عربي21:
2025-03-16@14:04:24 GMT

احنا بتوع المعتقلين

تاريخ النشر: 25th, September 2023 GMT

تموج البلاد بالأحداث والصراعات والأزمات التي طحنت الشعوب العربية وحصرت اهتماماتها في كيفية الحصول على لقمة العيش، خاصة في مصر التي تحظى بحجم هائل من المشكلات المتفاقمة بعد انقلاب 2013.. انشغل النظام في حجم الديون غير المسبوق في البلاد والمشكلات التراكمة نتيجة السياسات الفاشلة في إدارة البلاد، وكأن النظام قد تعاقد مع أكثر الفاشلين عالميا ومحليا ليدير المرحلة، وتقف مصر على أبواب الانتخابات الرئاسية للمدة الثالثة لقائد الانقلاب العسكري وسط فراغ كبير من أي من المرشحين الجادين، ووسط ظروف يستحيل على أحد المعارضين الفوز بها أو مجرد التقديم لها إلا أن يكون كومبارس لتمثيلية سخيفة أقيمت من قبل؛ حين ترشح أحدهم من قبل وقد أعلن أن صوته للرئيس، وفي ظل الشروط الصعبة التي يجب على المرشحين اجتيازها لمجرد التقديم مثل الحصول على موافقة عدد من أعضاء مجلس النواب المختارين بعناية على غير إرادة الشعب، وعدد من التوكيلات الرسمية من الجمهور في كل المحافظات بما أن إدارة البلاد هي إدارة أمنية في المقام الأول وليست إدارة سياسية ككل البلدان المحترمة.



وفي جهة أخرى يقع الشعب فريسة الارتفاع الجنوني للأسعار وشح السلع الأساسية مثل السكر والبصل والخضروات والأرز الذي يعتمد عليه المصريون في غذائهم اليومي، وفي فترة حرجة وهي بداية العام الدراسي مما يعني عجز أولياء الأمور عن إطعام أبنائهم وقضاء حوائجهم اليومية فضلا عن تعليمهم.

الحركة الإسلامية وما تبقي منها

وفي ظل الغليان الغاضب المكبوت في الشارع المصري تعود حركة الإخوان المسلمين بخطاب هادئ عبر إحدى قنوات المعارضة في الخارج؛ تمد فيه يدها لصنع شراكة مع من يمد يده لإنقاذ ما يمكن إنقاذه حتى لو كانت تلك اليد الممتدة هي يد النظام الحالي، في رسالة وجهها الدكتور حلمي الجزار المحسوب على إحدى جبهاتها بعد انقسام حاد عانت منه الجماعة منذ عام 2015؛ حتى استطاعت أن تثبت تلك الجبهة مشروعية وجودها بناء على قوانين الجماعة وبناء على عدة انتخابات داخلية أسفرت عن محاولة عودتها ولملمة شملها مرة أخري، فيعود الرجل بخطاب يراه البعض مناسبا تماما للمرحلة الحالية بكل ما يعتريها من ضعف وفرض للأمر الواقع، ومرونة للتعامل مع الحدث حسب المعطيات الدولية والمحلية، مع الأخذ في الاعتبار أن ملف المعتقلين هو الملف الذي يحمل الأولوية الأولى بعد معاناة استمرت بأكثر من مائة ألف معتقل، ومائة ألف أسرة لمدة عشر سنوات سوداء وليس في الأفق ما يبشر بإنهاء تلك المعاناة قريبا، وأنه قد آن الأوان للتكاتف لحل تلك الإشكالية، وأنه يجب كذلك وضع الاعتبار لمصلحة الوطن فوق أي كيان.

ويرى البعض الآخر أن الخطاب لم يكن على مستوى التضحيات الجمّة التي دفعتها الجماعة من شهداء واعتقالات وحياة كاملة لآلاف الشهداء وآلاف المعتقلين ومثلهم من المطاردين، وأن اللغة الموجهة للآخرين في هذا الوقت كان يجب أن تكون لغة قوية تضع الأمور في نصابها، وعدم الاعتراف بالانتخابات الحالية سواء خاضها قائد الانقلاب منفردا أو شاركه فيها أحد ممن يسمون بالمعارضين، فما هم إلا ممثلون لتجميل المشهد أمام العالم وإعطاء نوع من المشروعية للنظام، فالنتائج معروفة مسبقا.

