مقدمة "تلفزيون لبنان"
على بعد أسابيع قليلة من إطفاء الفراغ الرئاسي شمعته الأولى نهاية الشهر المقبل تغيب المؤشرات بخرق قريب يضع البلاد على سكة التعافي.
وعلى خط الدول المنخرطة في الجهود العربية والدولية لحل الأزمة ضمن دائرة الخماسية لم تعلن باريس اي خطوة تتصل بمستقبل مبادرتها فيما يتعاظم الحديث عن شريكة الفرنسيين في التنقيب عن النفط في بحر لبنان اي دولة قطر التي تتقدم في مسعاها في بيروت خارج دائرة الضوء بما تملك من خطوط اتصال مع الدائرة الدولية بما فيها طهران ويتحرك موفدها تمهيدا للمهمة الرسمية التي سيقوم بها لاحقا وزير الدولة للشؤون الخارجية.
ومن عتبات وسط بيروت قرب المدرج الروماني في عيدها الوطني برز تثبيت المملكة العربية السعودية لمقاربتها حيال الاستحقاق الرئاسي على قاعدة انه شأن لبناني داخلي وبالتوازي من منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة كان وزير الخارجية السعودي يؤكد ان المملكة تقف إلى جانب الشعب اللبناني داعيا كل الأطراف الى تنفيذ إصلاحات شاملة تقود لتجاوز الأزمة.
وفي مساحة الشغور الرئاسي كلام للبطريرك الراعي خلال قداس اليوبيل الذهبي للأبرشية المارونية في استراليا اكد خلاله ان الكنيسة لن تسكت عن تعمد تغييب رئيس الجمهورية المسيحي الوحيد في كل أسرة جامعة الدول العربية.
وفي إطار المواقف المحلية من الدعوة لحوار السبعة أيام لفت النائب جبران باسيل من عكار أن تياره لم يضع شروطا بل حدد ظروف نجاح الحوار مفادها انتخاب رئيس وفق برنامج.
مقدمة تلفزيون "أل بي سي"
يدخل البلد أسبوعا من دون عنوان، لا عنوان رئاسيا، ولا عنوان حكوميا، ولا عنوان عن النازحين ولا عنوان اقتصاديا أو ماليا. الملفات جميعها في دائرة المراوحة.. ملف الرئاسة في المرحلة الانتقالية، من خلال انتقاله من اليد الفرنسية إلى اليد القطرية. الموفد القطري، بطبيعته الأمنية، يطغى على لقاءاته طابع السرية، ولم تخرج هذه اللقاءات إلى دائرة العلنية، لذا لا انطباع عنها.
في ملف النزوح كلام كثير واجتماعات أكثر ، لكن كل ذلك لم يجد حتى الساعة ، باستثناء عمليات الضبط التي يقوم بها على الحدود الجيش اللبناني، حيث الموقوفون من المتسللين يقدرون بالآلاف.
في المواقف من كل هذه الملفات، هجوم وانتقاد رباعي الأبعاد شنه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، بدرجات متفاوتة، على الرئيس ميقاتي وقائد الجيش والرئيس بري اتخذ طابع الهجوم، أما على حزب الله فاتخذ طابع الانتقاد.
عن الرئيس ميقاتي قال: لدينا رئيس حكومة كان موجود بموجة النزوح الأولى بال2011 وهو موجود بموجة النزوح الثانية بال2023 بعد اثنتي عشرة سنة "وما عمل شي الا الحكي"، "منرجع منعمله رئيس حكومة؟ عن قائد الجيش قال: كل ادعاء بأن الجيش والأجهزة الأمنية عاجزة هو كلام باطل ويراد منه رئاسة.
عن الرئيس بري قال: إذا تأمن كل شيء لمطار القليعات، من قال "ما بتوقف الدفع وزارة المال متل ما صار بمعمل دير عمار؟ عن حزب الله قال: مش عارفين انو التيار اذا راح على المعارضة الكاملة، بيقوى، ويصبح أقوى وأقوى لأنه لن يكون شريكا بأي معادلة فشل.
تبقى البداية من الملف العصي على أكثر من دولة، وفي مقدمهم لبنان: ملف النازحين.
