2014، عندما اشتد الصراع في اليمن بعد سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) على العاصمة صنعاء.

ويروي والد عزام للبرنامج تلك اللحظات المصيرية قائلاً: "اندلعت الحرب بشكل كبير بعد دخول الحوثيين إلى صنعاء، وزادت وتيرة الحرب بشكل أوسع، وأصبحنا نحن، خاصة الصحفيين في العاصمة صنعاء، مهددين بشكل كبير".

اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4أجلي 1539 وبقي 1200.. يمنيون عالقون في بورتسودان منذ شهر يعانون الأمراض ووفياتlist 2 of 4عقاب يطال 800 ألف يمني.. “الحياة مجازفة” في مدينة تعز المحاصرةlist 3 of 4في يومهم العالمي.. معلمو اليمن يواجهون أزمات معقدةlist 4 of 4الأمم المتحدة: 9.8 ملايين طفل يمني بحاجة لمساعدة إنسانيةend of list

وأضاف: "في شهر سبتمبر/أيلول 2014، وصلني تحذير من أحد العاملين في السلك الأمني بأن اسمي من ضمن المطلوبين لدى جماعة الحوثيين".

وأجبر هذا التهديد والد عزام على الفرار أولاً، تاركا عائلته خلفه في منطقة الصراع، ويصف هذه التجربة المؤلمة قائلاً: "كانت تجربة صعبة جدا، لم تكن مجرد سفر وعودة، بل كنت بعيدا وأولادي تحت القصف والاستهداف في منطقة مليئة بالحروب والصراعات".

وضع مرير

ومن جانبها، تصف والدة عزام للكاميرا الوضع المرير الذي عاشته العائلة قائلة: "الحرب في اليمن كانت سيئة علينا وعلى الأطفال، لقد عشنا فترة كبيرة في خوف وتهديد، وكان زوجي يختبئ في البيت أياما، ثم ينتقل لمكان آخر محاولاً التمويه على الحوثيين".

ولم يكن عزام بمنأى عن آثار الحرب النفسية العميقة، وفقا لوالدته: "كان عزام متأثرا نفسيا بعد الحرب، وأحيانا كان يصرخ في الليل بشكل لاإرادي من الخوف".

ويروي عزام نفسه للبرنامج تجربته المروعة قائلاً: "كنا نسمع أصوات الطائرات والقذائف والدبابات، وفي أحد أيام رمضان، كنا نلعب ثم فجأة سمعنا صوت صواريخ تُقذف، فأغمي عليّ ووقعت على الفراش من شدة الخوف".

وبعد 4 سنوات من الصراع، تمكنت عائلة عزام أخيرا من الفرار إلى تركيا، ويقول عزام: "نحن في تركيا، في إسطنبول، منذ 4 سنوات، نعيش مع أبي وإخوتي الستة".

ورغم الأمان النسبي في تركيا، واجه عزام وعائلته تحديات جديدة، أبرزها الوحدة حيث لا يوجد في إسطنبول الكثير من المعارف والأصدقاء من اليمن.

حنين متجدد

ومع مرور الوقت، بدأ عزام في التأقلم مع حياته الجديدة، وفق والدته: "مع الأيام، أصبح عزام أقل اهتماما بمشاهدة أخبار الحروب، وبدأ يهتم بالبرامج العلمية والوثائقية".

ولكن الأمن الذي تعيشه الأسرة في إسطنبول لم يمنع قلب عزام أن يخفق بالحنين للوطن فيقول: "اليمن حلو، اليمن بلد عمره 5 آلاف سنة تقريبا، نريد العودة يوما ما".

ورغم كل ما مر به، يحتفظ عزام بأحلامه وطموحاته، ويريد أن "يصبح مبرمجا ومطور روبوتات في المستقبل".

24/11/2024

مقالات مشابهة

  • من هي الدولة العربية التي يُريد لبنان مشاركتها في مراقبة “أي اتّفاق”
  • وفاة الأديبة اليمنية مها صلاح.. خسارة فادحة لأدب الطفل في اليمن
  • "اليمن.. مسارات الصراع وآفاق الحلول" ندوة للجالية اليمنية في ماليزيا بذكرى الإستقلال
  • في اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة.. نساءُ اليمن ضحية عنف الحرب واستمرار الصراع!
  • عبدالباري طاهر: هذا هو ‘‘السيد القديم الجديد’’ وهذا موقفه من إنهاء الحرب في اليمن
  • اليمن: الصخرة التي كسرَت قرون الشيطان وتستعد لتحطيم طغاة العصر
  • اليمن.. الواقعُ وسؤالُ النهضة
  • أوكرانيا تخسر 40% من الأراضي التي سيطرت عليها في مقاطعة كورسك الروسية
  • أحلام الطفل عزام.. عندما تسرق الحرب الطفولة بين صواريخ اليمن وغربة إسطنبول
  • الدفاع المدني ينشر مجمل الخسائر التي تكبدها جرّاء الحرب على قطاع غزة