استعرضت جماعة الحوثي أسلحتها وقواتها الخميس الماضي، في العاصمة اليمنية صنعاء، احتفاء بالذكرى السنوية التاسعة لسيطرتهم على العاصمة. وعلى الرغم من ذلك، طغى الخطاب الإيجابي تجاه السعودية نتيجة المفاوضات الجارية، في المقابل، أعلن زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي ما سماه "تغييراً جذرياً لإصلاح المؤسسات".

 

وكان احتفال الحوثيين لافتاً للسكان في صنعاء، إذ حلقت طائرات على علو منخفض وبسرعة اخترقت حاجز الصوت صباح الخميس الماضي، في الوقت نفسه، كانت الجماعة تجري استعراضاً عسكرياً كبيراً تضمن عشرات الشاحنات الثقيلة المحمّلة بصواريخ كروز وطائرات مسيّرة مسلحة بعيدة المدى، بحضور رئيس المجلس السياسي (مجلس حكم الجماعة) مهدي المشاط وعدد من المسؤولين في الحكومة غير المعترف بها.

 

استعراض الحوثيين العسكري

 

حول هذه التطورات، اعتبرت منى محمود، وهي من سكان صنعاء، أن "تحليق الحوثيين بالطائرات أعاد إلى الذاكرة طائرات التحالف عند بدء التدخّل العسكري في أيامه الأولى بصنعاء، والرُعب الذي كان يبثه في أوساط الناس"، مبدية في حديثٍ لـ"العربي الجديد" استغرابها قائلة: "لا أعرف ما الفائدة من هذا الاستعراض بالتزامن مع عودة وفد الحوثيين من السعودية".

 

وأضافت محمود: "يعيش السكان هموماً معيشية ثقيلة، جعلت المطالب بالرواتب حديث الناس في كل مكان، وكل الشائعات التي نتلقاها هذه الأيام تفيد بأننا سنتسلم رواتبنا قريباً، وأنهم اتفقوا على ذلك (في إشارة إلى المفاوضات بين السعودية والحوثيين)، وهم يريدوننا أن نحتفل بثورة ونحن بلا راتب من سبع سنوات".

 

وجاء احتفال الحوثيين بعد يومين من عودة الوفد الحوثي من السعودية، حيث أجرى مشاورات لخمسة أيام برفقة وفد عُماني، ورحبت الجماعة برسائل وتأكيدات السعودية الإيجابية، وأعلنت جاهزيتها لمعالجة أي مخاوف لدى الرياض بشأنها، بحسب خطاب متلفز للمشاط الأربعاء الماضي.

 

مع ذلك، كشفت الجماعة عن أزمة داخلية في إدارة السلطة، مع قول زعيمها عبد الملك الحوثي إنه سيعلن عن "المرحلة الأولى للتغيير الجذري" بمناسبة المولد النبوي، الأربعاء المقبل. وأشار في خطاب متلفز الخميس، في ذكرى سيطرة الجماعة على صنعاء، إلى "وجود بعضٍ من المدسوسين في مرافق المؤسسات، الذين بقيت لهم ارتباطاتهم بالأعداء، ووجود البعض من المسؤولين المقصّرين، والبعض من منعدمي الكفاءة؛ كل ذلك كان له تأثيره السلبي في أداء المؤسسات". واعترف الحوثي أن "حجم الاختلالات في الوضع الرسمي يتطلب تغييراً جذرياً، يؤسس لمرحلة جديدة لإصلاح وضع المؤسسات".

 

وعقب كلمة زعيم الجماعة، أعلن المجلس السياسي الحوثي مباركته لقرارات التغيير الجذري المرتقبة. كما بادرت الحكومة غير المعترف بها وكافة المؤسسات في مناطق سيطرة الحوثيين لإعلان تأييدها لعملية التغيير.

 

وجاء ذلك في الوقت الذي يُتهم فيه قادة في جماعة الحوثي بالفساد ونهب الإيرادات والإثراء خلال السنوات الماضية، بموازاة فرض سلطات الجماعة الجبايات القانونية وغيرها باستمرار، من دون تقديم أي نوع من الخدمات للمواطنين.