مقدمة تلفزيون "أن بي أن"
جمود واسع يطبق على المفاصل السياسية ولاسيما الملف الرئاسي. وما يزيد طين الجمود بلة إمعان بعض القوى في رفض المبادرات الحوارية وعزفها على وتر رفع السدود أمام تلاقي اللبنانيين في إفشال فاضح للمبادرات الداخلية والخارجية. فالحوار هو المطلوب دائما ولاسيما في هذا الظرف الذي يمر فيه لبنان ولذلك هناك حاجة إلى التواضع والركون للغة العقل وتهذيب الخطاب السياسي والارتقاء به الى مستوى التحديات التي تحدق بالبلاد.
بانتظار حصول الزيارة المرتقبة للموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت الشهر المقبل في استكمال لتحركه على خط الاستحقاق الرئاسي ثمة تحرك لموفد قطري في لبنان حاليا يحتل مساحة في التقارير الاعلامية اللبنانية ولكنه يتسم بالغموض من حيث عناوينه ونتائجه ولاسيما أنه يجري بعيدا من الاعلام.
على ان موقفا سعوديا برز في الساعات الأخيرة وعبر عنه السفير في بيروت ووزير الخارجية في نيويورك. فالسفير وليد بخاري قال ان الفراغ الرئاسي يبعث على القلق البالغ ورأى ان الحلول تأتي فقط من داخل لبنان لا من خارجه. اما وزير الخارجية فيصل بن فرحان فدعا كل الأطراف إلى تنفيذ اصلاحات شاملة تقود إلى تجاوز الأزمة.
مقدمة تلفزيون "أو تي في"
لبنان ينتظر قطر. فهل تنجح الدوحة حيث فشلت باريس؟ وهل تثمر علاقاتها مع واشنطن وايران بشكل خاص، تفاهما على ادارة الوضع اللبناني في المرحلة المقبلة، بعد نجاحاتها في ملفات اقليمية ودولية بالغة التعقيد، ليس اقلها المفاوضات بين حركة طالبان وواشنطن، وبين الاخيرة وطهران؟
اما على المستوى الداخلي، فلا يزال الفشل الذريع الذي مني به الحوار التقليدي الذي دعا اليه نبيه بري مدار جدل بين مؤيديه ومعارضيه، علما ان السبب الرئيسي لتطييره، هو انه كان معدا لتمرير مرشح الفرض، لا للتفاهم بين المكونات على خريطة طريق انقاذية، عنوانها الرئيس الجديد. وفي انتظار تطورات الايام المقبلة، محطة وفاء للأوفياء والشهداء من عكار اليوم. عكار التي قدمت للوطن خيرة شبابها ابطالا، لتقابلها الدولة إهمالا، لن تحد منه وعود كاذبة، بل لامركزية ادارية ومالية موسعة، ومعها صندوق ائتماني وطني، يشكل إقرارهما مدخلا فعليا الى النقلة النوعية المنشودة، كما في عكار، كذلك في سائر الأقضية والمحافظات التي تعاني ليس فقط من الإنماء اللامتوازن، بل من اللاإنماء، في كل لبنان. تلك كانت رسالة التيار الوطني الحر اليوم. اما التسوية الرئاسية الخاسرة التي يقبل بها البعض، أيا تكن، فليغرق فيها وحيدا، لأننا لن نغرق معه فيها، حسم رئيس التيار. اما الرئيس العماد ميشال عون، فتذكر الشهداء وكرمهم في مختلف البلدات التي زارها. ولعل الابرز والأكثر رمزية وتعبيرا اليوم، الوقفة التي خص بها الرئيس عون منزل العسكري الشهيد جوزيف رعد، الذي افتداه بحياته، خلال محاولة الاغتيال التي تعرض لها في قصر بعبدا، عشية الثالث عشر من تشرين الاول 1990.
