"عالم أزهري" بملتقي التصوف العالمي: شريعة الإسلام اهتمت اهتمامًا بالغًا بالقيم الدينية
تاريخ النشر: 25th, September 2023 GMT
قال الدكتور عبد الفتاح العواري، عضو مجمع البحوث الإسلامية، ورئيس مركز الإمام الأشعري بالازهر الشريف، وعميد كلية أصول الدين سابقًا، خلال مشاركته في فعاليات الملتقي العالمي للتصوف، لقد أتت ورقتي المتواضعة تحمل عنوان: القيم الدينية والوطنية وأصولها الشرعية، وإذا أراد الباحث أن يُؤَصِّلَ لتلكَ القيمِ الدينيةِ والوطنيةِ فَحَري به أن ييمم وجْهَتَهُ شَطَرَ الكتابِ والسنةِ، وبالتأملِ الصادقِ في نصوصهما المُحْكَمَةِ الصريحةِ في دلالاتها يَجِدُ التأصيلَ الشرعي لكل قيمةٍ من هذه القيمِ التي بتحقيقها ومراعاتها تُبْنَى الأوطان ويعم الأمن جنباتها وترفرف رايةَ السلامِ في أرجائها والإطار العام التي تدور في فلكه تلك القيم يقول ربنا اللطيف الخبير: يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير".
وتابع "العواري" أما إذا ذهبنا إلى تتبع التأصيل الشرعي لكل قيمةٍ دينيةٍ مستقلةٍ فإن ورقةً كهذه لا يمكنها أن تفي بالغرضِ المطلوبِ وَمِنْ ثَمَّ فإننا نكتفي بمجردِ ضربِ الأمثلةِ لبعضٍ من هذه القيمِ وكذلك القيم الوطنية فإنَّ أصولها الشرعية لا تخفى على من أمعن النظرَ وأنْعَمَ الفكرةَ في نصوصِ كتابِ اللهِ وتطبيقاتِ سيدنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لهذه النصوص
وأقول في التأصيل للقيم الوطنية بادئًا بها إنَّ الشريعةَ الإسلاميةَ بنصوصها العامة وقواعدها الكلية أصلت لتلك القيم الوطنية، فمن ذلك قول الله - تعالى - في شأن الأنصار: وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلۡإِيمَٰنَ مِن قَبۡلِهِمۡ يُحِبُّونَ مَنۡ هَاجَرَ إِلَيۡهِمۡ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمۡ حَاجَةٗ مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤۡثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةٞۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُون.
واضاف "العواري" قائلا: بل المتأملُ فيما شرع الله تعالى من أمر الجهاد يجده إنما كان من أجل الدفاع عن الاوطان وحمايتها وحفظ مقدساتها وإبعاد أي عدوانٍ لمعتدٍ عليها فقال سبحانه: ﵟوَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّهُدِّمَتۡ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٞ وَصَلَوَٰتٞ وَمَسَٰجِدُ يُذۡكَرُ فِيهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِيرٗاۗ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز، وهكذا ترى نصوصَ الشريعةِ الغراءِ أَصَّلَتْ للقيمِ الوطنيةِ في شتى جوانبها حتى يعرف الناسُ قدر أوطانهم ففي الأوطان يُعْبَدُ الله وتُقَامُ شعائرَ الدينِ وتُرْفَعُ كلمةَ اللهِ وتُبْنى بيوته التي يذكر فيها اسمه والتي يسبح له فيها بالغدو والاصال رجال، وفي الأوطان يقام العمران وتبنى المدن وترقى الحضارات و تتحقق التنمية في شتى مجالات الحياة بل إن حب الوطن دليلٌ على قوةِ إيمان المرء وقد جاء عن بعضِ الصالحينَ من العرب قوله: (إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل ودوام عهده فانظر إلى حنينه إلى أوطانه وتشوقه إلى إخوانه، وبكائه على ما مضى من أزمانه ) .
