خطاب بايدن بالأمم المتحدة باكورة التسليم بسقوط الأحادية الأميركية

أعلن الرئيس بايدن في خطابه دعمه إصلاح الأمم المتحدة وتوسيع مجلس الأمن من خلال زيادة أعضائه الدائمين وغير الدائمين.

ما يميز هذه الدورة إصرار عالمي على التحرك ضمن آليات الأمم المتحدة بما يشبه عمل اللوبيات الهادفة للتأثير في عملية اتخاذ القرار داخل المؤسسات الأممية.

التسليم الأميركي بتغيير مفاهيم التعاطي مع الحلفاء وتوالي القمم واللقاءات الرافضة للأحادية الأميركية يؤكد واقعية خطاب بايدن وحتمية تحول النظام الدولي إلى التعددية.

يتأكد توجه العالم نحو ضرورة إصلاح هيكلية المؤسسات الدولية وضرورة التخلص من فكرة التسليم لتوازن اتفاق يالطا عام 1945 لناحية الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن.

القاسم المشترك بكل القمم واللقاءات مرتبط بتوازي تقبل الجانب الأميركي فكرة انعدام قدرته على استدامة الأحادية الأميركية الحاكمة وضرورة رسم توازنات دولية جديدة

أسّست قمة بريكس ومنظمة شنغهاي آليات مواجهة مستقلة وتبني نموذج عمل مستقل عن آليات المؤسسات الأممية المتمثلة بمنظومة الأمم المتحدة والخاضعة للتوجهات الأميركية.

الاعتراض على قواعد اللعبة الاقتصادية المالية والدولية لم يعد ترف سياسيا أو خطابا ثوريا رمزيا لإشباع الغرائز ودغدغة العواطف، بل غدا خطة عمل تؤكدها خطابات القادة بالأمم المتحدة.

* * *

قد يكون منطقياً التعريف بالدورة الـ78 للجمعية العامة انطلاقاً من رمزيتها كمنبر للتعبير عن مواقف الدول النامية من النظام الدولي ورفض سياسات الهيمنة التي مارستها القوى الكبرى على آليات عمل النظام الدولي والمالي.

فالأثر العميق الذي ستتركه تلك الدورة، من حيث تأكيد التوجه العالمي نحو التعبير عن ضرورة إصلاح هيكلية المؤسسات الدولية والتركيز على ضرورة التخلص من فكرة التسليم للتوازن الذي أرساه اتفاق يالطا عام 1945 لناحية الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن.

فزيادة عدد أعضاء المجلس من 11 إلى 15 الذي حصل عام 1965 لم يعد كافياً لمراعاة متطلبات الواقع الدولي المعاصر، وخصوصاً في فترة ما بعد الاستقرار الذي فرضته الأحادية الأميركية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

لكنَّ ذلك لا يفترض إمكانية حصر تعريف هذه الدورة من خلال رمزيتها كمنبر عالمي، لأنه لن يعبر عن كل ما تختزنه دلالاتها؛ فمن المنطق عدم قراءتها كحدث منفصل عن الواقع الدولي، بل يجب تظهير أهميتها من خلال انعقادها في لحظة تاريخية تتقاطع فيها رمزية المكان مع توالي القمم الدولية المناهضة لآليات الهيمنة الأحادية، إضافة إلى ما يظهر على أنه مقاطعة مقصودة لقادة الدول الأعضاء في مجلس الأمن.

يقدم انعقاد هذه الدورة بعد أيام من اختتام قمة الـ77 وقمة مجموعة الـ20 في الهند، وقبلها قمة البريكس التي عُقدت في جنوب أفريقيا الشهر الماضي، دلالات واضحة على تغير المزاج الدولي، إذ إن الاعتراض على قواعد اللعبة الاقتصادية المالية والدولية لم يعد مجرد ترف سياسي أو تعبير عن خطاب ثوري رمزي يستهدف إشباع الغرائز ودغدغة العواطف، إنما تحول إلى خطة عمل توحي خطابات القادة في الأمم المتحدة بجديتها.

قمة بريكس أو منظمة شنغهاي قد أسَّست سابقاً لآليات مواجهة مستقلة من خلال تبني نموذج عمل أحادي مستقل عن آليات المؤسسات الأممية المتمثلة بمنظومة الأمم المتحدة، والخاضعة دائماً للتوجهات الأميركية.