مقدمة تلفزيون "أم تي في"
"الكنيسة لن تسكت عن تعمد تغييب رئيس الجمهورية المسيحي الوحيد في كل اسرة الجامعة العربية... وفي لبنان لا تستوفى الضرائب والرسوم من جميع المواطنين، بل من منطقة دون اخرى، إما عمدا او خوفا من فائض القوة او اهمالا..."، انه بعض ما قاله البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في قداس اليوبيل الذهبي للابرشية المارونية في استراليا، الذي شارك فيه حوالى مئة الف لبناني و استرالي. المواقف الواضحة والحازمة في آن لرأس الكنيسة المارونية، استكملت سلسة تصريحاته في استراليا التي وضع فيها الاصبع على الجرح، وصوب نحو الفريق الذي يتهرب من الاستحقاق الدستوري بطرق عدة، بدءا بعدم دعوة الرئيس نبيه بري الى جلسة مفتوحة لانتخاب رئيس للجمهورية، وصولا الى تعمد نواب الممانعة تطيير النصاب عبر الانسحاب من القاعة العامة لمجلس النواب بعد انتهاء الدورة الاولى للانتخاب. طبعا من دون ان ننسى لجوء فريق الممانعة الى طلب الحوار، من دون ان يعرف احد على ماذا سيدور الحوار وكيف ، ومن سيترأسه في ظل غياب رأس الدولة!
من هنا فإن الآمال باتت معلقة على المبادرة القطرية، وإمكان احداثها خرقا في المشهد الرئاسي. وهو امر لم يستبعده حتى الرئيس بري، الذي نقل عنه نائب زاره اخيرا انه لا يتوقع ان تنجح الدعوة الى الحوار، ورأى انه في منتصف تشرين سيكون هناك رئيس جديد للجمهورية. فهل يصدق توقع بري هذه المرة؟ الثابت ان الفريق القطري يجول على القيادات بعيدا من الاعلام، مهيئا الظروف الموضوعية لوصول وزير الدولة القطري محمد الخليفي الى لبنان. كذلك من الثابت ان قطر، ومعها مجموعة الدول الخمس، تملك اسما واحدا جديا للرئاسة هو العماد جوزف عون. ولعل هذا ما دفع النائب جبران باسيل الى ان يقول من عكار ان هناك من يراهن "على مين اكتر مرشح رئاسي بيضرنا" وليس من يفيد البلد. واضاف "الا يعرفون ان التيار اذا انتقل الى المعارضة الكاملة يقوى؟" موقف باسيل يدل على ان رئيس التيار الوطني الحر يستشعر خطر وصول قائد الجيش الى بعبدا، وهو يحاول استباق الامور . فهل يتمكن من ابعاد الكأس المرة عن نفسه، ام ان التوافق الاقليمي- الدولي سيقول كلمته في اللحظة المناسبة؟ مقدمة تلفزيون "المنار"
يختتم الاسبوع على جولات استطلاعية للمبعوث القطري على الاطراف السياسية ومرشحين مفترضين لرئاسة الجمهورية دون أن تخرق حالة المراوحة السلبية المسيطرة على المشهد السياسي، وفيما تستباح الساحة الداخلية بكل أنواع العراقيل لافشال الحوار الطريق المتاح لانتخاب رئيس للجمهورية، كان الجيش اللبناني يعمل على منع قوات الاحتلال من استباحة الساحة الجنوبية، فكانت تحية كبيرة من نائب الامين العام لحزب الله الى قيادة وضباط وعناصر الجيش على تصديهم البطولي لانتهاك جيش الاحتلال عند مزرعة بسطرة حيث استاطعوا أن يصدوه في صورة مشرقة عن عقيدة الجيش المقاوم قال الشيخ نعيم قاسم.
هذا جنوبا، أما على الجهات الشرقية والبحرية، فكان رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل يسجل اعتراضا على المسؤولين السياسيين والاجهزة الامنية الذين لا يحصنون البلد من موجات النزوح الجديدة، فيما ترابط قوات في البحر لمنع النازحين من المغادرة الى اوروبا، والنتيجة أن عدد هؤلاء في عكار على سبيل المثال بات يفوق عدد اللبنانيين بحسب باسيل. أما المعلمون فكانوا يحذرون بدورهم من استباحة غربية وشاذة للداخل اللبناني على شكل تطبيع ثقافي- تربوي ينسل عبر جمعيات مشبوهة لها علاقة مباشرة بالكيان الصهيوني، العدو الذي تصدي له المقاومون الفلسطينيون اليوم في مخيم نور شمس شرقي مدينة طولكرم في الضفة الغربية عندما حاولت عشرات الآليات اقتحام المخيم لتندلع اشتباكات عنيفة اسفرت عن استشهاد شابين واصابة جندي صهيوني واعطاب جرافة.
