مئوية هيكل وثنائية دوره الصحفي والسياسي
تاريخ النشر: 25th, September 2023 GMT
آخر تحديث: 24 شتنبر 2023 - 11:06 مبقلم: احمد صبري احتفلت مؤسسة محمد حسنين هيكل للصحافة العربية، امس الموافق 23/9/ 2023 بالذكرى المئوية لميلاد الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل وتسليم جائزة “محمد حسنين هيكل للصحافة العربية” لعام 2023 واقيم الحفل في المتحف القومي للحضارة المصرية، بحضور نخبة من الشخصيات العامة ورجال الإعلام والصحافة والشخصيات العامة البارزةوبهذه المناسبة وجدت مناسبا إعادة ماكنت كتبته عن هيكل وحواري معه خلال زيارتي لمصر عام 1989 الذي نشر في مجلة الف باء العراقية حينذاك لمناسبة الذكرى المئوية لهيكل هيكل بين الصحافة والسياسة شهرة الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل ،لم يحظ بها أي صحفي عربي حيث تجاوز دوره من عالم الصحافة إلى عالم السياسة، ليتحول إلى شاهد عيان على أخطر مراحل أحداثه، موثقا وراصدا مستجداته على مدى العقود الماضية.
وهيكل عاصر أحداثا هي من أشد فترات الإثارة في التاريخ العربي رصدها بعين الصحفي البارع لتنوير الرأي العام بأسرارها.وخلال العقود الماضية التي عاش فصولها، تحول هيكل من صحفي وكاتب إلى مؤثر في أحداثها ما أثار حفيظة من عاصره من الصحفيين غير أن براعة هيكل وحسه الصحفي الراصد للحدث ومدياته قربه من صانع الحدث في مصر، الراحل جمال عبد الناصر إذ نال ثقته وقربه من دائرة صنع القرار.وعلاقة ناصروهيكل منذ ثورة يوليو عام 1952 ولغاية رحيل عبد الناصر في العام 1970، جسدت دور الصحفي وأبرزت مكانته في المجتمع خصوصا إذا كان الصحفي مؤمنا برسالة قائد المسيرة وأهدافه، كما في التجربة الناصرية. وأتاح قرب هيكل من عبد الناصر إطلاعه على أسرار فترة النهوض القومي تأريخ مصر والمنطقة عموما، إلى حد حصوله على نسخة من أي قرار أو توجيه يصدر عن الرئاسة المصرية بأمر من عبد الناصر.وبعد رحيل عبد الناصر ظل هيكل وفيا ومدافعا عن مبادئ ثورة يوليو وقائدها على الرغم من حملات التشكيك والتشويش التي حاولت النيل من صدقتيها وهويتها.وعندما التقيت هيكل صيف العام 1989 في شقته المطلة على النيل في القاهرة، أبلغتني مديرة مكتبه، أن الفريق البحثي الذي يعاون هيكل في عمله، يمتلك أكثر من مليون وثيقة ومصدر ومعلومة وضعت تحت تصرفه. وعندما قلت لهيكل أني أتابع ما يكتبه في الأهرام بعنوان /بصراحة/ من إذاعة صوت العرب كل يوم جمعة، وفي الاهرام وعبر الصحافة العراقية التي كانت تنشر نصها في ستينيات القرن الماضي، قال مازحا /لا تحاول كشف عمري/ونشرت نص الحوار في مجلة ألف باء الذي كنت أعمل فيها، وكشف هيكل خلال الحوار، عن أن أزمة المياه ستكون خلال العقود المقبلة، في مقدمة أزمات وتحديات المنطقة معللا ذلك بأن الأمن المائي لا يقل أهمية من الأمن القومي موضحا أن مصر ستتأثر بهذه الأزمة.وأقر هيكل أن إنهاء الحرب العراقية الإيرانية، لم تنه الصراع بين البلدين كاشفا أن الدول الكبرى المؤثرة بالمنطقة أرادت إنهاك طرفي الصراع لصالح ترجيح كفة إسرائيل في معادلة الصراع بالمنطقة.