 

وكان خطاب الحوثيين موجهاً إلى الداخل خلال الأيام الماضية، وتصالحياً وهادئاً مع السعودية التي تقدّم نفسها وسيطاً بين الجماعة والحكومة اليمنية المعترف بها.

 

وقال القيادي الحوثي حسين العزي، عضو الوفد الذي زار السعودية، مخاطباً من أسماهم "الخصوم المحليين" في تغريدة على منصة "إكس" (تويتر سابقاً): "نحن مصممون على صناعة سلام دائم مع جوارنا (السعودية) ومن الجيد عدم إعاقة هذه الخطوة".

 

ورأى المحلل السياسي سلمان المقرمي أن "الحوثي يعتقد أنه بدأ يحظى باعتراف سعودي يسعى إليه منذ زمن بعيد، لذا يتفرغ لاستكمال دولته الانفصالية شمالاً، وينتهز المفاوضات لإعادة تشكيل مؤسسات الدولة، والتخلص من أهم حلفائه أو ما بقي منهم، وهم المؤتمر الشعبي العام، ولتقليص بقية المنافسين الذين يعتقد أنهم قد يشكلون خطراً عليه بشكل ما".

 

وأضاف المقرمي في حديث لـ"العربي الجديد": "يحاول الحوثي أن يعمل ظاهرياً على تهدئة الغضب الشعبي المتفاقم ضد جماعته، وهو أهم سبب من جهة التوقيت، لأن غضب نادي المعلمين وأساتذة الجامعات والقطاع الخاص والقبائل بلغ مستويات ما قبل الانفجار الشامل، في وقتٍ تشهد تشكيلات الجماعة العسكرية مؤشرات أولية للتصدع".

 

وأشار المقرمي إلى أن "الأهم من ذلك هو محاولة الحوثي وضع حد للصراعات داخل جماعته، التي ظهرت آثارها في الاشتباكات العسكرية في صعدة، والنزاع مع المؤتمر، والتظاهرات في صنعاء والإضرابات والحروب القبلية واغتيال بعض القادة العسكريين أو إقالتهم، مع ذلك، فإن التغيير متوقع أن يطاول شكل المؤسسات فقط".

 

منذ بدء الهدنة في 2 إبريل/نيسان 2022، اعتمد الحوثيون على التهديد بالتصعيد العسكري من أجل تحريك ملف التفاوض معهم والقبول بمطالبهم، ومن ثم الحديث عن تسوية سياسية شاملة، لكن بعد تسع سنوات من الحرب والتغيرات الإقليمية، هناك شكوك حول القدرة على التصعيد.

 

رسائل الحوثيين للداخل والخارج

 

ورأى الباحث اليمني في شؤون النزاعات المسلحة علي الذهب أن "العرض العسكري للحوثيين يقدم رسائل للداخل، لإعادة الثقة بمقاتلي الجماعة وتحفيز الشباب للالتحاق بصفوفها، بعد عزوفهم نتيجة للضربات التي تلقتها الجماعة والخسائر".

 

وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد": "أما الرسائل الموجهة إلى الخارج فتأثيرها محدود، لأنهم يعرفون قدرات هذه الأسلحة وحجمها وسبل مواجهتها، لكن ربما تؤثر بشكل كبير على جبهات القتال داخل البلاد، إذا لم تكن القوات الحكومية قد استعدت لمثل هذه المواجهة بأسلحة حديثة تستطيع التعامل مع الطائرات التي استعرض بها الحوثيين".

 

وأبدى الذهب اعتقاده أن "الحوثيين ليسوا مستعدين للتصعيد العسكري خارجياً، لكن بالإمكان التصعيد في الداخل بضوء أخضر في حالة تعنت الحكومة اليمنية في تلبية مطالبهم وعدم تدخل التحالف". ولفت إلى أن "السعودية لديها الاستعداد الكامل للتضحية للحيلولة دون تكرار المواجهة معها بأي شكل، خصوصاً المواجهة الاستراتيجية في استخدام الصواريخ".