أما على الجبهة الاوكرانية الروسية، فتتحدث تقارير أميركية عن أن الاوروبيين والاميركيين يزودون الجيش الاوكراني بدبابات وآليات معطوبة قبل أن تدخل الميدان، فمع الحاح كييف على ضرورة امدادها بالسلاح، فان حلفاءها ينقلون اليها دبابات تعاني من مشاكل فنية او لا تتناسب مع ظروف المعركة هناك لتترك لقمة سائغة لالة الحرب الروسية الفتاكة بحسب التقارير الاميركية.
مقدمة تلفزيون "الجديد"
الغيث الرئاسي لا يزال محتبسا بين مبادرات وثنائيات وخماسيات خارجية, وسدود محلية, لكن زنار النار هذا لم يمنع أهل الفلك السياسي من رسم توقعات تشرينية تشبه إحداثيات العالم الهولندي فرانك هوغربيتس. ففي الهزات الرئاسية على مقياس قطر ما يتم طرحه حاليا عن سلة اسماء تنعى في تفاصيلها المبادرة الفرنسية, لكن الحراك القطري اللاعب بين ايلول وتشرين, لم يلغ زيارة حامل الامانة الاول جان ايف لودريان القادم حتما الى بيروت لاستئناف مساعيه . وإذ يضخ جو يحبس الانفاس الرئاسية الشهر القادم, فإن هذا المعطى لم يقرن بجهود محلية لا على مستوى الحوار ولا على مستوى المواقف المتشددة, وبينها مرة جديدة لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. والصهر الذي اضنى عمه الجنرال في جولة عكارية كالخدمة الاجبارية، هدد بالنزوح الى الصف المعارض وحمل السيف, محاربا الجيش ردا على مواقف جوزيف عون الاخيرة التي اصابت الصف الوزاري للتيار الذي لا يحضر جلسات الحكومة ويحاضر بعفاف رفض النزوح وانتقد باسيل مسؤولين سياسيين وامنيين "ساكتين وعم بيسهلوا فتح الحدود البرية" لدخول السوريين الى لبنان، "وعم يتشددوا بتسكير الحدود البحرية لمنع خروجهم "وسأل :" منجيب حدا منهم رئيس جمهورية قائلا إن النزوح ليس وسيلة للحصول على الرئاسة. والرد على باسيل جاء بالصدفة من نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم عندما وجه تحية كبيرة للجيش اللبناني واشاد بعقيدته وبتصديه للاحتلال الاسرائيلي واللافت في كلام قاسم اشارات عن المستقبل الرئاسي إذ قال إن الحوار مع التيار الوطني الحر مستمر لكنه احد الطرق وليس الطريق الوحيد والحصري لانتخاب الرئيس فنحن مع حوار الرئيس نبيه بري الذي قد يصل الى نتيجة قبل حوارنا مع التيار وقد يكون هناك اي طريق يمكن ان يوصل بسرعة الى انتخاب الرئيس فسنختاره على قاعدة الهدف وهو انجاز الاستحقاق الرئاسي وهذه المواقف تفتح على خيارات لحزب الله لم تعد محصورة في ميرنا الشالوحي وقد تلتقي مع المبادرات العربية الدولية وان كانت بعض التصريحات لمسؤولي ونواب الثنائي ترفض التدخلات الخارجية والعلامة المشتركة ان هذه الدول هي ايضا تبدي رفضها للتدخل وتحث اللبنانيين على انتاج رئيس سيادي كما عبرت السعودية. اميركيا أكد المتحدث الاقليمي باسم الخارجية سامويل ويربيرج أن "اجتماع اللجنة الخماسية كان من أهم الاجتماعات المرتبطة بشؤون الشرق الاوسط، جازما بأن "لا خلاف بين الأطراف المجتمعة. وخلال مقابلة خاصة لـ "الجديد" أجراها مراسلنا في نيويورك رامز القاضي، نفى ويربيرج ما يتم تداوله عن مهلة زمنية اقترحتها اميركا ووضع ذلك ضمن محاولة للتشويش على الموقف الأميركي الرامي إلى اختيار لبنان رئيسه وتشكيل حكومة في الوقت المناسب للبنانيين، وأضاف: "نحن نحث كل الأطراف اللبنانية على الاسراع بإنجاز هذا الاستحقاق لكن لا صحة لكل هذه الأكاذيب".
