ماذا ربح الحوثيون وماذا خسروا؟
تاريخ النشر: 25th, September 2023 GMT
باتت الرسائل المتناقضة والمرتبكة التي يبعثها الحوثيون إلى الداخل والخارج إحدى سماتهم السياسية التي تعبّر عن غياب الرؤية الواضحة تجاه الحرب والسلام وحجم التدخل الإيراني في قرار الجماعة التي تموج من داخلها بتيارات متعددة الولاءات ومراكز القوى متقاطعة المصالح التي تشكلت خلال سنوات الحرب.
بعث الحوثيون مجددًا برسالة قوة في ذكرى انقلابهم التاسع من خلال استعراض عسكري احتوى على ما أرادوا تأكيده أنه قوة الردع الخاصة بهم، والتي باتت حرة وطليقة، خصوصًا مع مشاركة طائرات حربية وأخرى مروحية في الاستعراض تعود ملكيتها إلى الجيش اليمني السابق.
رسالة القوة الحوثية المزعومة جاءت بعد ساعات قليلة من لقاء نادر وغير مسبوق في مسار الأزمة اليمنية يستحق التأمل، لوزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان خلال استقباله في الرياض وفداً حوثياً، في إشارة واضحة إلى أن هناك تفاهمات حول الملف اليمني قطعت شوطاً متقدماً لا رجعة عنه، أو بمعنى آخر، الإعلان شبه الرسمي عن انتهاء الحرب بشكلها القديم، وتحويل الرياض إلى وسيط وليس طرفًا في الحرب، باعتراف الحوثيين الضمني، كما عبَّرت عن ذلك صور اللقاء.
يشعر الحوثيون في هذه اللحظات بحالة من النشوة كشفوا عنها باستعراضهم العسكري الذي تلا اللقاء، وكذلك إعلان زعيم الجماعة عن تحولات جذرية وشيكة في شكل الدولة ومؤسساتها. يبدو أنها ستصبّ في اتجاه إحكام الحوثيين قبضتهم بشكل نهائي على إرث الدولة في صنعاء، وإسدال الستار على التحالف والشراكة الشكلية التي جمعتهم بحزب المؤتمر الشعبي العام، تحت ضغط الحرب ومقتضياتها السياسية والعسكرية. وهو الأمر الذي يظن الحوثيون أن أسبابه قد انتفت، وأنهم لم يعودوا في حاجة حتى إلى الشراكة الصورية مع أيّ مكونات سياسية أو اجتماعية في اليمن. ويودون استغلال اللحظة الراهنة لإنهاء مظاهر التحالفات الاضطرارية القديمة قبل الإعلان الوشيك عن اتفاق مرتقب سينهي الحرب القديمة، لتبدأ حربًا جديدة يظن الحوثيون أنها ستكون سهلة وسريعة.
تشير الصورة الأولى للمشهد اليمني في اللحظة الراهنة إلى أن الحوثيين قطفوا ثمار مغامراتهم السياسية والعسكرية التي يحتفلون بها اليوم بذكراها التاسعة، وأنهم خرجوا منتصرين من الحرب بعد أن استطاعوا تحييد التحالف العربي وتحويل الحرب إلى حرب داخلية خالصة، يعتقدون أنهم قادرون على حسمها في مواجهة خصومهم المحليين فيما تبقّى من شمال اليمن مأرب، وتعز، والساحل الغربي، وصولًا إلى المرحلة التالية المتمثلة في استهداف الجنوب عسكريًا بعد إنهاكه اقتصاديًا وخلخلته أمنيًا، واللعب بورق التناقضات السياسية والاجتماعية الجنوبية.
ضمن الحوثيون على الأقل خروج التحالف العربي من معادلة الحرب. ولكن الحقيقة هي أنهم خسروا كثيرًا من أوراق قوتهم، على الصعيدين الداخلي والخارجي. فتحول التحالف إلى "وسيط" بعد أن كان خصماً أو طرفاً مباشراً في دعم الشرعية اليمنية، سيسقط أهم الذرائع الحوثية في الداخل وسينهي ملف مظلوميتهم التي ظلوا يسوّقونها خارجيًا، كما سيضع الوضع الجديد الجماعة أمام تحديات كبيرة في مناطق سيطرتها على الصعيد الاقتصادي والمعيشي والخدمي. هذه ملفات ظل الحوثيون يبرّرون ترحيلها بأنهم انشغلوا بأولويات الحرب وما كانوا يصفونه طوال الثماني السنوات الماضية بـ“العدوان الخارجي المدعوم أميركيا وغربيا”.