ويمثل الرأيان صورة ضبابية عبثية لجانب المعارضة المفتت، والذي لم يستطع رغم قسوة الأحداث أن يتوحد، بل هو يزداد فرقة كل يوم، وعلى ضفة من ضفاف النهر يتحدث الناس عن الأسعار والجزر المباعة والشركات المتنازل عنها والمستقبل المجهول، والديون وانقطاع الكهرباء وعجز الموازنة وعجز المواطنين، والتعليم المفقود والصحة المنعدمة والإعلام الكاذب، والآمال والطموحات واليأس والإحباطات.

يقف على الضفة الأخرى هناك في زاوية البلاد بمعاناتها وسخونة أحداثها تقبع مائة ألف أسرة تحمل كل تلك الهموم فوق رأسها، غير أنها تحمل هموما أخرى ربما لا يعلمها الآخرون أو يشغلون أنفسهم بها، وهي أسر المعتقلين.

احنا بتوع المعتقلين

في عام 1979 قدم الفنان عبد المنعم مدبولي مع عادل إمام الفيلم الشهير "احنا بتوع الأتوبيس"، تتلخص قصة الفيلم حول أحداث تمت قبيل الهزيمة النكراء لجمال عبد الناصر، حيث تحدث مشاجرة عادية بين اثنين من الركاب في أتوبيس نقل عام من جهة، والجهة الأخرى مع محصل التذاكر، لتنتهي بهما المشاجرة في أحد أقسام الشرطة ليتم الإفراج عن الكمسري، ويلقى بهما في الحجز لحين الفصل في أمرهما، في الوقت الذي تحدث فيه جلبة كبيرة حيث يتم القبض على بعض الإسلاميين ويختلط الحابل بالنابل ليدخل الاثنان بالخطأ مع المعتقلين السياسيين ويُنسى أمر الأتوبيس تماما، وتبدأ رحلة عذاب لا نهاية لها لاثنين لا علاقة لهما بالأمر ولا ذنب لهما إلا ظلم الأنظمة وأذنابها واستهانتها بالشعوب ومصيرها.

وما أشبه ما يدور اليوم في هذه الأحداث الغريبة وتلك التي رواها الفيلم في قالب درامي حزين ليس بعيدا عن الواقع، ليحكي تاريخ حقبة سوداء في تاريخ البلد أعقبتها نكسة لم تُنسَ حتى اليوم، وها هي الأحداث ذاتها تتكرر بلون مختلف.

وبالرغم من أن الاعتقال والتغييب والإخفاء القسري والتعذيب صار ظاهرة في بلادنا، إلا أن مصر ما زالت تمتلك الريادة في هذا الخضم وتسبق بالعدد الأكبر وغير المسبوق.

ولك أن تتخيل ما يزيد عن مائة ألف معتقل، ينتمون لمائة ألف أسرة فيهم الآباء والأبناء والزوجات والإخوان والجيران والأصدقاء وزملاء العمل، مما يعني أن ما يقرب من نصف الشعب يلامس تلك الإشكالية الكبيرة، يحملون فوق الهموم اليومية التي ورّطهم فيها النظام الشمولي الديكتاتوري هموما أخرى تتكرر بشكل دوري شهريا أو أسبوعيا أو نصف شهري، أو يوميا أحيانا حسب موقع المعتقل في قسم شرطة، فتضطر الأسرة لتحضير الطعام له بشكل يومي في ظروف قاسية لا يتحملها إنسان عادي، مما يعني أن الأسرة قد تضطر لأن تمتنع عن الطعام أو تختصر الوجبات لوجبة واحدة يوميا حتى تستطيع توفير الزيارة، والتي تكون عبارة عن وجبة مميزة بالطبع مراعاة لظروف المعتقل. وأما إن كانت الزيارة شهرية أو غيرها فقد توجّب على الأسرة أن توقف معظم ميزانيتها الشهرية لتحضير تلك الزيارة، والتي تشمل كافة احتياجات المعتقل ومن معه في الزنزانة على مدى الشهر بالتبادل والتكافل فيما بينهم، بمعنى أنه إذا كان في الزنزانة أربعة مثلا، فيكون على كل أسرة أن تحمل ما يكفي من الطعام أسبوعا يكفي احتياجات أربعة من المعتقلين، من طعام وأدوية وفواكه وخضروات حسب القدرة في وقت يعاني فيه الإنسان العادي في توفير تلك الطلبات لأسرته الآمنة.