لكن ما يميز هذه الدورة هو الإصرار العالمي على التحرك ضمن آليات الأمم المتحدة، بما يشبه عمل اللوبيات الهادفة إلى التأثير في عملية اتخاذ القرار داخل تلك المؤسسات الأممية.

إضافة إلى ذلك، على النقيض من العدد المحدود المكون لمجموعة البريكس أو شنغهاي أو حتى مجموعة الـ20، يشكل عدد الدول المشاركة في أعمال دورة الأمم المتحدة عاملاً ضاغطاً على الأمم المتحدة والتوجهات العالمية.

إذ إن أي توافق لمجموعة وازنة من الدول المطالبة بالإصلاح سيضع القوى الكبرى أمام مأزق مخالفة التوجه الدولي العام الساعي لتعديل آليات عمل منظمة الأمم المتحدة والدفع باتجاه إرساء نظام دولي ديمقراطي يعيد تقييم نفسه بنفسه ويكون قادراً على تصحيح عيوبه.

وإذا عدنا إلى توالي انعقاد القمم في الأشهر الماضية، انطلاقاً من قمة منظمة شنغهاي، وصولاً إلى دورة الأمم المتحدة الحالية وإعلان الرئيس بايدن خلالها دعمه إصلاح الأمم المتحدة وتوسيع مجلس الأمن من خلال زيادة أعضائه الدائمين وغير الدائمين، مروراً بقمتي بريكس ومجموعة العشرين ومجموعة الـ77 والقمم التي عقدتها مجموعة آسيان مع كل من الصين والولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية وكندا، دون أن ننسى القمة الصينية العربية الأخيرة في السعودية أو حتى اجتماع القمة الذي جمع الرئيس الروسي مع زعيم كوريا الشمالية كيم جون أون..

فإن القاسم المشترك الذي تمخض عن تلك القمم واللقاءات كان مرتبطاً بتوازي تقبل الجانب الأميركي فكرة انعدام قدرته على المحافظة على أسس الأحادية الأميركية الحاكمة وضرورة العمل على رسم توازنات دولية جديدة مع سعي دولي لا يمكن حصره بروسيا أو الصين أو بمجموعة محصورة من الدول، كالبرازيل أو جنوب أفريقيا أو إيران حول ضرورة إصلاح الأمم المتحدة بما يتماشى مح حقائق القرن العشرين وضرورة ضمان تمثيل الأصوات المهمة لضرورة إرساء آليات تساعد في التأسيس لنظام دولي متعدد الأقطاب.

وفي هذا الإطار، سيكون من المشروع البحث في مدى قدرة هذه التكتلات أو القمم على الاستفادة من اللحظة الاستثنائية التي مثلها التسليم الأميركي بعدم إمكانية استمرار آلياته كأطر حاكمة للنظام الدولي ومحاولته البحث في كيفية تكييف واقعه الجديد مع طموحاته بالحفاظ على موقع متقدم في النظام الدولي المستجد.

وإذا كانت الإشارات التي أمكن التقاطها من قمة الـ77 والصين أو قمة البريكس أو غيرها من المحطات التي أثبتت عدم الالتزام بخطوط الولايات المتحدة الأميركية الحمر قد بينت إصراراً على مواجهة الأحادية الأميركية، فإن السلوك الأميركي الذي تجسد بالقفز فوق خطوط الأحادية الحمر الاستراتيجية، لناحية مقاربة المواجهة مع روسيا وصفقاته الأخيرة مع الجمهورية الإسلامية، وصولاً إلى مشروع الممر الاقتصادي الهادف إلى مواجهة الصين، يؤكد فقدانه أدوات القوة التي ضمنت له خلال المرحلة الماضية التزاماً عالمياً بخياراته.

من ناحية أخرى، وبدلاً من الدفع باتجاه استغلال غياب الرئيسين الروسي والصيني والتأثير في المزاج العالمي لمصلحة الإجراءات الأميركية ضدهما، جاء خطاب الرئيس الأميركي متواضعاً، وأظهر تأثراً بنتائج الحراك الدولي الرافض للأحادية، والذي لم يستثنِ دولاً كانت مصنفة ضمن ركائز الإستراتيجية الأميركية في العالم.

