عربي21:
2024-09-16@13:59:52 GMT

احنا بتوع المعتقلين

تاريخ النشر: 25th, September 2023 GMT

تموج البلاد بالأحداث والصراعات والأزمات التي طحنت الشعوب العربية وحصرت اهتماماتها في كيفية الحصول على لقمة العيش، خاصة في مصر التي تحظى بحجم هائل من المشكلات المتفاقمة بعد انقلاب 2013.. انشغل النظام في حجم الديون غير المسبوق في البلاد والمشكلات التراكمة نتيجة السياسات الفاشلة في إدارة البلاد، وكأن النظام قد تعاقد مع أكثر الفاشلين عالميا ومحليا ليدير المرحلة، وتقف مصر على أبواب الانتخابات الرئاسية للمدة الثالثة لقائد الانقلاب العسكري وسط فراغ كبير من أي من المرشحين الجادين، ووسط ظروف يستحيل على أحد المعارضين الفوز بها أو مجرد التقديم لها إلا أن يكون كومبارس لتمثيلية سخيفة أقيمت من قبل؛ حين ترشح أحدهم من قبل وقد أعلن أن صوته للرئيس، وفي ظل الشروط الصعبة التي يجب على المرشحين اجتيازها لمجرد التقديم مثل الحصول على موافقة عدد من أعضاء مجلس النواب المختارين بعناية على غير إرادة الشعب، وعدد من التوكيلات الرسمية من الجمهور في كل المحافظات بما أن إدارة البلاد هي إدارة أمنية في المقام الأول وليست إدارة سياسية ككل البلدان المحترمة.



وفي جهة أخرى يقع الشعب فريسة الارتفاع الجنوني للأسعار وشح السلع الأساسية مثل السكر والبصل والخضروات والأرز الذي يعتمد عليه المصريون في غذائهم اليومي، وفي فترة حرجة وهي بداية العام الدراسي مما يعني عجز أولياء الأمور عن إطعام أبنائهم وقضاء حوائجهم اليومية فضلا عن تعليمهم.

الحركة الإسلامية وما تبقي منها

وفي ظل الغليان الغاضب المكبوت في الشارع المصري تعود حركة الإخوان المسلمين بخطاب هادئ عبر إحدى قنوات المعارضة في الخارج؛ تمد فيه يدها لصنع شراكة مع من يمد يده لإنقاذ ما يمكن إنقاذه حتى لو كانت تلك اليد الممتدة هي يد النظام الحالي، في رسالة وجهها الدكتور حلمي الجزار المحسوب على إحدى جبهاتها بعد انقسام حاد عانت منه الجماعة منذ عام 2015؛ حتى استطاعت أن تثبت تلك الجبهة مشروعية وجودها بناء على قوانين الجماعة وبناء على عدة انتخابات داخلية أسفرت عن محاولة عودتها ولملمة شملها مرة أخري، فيعود الرجل بخطاب يراه البعض مناسبا تماما للمرحلة الحالية بكل ما يعتريها من ضعف وفرض للأمر الواقع، ومرونة للتعامل مع الحدث حسب المعطيات الدولية والمحلية، مع الأخذ في الاعتبار أن ملف المعتقلين هو الملف الذي يحمل الأولوية الأولى بعد معاناة استمرت بأكثر من مائة ألف معتقل، ومائة ألف أسرة لمدة عشر سنوات سوداء وليس في الأفق ما يبشر بإنهاء تلك المعاناة قريبا، وأنه قد آن الأوان للتكاتف لحل تلك الإشكالية، وأنه يجب كذلك وضع الاعتبار لمصلحة الوطن فوق أي كيان.

ويرى البعض الآخر أن الخطاب لم يكن على مستوى التضحيات الجمّة التي دفعتها الجماعة من شهداء واعتقالات وحياة كاملة لآلاف الشهداء وآلاف المعتقلين ومثلهم من المطاردين، وأن اللغة الموجهة للآخرين في هذا الوقت كان يجب أن تكون لغة قوية تضع الأمور في نصابها، وعدم الاعتراف بالانتخابات الحالية سواء خاضها قائد الانقلاب منفردا أو شاركه فيها أحد ممن يسمون بالمعارضين، فما هم إلا ممثلون لتجميل المشهد أمام العالم وإعطاء نوع من المشروعية للنظام، فالنتائج معروفة مسبقا.