 

وأوضح الذهب أن "الحوثيين لا يستطيعون أيضاً التصعيد خارجياً لأن الصواريخ والطائرات المُسيّرة، التي كانت تصل إلى العمق السعودي ومواقع منشآت النفط، مرتبطة بالخلاف السعودي الإيراني، باعتبار طهران مصدرها الأساسي، لذا لا يمكن أن تتكرر هذه العمليات في ظل العلاقات السعودية الإيرانية التي تسير بشكل جيد".

 

من جهته، رأى الكاتب السياسي معن دماج أن "جماعة الحوثي اليوم قد اطمأنت إلى أن هزيمتها لم تعد على جدول أي طرف أو قوة، لا في التحالف ولا حتى من الأطراف المحلية الغارقة في حساباتها الصغيرة، خصوصاً المجلس الانتقالي والإصلاح وقوات طارق صالح، لكنها بعيدة تماما عن هيمنتها شبه المطلقة التي كانت قد حققتها قبيل الحرب أو مع انطلاقها".

 

وأضاف دماج في حديث لـ"العربي الجديد": "على الأرجح أن الجماعة تستغل المفاوضات مع السعودية لانتزاع مكاسب مالية وسياسية، مع الاستعداد للانقضاض على بقية المناطق خصوصا مأرب".

 

ولفت إلى أن "الحركة الحوثية تشكو من تزايد السخط الشعبي بسبب المجاعة التي أصبح يعاني منها معظم اليمنيين في مناطق سيطرتها، وما زالت تكشف الطابع العنصري والطائفي والفساد الهائل الذي تمارسه قيادتها".

 

وقال دماج إن "المستقبل مفتوح لكل الاحتمالات، ومهما كانت مآلات المفاوضات السعودية الحوثية، فإن تركيبة وطبيعة الحركة الحوثية تجعلها غير قابلة لأي تعايش أو القبول بأقل من الهيمنة المطلقة على السلطة والمجتمع، وهو الأمر المستحيل بالنظر لقاعدتها الاجتماعية المحدودة وللثارات العميقة التي تجمعها بأغلب القوى الاجتماعية والسياسية".

 

وتابع دماج: "الحرب محاولة للتوسع وإخضاع بقية اليمنيين ولقهر من يخضع لها حالياً، وهي المستقبل الوحيد للجماعة، بينما المقاومة المسلحة أساساً وكل أشكال المقاومة هي كل ما يربط اليمنيين بالحرية والمستقبل".


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن صنعاء الحوثي العرض العسكري اسلحة العربی الجدید فی حدیث إلى أن

إقرأ أيضاً:

مسؤول كبير وبارز ..يكشف خسائر الحوثيين من قدراتهم العسكرية بسبب الضربات الأميركية ويتحدث عن مفاجئات

وقال معمر الإرياني، وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية، في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، إن الضربات الأميركية الأخيرة ركزت بشكل مباشر على «القدرات العسكرية لجماعة الحوثي، مستهدفة بشكل خاص البنية التحتية المرتبطة بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، التي استخدمت لتهديد حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن».

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمر في 15 مارس (آذار) ببدء حملة عسكرية ضد جماعة الحوثي، متوعداً باستخدام «قوة مميتة» و«القضاء الكامل» على قدراتهم، في إطار مسعى واشنطن لوقف تهديدات الجماعة للملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، ولردع الهجمات المتكررة التي تستهدف إسرائيل.

وتلقت جماعة الحوثي أكثر من 365 غارة جوية وضربة بحرية خلال الأسابيع الأربعة الماضية، وفقاً لتقارير ميدانية، في حملة مركزة استهدفت بدرجة أساسية المخابئ المحصنة ومواقع التخزين العسكري، لا سيما في معاقل الجماعة بمحافظات صعدة وصنعاء وعمران والحديدة.

وأضاف الإرياني: «تقييمنا من خلال مصادرنا الميدانية أن الميليشيا خسرت 30 في المائة من قدراتها، وهذا الرقم في تصاعد مع استمرار العمليات العسكرية». فيما تحدث الوزير عن «مفاجآت سارة في الأسابيع المقبلة ستثلج قلوب كل اليمنيين».