تلك الأسر أصبحت مجالا لتجارة المتاجرين بمعاناتهم، فمن ناحية يتاجر النظام بهم، فيكفي أنه قد خلص الشعب منهم وعلى الشعب أن يتحمل كل معاناة في سبيل الخلاص من هؤلاء الإرهابيين، ومن ناحية أخرى يطلب هذا وذاك دعما وبيعة ومكانة لأنهم يعيشون لقضية المعتقلين، ولست أدري هل يعيشون لها، أم يعيشون بها؟ الجميع يتاجر، والجميع يعد، ولا أحد يشعر، ولا أحد يدري بالمرارة في حلق كل أم وكل أب وكل ذي معتقل يحمل هم زياراته التي بدأت في التباعد بسبب ضيق اليد، لا أحد يفكر في أم، أو زوجة شابة تحمل طفلا أو تجر أطفالا وتقف على بوابات خلف أخرى؛ تفتيش ومضايقات وشفقة وشماتة لترى غائبها بضع دقائق لا تكاد تشفي فيها قلبا، أو تطفئ شوقا، أو تحمل فيها وصية.

لا أحد تروّعه زيارات زوار الليل والنهار التي لا تنقطع، طرقات على الأبواب بأياد لا تعرف الرحمة تبحث عن آخرين في نفس البيوت المكلومة بحجة أنهم اعتادوا تلك الزيارات فلا ضير إن تكررت، فالمرة الواحدة كالمرات المتعددة ما عادت تؤلم أو تخيف، هكذا يحسبون.

لا أحد يشعر بكمّ الإحباطات التي تمر بها تلك الأُسر حين لا تجد مخرجا في أفق مغلق حين تنتهي مدد المحكومين دون أن يخرج منهم أحد، ويتم تدويرهم في قضايا جديدة كل مدة دون أن يروا النور.

لقد فقد المعتقلون وذووهم الاهتمام الإنساني الحقيقي من كافة الجهات، ومن كل الجوانب، ونسيهم الجميع في خضم الأحداث ليدفعوا ثمنا مضاعفا.

احنا بتوع المعتقلين في بلادكم المكلومة، نعلم أنكم تعانون من الفقر والحاجة ونشفق عليكم ونتمنى لكم حياة أفضل، دفعنا ثمن أمنياتنا تلك أحب من لدينا، ونعلم لأننا مثلكم نعاني من نفس الضيق لكنه مضاعف، نعلم أنكم تتمنون خطابات مكتملة، وأفعالا مثالية، وتبحثون عن آخرين يقومون بتضحيات أخرى من أجلكم لكنكم لا تجدون، فما رأيكم أن تذكروا أولئك القابعين في ظلمات الزنازين بدعوة، أو بكلمة، أو بمطالبة، أو بتحرك، فربما يخرجون ليحرروكم ويحققوا لكم ما تتمنون؟ ما رأيكم لو نحّيتم خلافاتكم جانبا حسبة لله كي يخرج هؤلاء المنسيون، وتستريح تلك الأسر البائسة وتهدأ قليلا؟ ما رأيكم لو اجتمعتم مرة على قضية هؤلاء عسى الله أن يخفف عنكم مصائبكم بسعيكم لتفريج كرب هؤلاء الذين أمضوا زهرة شبابهم في غُرفات غير آدمية لتحيوا حياة إنسانية؟ ما رأيكم لو اتحدت مساعيكم مرة، ليس للصراع على الكراسي، ولكن دفاعا عنهم بصدق ولو لمرة واحدة؟

