قال الدكتور عبد الفتاح العواري، عضو مجمع البحوث الإسلامية، ورئيس مركز الإمام الأشعري بالأزهر الشريف، وعميد كلية أصول الدين سابقاً، خلال مشاركته في فعاليات الملتقى العالمي للتصوف، لقد أتت ورقتي المتواضعة تحمل عنوان: القيم الدينية والوطنية وأصولها الشرعية، وإذا أراد الباحث أن يُؤَصِّلَ لتلكَ القيمِ الدينيةِ والوطنيةِ فَحَري به أن ييمم وجْهَتَهُ شَطَرَ الكتابِ والسنةِ.

القيم الدينية والوطنية

وأضاف: بالتأملِ الصادقِ في نصوصهما المُحْكَمَةِ الصريحةِ في دلالاتها يَجِدُ التأصيلَ الشرعي لكل قيمةٍ من هذه القيمِ التي بتحقيقها ومراعاتها تُبْنَى الأوطان ويعم الأمن جنباتها وترفرف رايةَ السلامِ في أرجائها والإطار العام التي تدور في فلكه تلك القيم يقول ربنا اللطيف الخبير: يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقنَٰكُم ‌مِّن ‌ذَكَرٖ ‌وَأُنثَىٰ ‌وَجَعَلنَٰكُم شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ ٱللَّهِ أَتقَىٰكُم إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير".


وتابع "العواري" أما إذا ذهبنا إلى تتبع التأصيل الشرعي لكل قيمةٍ دينيةٍ مستقلةٍ فإن ورقةً كهذه لا يمكنها أن تفي بالغرضِ المطلوبِ  وَمِنْ ثَمَّ فإننا نكتفي بمجردِ ضربِ الأمثلةِ لبعضٍ من هذه القيمِ  وكذلك القيم الوطنية فإنَّ أصولها الشرعية لا تخفى على من أمعن النظرَ وأنْعَمَ الفكرةَ في نصوصِ كتابِ اللهِ وتطبيقاتِ سيدنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لهذه النصوص. 


وأقول في التأصيل للقيم الوطنية بادئًا بها إنَّ الشريعةَ الإسلاميةَ بنصوصها العامة وقواعدها الكلية أصلت لتلك القيم الوطنية، فمن ذلك قول الله - تعالى -  في شأن الأنصار: وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُو ‌ٱلدَّارَ ‌وَٱلإِيمَٰنَ مِن قَبلِهِم يُحِبُّونَ مَن هَاجَرَ إِلَيهِم وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِم حَاجَةٗ مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِم وَلَو كَانَ بِهِم خَصَاصَة وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلمُفلِحُونَ.

 


واضاف "العواري" قائلا : بل المتأملُ ‏فيما شرع الله تعالى من أمر الجهاد يجده إنما كان من أجل الدفاع عن الاوطان وحمايتها وحفظ مقدساتها ‏وإبعاد أي عدوانٍ لمعتدٍ عليها فقال سبحانه : ﵟوَلَوۡلَا ‌دَفۡعُ ‌ٱللَّهِ ‌ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّهُدِّمَتۡ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٞ وَصَلَوَٰتٞ وَمَسَٰجِدُ يُذۡكَرُ فِيهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِيرٗاۗ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز، وهكذا ترى نصوصَ الشريعةِ الغراءِ أَصَّلَتْ للقيمِ الوطنيةِ في شتى جوانبها‏ حتى يعرف الناسُ قدر أوطانهم ‏ففي الأوطان يُعْبَدُ الله وتُقَامُ شعائرَ الدينِ وتُرْفَعُ كلمةَ اللهِ وتُبْنى بيوته التي يذكر فيها اسمه والتي يسبح له فيها بالغدو والاصال رجال، وفي الأوطان ‏يقام العمران وتبنى المدن وترقى الحضارات ‏و تتحقق التنمية في شتى مجالات الحياة بل إن حب الوطن دليلٌ على قوةِ إيمان المرء وقد جاء عن بعضِ الصالحينَ من العرب قوله: (‌إذا ‌أردت ‌أن ‌تعرف ‌وفاء الرجل ودوام عهده فانظر إلى حنينه إلى أوطانه وتشوقه إلى إخوانه، وبكائه على ما مضى من أزمانه ) ‏.


وأوضح : أما التأصيل الشرعي للقيم الدينية فباستقراء نصوص الكتاب والسنة ‏وقواعد الشريعة الكلية ‏يرى الباحث المنصف أنَّ شريعةَ الإسلامِ اهتمت اهتماماً بالغاً بالقيمِ الدينيةِ سواء في مجال  العقيدة ‏أو العبادات أو المعاملات او السلوك والأخلاق ومراعاة مِنَّا لطبيعةِ بحثٍ مختصرٍ نقدمه كورقة عمل للمشاركةِ في مؤتمركم هذا يحسن بنا أن نتناول بعضاً من هذه القيم ‏كنماذج لقيم لا يمكن أن تفي بها هذه العجالة فأقول والله أستعين : لقد جاء ‏الإسلام بقيمٍ عظيمةٍ محكمةٍ حمت الإنسان وحفظته وحققت له السلم في الأرض التي يعيش عليها وكفلت له حق الحياة الكريمة ومنحته الحريةَ التامةَ  وقد أحاط القران الكريم أصول هذه القيم بسياجٍ منيعٍ كما احاط ايضاً بأصول ما يلزم لحفظ مقاصدها التي قال فيها صاحب الجوهرة : وحِفْظُ ‌دين ‌ثم ‌نفسِ ‌مالٍ ‌نَسَبٍ ... ‌ومثلُها ‌عَقْلٌ ‌وعِرضْ ‌قد ‌وجَبَ.