ويمثل الرأيان صورة ضبابية عبثية لجانب المعارضة المفتت، والذي لم يستطع رغم قسوة الأحداث أن يتوحد، بل هو يزداد فرقة كل يوم، وعلى ضفة من ضفاف النهر يتحدث الناس عن الأسعار والجزر المباعة والشركات المتنازل عنها والمستقبل المجهول، والديون وانقطاع الكهرباء وعجز الموازنة وعجز المواطنين، والتعليم المفقود والصحة المنعدمة والإعلام الكاذب، والآمال والطموحات واليأس والإحباطات.

يقف على الضفة الأخرى هناك في زاوية البلاد بمعاناتها وسخونة أحداثها تقبع مائة ألف أسرة تحمل كل تلك الهموم فوق رأسها، غير أنها تحمل هموما أخرى ربما لا يعلمها الآخرون أو يشغلون أنفسهم بها، وهي أسر المعتقلين.

احنا بتوع المعتقلين

في عام 1979 قدم الفنان عبد المنعم مدبولي مع عادل إمام الفيلم الشهير "احنا بتوع الأتوبيس"، تتلخص قصة الفيلم حول أحداث تمت قبيل الهزيمة النكراء لجمال عبد الناصر، حيث تحدث مشاجرة عادية بين اثنين من الركاب في أتوبيس نقل عام من جهة، والجهة الأخرى مع محصل التذاكر، لتنتهي بهما المشاجرة في أحد أقسام الشرطة ليتم الإفراج عن الكمسري، ويلقى بهما في الحجز لحين الفصل في أمرهما، في الوقت الذي تحدث فيه جلبة كبيرة حيث يتم القبض على بعض الإسلاميين ويختلط الحابل بالنابل ليدخل الاثنان بالخطأ مع المعتقلين السياسيين ويُنسى أمر الأتوبيس تماما، وتبدأ رحلة عذاب لا نهاية لها لاثنين لا علاقة لهما بالأمر ولا ذنب لهما إلا ظلم الأنظمة وأذنابها واستهانتها بالشعوب ومصيرها.

وما أشبه ما يدور اليوم في هذه الأحداث الغريبة وتلك التي رواها الفيلم في قالب درامي حزين ليس بعيدا عن الواقع، ليحكي تاريخ حقبة سوداء في تاريخ البلد أعقبتها نكسة لم تُنسَ حتى اليوم، وها هي الأحداث ذاتها تتكرر بلون مختلف.

وبالرغم من أن الاعتقال والتغييب والإخفاء القسري والتعذيب صار ظاهرة في بلادنا، إلا أن مصر ما زالت تمتلك الريادة في هذا الخضم وتسبق بالعدد الأكبر وغير المسبوق.

ولك أن تتخيل ما يزيد عن مائة ألف معتقل، ينتمون لمائة ألف أسرة فيهم الآباء والأبناء والزوجات والإخوان والجيران والأصدقاء وزملاء العمل، مما يعني أن ما يقرب من نصف الشعب يلامس تلك الإشكالية الكبيرة، يحملون فوق الهموم اليومية التي ورّطهم فيها النظام الشمولي الديكتاتوري هموما أخرى تتكرر بشكل دوري شهريا أو أسبوعيا أو نصف شهري، أو يوميا أحيانا حسب موقع المعتقل في قسم شرطة، فتضطر الأسرة لتحضير الطعام له بشكل يومي في ظروف قاسية لا يتحملها إنسان عادي، مما يعني أن الأسرة قد تضطر لأن تمتنع عن الطعام أو تختصر الوجبات لوجبة واحدة يوميا حتى تستطيع توفير الزيارة، والتي تكون عبارة عن وجبة مميزة بالطبع مراعاة لظروف المعتقل. وأما إن كانت الزيارة شهرية أو غيرها فقد توجّب على الأسرة أن توقف معظم ميزانيتها الشهرية لتحضير تلك الزيارة، والتي تشمل كافة احتياجات المعتقل ومن معه في الزنزانة على مدى الشهر بالتبادل والتكافل فيما بينهم، بمعنى أنه إذا كان في الزنزانة أربعة مثلا، فيكون على كل أسرة أن تحمل ما يكفي من الطعام أسبوعا يكفي احتياجات أربعة من المعتقلين، من طعام وأدوية وفواكه وخضروات حسب القدرة في وقت يعاني فيه الإنسان العادي في توفير تلك الطلبات لأسرته الآمنة.