وقال المسؤول في الخارجية الاميركية: نحن والمجموعة الخماسية نتفق على ضرورة المضي بالاصلاحات الاقتصادية المطلوبة. اما لبنان فكلما سمع بعبارة الاصلاح انتابته حساسية مفرطة فيطلق آليات العمل ضدها. وضربا لمفهوم الاصلاح تأتي مناقصة المطار التي فاز بها امير التعديات على الاملاك العامة وسام عاشور ولكن الفضائح لا تكمن بفوزه بمناقصة بل ما بعد بعد المناقصة اذ غزا عاشور المطار بمقاه كانت مستودعات وفرض ضريبة دخل على "اهلا بهالطلة" من خلال تسعير الضيافة في صالون الشرف ورفع سعر الخدمات في المطار وفي معلومات الجديد ان المناقصة وبعدما تعدت حدودها سيعاد النظر بتنفيذها عبر هيئة الشراء العام واجهزة الرقابة المختصة. اضافة الى تحرك نيابي للمساءلة اطلقه النائب ابراهيم منيمنمة. فمن تبليط البحر عند شاطىء الرملة البيضا الى الاقلاع بمناقصة المطار يفترض ان يتحرك ما تبقى من اجهزة لدى الدولة للتحكم اضافة الى تحرك نيابي للمساءلة اطلقه النائب ابراهيم منيمنمة لضبط مستثمر فاحت رائحه صفقاته ودفتنها السلطة في مجرور عاشور.
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: رئیس التیار الوطنی الحر جبران باسیل
إقرأ أيضاً:
تعرّف على الرئيس الذي ساهم بقطع علاقات 20 دولة أفريقية مع إسرائيل
شكلت مواقف موريتانيا في تاريخها الحديث تجاه القضية الفلسطينية محورا أساسيا في سياستها الخارجية، وخاصة خلال فترة حكم الرئيس المختار ولد داداه، أول رئيس للبلاد والذي قادها منذ استقلالها سنة 1960 وحتى الإطاحة به في انقلاب عسكري عام 1978.
كانت مواقف داداه محورية في توجيه علاقات البلاد الدولية، مسلطا الضوء على دعمه الثابت للشعب الفلسطيني ونضاله من أجل التحرر.
وقبل أن نستعرض ما قام بها أول رئيس لموريتانيا من جهود كبيرة للوقوف في وجه التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا، سنمر على مواقف الرجل عموما من القضية الفلسطينية وكيف كانت محددا رئيسا لبوصلة علاقات موريتانيا الخارجية في عهده، وكيف ساهم داداه في تقديم القضية للعالم، إضافة إلى ذكر نماذج من الدعم الذي قدمته موريتانيا للفلسطينيين خلال فترة حكمه.
حضور القضيةيقول أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة نواكشوط الدكتور محمد المختار سيدي محمد الهادي في حديثه للجزيرة نت إن القضية الفلسطينية كانت حاضرة بقوة في تفكير النخبة الموريتانية حتى قبل حصول البلاد على استقلالها سنة 1960، فقد عارض ممثل مستعمرة موريتانيا أحمد ولد ببانه قرار التقسيم وصوت ضده في البرلمان الفرنسي صيف عام 1948.
إعلانغير أن مواقف الرئيس المؤسس المختار ولد داداه الداعمة للقضية الفلسطينية كانت أكثر تأثيرا وأبلغ تعبيرا، فموريتانيا حينها كانت دولة ناشئة تتقاذفها أمواج الاستقطاب الإقليمي وإكراهات الاعتراف الدولي، مما يضفي بعدا قيميا ودلالة خاصة على مواقفها من قضايا الاستقلال والتحرر، ولا سيما القضية الفلسطينية.
ولعل هذا، بحسب محمد المختار، ما حدا برئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير للعب على هذا الوتر الحساس، حيث سعت عبر عدد من الوسطاء إلى التواصل مع الرئيس الموريتاني، لكن ولد داده رفض ذلك.