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: محمد حسنین هیکل عبد الناصر
إقرأ أيضاً:
الصراع على سوريا… مجدداً
إن أشهر الكتب التي وصفت الحالة السورية في مطلع ستينيات القرن المنصرم، وأحد أفضلها بالتأكيد، كتاب الصحافي البريطاني باتريك سيل (1930-2014) الذي ترعرع في سوريا وتخصّص في الكتابة عنها وعن سائر أمور الشرق الأوسط. صدر الكتاب في عام 1965 تحت عنوان «الصراع على سوريا»، وقد وصف الأحداث السورية والأحداث الإقليمية المرتبطة بها بين نهاية الحرب العالمية في عام 1945، وعام 1958 الذي شهد الوحدة مع مصر في إطار ما سمي آنذاك «الجمهورية العربية المتحدة». أما الصراع المذكور، فقد رآه الكاتب صراعاً بين المحور الغربي، مستنداً إلى المملكة العراقية الهاشمية (1921-1958) و«حلف بغداد» (1955) بقيادة بريطانيا ودعم الولايات المتحدة، وبين صعود الحركة القومية العربية، الذي جسّده «حزب البعث العربي الاشتراكي» وبعده مصر الناصرية، وقد صعد نجم هذه الأخيرة بقوة إثر تأميمها لقناة السويس في عام 1956 وصمودها في وجه العدوان الثلاثي البريطاني-الفرنسي-الإسرائيلي الذي تلا ذلك التأميم.
والحال أننا اليوم أمام أقصى حالة من الصراع الإقليمي والدولي على سوريا منذ أن استقرّت البلاد لمدة ثلاثين سنة تحت نظام آل الأسد الاستبدادي. حتى أن الصراع بات مفتوحاً اليوم أكثر مما في أي وقت مضى منذ أن اندلعت الحرب الأهلية في سوريا إثر قمع الانتفاضة الشعبية في عام 2011. ذلك أن التدخلين الإيراني والروسي المتتاليين أنقذا نظام آل الأسد إلى حد أن هيمنته على معظم الأراضي السورية بدت مؤكدة بعد عام 2015، بينما انحصرت المناطق الفالتة من سيطرته على أطراف البلاد. وقد عرفت ركيزتا حكم آل الأسد ضموراً حاداً في خريف العام الماضي مع تقلّص الدعم الروسي بسبب غرق موسكو في أوحال غزوها لأوكرانيا، وانهيار الدعم الإيراني، الذي تكبّد ضربة قاضية إثر الهزيمة التي مني بها «حزب الله» في لبنان من جرّاء الهجوم الصاعق الذي نفّذته الدولة الصهيونية عليه بعد سنة من تبادل القصف المحدود نسبياً.
فإن انهيار حكم آل الأسد إثر سقوط الركيزتين اللتين استند إليهما منذ عام 2015، وعجز «هيئة تحرير الشام» (هتش) عن التعويض عن الثلاثي المكوّن من قوات النظام البائد، التي كانت بذاتها أعظم بكثير مما لدى هتش سابقاً وحتى اليوم، ومن القوات التابعة لإيران وروسيا على الأراضي السورية، ذاك الانهيار وهذا العجز يعنيان أن سوريا باتت مجدداً ساحة صراع إقليمي مكشوف، بل وبشروط أكثر انفتاحاً على شتى الاحتمالات مما في أي وقت مضى في السنوات الثمانين الأخيرة، منذ نيل سوريا الحديثة استقلالها في عام 1946. والحال أن لدى «قوات سوريا الديمقراطية» وحدها، في الشمال الشرقي، من القوة العسكرية الذاتية ما يفوق ما لدى هتش (بلا مزيد من توغل الجيش التركي داخل الأراضي السورية).
إننا اليوم أمام أقصى حالة من الصراع الإقليمي والدولي على سوريا منذ أن استقرّت البلاد لمدة ثلاثين سنة تحت نظام آل الأسد الاستبدادي.