وأوضح: أما التأصيل الشرعي للقيم الدينية فباستقراء نصوص الكتاب والسنة وقواعد الشريعة الكلية يرى الباحث المنصف أنَّ شريعةَ الإسلامِ اهتمت اهتمامًا بالغًا بالقيمِ الدينيةِ سواء في مجال العقيدة أو العبادات أو المعاملات أو السلوك والأخلاق ومراعاة مِنَّا لطبيعةِ بحثٍ مختصرٍ نقدمه كورقة عمل للمشاركةِ في مؤتمركم هذا يحسن بنا أن نتناول بعضًا من هذه القيم كنماذج لقيم لا يمكن أن تفي بها هذه العجالة فأقول والله أستعين: لقد جاء الإسلام بقيمٍ عظيمةٍ محكمةٍ حمت الإنسان وحفظته وحققت له السلم في الأرض التي يعيش عليها وكفلت له حق الحياة الكريمة ومنحته الحريةَ التامةَ وقد أحاط القران الكريم أصول هذه القيم بسياجٍ منيعٍ كما احاط ايضًا بأصول ما يلزم لحفظ مقاصدها التي قال فيها صاحب الجوهرة: وحِفْظُ دين ثم نفسِ مالٍ نَسَبٍ... ومثلُها عَقْلٌ وعِرضْ قد وجَبَ.
وأشار "رئيس مركز الامام الاشعري" أن الْقِيَّمِ الإنسانيةِ التي جاءَ بها القرآنُ الكريمُ وحثتْ عليها الشريعةُ الغراءُ: قيمة الأخوة الإنسانية، وإِنَّ المبدأ الذي اتخذه الإسلام شعاره الوحيد في الجانب الإنساني من دعوته هو مبدأ " الأخوة الإنسانية "وتلك قيمة نفيسة في الإسلام حماها وأحاطها بسياج منيع وشرع لها من التشريعات السديدة التي تحفظها.
وتابع "العواري" قائلا: لقد تعب العقل البشري وهو يبحث في الفلسفات الأخرى، وفي الدساتير الديموقراطية الحديثة، كي يجد ما يحقق هذه القيمة فلم يجدها وبعدها عاد العقل بعد طول وحدته ونجعته في طلب الشريعة المثالية، فلم يكد يلقي عصاه، ويستقر به النوى حتى شعر بنفسه ساجدًا أمام كلمة الوحي الإلهي ؛ لأنه لم يجد حكمًا أحسن من حكمها، ولا نورًا أتم من نورها.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: مجمع البحوث الاسلامية الازهر الشريف كلية أصول الدين القيم الوطنية هذه القیم
إقرأ أيضاً:
أقوال العلماء في بيان المراد بمصرف "في سبيل الله" من مصارف الزكاة
قالت دار الإفتاء المصرية إن الزكاة ركن من أركان الإسلام، ونظم الشرع الشريف كيفية أدائها بتحديد مصارفها في قوله تعالى: ﴿إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60].
مصارف الزكاةوبحسب الشريعة فإن كفاية الفقراء والمساكين هو أفضل ما تصرف فيه الزكاة؛ إذ أنهم في صدارة مصارف الزكاة الثمانية للتأكيد على أولويتهم في استحقاقها، وأن الأصل فيها كفايتهم وإقامة حياتهم ومعاشهم؛ إسكانًا وإطعامًا وتعليمًا وعلاجًا وتزويجًا، وخصَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الفقراء بالذكر في حديث إرسال معاذ رضي الله عنه إلى اليمن: «فَإن هم أَطاعُوا لَكَ بذلكَ فأَخبِرهم أَنَّ اللهَ قد فَرَضَ عليهم صَدَقةً تُؤخَذُ مِن أَغنِيائِهم فتُرَدُّ على فُقَرائِهم» متفق عليه.
وقد توسَّع كثير من العلماء في مفهوم هذا المصرف؛ فجعلوه مجالًا لصرف الزكاة عند الحاجة في كل القُرَب وسبل الخير ومصالح الناس العامة؛ أخذًا بظاهر اللفظ في قوله تعالى: ﴿وَفِي سَبِيلِ اللهِ﴾، وهو ما عليه فتوى دار الإفتاء المصرية منذ عهد فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم رحمه الله تعالى.
ومِن نصوص الفقهاء في ذلك:
قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (2/ 45، ط. دار الكتب العلمية): [وأما قوله تعالى: ﴿وَفِى سَبِيلِ اللهِ﴾ فعبارة عن جميع القُرَب؛ فيدخل فيه كل مَن سعى في طاعة الله وسبيل الخـيرات إذا كان محتاجًا] اهـ.