غولدا مائير تقف بجانب الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون (غيتي)ويشير وزير الإعلام الموريتاني السابق محمد محمود ولد ودادي في حديث للجزيرة نت إلى أنه في الخمسينيات ومع بداية انتشار الوعي السياسي في موريتانيا، كان هناك تطلع إلى معرفة أوضاع العالم العربي وبدأ الناس يتداولون ما يصلهم من أخبار عن شعب فلسطين وتشريده.
ومباشرة بعد الاستقلال أعلن الرئيس المختار ولد داداه أن موريتانيا تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، منددا بتقسيم فلسطين ورافضا أي اعتراف بإسرائيل.
وهكذا يرى الوزير ودادي أن القضية الفلسطينية هي قضية موريتانيا الوحيدة التي يدافع عنها كل الموريتانيين من دون استثناء، ولم يكن غيرُها مطروحا إلا حماية استقلال موريتانيا نفسها.
ويقول الرئيس الراحل المختار ولد داداه في مذكراته التي صدرت عام 2006 تحت عنوان "موريتانيا على درب التحديات": "خلال حرب 1967 قطعنا علاقاتنا مع أميركا وطردنا الأميركيين من بلادنا بمن فيهم أعضاء هيئة السلام التي كانت تقدم مساعدات فنية لبلادنا، وذلك احتجاجا على دعم الولايات المتحدة بكل الوسائل للعدوان الإسرائيلي على الشعوب العربية الشقيقة، وكنا حينها لم ننضم للجامعة العربية".
ويضيف الرئيس "لقد دامت قطيعتنا مع أميركا عامين ونصف العام وانتهت في ديسمبر/كانون الأول 1969 إثر وساطة دول صديقة وبعد تشاور مع الجزائر ومصر.. ليستقبلني بعدها بود الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون في العام 1971 وكنت حينها رئيسا لمنظمة الوحدة الأفريقية".
إعلانوفي ذات السياق، يقول ولد داداه: "في خضم حرب 1973 أرسل إلي نيكسون رسالة يلتمس فيها مساندتي لجهوده في حل الصراع في الشرق الأوسط، وجاء في الرسالة:" "إنني لا أزال أتذكر لقاءنا في سبتمبر (أيلول) 1971 وما جرى بيننا من تبادل صريح للآراء، وكل ثقة بأنكم ستساندون جهودي الرامية إلى إيجاد تسوية نهائية للنزاع تصون حقوق كل شعوب الشرق الأوسط".
ولد داداه: رفضت عرض السادات بإرسال جيش مصري لمساعدة موريتانيا إذ إن على مصر أن تكرس كل قدراتها للحرب مع إسرائيل (الصحافة المصرية)وعلى ذكر حرب 73، يورد ولد داداه أن الرئيس المصري أنور السادات كان على اتصال مستمر معه بخصوص ملف الشرق الأوسط كما كان سلفه عبد الناصر، وكانا يهنئانه دائما على الدور الذي يقوم به على المستوى الأفريقي لصالح القضية الفلسطينية.
ويشير إلى أن السادات كشف له في سرية تامة في مايو/أيار 1973 عن نيته مهاجمة إسرائيل أي قبل شهور من الهجوم، وأكد له ذلك مرة أخرى خلال لقائهما في مؤتمر دول عدم الانحياز المنعقد بالجزائر في سبتمبر/أيلول الموالي.
"وبالطبع لم أبح بهذا السر قبل الآن"، يقول ولد داداه إن السادات أرسل إليه بعد ذلك مساعده الجنرال حسني مبارك وعرض عليه إرسال قوات من الجيش المصري لمساعدة موريتانيا في حربها ضد جبهة البوليساريو، لكن الرئيس الموريتاني رفض، واعتبر أن على مصر أن تكرس كل قدراتها العسكرية للحرب مع إسرائيل.
ولد داداه كان من القادة الفاعلين في منظمة دول عدم الانحياز (الفرنسية) إسماع صوت فلسطينيوضح الباحث المختص في الشؤون الأفريقية إسماعيل الشيخ سيديا للجزيرة نت أن ما مكن المختار داداه من الدفاع عن القضية الفلسطينية أنه كان محاميا بارعا وأفريقيا تحرريا؛ وله صداقة قوية وعلاقات شخصية مع الزعماء الأفارقة الأوائل.