ستتغير معادلة الحرب والسلام في اليمن بكل تأكيد، لكن الحوثيين لن يجدوا في خصومهم المحليين الذين كانوا يتكئون على الدعم الإقليمي لقمة سائغة، بقدر ما سيجدون أنفسهم في مواجهة خصوم دون خيارات سوى النصر، أطراف باتت تتحمل كامل مسؤولياتها، وتتحرر من أيّ ضغوط إقليمية كانت تتم استجابة لضغوط دولية. لقد كان الحوثيون محظوظين طيلة السنوات الماضية بالمواقف الدولية التي اتسمت بالضبابية وخدمت الانقلاب الحوثي، وحالت في محطات كثيرة دون إلحاق الهزيمة به، كما حدث على سبيل المثال في معركة تحرير الحديدة، التي لعب المجتمع الدولي دوراً حاسماً في تعثرها من خلال ممارسة ضغوط سياسية شتى على الشرعية والتحالف العربي.
هذه ورقة ستسقط بكل تأكيد عندما يجد العالم نفسه أمام حرب يمنية يمنية قادمة، دون تدخلات إقليمية، ودون قدرة حقيقية على ممارسة ضغط من أيّ نوع على أطراف الصراع الإقليمي القديمة التي تحوّل دورها المباشر إلى مجرد وسيط، غير قادر على ردع الصواريخ، والطائرات المسيرة التي ستستخدم إذا ما نشبت الحرب القادمة من قبل الحوثيين وخصومهم على حد سواء.
ولن يكون بمقدور الحوثي توسيع رقعة حربه حينها ليبتز العالم ويهدد مصالحه كما كان يحدث من قبل. كما سيفقد الحوثي مشروعية حربه عندما يكون في مواجهة أطراف يمنية أخرى، لا يمكن بعد اليوم وصفها بـ“عملاء العدوان”.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: زلزال المغرب التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني
إقرأ أيضاً:
«الحوثيون» يفجّرون 884 منزلاً في 16 محافظة يمنية
عدن (الاتحاد)
أخبار ذات صلة اليمن.. قتلى وجرحى بهجوم إرهابي لـ«القاعدة» في أبين اليمن.. «الحوثي» يهجر أهالي 5 قرى في الحديدةكشف تقرير حقوقي عن قيام جماعة «الحوثي» بتفجير 884 منزلاً للسكان المدنيين في 16 محافظة يمنية خلال سنوات الحرب. جاء ذلك في تقرير حديث لمنظمة حقوقية تُعنى بضحايا تفجير المنازل، تحت عنوان «عقد من التفجير والتشريد.. عشر سنوات لجريمة مستمرة»، تضمن انتهاكات «الحوثيين» فيما يخص تفجير المنازل وإلحاق أضرار كلية أو جزئية بالمئات منها خلال الفترة بين عامي 2014 و2024. ووفقاً للتقرير فقد احتلت محافظة مأرب المرتبة الأولى في عدد المنازل التي فجّرها «الحوثيون» بعدد يصل 130 منزلا، تليها محافظتا تعز والبيضاء بعدد يصل 120 منزلا في كل منهما. وذكرت الهيئة الحقوقية أنها أصدرت هذا التقرير بغية تحويل انتهاكات «الحوثيين» بحق السكان ومنازلهم إلى قضية رأي عام، مطالِبةً المنظمات الأممية والدولية بإجبار جماعة «الحوثي» على التوقف عن هذه الممارسات وإلزامها بالتعويض المناسب وجبر الضرر.
وطالب التقرير في توصياته بحماية الممتلكات الخاصة والمعالم المدنية، وإنشاء آليات فعالة لرصد وتوثيق الانتهاكات، وتوفير الحماية القانونية للضحايا، وإنشاء قنوات قانونية تسهل الوصول إلى العدالة، وتقديم التعويضات المناسبة، وإعادة الإعمار للمنازل المهدّمة.
وفي سياق متصل، أفادت مصادر محلية، أمس، بأن مدنياً أُصيب بجروح خطرة بعد تعرض منزله لعملية حرق من قبل جماعة «الحوثي» في محافظة إب، وسط اليمن. وبحسب بيان لمنظمة مساواة للحقوق والحريات، فإن جماعة «الحوثي» أقدمت على إحراق منزل مواطن يمني في مديرية القفر بمحافظة إب. وأضافت المنظمة أن إحراق المنزل من قبل الجماعة جاء على خلفية منشورات كتبها أحد أبناء مالكه، انتقد فيها ممارسات وانتهاكات الجماعة في المحافظة.
وفي سياق آخر أظهرت صور للأقمار الاصطناعية قيام جماعة «الحوثي» باستحداثات عسكرية كبيرة في مطار وميناء مدينة الحديدة التي تستخدمها نقطةَ انطلاق لشن هجمات ضد السفن التجارية في البحر الأحمر. وقد شرعت الجماعة في بناء تحصينات وأنفاق وملاجئ داخل مطار الحديدة، وفي القاعدة الجوية المجاورة للمطار، بالتزامن مع استحداثات عسكرية مماثلة على طول خطوط التماس جنوبي المحافظة.
ويذكر أن الجماعة هجّرت، الأسبوع الماضي، أكثر من 6 آلاف أسرة قسراً من مناطق جنوبي الحديدة، فيما حوّلت بعض القرى هناك إلى ثكنات عسكرية.