وإذا ربطنا هذا التواضع بما تمخَّض عن قمة العشرين من فشل في حشد المجموعة ضد روسيا أو من خلال محاولتها تجييش المجموعة لمواجهة الصين من خلال مشروع الممر الاقتصادي الذي سيربط الهند بأوروبا عبر المملكة العربية السعودية والكيان الإسرائيلي، إضافة إلى دول أخرى، فستظهر قناعة الولايات المتحدة بعدم قدرتها على التدخل بشكل أحادي وانكفائها عن التحرك المباشر.

وإذا كان هذا الانكفاء لا يعني بالضرورة انهيار قوتها، إذ إنها ما زالت من أهم الفواعل في النظام الدولي، فإن ما رشح عن الرئيس بايدن في دورة الأمم المتحدة الحالية يؤكد الاتجاه إلى تقبل بدء دورة جديدة للنظام الدولي.

وبناءً عليه، إذا كان من الصعوبة ادعاء تحول النظام الدولي من الأحادية إلى التعددية بشكل كامل، فإن تعدد القمم والمؤتمرات التي تجاهر بإصرار على التخلص من آثار الأحادية، معطوفة على ما يرشح من المؤتمرات التي تشكل آليات للأحادية، إضافة إلى خطاب بايدن الأخير في الأمم المتحدة، يؤكد كله خسارة الولايات المتحدة موقعها القيادي.

التأثير والريادة لم يعودا ترجمةً للتفوق والأحادية.

وإذا كانت بداية القرن العشرين قد ارتبطت بمفهوم أميركي أساسه أن المهمة هي التي ترسم أطر الحلف، بما يعتبر دلالة على التفرد والأحادية الأميركية، فإن الواقع الدولي فرض على الولايات المتحدة أن تعود لتتبنى مفهوما تقليديا أساسه أن الحلف هو الذي يرسم أطر المهمة، فالتسليم الأميركي بتغيير مفاهيم التعاطي مع الحلفاء، إضافة إلى توالي القمم واللقاءات الرافضة للأحادية الأميركية، يؤكد واقعية خطاب بايدن وحتمية التحول في النظام الدولي من الأحادية إلى التعددية.

*د. وسام إسماعيل باحث واستاذ جامعي لبناني

المصدر | الميادين نت

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: بريكس الصين بايدن التعددية أميركا الأمم المتحدة منظمة شنغهاي الولايات المتحدة الولایات المتحدة النظام الدولی الأمم المتحدة هذه الدورة مجلس الأمن خطاب بایدن إضافة إلى من خلال

إقرأ أيضاً:

نشرة أخبار العالم | الصين تعزّز قوتها العسكرية وتزاحم أمريكا.. وترامب يهاجم بايدن ويعين طفلا بالخدمة السرية.. وزير الخارجية: إعمار غزة في 5 سنوات

نشر موقع "صدى البلد" الإخباري خلال الساعات القليلة الماضية، عددًا كبيرًا من الأخبار والموضوعات المهمة التي تتعلق بالشأنين الإقليمي والدولي، نفرد أبرزها في التقرير التالي:

الصين تعزّز قوتها العسكرية وتزاحم أمريكاالجيش الصيني

تعتزم الصين زيادة الإنفاق الدفاعي في عام 2025 بنسبة 7.2%، وهو نفس معدل العام الماضي، وفقًا لوثيقة رسمية اطّلعت عليها وكالة "فرانس برس" اليوم الأربعاء.

وتأتي هذه الزيادة في الوقت الذي تخضع فيه القوات المسلحة في بكين لتحديث سريع، وتسعى إلى منافسة استراتيجية متعمقة مع الولايات المتحدة.

الولايات المتحدة وبريطانيا يبحثان تطورات الأزمة الأوكرانية

يعتزم وزير الدفاع البريطاني جون هيلي، التوجه إلى واشنطن اليوم الأربعاء في رحلة تستغرق يومين يلتقي خلالها بنظيره الأمريكي بيت هيجسيث بعد قرار إدارة ترامب بوقف جميع المساعدات العسكرية لأوكرانيا.

وقال مسئولون إن الوزير البريطاني سيستعرض مقترحات السلام الناشئة التي ناقشها زعماء أوروبيون في لندن يوم الأحد، لكن لم يتضح ما إذا كان سيضغط من أجل عكس تجميد المساعدات العسكرية، الذي بدا أنه فاجأ المملكة المتحدة، بحسب ما أوردته وكالة رويترز للأنباء.