تلك الأسر أصبحت مجالا لتجارة المتاجرين بمعاناتهم، فمن ناحية يتاجر النظام بهم، فيكفي أنه قد خلص الشعب منهم وعلى الشعب أن يتحمل كل معاناة في سبيل الخلاص من هؤلاء الإرهابيين، ومن ناحية أخرى يطلب هذا وذاك دعما وبيعة ومكانة لأنهم يعيشون لقضية المعتقلين، ولست أدري هل يعيشون لها، أم يعيشون بها؟ الجميع يتاجر، والجميع يعد، ولا أحد يشعر، ولا أحد يدري بالمرارة في حلق كل أم وكل أب وكل ذي معتقل يحمل هم زياراته التي بدأت في التباعد بسبب ضيق اليد، لا أحد يفكر في أم، أو زوجة شابة تحمل طفلا أو تجر أطفالا وتقف على بوابات خلف أخرى؛ تفتيش ومضايقات وشفقة وشماتة لترى غائبها بضع دقائق لا تكاد تشفي فيها قلبا، أو تطفئ شوقا، أو تحمل فيها وصية.

لا أحد تروّعه زيارات زوار الليل والنهار التي لا تنقطع، طرقات على الأبواب بأياد لا تعرف الرحمة تبحث عن آخرين في نفس البيوت المكلومة بحجة أنهم اعتادوا تلك الزيارات فلا ضير إن تكررت، فالمرة الواحدة كالمرات المتعددة ما عادت تؤلم أو تخيف، هكذا يحسبون.

لا أحد يشعر بكمّ الإحباطات التي تمر بها تلك الأُسر حين لا تجد مخرجا في أفق مغلق حين تنتهي مدد المحكومين دون أن يخرج منهم أحد، ويتم تدويرهم في قضايا جديدة كل مدة دون أن يروا النور.

لقد فقد المعتقلون وذووهم الاهتمام الإنساني الحقيقي من كافة الجهات، ومن كل الجوانب، ونسيهم الجميع في خضم الأحداث ليدفعوا ثمنا مضاعفا.

احنا بتوع المعتقلين في بلادكم المكلومة، نعلم أنكم تعانون من الفقر والحاجة ونشفق عليكم ونتمنى لكم حياة أفضل، دفعنا ثمن أمنياتنا تلك أحب من لدينا، ونعلم لأننا مثلكم نعاني من نفس الضيق لكنه مضاعف، نعلم أنكم تتمنون خطابات مكتملة، وأفعالا مثالية، وتبحثون عن آخرين يقومون بتضحيات أخرى من أجلكم لكنكم لا تجدون، فما رأيكم أن تذكروا أولئك القابعين في ظلمات الزنازين بدعوة، أو بكلمة، أو بمطالبة، أو بتحرك، فربما يخرجون ليحرروكم ويحققوا لكم ما تتمنون؟ ما رأيكم لو نحّيتم خلافاتكم جانبا حسبة لله كي يخرج هؤلاء المنسيون، وتستريح تلك الأسر البائسة وتهدأ قليلا؟ ما رأيكم لو اجتمعتم مرة على قضية هؤلاء عسى الله أن يخفف عنكم مصائبكم بسعيكم لتفريج كرب هؤلاء الذين أمضوا زهرة شبابهم في غُرفات غير آدمية لتحيوا حياة إنسانية؟ ما رأيكم لو اتحدت مساعيكم مرة، ليس للصراع على الكراسي، ولكن دفاعا عنهم بصدق ولو لمرة واحدة؟