كما استطاع التحاور مع العواصم الغربية والشرقية الكبرى، وتمكن خلال رئاسته لمنظمة الوحدة الأفريقية (المنظمة الأم للاتحاد الأفريقي الحالي) من جمع مجلس الأمن الدولي لأول مرة في مقر المنظمة بأديس أبابا.
إعلانوكان الرئيس المختار ولد داداه من القادة الفاعلين في منظمة دول عدم الانحياز، وفي هذا الصدد يورد في مذكراته أنه "بفضل الجمهورية الإسلامية الموريتانية أسمعت المقاومة الفلسطينية صوتها لأول مرة في قمة لدول عدم الانحياز عام 1970 في لوزاكا حيث انتخبت نائبا للرئيس وأتاحت لي رئاستي للجلسة الختامية أن أعطي الكلمة لممثل فلسطين رغم المعارضة الشديدة من عدد من أعضاء المنظمة".
يذكر الوزير ودادي أنه في عام 1969 وصل موريتانيا أول مبعوث رسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية هو سعيد العباسي (أبو فهد) ففتح مكتبا للمنظمة في نواكشوط، بعد أن أمّنت له الحكومة مكتبا ومنزلا وسيارة، ومبلغا ماليا سنويا، ثم أصبح المكتب سفارة دولة فلسطين في نواكشوط.
وانطلق من إذاعة موريتانيا صوت الثورة الفلسطينية بالعربية والفرنسية، ليُسمع في أجزاء واسعة من القارة، حيث شكل هذا المكتب -حسب ودادي- مركز انطلاق النشاط الفلسطيني إلى أفريقيا جنوب الصحراء، وكان أبا لجميع المكاتب التي أنشئت بعد ذلك في عواصم القارة.
ويؤكد الشيخ سيديا أن الرئيس ولد داداه قام بعدة حملات شعبية كبرى للتبرع لصالح الفلسطينيين؛ وألغى عنهم تأشيرة دخول موريتانيا وسهل لهم الولوج للجنسية الموريتانية مع نيلهم حقوق المواطنين الموريتانيين بمجرد الوصول.
وبدوره، يؤكد الكاتب الصحفي رياض أحمد الهادي للجزيرة نت أن موريتانيا قدمت في عهد ولد داداه الدعم السياسي والاقتصادي للفلسطينيين، كما قام بتنظيم ورعاية مؤتمرات وندوات في موريتانيا ودول أفريقية لتسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني وتعزيز التضامن الأفريقي مع القضية الفلسطينية.
ولد داداه كتب في مذكراته أن بلاده لعبت دورا أدى إلى قطع غالبية الدول الأفريقية علاقاتها مع إسرائيل (الفرنسية) مناهضة التطبيع في أفريقيايتحدث الرئيس الموريتاني عن الدور الذي لعبه في انحسار التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا، إذ يقول في مذكراته: "لعبت الجمهورية الإسلامية الموريتانية عام 1973 دورا في المسار الذي أدى إلى قطع غالبية الدول الأفريقية لعلاقاتها مع إسرائيل".
إعلانويكمل ولد داداه: "لقد عملت بلا كلل طيلة 20 سنة لشرح القضية الفلسطينية لنظرائي الأفارقة وخصوصا الناطقين بالفرنسية وهي مهمة لم تكن سهلة مطلقا نظرا لقوة الدعاية الإسرائيلية، بيد أنهم جميعا قد تفهموا مع طول الوقت القضية الفلسطينية وقبلوا معطياتها المتمثلة في الظلم السافر المثير للسخط الذي يعاني منه الفلسطينيون الرازحون تحت نير احتلال لا يرحم".
ويعتبر الدكتور محمد المختار أن الرئيس ولد داده حشد التأييد للقضية الفلسطينية في القارة الأفريقية من خلال الدفاع المستميت عنها في كل المحافل والمؤتمرات الأفريقية.