وزير الخارجية: الإدارة الأمريكية ليست متمسكة بتهجير الفلسطينيين

قال وزير الخارجية الدكتور بدر عبد العاطي، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ذكر بوضوح إنه ضد العنف ويُريد السلام، وأن الإدارة الأمريكية ليست متمسكة بتهجير الفلسطينيين لكنها أرادت حلا بديلا.

وكشف الوزير عبد العاطي في تصريحات لفضائية العربية، أن رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا أشاد بخطة إعادة إعمار قطاع غزة، وأكد على المشاركة بفعالية في خطة الإعمار.

وأشار عبد العاطي، إلى أن ما تم الاتفاق عليه حلا عمليا يمكن تنفيذه على أرض الواقع، مؤكدا القدرة على الانتهاء من إعادة إعمار غزة خلال 5 سنوات.

ملك الأردن يؤكد الرفض التام لكل محاولات تهجير الفلسطينيين ملك الأردن

أكد الملك عبدالله الثاني، اليوم الثلاثاء، دعم الأردن لخطة إعادة إعمار غزة، بحيث يتم عرضها على الشركاء الفاعلين لكسب الدعم الدولي لها.

وشدد في كلمة الأردن للقمة العربية غير العادية “قمة فلسطين” التي تستضيفها مصر، رفض الأردن التام لكل محاولات تهجير الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة وضم الأراضي، وللقرار الإسرائيلي بمنع دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.

ولي العهد السعودي يعلن دعمه الكامل لقرارات القمة العربية بشأن فلسطين

أكد الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي ورئيس الوزراء، على الدعم الكامل من المملكة للقرارات الصادرة عن القمة العربية غير العادية التي استضافتها القاهرة مساء أمس الثلاثاء، والتي أقرت خطة لإعادة إعمار قطاع غزة، ومواجهة مخطط تهجير الفلسطينيين من أرضهم. 

وأكد مجلس الوزراء السعودي في بيان "الدعم الكامل لقرارات القمة العربية غير العادية "قمة فلسطين" التي عقدت في جمهورية مصر العربية الشقيقة، والتي تهدف إلى تأكيد رفض تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، وإنهاء التداعيات الكارثية الناتجة عن الحرب". 

ترامب: بايدن أسوأ رئيس في تاريخ الولايات المتحدةترامب

شنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اليوم الأربعاء، هجومًا لاذعًا على الرئيس السابق جو بايدن، واصفًا إياه بأنه "أسوأ رئيس في تاريخ الولايات المتحدة".

وخلال خطابه أمام الكونجرس، أكد ترامب أنه ورث من إدارة بايدن كارثة اقتصادية، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة تعاني من أسوأ موجة تضخم في تاريخها نتيجة سياسات بايدن.

اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قرارًا بتعيين طفل عمره 13 عامًا عميلًا في الخدمة السرية الأمريكية.

كان الصبي البالغ من العمر 13 عامًا يكافح سرطان المخ لمدة 6 سنوات، منذ تشخيصه في عام 2018، في ذلك الوقت، قيل له إنه من المرجح أن يعيش خمسة أشهر أخرى فقط، بحسب ما أوردته صحيفة ديلي ميل.

مقالات مشابهة

  • خلال لقائه وفد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي .. رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار يناقش فرص التعاون الدولي المشترك.
  • متجاوزًا بايدن.. خطاب ترامب في الكونجرس يجذب 6ر36 مليون مشاهد
  • تنظيم حفل تسليم ست مروحيات هجومية من نوع الأباتشي بالقاعدة الجوية الأولى بسلا
  • أهم أنظمة الأسلحة الأميركية التي قد تخسرها أوكرانيا
  • ترامب: جو بايدن أسوأ رئيس في تاريخ الولايات المتحدة
  • نشرة أخبار العالم | الصين تعزّز قوتها العسكرية وتزاحم أمريكا.. وترامب يهاجم بايدن ويعين طفلا بالخدمة السرية.. وزير الخارجية: إعمار غزة في 5 سنوات
  • الأمم المتحدة تحيي اليوم الدولي للتوعية بمسائل نزع السلاح وعدم الانتشار
  • ترامب: بايدن أسوأ رئيس في تاريخ الولايات المتحدة
  • رئيس منظمة التعاون الإسلامي: الشعب الفلسطيني لا بد أن يكون لفلسطين عضوية كاملة بالأمم المتحدة
  • الأونروا: استخدام المساعدات كسلاح في المفاوضات مخالف للقانون الدولي