أما الفارق بين صراع خمسينيات القرن المنصرم والصراع الراهن، فذو دلالة بالغة على الاختلاف الجذري بين الحالة الإقليمية آنذاك واليوم. فقد انتهى منذ وقت طويل زمن الصعود القومي العربي، وحلّ محلّه تعفّن القوى التي حملت رايته سابقاً، وعلى الأخص حزب البعث بحلّتيه التكريتية والأسدية. أما أفول الحركة القومية العربية وانحطاطها في السبعينيات، فقد فسحا المجال أمام صعود القوى الدينية بالارتباط بصعود نجم المملكة السعودية إثر تعاظم عائداتها النفطية بفعل الارتفاع الحاد الذي عرفته أسعار النفط في منتصف السبعينيات في سياق المقاطعة العربية، لمّا كانت الدول النفطية العربية تتضامن مع الجانب العربي في وجه الدولة الصهيونية خلافاً لموقفها الراهن الذي يكاد يكون غير مبالٍ لحرب الإبادة الجارية في غزة.
بيد أن العدوان الأمريكي على العراق إثر اجتياحه للكويت في صيف 1990 والقطيعة التي تلت بين المملكة وجماعة الإخوان المسلمين، ومن ثم احتضان دولة قطر للجماعة، وبعدها تركيا الأردوغانية على خلفية الانتفاضات العربية التي هبّت منذ عام 2011، هذه التحوّلات جعلت الصراع الإقليمي الرئيسي الراهن صراعاً بين محور تقوده المملكة السعودية بالتحالف مع الإمارات العربية المتحدة ومصر عبد الفتّاح السيسي، من ميزاته العداء للجماعة، وقد التحقت به المملكة الأردنية الهاشمية علناً بعد قرارها الأخير حلّ الجماعة على أراضيها، صراعاً بين هذه الدول من جهة، والمحور التركي من الجهة الأخرى، علاوة على الصراع السعودي-الإيراني الذي خيّم على المنطقة وبلغ ذروته مع الاحتلال الأمريكي للعراق (2003-2011) حتى الهزيمة التي مُنيت بها طهران مؤخراً في الساحة السورية.
وإزاء هذا الصراع الإقليمي، الذي يجد امتداداً دولياً له في تفضيل الدول الغربية للمحور السعودي ومحاولة موسكو تقديم خدماتها للمحور المضاد مقابل ضمان بقاء قاعدتيها البحرية والجوية على الساحل السوري، فإن أحمد الشرع وحكومة هتش الجديدة التي شكّلها يمارسان أقصى الانتهازية في محاولة لكسب الوقت والاستفادة من الخصومات الإقليمية ومن التنافس بين شتى المحاور والدول.
وقد بلغت هذه الانتهازية درجة جعلت أحمد الشرع يوحي للولايات المتحدة استعداده للانضمام إلى «اتفاقيات أبراهام»، أي إلى قافلة التطبيع مع الدولة الصهيونية، مع تأكيده لحسن نواياه إزاء إسرائيل، في وقت اغتنمت هذه الأخيرة فرصة سقوط حكم الأسد كي تحتل مساحات جديدة من الأراضي السورية علاوة على ما احتلته في عامي 1967 و1973، وكي تدمّر الطاقة العسكرية النظامية السورية تدميراً شاملاً بعد أن كانت مطمئنة لعدم استخدام تلك الطاقة ضدها ما دام حكم آل الأسد قائماً (خلافاً لأساطير «محور المقاومة») ناهيك من منح إسرائيل نفسها حق الضرب عسكرياً داخل الأراضي السورية متى وكيفما شاءت على غرار ما تمارسه على الأراضي اللبنانية. وإنه لموقف مشين للغاية من قِبَل الشرع، يدلّ على تعلّق أكبر بالسلطة وبالأيديولوجيا الدينية وبالطائفية المكوّنة لحركته ممّا بالمبادئ الوطنية، وإن كان الموقف من باب التكتكة الرخيصة.
صحيفة القدس العربي