وقال الإمام الفخر الرازي الشافعي في تفسيره "مفاتيح الغيب" (16/ 87، ط. دار إحياء التراث العربي): [واعلم أن ظاهر اللفظ في قوله: ﴿وَفِى سَبِيلِ اللهِ﴾ لا يوجب القصر على كل الغزاة؛ فلهذا المعنى نقل القَفَّال في "تفسيره" عن بعض الفقهاء أنهم أجازوا صرف الصدقات إلى جميع وجوه الخير من تكفين الموتى وبناء الحصون وعمارة المساجد؛ لأن قوله ﴿وَفِى سَبِيلِ اللهِ﴾ عامٌّ في الكل] اهـ.
وقد ذهب إلى هذا الشيخ محمد رشيد رضا فقال في تفسير "المنار" (10/ 435-436، ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب) عند تفسير آية المصارف ما نصه: [التحقيق أن سبيل الله هنا: مصالح المسلمين العامة التي بها قوام أمر الدين والدولة دون الأفراد، ثم قال: ﴿وَفِى سَبِيلِ اللهِ﴾ وهو يشمل سائر المصالح الشرعية العامة التي هي ملاك أمر الدين والدولة. وأولاها وأولها بالتقديم الاستعداد للحرب، لشراء السلاح، وأغذية الجند، وأدوات النقل، وتجهيز الغزاة، وتقدم مثله عن محمد بن عبد الحكم، ولكن الذي يجهز به الغازي يعود بعد الحرب إلى بيت المال إن كان مما يبقى كالسلاح والخيل وغير ذلك؛ لأنه لا يملكه دائمًا بصفة الغزو التي قامت به، بل يستعمله في سبيل الله، ويبقى بعد زوال تلك الصفة عنه في سبيل الله... ويدخل في عمومه إنشاء المستشفيات العسكرية، وكذا الخيرية العامة، وإشراع الطرق وتعبيدها، ومد الخطوط الحديدية العسكرية لا التجارية، ومنها بناء البوارج المدرعة والمناطيد والمطارات الحربية والحصون والخنادق، ومن أهم ما يُنفق في سبيل الله في زماننا هذا إعداد الدعاة إلى الإسلام، وإرسالهم إلى بلاد الكفار من قِبل جمعيات منظمة تمدهم بالمال الكافي كما يفعله الكفار في تبشير دينهم] اهـ.
وذهب إلى ذلك أيضًا العلامة شيخ الإسلام محمود شلتوت في كتابه "الإسلام عقيدة وشريعة" (ص: 104-105، ط. دار الشروق) حيث فسَّر سبيل الله بأنه: [المصالح العامة التي لا ملك فيها لأحد، والتي لا يختص بالانتفاع بها أحد، فملكها لله، ومنفعتها لخلق الله، وأولاها وأحقها: التكوين الحربي الذي ترد به الأمة البغي، وتحفظ الكرامة، ويشمل العدد والعُدَّة على أحدث المخترعات البشرية، ويشمل المستشفيات عسكرية ومدنية، ويشمل تعبيد الطرق، ومد الخطوط الحديدية، وغير ذلك، مما يعرفه أهل الحرب والميدان. ويشمل الإعداد القوي الناضج لدعاة إسلاميين يُظهرون جمال الإسلام وسماحته، ويفسرون حكمته، ويبلغون أحكامه، ويتعقبون مهاجمة الخصوم لمبادئه بما يرد كيدهم إلى نحورهم، وكذلك يشمل العمل على دوام الوسائل التي يستمر بها حفظة القرآن الذين تواتر ويتواتر بهم نقله كما أنزل، من عهد وحيه إلى اليوم، وإلى يوم الدين إن شاء الله] اهـ.
وقد ذكر فضيلة الشيخ شلتوت أيضًا في كتابه "الفتاوى" (ص: 119، ط. الأزهر) أن: [هذا مبني على اختيار أن المقصود بكلمة سبيل الله: المصالح العامة، التي ينتفع بها المسلمون كافة، ولا تخص واحدًا بعينه، فتشمل المساجد والمستشفيات ودور التعليم ومصانع الحديد والذخيرة وما إليها، مما يعود نفعه على الجماعة. اهـ. وأحب أن أقرر هنا أن المسألة محل خلاف بين العلماء، ثم ذكر الشيخ ما نقله الرازي في "تفسيره" عن القفال من صرف الصدقات في جميع وجوه الخير..إلى أن قال: وهذا ما أختاره وأطمئن إليه وأفتي به، ولكن مع القيد الذي ذكرناه بالنسبة للمساجد، وهو أن يكون المسجد لا يغني عنه غيره، وإلا كان الصرف إلى غير المسجد أولى وأحق] اهـ.