وقال ترمب، الإثنين، إن الولايات المتحدة «دمرت قدرات الحوثيين»، مشيراً إلى أن الجماعة شهدت «أسابيع سيئة للغاية» وأن هذا الضغط قد يستمر.

مضيفاً: «نجحنا في القضاء على عدد كبير من قادة الحوثيين وخبرائهم». 

وعدّ وزير الإعلام اليمني أن «هذه الضربات القوية التي وجهت للميليشيا، والتي أدت إلى تراجع كبير في وتيرة عملياتها الإرهابية، والحد من قدرتها على تنفيذ هجمات واسعة النطاق، ليست كافية وحدها لإنهاء تهديد الحوثيين، خاصة أن الميليشيا لا تزال تحصل على دعم لوجيستي من إيران عبر طرق تهريب متعددة».

ونقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، الأسبوع الماضي عن مصدر إيراني مسؤول أن بلاده أمرت بسحب عناصرها العسكرية من اليمن، في خطوة تهدف إلى تجنُّب مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، بعد القلق المتزايد في طهران من المواجهة المباشرة مع ترمب.

وشدد الإرياني على أن «المطلوب استمرار الضغط العسكري والسياسي والاقتصادي، وتشديد الرقابة على مصادر تسليح الحوثيين، ودعم القوات الشرعية لتتمكن من فرض السيطرة على كامل الأراضي اليمنية».

و أكد معمر الإرياني أن الجماعة الحوثية تعرضت لخسائر بشرية كبيرة على مختلف المستويات القيادية خلال الفترة الأخيرة، فيما تجنبّت الإعلان عن هذه الخسائر خوفاً من انهيار معنويات مقاتليها وفقدان السيطرة عليهم، على حد تعبير الوزير.

وقال: «من خلال مصادرنا في الداخل، فإن تأثير الضربات الأميركية كبير على ميليشيا الحوثي وقدراتها العسكرية، حيث تعرضت الميليشيا لخسائر بشرية على مختلف المستويات القيادية، وهي تخشى الإعلان عن الأسماء خوفاً من انهيار معنويات مقاتليها وفقدان السيطرة عليهم».

وتابع: «هذه الضربات فرضت ضغوطاً كبيرة على الهيكل القيادي، وخلفت حالة من الخوف والإرباك في صفوفها، وقد تابعنا خلال الأيام الماضية كيف اختفت القيادات كافة، وسط تقارير عن عودتهم إلى محافظة صعدة ولجوئهم إلى تحصينات جبلية».

و أوضح وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني أن القيادة السياسية اليمنية تتابع تطورات الأوضاع في البلاد باهتمام بالغ، وترى فيها فرصة مواتية لاستعادة الدولة، لافتاً إلى أنها «لن تألو جهداً في القيام بكل ما يمكن لسرعة تحقيق الأهداف المرسومة وفي الوقت المناسب». واستطرد الإرياني بقوله: «هناك مفاجآت سارة في الأسابيع المقبلة ستثلج قلوب كل اليمنيين

مقالات مشابهة

  • عقوبات أمريكية مشددة.. تحذير لدول العالم من التعامل مع الحوثيين
  • جماعة الحوثي تعلن مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وأميركية
  • هل تسعى واشنطن إلى تصعيد عسكري شامل أم تحييد تهديدات الحوثيين؟.. صحيفة روسية تجيب
  • غارة أميركية تغتال مسؤولاً بارزاً في جماعة الحوثي اليمنية
  • مسؤول كبير وبارز ..يكشف خسائر الحوثيين من قدراتهم العسكرية بسبب الضربات الأميركية ويتحدث عن مفاجئات
  • غارات أمريكية تغتال مسؤولا في جماعة الحوثي
  • غارات أمريكية تغتال مسؤولا في جماعة الحوثي اليمنية
  • تحليل أمريكي: ما أبرز التحديات التي ستواجه ترامب بشأن القضاء على الحوثيين؟ (ترجمة خاصة)
  • تصعيد إسرائيلي في لبنان والجيش يدعوه للانسحاب من المناطق التي يحتلّها
  • جماعة الحوثي تعلن قصف هدفا عسكريا في يافا ومدمرتين أمريكيتين بالبحر الأحمر