ويوضح أن جهود الرئيس تلك كانت الدافع الرئيسي وراء قطع 20 دولة أفريقية علاقاتها مع إسرائيل، وهي: غينيا، تشاد، مالي، النيجر، الكونغو برازافيل، بوروندي، زائير، توغو، نيجيريا، الكاميرون، ساحل العاج، السنغال، أنغولا، موزمبيق، إثيوبيا، بنين، كينيا، رواندا، بوتسوانا، الرأس الأخضر. ولم يبقَ لإسرائيل يومها تمثيل دبلوماسي في أفريقيا إلا في 5 دول هي: جنوب أفريقيا التي يحكمها نظام التمييز العنصري، ودول صغيرة هي ليسوتو، مالاوي، سوازيلاند، وموريشيوس".
ولد داداه (يسار) يرحب به موديبو كيتا رئيس مالي عام 1963 (الفرنسية) دور منظمة الوحدة الأفريقيةيرى الوزير ودادي أن تأسيسَ منظمة الوحدة الأفريقية عام 1963، التي كان الرئيس المختار أحد مؤسسيها، سهّل مهمته في حشد الدعم للقضية الفلسطينية، حيث صارت القمم والمؤتمرات الأفريقية منابر رسمية تُطرح فيها جميع القضايا، ومناسباتٍ يحضرها الصحفيون والمثقفون وصناع الرأي.
فطُرحت علنا القضية الفلسطينية بأبعادها السياسية وجذورها التاريخية وطبيعةِ إسرائيل العدوانية، مما ساهم في إنارة الرأي العام الأفريقي تجاه القضية.
وتؤكد حادثة يرويها ولد داداه في مذكراته إيمانه الكبير بمنظمة الوحدة الأفريقية، وأنه ربما كان أيضا أفريقيا أكثر من الأفريقيين، فقد رفض عام 1970 حضور حفل عشاء كبير نظمه الرئيس الأميركي نيكسون على شرف رؤساء الدول، ومُنح خلاله الرئيس الموريتاني مقعدا إلى جانب رئيس الولايات المتحدة. لكنه رفض الحضور احتجاجا على رفض نيكسون مقابلة الرئيس الدوري يومها لمنظمة الوحدة الأفريقية، رئيس زامبيا كينيث كاوندا.
إعلانويورد الرئيس المختار أنه كان الوحيد أيضا في هذا الموقف رغم الجهود التي بُذلت لثنيه، سواء من الوفد الموريتاني أو الوفود الأفريقية أو ممثلية الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، ويضيف: "قال لي بعضهم إن الجلوس إلى جانب الرئيس الأميركي قد ينال صاحبه وزنه من الدولارات، غير أني أعتبر أن الشرف والكرامة لا يُقدران بثمن".
ولد داداه يحضر قمة منظمة الوحدة الأفريقية في كمبالا في الثالث من أغسطس/آب 1975 (الفرنسية) تهاوي حجج إسرائيل في أفريقيايعتبر الوزير ودادي أن إسرائيل قدمت نفسها للدول الأفريقية في الستينيات، على أنها دولة صغيرة محاصرة من 100 مليون عربي، مما يجعلها جديرة بالعطف والتأييد، وفي الوقت نفسه دولة نموذجية للشجاعة والتنمية ينبغي لأفريقيا الاقتداء بها، خاصة في تقنياتها الزراعية واستخراج المعادن الثمينة، مع قدرتها على توفير الأمن للزعماء الأفارقة وامتلاكها أجهزة التجسس والتنصت المتطورة لحمايتهم.
لكن سنوات من الوجود الإسرائيلي المكثف -يضيف ودادي- أثبتت أن الخبراء الزراعيين الإسرائيليين في أفريقيا لم يفيدوا الزراع الأفارقة في شيء، بل تدهور الإنتاج في المناطق التي دخلوها، وتكشفت فضيحة سرقتهم للكثير من سلالات البذور الزراعية الأفريقية الشهيرة.
وحصل الأمر نفسه في مجال الثروة المعدنية، حيث تبين أنهم سرقوا الألماس وحولوه للصناعات الإسرائيلية التي أصبحت من أكثر مثيلاتها ازدهارا في العالم. أما الحراسات الشخصية فقد كانت غطاءً لإقامة شبكات تجسس، ولم تغنِ شيئا عن الانقلابات العسكرية، بل ساعدت في بعضها كما وقع في الكونغو وإثيوبيا وليبيريا".