احنا بتوع المعتقلين ليس لذنب اقترفناه، وإنما لعقيدة نحملها، وكلمة خير قلناها، ورأي حملناه رجونا به وجه الله، فهل يا كل هؤلاء تسمعون؟ هل تسمعون؟

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مصر المعتقلين معاناة مصر معاناة المعتقلين مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة رياضة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة لا أحد

إقرأ أيضاً:

#عاجل إحسان الفقيه .. هكذا تسببت حماس في نشر الإلحاد!

#سواليف

#إحسان_الفقيه .. هكذا تسببت #حماس في #نشر_الإلحاد!

عندما تحالف الملك الصالح إسماعيل مع الصليبيين، وأذن لهم في دخول دمشق وشراء السلاح لقتال نجم الدين أيوب حاكم مصر، وقف العالم الجليل العز بن عبد السلام صارخا بحرمة بيع السلاح للصليبيين لأنه تحقق من كونهم يشترونه ليقاتلوا به المسلمين، ووقف على منبر المسجد الأموي الكبير يشنع بالخيانة ويشدد النكير على الملك، فمُنع الخطابة والإفتاء، وتم اعتقاله ثم أفرج عنه وحُدّدت إقامته، ورفض كل محاولات السلطة لإغرائه للعدول عن آرائه والدخول تحت جناح السلطان.
وعندما جاء التتار إلى الشام سنة 702هـ، كان دعاة الهزيمة ينشرون الفزع في القلوب ويخوّفونهم بأس التتار، فكان شيخ الإسلام ابن تيمية يثبتهم ويعدهم بالنصر ويحلف لهم بيقين، بأنهم منصورون، فاطمأنت بكلامه القلوب وسكنت النفوس. وانبرى المخذّلون يعترضون على قتال التتار، لأنهم في هذه الحقبة أظهروا الإسلام، قالوا ذلك رغم أنهم مدافعون لا مهاجمون، فحينها جهر الشيخ بفتاواه من وجوب دفع عدوانهم وقال: «إذا رأيتموني في ذلك الجانب ـ أي مع التتار- وعلى رأسي مصحف فاقتلوني»، فتحركت النخوة، وامتطى صهوة جواده محاربا ومحرضا على القتال. وفي مرج الصفر قرب دمشق رأى من السلطان ترددا في القتال، فاجتمع به ابن تيمية يحثه على الجهاد والقتال، فثارت فيه الحمية والعزم، فقاتلوا ومعهم شيخ الإسلام بنفسه حتى انتصروا.
صورتان من صور قيام العلماء بدورهم المنوط بهم في الدفاع عن الأرض التي يهاجمها الأعداء، سقناهما على سبيل المثال لا الحصر، هكذا كان العلماء وهكذا كان صنيعهم وقت الأزمات، وهكذا كانوا يعبئون الأمة للدفاع عن شرفها وأرضها وعرضها. ولكن ما أكثر ما ابتليت الأمة في هذا العصر بأدعياء علم يصدحون بفتاوى يكاد يجزم المرء بأنهم يقفون فيها في مصاف الأعداء، وظهر هذا أكثر ما ظهر خلال فترة العدوان على غزة منذ انطلاق طوفان الأقصى. أدعياء العلم لم يكتفوا بالصمت عن المجازر التي يرتكبها الصهاينة بحق أهلنا في غزة، وإنما أصبح همهم الأكبر هو النيل من المقاومة الفلسطينية، وتخذيل الناس عنها، هؤلاء الأدعياء الذين ينتمون غالبا لتيار المداخلة والجامية، الذين لا هم لهم إلا الترويج للسلطة والدفاع عنها مهما كانت سياساتها، لم يصدروا فتوى واحدة بوجوب نصرة أهل غزة والدفاع عن فلسطين ضد العدو الصهيوني المحتل، وإنما صبوا الفتاوى صبا ضد المقاومة التي تدافع عن أرض فلسطين.