احنا بتوع المعتقلين ليس لذنب اقترفناه، وإنما لعقيدة نحملها، وكلمة خير قلناها، ورأي حملناه رجونا به وجه الله، فهل يا كل هؤلاء تسمعون؟ هل تسمعون؟

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مصر المعتقلين معاناة مصر معاناة المعتقلين مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة رياضة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة لا أحد

إقرأ أيضاً:

العرقسوس خطر على هؤلاء.. جمال شعبان يوضح

حذر الدكتور جمال شعبان، العميد السابق لمعهد القلب القومي، مرضى القلب وأصحاب الضغط المرتفع، والسكر، من تناول الـعرقسوس.

شرب الماء المثلجة على الريق قد تسبب الوفاة.. جمال شعبان يحذرجمال شعبان: الوجع مؤشر لعمل عضلة القلبجمال شعبان: المشي له تأثير إيجابي على هرمون السعادة ويقلل الأزمات القلبيةجمال شعبان يكشف أسباب الصداع في أثناء الصيام.. فيديو

وأضاف الدكتور جمال شعبان، خلال تقديمه برنامج " طبيب القلوب" أن عدد كبير من المرضى استقبال معهد القلب، في رمضان يكون بسبب مشروب العرقسوس.

ولفت إلى أن مشروب العرقسوس صحي، ولكن يحتاج شخص سليم، ولا يعاني من مشكلات بالقلب، ولا بالضغط، فكل مواطن عليه تناول المشروبات الطبيعية الصحية.

برتقالة في اليوم تغني المواطنين عن زيارة 

وأوضح أن تناول برتقالة في اليوم تغني المواطنين عن زيارة طبيب القلب، ولذلك ننصح المواطنين بتناول الفاكهة الطبيعية.

كما أكد الدكتور جمال شعبان، العميد السابق لمعهد القلب القومي، أن الماء هي سر الحياة، موضحًا أن 60% من وزن الإنسان يكون ماء، ولذلك الله سبحانه وتعالى قال" وجعلنا من الماء كل شيء حي".

وأضاف الدكتور جمال شعبان، أن 90% من دم الإنسان يكون ماء، ولذلك الدم معظمه مياه، وأن العطش اقصى اختبار للأطفال والمواطنين خلال فترة الصيام.

ولفت إلى أن الكثير من المواطنين يتناول كميات كبيرة من المياه لحظة المغرب، ولكن هناك خطر كبير على الجميع الحذر منه، وهو تناول المياه المثلجة.

شرب الماء المثلجة على الريق قد تسبب الوفاة


وأشار إلى أن العام قبل الماضي توفى شاب بسبب تناول المياه المثلجة، ولذلك ننصح بعدم تناول المياه المثلجة لحظة الإفطار أو على الريق لآن ذلك قد ينتج عنه وفاة.

مقالات مشابهة

  • رئيس شؤون الضباط في وزارة الدفاع العميد محمد منصور: الجيش العربي السوري كان وسيبقى عماد السيادة الوطنية، واستعادة الكفاءات والخبرات العسكرية التي انشقت وانحازت للشعب في مواجهة نظام الأسد البائد والتي خاضت معارك الدفاع عن الوطن أمرٌ ضروري لتعزيز قدرات جيشن
  • الفيدرالية في ظل الأزمة الليبية
  • خطيب المسجد النبوي: الزكاة نفع مخصوص وتجب على هؤلاء
  • هل ما زالوا يقولون انه “جيش سوسو” و “جيش الكيزان”؟!
  • مشروب العرقسوس خطر على هؤلاء المواطنين.. جمال شعبان يوضح
  • العرقسوس خطر على هؤلاء.. جمال شعبان يوضح
  • أردوغان يكرم عميد المعتقلين السوريين وخطيب الأقصى في حفل جائزة دولية
  • الزراعة: لدينا اكتفاء ذاتي في سبعة محاصيل ونصدر 13 أخرى
  • أبرز الفئات التي شملها قرار الداخلية السورية إلغاء بلاغات منع السفر
  • جنبلاط: لا أُريد أنّ يأتي هؤلاء في 16 آذار