قيمة الأخوة الإنسانية : 
           


وأشار "رئيس مركز الامام الاشعري" أن  الْقِيَّمِ الإنسانيةِ التي جاءَ بها القرآنُ الكريمُ وحثتْ عليها الشريعةُ الغراءُ : قيمة الأخوة الإنسانية، وإِنَّ المبدأ الذي اتخذه الإسلام شعاره الوحيد في الجانب الإنساني من دعوته هو مبدأ " الأخوة الإنسانية "وتلك قيمة نفيسة في الإسلام حماها وأحاطها بسياج منيع وشرع لها من التشريعات السديدة التي تحفظها .


وتابع "العواري" قائلا : لقد تعب العقل البشري وهو يبحث في الفلسفات الأخرى، وفي الدساتير الديموقراطية الحديثة، كي يجد ما يحقق هذه القيمة فلم يجدها  وبعدها عاد العقل بعد طول وحدته ونجعته في طلب الشريعة المثالية، فلم يكد يلقي عصاه، ويستقر به النوى حتى شعر بنفسه ساجداً أمام كلمة الوحي الإلهي ؛ لأنه لم يجد حكماً أحسن من حكمها، ولا نوراً أتم من نورها.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: العواري مجمع البحوث الاسلامية كلية أصول الدين هذه القیم

إقرأ أيضاً:

الأزهر للفتوى: الغش في الامتحانات سلوك مُحرم يُهدر الحقوق ويهدم مبدأ تكافؤ الفرص

قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إن الغش في الامتحانات سلوك مُحرَّم، يُهدِر الحقوق، ويهدم مبدأ تكافؤ الفُرص، ويُؤثر بالسلب على مصالح الفرد والأمة.

الأزهر للفتوى: النبي أمرنا بصيانة المرأة وتكريمها مركز الأزهر للفتوى يوضح أنواع الإحرام

أوضح الأزهر للفتوى، أن الإسلام حث على طلب العلم، ورغّب في تحصيله بجدّ واجتهاد، وبيَّن أن لطالبِ العلم آدابًا لا بد وأن يتحلَّى بها كالإخلاص لله، وتقواه عز وجل، ومراقبته في السر والعلن، والتَّحلي بمكارم الأخلاق، والبعد عن كل ما يُغضِب اللهَ سبحانه ويُنافي الفضائلَ والمحامد.

وتابع مركز الفتوى: الغش في الامتحانات سلوك مُحرَّم يُهدر الحقوق، ويمنحها لغير أَكْفَاء، ويُسوي بين المُجدِّ المُتقِن والكسلان المُهمل، ويهدم مبدأ تكافؤ الفُرص؛ الأمر الذي يُضعف من هِمَّة المُجدِّين عن مواصلة طلب العلم، ويُوسِّد الأمور إلى غير أهلها؛ ومِن ثمَّ يُضعف الأمم وينال من عزمها وتقدُّمها؛ فحق العالم هو التقديم والرِّفعة؛ قال سبحانه: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]، وقال أيضًا: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}. [الزمر: 9]

جعل الإسلامُ المُعاونةَ على الإثم إثمًا، وشراكةً لصاحب الجريمة في جرمه

وأردف الأزهر للفتوى: جعل الإسلامُ المُعاونةَ على الإثم إثمًا، وشراكةً لصاحب الجريمة في جرمه، وقضى ألا تكون الإعانة إلَّا على معروف؛ قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }، [المائدة: 2].

ونفى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغشَّاش كمال الإيمان، وتبرأ من صفة الغش التي لا ينبغي أن يتصف بها مُسلمٌ مُنتسب لسنته ودينه؛ فقال ﷺ: «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» [أخرجه مسلم]، وهذا الحديث عام يشمل كل أنواع الغش في الامتحانات وغيرها.  

مقالات مشابهة

  • العالمي للتسامح يعقد مؤتمراً دولياً في إشبيلية يوليو المقبل
  • دار الإفتاء توضح بعض مظاهر حماية ورعاية الإسلام للبيئة
  • نجاح خطة رئاسة الشؤون الدينية للقطاعات النسائية خلال موسم الحج
  • المؤمنون في اليمن وأقطار الإسلام يُحيون مناسبة الغدير.. والبوصلة نحو فلسطين
  • «الشؤون الدينية»: القطاعات النسائية حققت نجاحات كبيرة خلال موسم حج 1445هـ
  • ضمانات صحة وجودة العملية الانتخابية للتنظيمات الدينية الإصلاحية- الإخوان نموذجا
  • الأزهر للفتوى: الغش في الامتحانات سلوك مُحرم يُهدر الحقوق ويهدم مبدأ تكافؤ الفرص
  • اختتام ملتقى"الفقيه الصغير" بمحافظة الداخلية
  • ” كونوا مع الصادقين”
  • مفهوم الولاية في الإسلام