علماء السلاطين لا تحركهم نصوص قرآنية ولا نبوية، إنما تحركهم أهواء وأمزجة الأنظمة السياسية، ولا هم لهم إلا مجاراة هذه الأنظمة في توجهاتها السياسية

مقالات ذات صلة “حماس” تكشف عن اتفاق لتشكيل “حكومة وفاق وطني” تدير قطاع غزة بعد الحرب 2024/09/16

تحضرني هنا مقولة أوردها ابن سعد في «الطبقات الكبرى» عن عبد الله بن عكيم قال: «لا أُعينُ على دم خليفة أبدا بعد عثمان»، قيل له: «يا أبا معبد، أَوَأَعَنْتَ عَلَى دَمِهِ؟ فقال: «إِنِّي أَعُدُّ ذِكْرَ مَسَاوِيهِ عَوْنًا عَلَى دَمِهِ». فالرجل قد اعتبر ذكر ما يراه مساوئ في عثمان المظلوم وقت الفتن والاضطرابات نوعا من الإعانة على دمهم، أما هؤلاء الأدعياء فلا يرون بأسا بأن يطلقوا سهامهم على المدافعين عن أرضهم ضد أعداء الأمة في أوج محنتها، ويدعون بذلك أنهم يبلغون الحق للناس، مع أنهم بذلك يعينون على الدم الفلسطيني، فالمقاومة ما هي إلا من شعب غزة، هم أبناء كل شارع وحي ومدينة فيها، هم أبناء جامعاتها ومساجدها ومستشفياتها ومؤسساتها، اجتمعوا ليذودوا عن فلسطين والأقصى. وكما يُقتل سكان غزة في ديارهم وخيامهم، يُقتل كذلك عناصر المقاومة في ميادين القتال والنضال. هؤلاء الأدعياء للعلم يتعاملون مع القضية الفلسطينية على أنها بدأت في السابع من أكتوبر بالهجوم الذي شنته حماس على المستوطنات واقتيادها الأسرى الصهاينة إلى غزة، فأين هم من 75 عاما تسحق فيه القوات الإسرائيلية الغاشمة أهل فلسطين بأسرها؟ وأين هم من 75 عاما دنسوا فيها المسجد الأقصى وقاموا بمكائدهم ومؤامراتهم المستمرة لتهويده توطيدا لهدمه وبناء هيكلهم المزعوم؟ أحدهم ترك كل ما ينبغي أن يقال في هذه المحنة، وناقش أمام الناس وصف القتلى من المدنيين في غزة بالشهداء، يفتي أتباعه بأن هؤلاء ليسوا شهداء، لأنهم لم يُشرع في حقهم الجهاد، وليسوا مأمورين به. يا الله، أهذا كل ما تبرأ به ذمته في هذه المحنة، أهذا كل ما يشغله؟ أن يفتي بأن هؤلاء الضحايا ليسوا شهداء؟ وأحدهم يُعلّم أبا عبيدة الطريق، ويدعوه أن يجاهد بالسنن، وكأن الإسلام لم يأمر أهله بالدفاع عن عرضهم وشرفهم وأموالهم وأرضهم. آخر صيحات هؤلاء الأدعياء التي سمعتها عن أحدهم، القول بأن حماس بقتالها الصهاينة روجت للإلحاد؟
كيف ذلك يا جهبذ زمانك وعلامة عصرك؟
يرى الدعيّ أن حماس تخسر أمام الاحتلال، وهي بذلك نصرت الصهاينة على الأمة، بأنهم أثبتوا أن الحق مع اليهود، فحركوا الناس ناحية الإلحاد والقول بأن الإسلام لو كان حقا لانتصر على الأعداء. هل حقيقة أنني أسمع هذه الكلمات من رجل ينتسب إلى العلم زورا وبهتانا، ليس فقط لظهوره في موقع يستحق عليه الثناء من حاخامات الصهاينة، لكن لأنه ضرب بالتأصيل الشرعي عرض الحائط، وأفتى بوجهة نظره الخائنة. فمن الناحية العلمية أتساءل كيف انطلق هذا الرجل في فتواه هذه؟ وما هو مستنده سوى الكراهية للمقاومة والحنق عليها. ماذا عن المعارك الحربية التي هزم فيها المسلمون على مرّ التاريخ؟ هل كانوا على الباطل لأن عدوهم انتصر عليهم؟ هل كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على الباطل عندما هُزموا يوم أحد؟ ومن جهة أخرى، تجاوز هذا المخرّف كون المقاومة تقوم بواجبها الديني في الدفاع عن الأرض، ضد العدوان الذي بدأ قبل خمسة وسبعين عاما، وقدمت فيه طيلة هذه الحقبة الدماء الزكية لتحرير الأقصى والأرض الفلسطينية، ومن المعلوم أن دفع الصائل لا يُشترط له التكافؤ في القوة. إن أي شخص لديه قدر من الثقافة الإسلامية العامة، يدرك بوضوح سفاهة ما ذهب إليه هذا الدعيّ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أجاب على من سأله بشأن رجل أتاه يريد أخذ ماله، بأن لا يعطيه ماله حتى إن اضطر إلى قتاله، فإن قَتل المتعدي فلا شيء عليه، وإن قُتل فهو شهيد والصائل في النار، فإن كان هذا قيل بحق الدفاع عن الأموال، التي تُعوض، فكيف بالدفاع عن الدين والأرض والشرف والعرض، لذلك أقر في أحاديث أخرى بأن من قتل دون ماله أو أهله أو دينه أو دمه (أي دفاعا عن نفسه) فهو شهيد، ولم يشترط النبي، صلى الله عليه وسلم، أن يكون هناك تكافؤ للقوة بينهم وبين أعدائهم، فمن أين لهذا الدعيّ بهذه الفتاوى؟ هذا الدعيّ الذي يتهم المقاومة بالترويج للإلحاد وفقا لمنطقه العفن، تعامى عن الأخبار المتواترة عن دخول أعداد غفيرة من جماهير الغرب في الإسلام بعد معركة طوفان الأقصى، وتعرف كثير منهم على الإسلام بعد الصورة النقية التي قدمتها المقاومة في التعامل مع الأسرى، وفي شجاعتهم وإقدامهم في الدفاع عن قضيتهم، وفي صمود أهالي القطاع الذين يتعرضون لأبشع مجازر العصر.
صدق أحد المعلقين على هذا الدعي في وسائل التواصل الاجتماعي عندما كتب: «لو كان ابن الجوزي حيا لأدرج مثل هؤلاء في كتابه «أخبار الحمقى والمغفلين». أمثال هؤلاء من علماء السلاطين لا تحركهم نصوص قرآنية ولا نبوية، إنما تحركهم أهواء وأمزجة الأنظمة السياسية، فنصبوا من أنفسهم إمّعات لا هم لهم إلا مجاراة هذه الأنظمة في توجهاتها السياسية، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

مقالات مشابهة

  • #عاجل إحسان الفقيه .. هكذا تسببت حماس في نشر الإلحاد!
  • محمد كيلاني يرد على متابع «قاله إنت شبه كريم فهمي»: «احنا اخوات»
  • ابتذال القيادة!!
  • الزائدي: فتوى “الغنائم” الشهيرة للغرياني فتحت باب سرقة أموال البلاد
  • مشاجرة البتاوين.. الأمن العراقي يزيد غلة المعتقلين السوريين
  • صحة غزة تناشد الكشف عن مصير كوادرها المعتقلين
  • البحرين تؤكد جهودها لإطلاق سراح خمسة من مواطنيها المعتقلين في مأرب
  • تحذيرات من خطورة تجار المخدرات داخل السجون ودعوات لإبعاد المعتقلين الآخرين
  • تحذيرات من خطورة تجار المخدرات داخل السجون ودعوات لإبعاد المعتقلين الآخرين - عاجل
  • مؤسسة حقوقية توثق عدد وفئات المعتقلين الفلسطينيين بسجون الاحتلال